مساعٍ لإنهاء خصام النسبية والكمومية من القطب الجنوبي
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
تخيل أنك داخل غابة كثيفة الأشجار، وتحاول التواصل مع شخص ما على الجانب الآخر، فمن المؤكد أن الموجات الصوتية قد تمتصها الأشجار أو تشوهها. لكنْ في كوننا السحيق تستطيع "النيوترينوات" (وهي جسيمات ليس لها شحنة كهربائية ولا كتلة لها تقريبا) السفر عبر الفضاء دون عائق، والمرور عبر كل شيء حتى تصل إلى الأرض حاملة معلومات من الأحداث الكونية البعيدة مثل انفجار النجوم أو اصطدام الثقوب السوداء.
وبينما يمكن لأجهزة الاستشعار مراقبة هذه "النيوترينوات"، فإن فريقا بحثيا من معهد نيلز بور بجامعة كوبنهاغن بالدانمارك، نجح في تطوير طريقة تستغل البيانات الخاصة برصدها من محطة رصد بالقطب الجنوبي لإثبات وجود ما يعرف بـ "الجاذبية الكمومية".
و"الجاذبية الكمومية" إطار نظري يسعى إلى توحيد نظريتين أساسيتين في الفيزياء هما: "ميكانيكا الكم" التي تصف سلوك الجسيمات عند أصغر المقاييس، و"النسبية العامة" التي تصف سلوك الجاذبية والزمكان على مقاييس كبيرة مثل النجوم والمجرات.
ويعتمد فهمنا للكون حاليا على هاتين النظريتين المنفصلتين، ومن ثم فإن توحيدهما تحت إطار نظري واحد مثل "الجاذبية الكمومية" من شأنه توفير فهم أكثر شمولا للفيزياء الأساسية.
والفكرة التي يقدمها الفريق البحثي من الدانمارك عبر هذه الدراسة المنشورة في دورية " نيتشر فيزكس"، أن رصد حدوث تغيّرات في نكهات هذه النيوترينوات خلال رحلتها في الفضاء السحيق، يشير إلى وجود قوة غير مرئية تؤثر فيها وهي "الجاذبية الكمومية".
والنيوترينو، هو في الواقع ثلاثة جسيمات تُنتَج معا، وهو ما يُعرف في ميكانيكا الكم بـ"التراكب"، ويمكن أن يكون له ثلاثة تكوينات أساسية يسميها الفيزيائيون بـ"النكهات"، وهي الإلكترون والميون والتاو.
وتنتقل "النيوترينوات" بين هذه الحالات أثناء سفرها عبر الفضاء، ويحدث هذا التحول بشكل متماسك يُعرف باسم "التماسك الكمي"، مما يسمح لمكونات النكهة المختلفة بالتداخل مع بعضها البعض.
وينكسر هذا التماسك في معظم التجارب المعملية على الأرض، وهي الحالة التي تعرف باسم "تذبذبات النيوترينو"، ويرجع ذلك لعدة أسباب هي:
التفاعلات البيئية: فحتى في البيئات المختبرية التي يُتحكم فيها بعناية، يمكن للنيوترينوات أن تتفاعل مع جزيئات أو مجالات أخرى موجودة في المناطق المحيطة، ويمكن لهذه التفاعلات أن تزعج الحالات الكمومية الدقيقة وتتسبب بكسر التماسك. الضوضاء والتقلبات: يمكن أن تؤدي التقلبات مثل درجة الحرارة أو الضغط أو المجالات الكهرومغناطيسية إلى إدخال ضوضاء إلى النظام، ويمكن أن يؤدي هذا الضجيج إلى تعطيل السلوك المتماسك للجزيئات ويسبب فك الترابط. تأثيرات القياس: غالبا ما تتفاعل النيوترينوات مع أجهزة القياس أثناء التجارب، ويمكن لهذه التفاعلات أن تزعج الحالات الكمومية للنظام، مما يؤدي إلى عدم الترابط.وعلى عكس هذه المعوّقات التي تؤثر في "التماسك الكمي" في الأرض، يبدو الوضع مختلفا في الفضاء لعده أسباب هي:
