لجريدة عمان:
2025-05-23@04:14:22 GMT

مقاومة التعصب

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

«التعصب» مفهوم واسع يشمل السلوك الشخصي للفرد ومواقفه ومعتقداته الشخصية، ويشمل أيضًا سلوك ومعتقدات الشعوب والأمم، وبالتالي تصوراتها عن غيرها من الشعوب. وما يهمنا في هذا المقال هو ذلك الجانب العام الذي يتبدى في الواقع السياسي والاجتماعي ويشكل سلوك التعصب لدى الجماعات والشعوب. هذا التعصب يكون وليد صور ذهنية لدى شعب إزاء شعوب وأعراق أخرى، وهذه الصور الذهنية المتوارثة قد لا يكون لها أساس من الصحة في كثير من الأحيان؛ لأنها لم تخضع للاختبار والتحقق أو حتى التساؤل.

تتسع هذه العنصرية وتتمدد لتشمل معظم الشعوب: ففي فترة الحرب العالمية الثانية كان الأمريكان واليابانيون ينظر أحدهما إلى الآخر باعتباره وحشًا شريرًّا، كما أن الصينيين وشعوب دول أخرى كانت تزدري وتكره اليابانيين بسبب المجازر الوحشية التي ارتكبوها في حربهم على الصين.

هشاشة التصورات التي تدعم التعصب، يرجع إلى كونها غير مدعومة بالوقائع أو الحقائق التاريخية. وهذا ما لاحظه المفكر والسياسي الياباني دايساكو إكيدا في كتابه أو مذكراته التي تحمل عنوان «في يديك تغيير العالم»، وهو يبين ذلك من خلال روايته لحواره الممتد مع المفكر الكبير والمؤرخ الشهير أرنولد توينبي: يروي توينبي أنه ذهب إلى بلدة تركية عانى أهلها من العدوان الوحشي في حرب اليونان على الأتراك، ولكن الغرب لم يذكر شيئًا عن فظاعة المآسي التي سببها هذا العدوان؛ فنشر توينبي مقالًا عن ذلك مدعومًا بالوقائع التي شهدها وجمعها. ولكن لأن الصورة الذهنية السائدة عن الأتراك هي أنهم شعب همجي غير متحضر، وهي صورة قد ترسخت بعد المذابح التي ارتكبها الأتراك في محاولتهم إبادة الأرمن سنة 1915؛ فقد قوبلت الجريدة وصاحب المقال بعاصفة من النقد والتجريح، بل إن توينبي نفسه قد أُقيل من جامعة لندن باعتباره داعمًا للأتراك سيئي السمعة، ما اضطره إلى أن يتكسب قوته من كتابة المقالات في الصحف كمراسل بلا عمل رسمي. ولهذا يرى إكيدا أننا لا ينبغي أن نعتمد على المعلومات التي تأتينا من الغرب؛ لأن رؤية الأشياء من منظور غربي لا يعطينا صورة حقيقية عن العالم، فنحن ينبغي أن نرى العالم أيضًا من وجهة نظر الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، ومن خلال عيون الأقليات العرقية المختلفة. (ص. 51)

والواقع أن هذه التصورات الخاطئة تؤسس للتعصب في كل مكان، وهو ما وجدناه بوجه خاص في مواقف الغرب الداعمة لإسرائيل في حربها الوحشية الحالية على غزة. ولهذا فإن هذه المواقف يمكن أن تتبدل حينما تحدث زعزعة لهذه التصورات. وهذا هو بالضبط ما حدث خلال نصف عام فقط، فقد ساهم الإعلام غير الرسمي (من خلال منصات التواصل الاجتماعي) في تغيير الصورة الذهنية الشائعة عن الحرب التي تُظهِر المقاومة الفلسطينية باعتبارها المعتدي الهمجي الوحشي على الإسرائيليين المسالمين، ولا تبين أن هذه المقاومة هي دفاع عن أرض مسلوبة وشعب مستضعف يُباد الآن بالسلاح والتجويع! كشف الإعلام غير الرسمي عن هذه الحقائق، فبدأت الصورة الذهنية عن الأحداث تتغير، ومن ثم بدأت المواقف في التغير، وبدأت جموع حاشدة من الجماهير في شتى بقاع العالم تخرج في مظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي، ما شكل ضغطًا على سياسات الدول المؤيدة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

