لجريدة عمان:
2025-07-05@11:00:06 GMT

ذكريات نائمة

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

ذكريات نائمة

مع كل كتاب جديد له، أقول لنفسي: يكفي ما قرأته لباتريك موديانو إلى الآن. فالكاتب الفرنسي يرافقني منذ عام 1984 حين اكتشفته للمرة الأولى، عبر عمله «دفتر العائلة». وفي كلّ مرة، «أخون» وعدي، وأعود إلى أدبه ثانية (وربما عاشرة)؛ كأنني لم أكتف بعد. كأن ثمة شيئا يجرني دوما، لأعود وأقرأ... وأكتب عنه. لا يمثل الأمر اكتشافا جديدا بالطبع، بل هي الرحلة التي تأبى أن تتوقف وترغب في أن تستمر مع كل كتاب له.

ما يأخذني إليه هذه المرة، الترجمة العربية الصادرة حديثا عن «دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات في القاهرة» لروايته «ذكريات نائمة» (نقلها إلى العربية لطفي السيد منصور) وفيها نقع مجددا على كلّ «التوابل» التي شكلت عوالم أدب حائز نوبل للآداب عام 2014، وأقصد تلك المناخات التي لا يتوقف عن الرجوع إليها: شوارع باريس ومقاهيها وبعض تفاصيل حياتها الصغيرة، المستلّة من ذاكرة الكاتب، لحظتي الطفولة والشباب. وعبر هذه اللحظات، يعيد ترميم صور أشخاص وذكراهم وربما ذاكرتهم أيضا.

بهذا المعنى، يمكن لنا أن نقول: إن ليس مارسيل بروست فقط، من حاول البحث عن الزمن الضائع. موديانو أيضا، ينتمي إلى هذه الفئة من الكتّاب الذين يرفضون موت الماضي، فيما لو جاز القول؛ إذ إن رواياته بأسرها ليست سوى هذا البحث عن ذاك الزمن الذي مضى، ذاك الزمن الضائع في ثنايا الذاكرة؛ من هنا تأتي الكتابة، وكأنها تحاول انتشالها من الموت، أي من النسيان، وكأن النسيان هو صنو للموت، إن فقدنا الذاكرة. كل كتب باتريك موديانو مليئة بهذه الذاكرة التي تهمس له، وبالتالي لنا، لا لكي يلاحقها وحده، بل لكي نلاحقها معه أيضا. فالذكريات ليست استثناءً. الذكريات التي تهرب، تعود إلى الظهور، وتترك عند الكائن أمرا مزعجًا بسبب عدم اكتمالها؛ هل لذلك يعود الكاتب إليها، وكتابتها، كي يحاول أن يجد لها اكتمالا ما؟

من دون شك، يثير عنوان «ذكريات نائمة»، الكثير من... الذكريات! غالبا ما تنام الذكريات بخفة؛ يتمّ إيقاظها، إحياؤها من دون أي شيء تقريبًا: لقاء قصير عابر، رائحة ما، محطة مترو تعيدنا إلى الماضي الذي يندمج في سديم الزمن.

في تجواله في شوارع باريس، يجد الكاتب الفرصة مع «ذكرياته النائمة» ليحاول أن يتذكر تلك اللقاءات الحقيقية -كما تلك التي فاتته- مع بعض النساء اللاتي سبق وأن التقى بهن في حياته؛ نساء لا يستطيع نسيانهن، وهذا خطأ الذاكرة التي لا تحتفظ إلا ببعض الشظايا الصغيرة، والتي تأخذه، بشكل خاص، إلى أيام طفولته الماضية، إلى حياته كشاب بالغ في فترة العقدين اللذين تليا الحرب العالمية الثانية، إلى الزمن الذي لم يكشف فيه والداه -الحاضران/ الغائبان في الوقت عينه في جميع كتبه لابنهما، عن أي سرّ من أسرارهما، ما ولّد عنده، وإلى الأبد، ومن دون أي لحظة شكوكية، بحثا لا نهاية له، عن هوية ضائعة.

«كان والداي غائبين، فوالدي كان مشغولا بأعماله، بينما كانت والدتي تؤدي مسرحية في مسرح بيجال»... وبعد أسطر قليلة يضيف: (كنت أنتظر ابنة ستيوبا على الرصيف، أمام البناية التي تقيم بها، دون معرفتها.... كنت أتمنى أن تعطيني توضيحات ربما تساعدني على فهم والدي بشكل أفضل، وهو شخص مجهول يسير بجانبي في صمت، على طول ممرات متنزه «غابة بولونيا»... وكنت على يقين من أنها تعرف أكثر قليلا مما أعرفه)...

من خلال نماذج تلك النساء اللاتي يبحث عنهن، يدخل موديانو أيضا في عملية البحث عن والديه. لذلك يبدو وكأن هوسا ما يرافقه ويدفعه إلى العثور على نفسه -بالدرجة الأولى- من خلال ذكرياته؛ وهذا ما يجعله يبدو وكأنه يعيد كتابة الكتاب نفسه مرارًا وتكرارًا. بيد أن تجواله وسعيه في كلّ مرة يتخذ مسارات مختلفة، كما هو الحال هنا، ذكرى النساء اللاتي التقى بهن، ليقدم وجهات نظر مختلفة، تقع ما بين الحلم والواقع؛ هي أيضا، وجهات نظر عن مدينة باريس ولكنها لا تزال مجهولة، للقارئ وله بطبيعة الحال، وهذا ما يخلق بالتالي مع مرور الوقت، عبر عملية هذه العودة الاستبطانية الأبدية، عملا فريدا وجميلا.