التفاعل الضعيف: فالنيوترينوات تتفاعل بشكل ضعيف جدا مع الجسيمات الأخرى مثل تلك الموجودة في الفضاء بين النجوم، ويقلل هذا التفاعل الضعيف من فرص حدوث اضطرابات خارجية تعطل التماسك الكمي للنيوترينوات أثناء رحلتها عبر الفضاء. انخفاض كثافة الجسيمات: ففي الفراغ الشاسع للفضاء فإن كثافة الجسيمات منخفضة للغاية، خاصة في المناطق الواقعة بين النجوم والمجرات، ومع وجود عدد أقل من الجزيئات التي يمكن التفاعل معها تقل احتمالية وقوع أحداث فك الترابط بشكل كبير. العزلة عن العوامل البيئية: تسافر النيوترينوات في فراغ الفضاء معزولة نسبيا عن العوامل البيئية التي يمكن أن تعطل التماسك، ويكون هناك حد أدنى من التأثيرات الخارجية مثل التقلبات في درجات الحرارة أو المجالات الكهرومغناطيسية، والتي يمكن أن تؤدي إلى عدم الترابط.وقادت المقارنة بين الحالة الأرضية والفضائية الفريق البحثي إلى القول إنه إذا رُصد أي تغييرات طفيفة في التماسك الكمي خلال رحلة النيوترينو في الفضاء، فإن ذلك يمكن أن يشير إلى أول دليل قوي على الجاذبية الكمومية.
وفي سعيهم للبحث عن هذه التغيرات الطفيفة في التماسك الكمي خلال رحلة النيوترينو في الفضاء، لجأ الباحثون إلى مرصد "آيس كيوب" بالقطب الجنوبي، وهو منشأة بحثية تُشغل من قبل جامعة ويسكونسن ماديسون بالولايات المتحدة، ويضم مركزا لدراسات النيوترينو شاركت في تأسيسه أكثر من 50 جامعة، من بينها جامعة كوبنهاغن التي ينتمي لها الفريق البحثي.
ووفق بيان صحفي أصدرته الجامعة بالتزامن مع نشر الدراسة، يُعد هذا المرصد مثاليا لدراسة النيوترينو لعده أسباب، منها:
مسار المراقبة الواضح: فالنيوترينوات محايدة كهربائيا وعديمة الكتلة تقريبا، وهذا يمكّنها من السفر عبر المادة -بما في ذلك الأرض- دون امتصاصها أو انحرافها بشكل كبير، وبالتالي يمكن للنيوترينوات القادمة من نصف الكرة الشمالي أن تخترق باطن الأرض وتصل إلى أجهزة الكشف في مرصد "آيس كيوب" دون تفاعل كبير، مما يوفر مسارا واضحا للمراقبة. غياب التداخل مع الغلاف الجوي: تواجه النيوترينوات القادمة من نصف الكرة الشمالي عوائق أقل أثناء انتقالها عبر الأرض مقارنة بتلك الموجودة في نصف الكرة الجنوبي، وذلك لأن الغلاف الجوي يكون أكثر كثافة قرب خط الاستواء وفي نصف الكرة الجنوبي بسبب توزيع اليابسة والمحيطات، مما يؤدي إلى زيادة التفاعلات وامتصاص النيوترينوات، وفي المقابل تواجه النيوترينوات القادمة من نصف الكرة الشمالي تداخلا أقل في الغلاف الجوي، مما يجعل اكتشافها أكثر موثوقية. العزل عن الضوضاء الخلفية: يوفر الموقع البعيد لمرصد "آيس كيوب" في القطب الجنوبي عزلة عن النشاط البشري والاضطرابات الجوية، مما يقلل من الضوضاء الخلفية التي يمكن أن تتداخل مع اكتشاف النيوترينو، وتعمل هذه العزلة على تعزيز حساسية المرصد للكشف عن الإشارات الخافتة الصادرة عن النيوترينوات القادمة من نصف الكرة الشمالي. حساسية الاتجاه: يسمح تصميم المرصد بتحديد الاتجاه الذي تنشأ منه النيوترينوات، ومن خلال تحليل اتجاهات وصول النيوترينوات المكتشفة، يمكن للعلماء استنتاج مصادر هذه النيوترينوات في نصف الكرة الشمالي، مثل الأجسام الفيزيائية الفلكية البعيدة أو الأحداث الكونية.وباستخدام مرصد "آيس كيوب"، حلل الباحثون البيانات لأكثر من 300 ألف نيوترينو. وعلى الرغم من عدم اكتشافهم أي تغيرات متوقعة تتعلق بالجاذبية الكمية، فإنهم نجحوا في وضع منهجية للتجارب المستقبلية تعتمد على استخدام بيانات النيوترينو للتحقيق في احتمال وجود الجاذبية الكمومية.