ينبغي إذن على كل من يتوخى الحقيقة الواقعية أن يلجأ إلى الواقع نفسه، وأن يسائل نفسه: هل يمكن أن أتقبَّل التقارير غير المؤكدة وأن أنشرها كمعلومات؟ وهل أسمح لنفسي بذلك أن أكون منحازًا؟ هل يمكن أن أقبل تقارير- من غيري أو قدمتها بنفسي- لا تستند إلى مشاهدات من وقائع الأحداث، ولقاءات مباشرة مع البشر الذين يعايشون هذه الأحداث ويعانون منها؟ ولكن هذه المساءلة هي مساءلة أخلاقية تطالبنا بالموضوعية والنزاهة، كما أنها تطالبنا بتغيير رؤيتنا للعالم ولأنفسنا، بحيث نتعلم أن ننصت لوجهة نظر الآخر، وأن نفترض دائمًا بأن هناك وجهة نظر أخرى، والأهم من ذلك أن نؤمن بأن «الآخر» يشترك معي دائمًا في الإنسانية: فقد أكون أمريكيًّا أو إنجليزيًّا أو ألمانيًّا أو تركيًّا أو يابانيًّا أو فلسطينيًّا؛ ولكني لو استبعدت الجنس والعرق والدين، فسوف أجد أن كل هؤلاء وغيرهم هم البشر أنفسهم الذين يشتركون في الإنسانية. وهذا أشبه ما يكون بالدعوة إلى توخي الحكمة الهندية القديمة التي طالما رددها شوبنهاور في فلسفته، والتي تقول: «ذاك هو أنت».

ويبدو أن إكيدا يتبنى موقفًا مشابهًا يقوم على أساس فلسفي أخلاقي، أي على تغيير يحدث في باطننا وفي رؤيتنا للعالم وللآخرين. ولهذا نجد أن إكيدا يؤكد هذا الموقف، وهو ما يتبدى بوضوح في قوله التالي (ص54-55) الذي يمكن أن نختتم به مقالنا:

«عندما نتوقف عن أن ننظر لأنفسنا، عندما لا نسائل أنفسنا، نصبح شديدي الثقة بأنفسنا، ودوجماتيين، متعصبين. معالجتنا للموضوع تصبح أحادية الاتجاه لا تستطيع سماع الآخرين، ويصبح الحوار الحقيقي مستحيلًا.

الحوار الذي يمكن أن يخلق سلامًا مع الآخرين، يجب أن يبدأ «بحوار داخلي» منفتح وجدي.

كلنا مواطنون على هذه الأرض: فإذا فكرنا في الموضوع، نجد أن الناس لم يُولدوا أتراكًا أو أمريكيين، ولم يُولدوا فلسطينيين أو يهود. هذه مجرد أدوات للتعريف».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الوزير كريم زيدان: أحترم مصطفى لخصم لكن لا يمكن تطبيق أفكار خارجية في المغرب (فيديو)

قال كريم زيدان، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، إنني أحترم مصطفى لخصم، لكن لا يمكن تطبيق أفكار خارجية في المغرب.

وتعليقا على متابعة لخصم في حالة سراح على خلفية شكاية من طرف أربعة مستشارين بمجلس جماعة إيموزار كندر، « تتهمه باختلالات في التدبير »،  أكد الوزير زيدان في لقاء نظمته مؤسسة الفقيه التطواني، حول ملفات تهم القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أن دافع لخصم يبقى هو الغيرة على الوطن أولا وأخيرا، وذلك في إشارة للمواقف التي يعبر عنها مؤخرا.

لكن زيدان عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، عاد ليستدرك  أنه حسب قناعته الشخصية، لا يمكن الإتيان بفكرة من الخارج ليتم تطبيقها 100 في المائة بالمغرب، أو العكس.

وشدد وزير الاستثمار، على أن أي فكرة أو تصور أو توجه لا بد له من تكييف، معيبا على لخصم  طريقة تدبيره للشأن المحلي، قائلا: « ممكن للخصم أن ينجح في ألمانيا لكن المغرب له خاصيته، لا بد للإنسان أن يعرف أن المغرب له ركائزه وسياسته، وتوجهاته تختلف عن توجهات دول أخرى.

 

 

كلمات دلالية اختلالات الاسثمار المحكمة المنع من السفر ايموزار جرائم الأموال فاس قاضي التحقيق كريم زيدان كفالة مصطفى لخصم

مقالات مشابهة

  • قاضية أمريكية توقف خطة ترامب لتقليص الحكومة: لا يمكن تجاوز الكونجرس
  • دينا فؤاد: غزل شخصية أساسية في حكيم باشا ولا يمكن الاستغناء عنها
  • هل الخرف يمكن أن يظهر لدى الأطفال؟.. دراسة جديدة تفجر مفاجأة
  • هل يمكن لفنجان من الشاي أو القهوة أن يحمي من السكري وأمراض القلب؟
  • هل يمكن إلغاء الخروج النهائي بعد تصحيح وضع العامل المنزلي؟.. توضيح من الجوازات
  • جوارديولا عن رحيل نجم السيتي: لا يمكن تعويضه
  • فوائد كبيرة يمكن تحقيقها بمجرد الإقلاع عن التدخين.. استشاري يوضح
  • الوزير كريم زيدان: أحترم مصطفى لخصم لكن لا يمكن تطبيق أفكار خارجية في المغرب (فيديو)
  • قيادة أمريكية تُقر: القوات اليمنية تهديد جاد يتطور ولا يمكن الاستهانة به
  • روبيو: مطالب أوكرانيا لا يمكن تحقيقها عسكريا