«ذكريات نائمة»، ليست فقط عملية بحث عن أشخاص، بل هناك بحث عن كتاب مفقود، نافد، لم يكن يجد نسخة منه، قبل أن ينجح في مساعيه: «في هذه المكتبة وجدت هذا الكتاب الذي جعلني أفكر كثيرا»: «العود الأبدي لنفس الشيء».... مع كل صفحة كنت أقول لنفسي: لو أمكننا أن نعيش الأوقات نفسها، وفي الأماكن نفسها، وفي الظروف نفسها التي مررنا بها من قبل، ولكن نعيش بشكل أفضل بكثير من المرة الأولى، من دون الأخطاء والعقبات والعوائق... سيكون الأمر أشبه بنسخ مخطوطة مغطاة بالشطب»...

ربما تختصر هذه الجملة مشروع الذاكرة عند موديانو: العودة إلى الماضي من أجل «تنظيفه» من الأخطاء، من أجل «شطب» كل ما أحاله إلى ماض متسخ. (علينا أن لا ننسى طفولته والحرب العالمية الثانية، وباريس تحت الاحتلال النازي وما نتج عن ذلك من أمور عديدة).

أمام ذلك كله لا بدّ أن نسأل: هل ما يكتبه موديانو هو تاريخ عام؟ أم استحضار واستدعاء لتاريخ شخصي؟ أم ثمة شهادة يرغب في تركها لقارئه؟ كلّ الأجوبة محتملة في هذا النص الصغير (60 صفحة) الذي سيترك عندنا متعة الفوز بسعي الراوي ومسعاه لإيجاد ماضيه، لا بالقصة والشخصيات. كذلك من خلال كتابته بأسلوب بسيط، يلعب دوره في خدمة ذاكرة الراوي الفاشلة لدرجة أن القارئ لا يمكنه إلا أن يسمح لنفسه بالانجراف في القراءة مع المتعة.

هذه المتعة التي تشبه الموسيقى، تلك التي أسماها ذات يوم الروائي الإيطالي أليسندرو باريكو «الموسيقى البيضاء» (حين وصف روايته «حرير»). هي فعلا وقبل أي شيء هذه الموسيقى الصغيرة الناعمة المنسابة التي تهدهدنا والتي «تصف» جيدا باريس الستينيات (من القرن الماضي).

في لحظة من الرواية يقول الراوي ما معناه أنه سجل بدقة، في دفتر ملحوظاته الاجتماعات التي لا مستقبل لها، وحدد الموقع الدقيق لهؤلاء الأشخاص المجهولين والمظهر الجسدي لهم. وبالتالي فإن باريس مليئة بالنقاط العصبية والأشكال المتعددة التي يمكن أن تتخذها حياتنا.

فعلًا، فما يفعله الكاتب هنا، هو هذه الدقة، في كتابة كل شيء بحبر أزرق في دفتر ملحوظاته، ليأخذ بحثه عن الوقت مظهر شهادة الحياة.

باختصار، نحن أمام شذرات صغيرة من حياة، مثل أوراق متناثرة على مكتب من دون أن نتمكن حقًا من فهم الراوي والقبض عليه، لأنه يبدو غير مبالٍ بحاضره.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من دون

إقرأ أيضاً:

تشبه نجمات الزمن الجميل.. إطلاله ساحرة للإعلامية أسما إبراهيم

 

أبهرت الإعلامية أسما إبراهيم جمهورها بإطلالة ساحرة وجريئة خلال أحدث جلسة تصوير لها، ظهرت فيها بفستان أسود أنيق مكشوف الظهر، مع لمسات كلاسيكية أعادت للأذهان أجواء نجمات الزمن الجميل.

 

وظهرت أسما في الصورة التي نشرتها عبر حسابها الرسمي على إنستغرام، بتسريحة شعر مرفوعة وأحمر شفاه داكن زاد من قوة الإطلالة، ونسّقت معها قفازات جلدية طويلة وأقراطًا بارزة، ما منحها طابعًا فنيًا راقيًا جمع بين الجرأة والرقي.

وقد نالت الصورة تفاعلًا واسعًا من المتابعين الذين أشادوا بجمالها وجرأتها في اختيار الإطلالات، حيث علّق البعض بأنها "تشبه لقطة من فيلم كلاسيكي"، فيما وصفها آخرون بأنها "أيقونة أناقة بصبغة عصرية".

وتُعرف أسما إبراهيم بجرأتها في اختياراتها سواء في إطلالاتها الإعلامية أو جلسات التصوير، إلى جانب حضورها القوي في البرامج الحوارية التي تقدمها، وكان آخرها برنامجها الشهير "حبر سري" الذي حقق نسب مشاهدة مرتفعة واستضاف كبار النجوم.

مقالات مشابهة

  • أمهات فوق الأربعين .. نجمات تحدّين الزمن وحققن حلم الأمومة
  • لماذا ننسى ذكريات الطفولة المبكرة؟
  • الحملة ضد جبريل ومناوي الفعل الخطأ في الزمن الخطأ
  • نومة الأطفال في الزمن الجميل
  • بعد تدخل السيد عامل الحوز والي مراكش بالنيابة لتعزيز النظافة بمراكش هل يتدخل أيضا لإنهاء الوضع الكارثي للنظافة بجماعة تمصلوحت :
  • حريق بشنين: النفايات تشتعل… والسياسة أيضاً!
  • تشبه نجمات الزمن الجميل.. إطلاله ساحرة للإعلامية أسما إبراهيم
  • ذكريات من زمن فات
  • حين يتحول الضابط إلى خلية نائمة: ماذا تقول لنا قضية أمجد خالد؟
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!