ويَعتبر توم ستوتارد الأستاذ المساعد بمعهد نيلز بور بجامعة كوبنهاغن دراستهم بمثابة "خطوة على الطريق"، قائلا في البيان الصحفي إنه "لسنوات عديدة شكك العديد من الفيزيائيين فيما إذا كانت التجارب يمكن أن تختبر الجاذبية الكمومية، ولكن دراستنا تبين أن ذلك ممكن بالفعل، ومع وجود أجهزة كشف أكثر دقة سيتم بناؤها في العقد المقبل، نأمل أن نتمكن من تحقيق ذلك".
وبدوره، يُثْني رئيس المركز المصري للفيزياء النظرية عبد الناصر توفيق على جهود الباحثين في هذا المشروع البحثي، واصفا -في حديث عبر الهاتف مع "الجزيرة نت"- تلك الجهود التجريبية بأنها تُكمل جهود الباحثين النظرية لوضع إطار نظري لـ"الجاذبية الكمومية".
ويقول توفيق إنه قدم في دراستين نشرهما بدوريتي "إنترناشونال جورنال أوف مودرن فيزكس" و"أسترونوميكال نوت"، محاولة لصياغة أساس رياضياتي لنظرية "الجاذبية الكمومية" وذلك بناء علي تقريب هندسي كمومي مبتكر، وكان يتمنى لو نجح الباحثون في هذه الدراسة الجديدة في العثور على إشارات تثبت وجودها.
ويعتقد أن هذا الجهد التجريبي الفريد يجب أن يحفّز الهمم ﻹنجاز الدراسات النظرية ذات الصلة وخاصة من قبل الباحثين والعلماء العرب.
ويضيف أنه "رغم عدم توصل الباحثين لاختراق مهم في رصد إشارات على وجود الجاذبية الكمومية، فإن المنهجية المستخدمة في الدراسة، تبشر بأنه يمكن أن يتم العثور على دليل عملي يؤكد وجودها في المسقبل القريب".
وعن أهمية إثبات وجود الجاذبية الكمومية يقول توفيق إن هناك عدة مزايا لذلك:
أولا: استكمال الإطار النظري لمنظومة العلوم الحديثة، حيث يَعتمد فهمنا للكون اعتمادا حصريا على نظريتين أساسيتين لكنهما منفصلتين ومختلفتين وغير متوافقتين بداية من الأسس التي بنيتا عليها، وهما ميكانيكا الكم والنسبية العامة، وعليه فإن توحيدهما فى إطار نظري واحد مثل "الجاذبية الكمومية" من شأنه أن يوفر فهما أكثر شمولا للفيزياء الأساسية. ثانيا: حل التناقضات النظرية، فعلي سبيل المثال، في قلب الثقب الأسود تتحدى الظروف القاسية فهمنا الحالي للفيزياء، ويمكن أن يساعد التوصل لنظرية للجاذبية الكمومية في حل هذه التناقضات والتي تنشأ عند محاولة تطبيق كل من ميكانيكا الكم والنسبية العامة على هذه الظاهرة المتطرفة. ثالثا: التنبؤ بظواهر جديدة، حيث يُتوقع للجاذبية الكمومية أن تبرز ظواهر وتأثيرات جديدة، وقد نتمكن من اختبارها من خلال تجارب معملية أو ملاحظات كونية، وإن اكتشاف هذه الظواهر يمكن أن يؤدي إلى العديد من الاختراقات في المجالات التكنولوجية، كما سيحسن فهمنا للطبيعة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات التی یمکن أن فی الفضاء التی ی
إقرأ أيضاً:
مسبار فضائي سوفياتي يسقط على الأرض.. ما أخطار نفايات الفضاء؟
مرت حادثة سقوط المسبار السوفياتي "كوسموس 482" على الأرض بسلام وأمان، كما كان متوقعا، لكنها كانت مناسبة للتحذير من خطر متزايد اسمه "النفايات الفضائية".
أطلق الاتحاد السوفياتي عام 1972 مسباره الذي صمم للهبوط على كوكب الزهرة في إطار السباق الفضائي مع أميركا إبان حقبة الحرب الباردة، لكن عطلا في الصاروخ الذي حمله أدى إلى فشل المهمة، مما تركه عالقا في مدار بيضاوي حول الأرض لأكثر من نصف قرن.
وخلال الـ10 أيام الماضية، كان هناك اهتمام عالمي بعودته للأرض، وذلك بعد أن كشفت محطات تتبع الحطام الفضائي حول العالم اقترابه من اخترق الغلاف الجوي للأرض، وسقط السبت العاشر من مايو/أيار الجاري فوق المحيط الهندي غرب جاكرتا بإندونيسيا، دون أن يتسبب في أي أضرار تذكر، كما كان متوقعا، وفقا لوكالة الفضاء الروسية روسكوزموس.
ورغم أن كل التوقعات كانت تشير إلى سيناريو السقوط الآمن لهذا المسبار، فإن الاهتمام بهذا الحدث يعكس قلقا مستمرا بشأن الأخطار التي قد يشكلها هذا النوع من الحطام الفضائي على البشر.
حطام متنوع الأحجاموالمركبات الفضائية القديمة أحد أنواع الحطام الفضائي، الذي يضم أيضا أي جسم صناعي تم إطلاقه إلى الفضاء ولم يعد قيد الاستخدام، مثل قطع ناتجة عن عمليات انفصال الصواريخ عن الأقمار الاصطناعية أو التصادم بين الأقمار الاصطناعية.
إعلانوتقدر وكالة الفضاء الأوروبية أن هناك 54 ألف جسم فضائي يزيد حجمه على 10 سنتيمترات، و 1.2 مليون يتراوح حجمه بين 1 سم و10 سم، و140 مليون جسم يتراوح حجمه بين 1 مم و1 سم.
ويقول الدكتور أحمد مجدي، أستاذ مساعد علوم وتكنولوجيا الفضاء بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، وعضو فريق مشروع إنشاء المحطة المصرية لرصد الحطام الفضائي والأقمار الاصطناعية في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "لم يتحول المسبار السوفياتي إلى هذا الحجم الصغير، الذي يزيد من فرص السقوط في أكثر من مكان حول العالم، وذلك بسبب مواصفات خاصة في تصنيعه، لكنها مناسبة جيدة للتحذير من خطورة الحطام الأصغر".
وعلى عكس حطام الصواريخ الذي يتفتت وينتشر على مناطق واسعة، فإن "كوزموس 482" مصنوع من التيتانيوم ومصمم لتحمل حرارة الدخول للغلاف الجوي لكوكب الزهرة، لذلك كان سقوطه كجسم واحد متوقعا، مما يقلل من خطر تناثر الحطام على مناطق مأهولة.
وقبل السقوط، كشفت مؤسسة "إيروسبيس كو أوبريشن" الأميركية -المعنية بتعزيز التعاون في مجالات الفضاء والطيران بين الحكومات والشركات وجهات البحث العلمي- عن أن احتمال إصابة أي فرد على الأرض بسبب هذا المسبار تكاد تكون معدومة، وتقدر بمعدل 0.4 في كل 10 آلاف، وهي نسبة تُعد آمنة عالميا، إذ تبقى احتمالية أن يُصاب شخص بصاعقة أكبر بكثير من أن يتعرض لإصابة بسبب سقوط "كوزموس 482".
ومع ارتفاع معدل الخطر في مناسبات أخرى لاختراق الحطام الفضائي للغلاف الجوي للأرض، وذلك بسبب احتمالات تفتته لقطع صغيرة، فإن الواقع يشير إلى أنه حتى مع تلك المعدلات، فإن حوادث تضرر البشر من سقوط هذا الحطام الفضائي محدودة للغاية.
وتاريخيا، لا توجد سوى حادثة واحدة أصابت فيها قطعة من الحطام الفضائي شخصا بشكل مباشر، وكان ذلك عام 1997 في أوكلاهوما بالولايات المتحدة، وعرفت باسم "حادثة لوتي وليامز"، وكانت القطعة صغيرة وخفيفة، بحجم اليد تقريبا، وتبين أنها جزء من خزان صاروخ "دلتا 2″، وهو نظام صواريخ أميركي متوسط الحمولة، استخدمته وكالة ناسا وسلاح الجو الأميركي لإطلاق الأقمار الصناعية والمهمات الفضائية بين عامي 1989 و2018، ولم تُصب لوتي بأي أذى يُذكر، واقتصر الأمر على صدمة خفيفة.
إعلانأما الحادثتين الأخريين، فكانتا عام 2022 حين سقطت أجزاء كبيرة نسبيا من صاروخ "فالكون 9″، التابع لشركة "سبيس إكس الأميركية، مثل ألواح حرارية وهياكل معدنية، في منطقة نائية في أستراليا، ولم يصب أحد، لكن كان هناك قلق من حجم وسرعة القطع.
وفي عام 2020، سقط جزء من صاروخ صيني "لونج مارش فايف بي" غرب أفريقيا، وأصابت بعض الشظايا المعدنية الضخمة قرى بساحل العاج، ورغم الأضرار المادية (تدمير بعض المنازل)، فلم تُسجل إصابات بشرية.
والتفسير العلمي لندرة حوادث الارتطام، رغم تقرير وكالة الفضاء الأوروبية الذي يشير لكثرة الحطام الفضائي، هو أن "معظم سطح الأرض غير مأهول، إذ إن نحو 71% مغطى بالمحيطات، وحتى على اليابسة، توجد مساحات شاسعة غير مأهولة بالسكان (كالصحارى، والغابات، والجبال)"، كما يوضح مجدي.
ويضيف: "لكن هناك مخاوف من أنه مع تزايد الأنشطة الفضائية قد يتجاوز عدد الحطام الإحصائية التي أشارت لها الوكالة الأوروبية، وهو ما يزيد من احتمالات وصوله للمناطق المأهولة".
ويرتبط بهذا الخطر تحد آخر، وهو أنه عندما تعود الأجسام الفضائية (مثل الصواريخ أو أجزاء الأقمار الصناعية) إلى الأرض بطريقة غير مُتحكم بها، فإنها قد تمر عبر الأجواء التي تستخدمها الطائرات المدنية، مما يشكل خطرا -وإن كان ضئيلا- بوقوع اصطدام.
وتشير دراسة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" -نشرتها دورية "ساينتفيك ريبورتيز" في يناير /كانون الثاني الماضي- إلى أنه في المناطق ذات الكثافة الجوية العالية جدا (مثل المطارات الكبرى) هناك احتمال بنسبة 0.8% سنويا أن تتأثر هذه الأجواء بسقوط جسم فضائي غير مُتحكم به.
ويرتفع هذا الاحتمال إلى 26% سنويا في المناطق الجوية الأوسع ولكن لا تزال مزدحمة، مثل شمال شرق الولايات المتحدة، وشمال أوروبا، والمدن الكبرى في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
إعلانوالمعضلة التي تواجه السلطات هي أنه إذا أغلقت السلطات المجال الجوي مؤقتا خلال عملية دخول جسم فضائي غير متحكم به، فإنها تقلل خطر الاصطدام، لكن في المقابل، تؤدي هذه الإغلاقات إلى تأخيرات مكلفة اقتصاديا في حركة الطيران، لذلك، تقف السلطات أمام معضلة: هل تحمي السلامة وتغلق المجال الجوي؟ أم تتجنب الخسائر الاقتصادية وتتركه مفتوحا؟
والحل المثالي هو التأكد من أن كل عمليات العودة إلى الأرض تتم بشكل مُتحكم فيه، وتوجيهها إلى المحيط، لكن الدراسة تعترف بأنه حل غير واقعي بسبب وجود أكثر من 2300 جسم صاروخي حاليا في المدار ستعود جميعها بشكل غير مُتحكم فيه يوما ما.
والنتيجة أنه ستستمر هذه المخاطر لعقود قادمة، وستظل سلطات الطيران المدني تواجه قرارات صعبة في كل مرة يحدث فيها سقوط غير مُتحكم به لجسم فضائي.
وبالإضافة لهذه الأخطار، هناك خطران آخران للحطام الفضائي، يتجاوزان نسبة حدوث أخطار إصابة البشر على الأرض والطائرات المدنية في المجال الجوي، إذ يتعلقان بالتأثير السلبي المحتمل للحطام على رواد الفضاء والأقمار الاصطناعية.
ويقول مجدي إن "أحد الأخطار الرئيسية المرتبطة بالحطام الفضائي هو التصادمات التي قد تحدث مع الأقمار الاصطناعية العاملة، وهذه التصادمات لا تسبب فقط أضرارا مباشرة للأجهزة الفضائية، بل تؤدي إلى توليد مزيد من الحطام".
ووفقا للوكالة الأوروبية للفضاء، تم تسجيل أكثر من 650 حادثة تفكك أو تصادم أو انفجار أو حادثة شاذة أخرى في المدار منذ بداية عصر الفضاء في عام 1957، ومن بين هذه الحوادث، وقعت 7 تصادمات مؤكدة بين أقمار صناعية أو أجسام فضائية أخرى، مما أدى إلى توليد كميات كبيرة من الحطام الفضائي.
وأحد أبرز هذه التصادمات وقع في فبراير/شباط 2009، عندما اصطدم القمر الصناعي الأميركي العامل "إيريديوم 33" بالقمر الصناعي الروسي غير النشط "كوزموس 2251" على ارتفاع 789 كيلومترا فوق سيبيريا، و أسفر هذا التصادم عن تدمير كلا القمرين الصناعيين وتوليد أكثر من 1800 قطعة من الحطام القابل للتتبع.
إعلانبالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك نحو 12 تصادما صغيرا يحدث سنويا في المدار، مما يعكس التحديات المتزايدة في إدارة حركة المرور الفضائية.
والتأثيرات خارج حدود الأرض تشمل أيضا المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها رواد الفضاء، ويشير تقرير لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" عام 2022 إلى أن هناك خطرا متزايدا على رواد الفضاء بسبب الحطام الفضائي.
ووفقا للتقرير، فإن أكثر من 100 مليون قطعة بحجم حبة الملح، يمكن أن تثقب بدلة الفضاء، وأكثر من 500 ألف قطعة بحجم كرة زجاجية، كبيرة بما يكفي للتسبب في أضرار للمركبات الفضائية، وخاصة خلال عمليات السير في الفضاء.
إدارة الحطام الفضائيوللتعامل مع خطر الحطام الفضائي، فإن البداية تبدأ من تحسين الرقابة والإنذار المبكر، عبر التوسع في إنشاء محطات رقابة الحطام الفضائي، ومنها أكبر محطة في الشرق الأوسط، ستبدأ عملها في مصر قريبا، بتعاون مصري صيني.
ويقول مجدي، وهو عضو في مشروع إنشاء هذه المحطة، إن "هذه المحطات تمثل جزءا من أنظمة الإنذار المبكر التي تتيح تحديد موقع الحطام وتحذير المشغلين حول أي تهديدات محتملة".
ويضيف أنه "بعد رصد التهديدات عبر محطات تتبع الحطام، ستسعى وكالات الفضاء للتعامل معها، باستخدام تقنيات يجري تطويرها بهدف إزالة هذه القطع من المدار، فعلى سبيل المثال، تطور ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، روبوتات فضائية تستخدم تقنيات مثل الشبكة أو الرمح، لالتقاط القطع الفضائية، ثم سحبها إلى المدارات المنخفضة حيث يمكن أن تدخل الغلاف الجوي وتتفكك".
وإلى أن تثبت تقنيات إدارة الحطام الفضائي فعاليتها، فإن سقوط "كوسموس 482″، رغم أنه مر بسلام، فقد قرع جرس إنذار لمجتمع الفضاء الدولي، مفاده أنه: "إذا كان خطر إصابة البشر على الأرض بالحطام الفضائي منخفضا جدا في الوقت الراهن، فإن الاستمرار في تجاهل هذه المسألة قد يؤدي إلى سيناريوهات أكثر خطورة في المستقبل، سواء على الأرض أو في الفضاء نفسه".
إعلان