شمسان بوست / متابعات:

يونشيانغ: سيادة المبعوث، مع دخول الصراع في اليمن عامه العاشر، كيف تقيمون الوضع الحالي؟ ما هو التقدم الذي تعتقد أنه تم إحرازه خلال السنوات التسع الماضية، وما هي التحديات الرئيسية التي لا تزال قائمة؟

غروندبرغ: أولاً وقبل كل شيء، وأعتقد أن هذا أمر بديهي، فإنني أتعامل مع الوضع الحالي بمزيج من القلق والعزيمة.

والقلق بالتأكيد مرتبط بعدم الاستقرار الأوسع الذي شهدناه في الشرق الأوسط حتى الآن. وتأثير ذلك على مجال الوساطة، وإمكانية تحقيق انفراجه في اليمن. لكن العزيمة لا تزال قائمة، وذلك بفضل حقيقة أن مسارنا عندما يتعلق الأمر بالهدف طويل المدى من أجل اليمن لا يزال قائما.

لقد كان هدفنا وسيظل دائمًا تحقيق عملية سياسية تحقق تسوية الصراع في اليمن على أساس طويل الأمد. لذا تلك العزيمة لا تزال موجودة بالتأكيد. ومع ذلك، كلما طالت مدة التعقيدات الحالية، زاد خطر أن يصبح حل الأوضاع أكثر صعوبة. ولهذا السبب، أعتقد أنه من المهم للجميع أن يذكروا أنفسهم بالتقدم الذي أحرزناه حتى الآن. ونحن، كما ذكرت، ندخل في العام العاشر للنزاع في اليمن.

ومنذ حوالي عامين، اتخذت الأطراف في اليمن خطوة أولى شجاعة للغاية في الاتفاق على هدنة ظلت صامدة إلى حد كبير طوال العامين الماضيين. لقد شهدنا انخفاضًا في أعمال العنف داخل اليمن إلى مستوى غير مسبوق. وعلى الرغم من بعض الحوادث المثيرة للقلق، ظل الوضع على الجبهات العسكرية داخل اليمن مستقرا. وقد أتاحت هذه الهدنة في حد ذاتها إمكانية إجراء مناقشات جادة وملموسة بيني وبين الأطراف، وكذلك أيضًا بين الأطراف أنفسهم، وأيضًا بين الأطراف والمنطقة، كانت هناك مناقشات جادة وملموسة حول مسار واقعي نحو تسوية الصراع في اليمن.

على إثر ذلك، وبفضل الدعم الملحوظ من المنطقة، من عُمان والمملكة العربية السعودية، وافقت الأطراف، على مجموعة من الالتزامات بحلول نهاية عام 2023، التي من شأنها أن تشكل أساسًا لخارطة طريق الأمم المتحدة، والتي من خلال تنفيذها ستقود إلى وقف حقيقي لإطلاق النار وإلى عملية سياسية. هذا التقدم ليس بالشيء الهين، فهو تقدم جاد، أو حزمة من التقدمات في سياق تطورات النزاع في اليمن، ولا ينبغي إغفالها. ولا ينبغي لهم تجاهلها أيضاً.  نحن بحاجة إلى بذل كل ما في وسعنا للتأكد من إمكانية الاستفادة من هذا التقدم، والتأكد من أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى التقدم الذي يحتاج إليه الشعب اليمني.

ومن أجل تحقيق هذا التقدم، أعتقد أنه في ظل الوضع المعقد الحالي، هناك ثلاثة أشياء ستكون حاسمة للغاية: الأول هو ضرورة وجود استقرار على نطاق أوسع، أعني استقرار أوسع في الشرق الأوسط. وسيسمح ذلك أيضًا للأطراف، وكذلك للمجتمع الدولي، بإعادة التركيز وإعادة الانخراط في التسوية طويلة المدى للنزاع في اليمن. وبالمثل، وهذا، أعتقد، مهم بالتساوي، هذا ليس الوقت المناسب للأطراف لاستخدام الوضع الحالي لتصعيد الأمور داخل اليمن. نحن بحاجة للحفاظ على الاستقرار أو وقف الأعمال العدائية التي شهدناها داخل اليمن. يجب الحفاظ على ذلك بينما نعمل على تحقيق التقدم وعلى تحقيق انفراجه. وأخيرا، أعتقد أن قنوات الاتصال التي كانت مفتوحة وعلى نطاق واسع، بحاجة إلى أن تظل كذلك قدر الإمكان،  إذا أردنا التأكد من أننا سنستطيع تحقيق ما حددناه سلفًا. 

يونشيانغ : في الآونة الأخيرة، شهدت منطقة البحر الأحمر سلسلة من الحوادث الأمنية، بما في ذلك الهجمات على ناقلات النفط، وسط تداعيات النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، مما أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة. في ظل هذا الوضع الأمني المتوتر بشكل متزايد، والذي يثير المخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي، كيف تقيمون تأثير هذه الأحداث على النزاع في اليمن؟ علاوة على ذلك، كيف يمكن أن تؤثر هذه التطورات على جهود الوساطة؟ وما هي التدابير التي تعتقد أنه ينبغي اتخاذها لتخفيف التوترات في منطقة البحر الأحمر، مما قد يفيد السلام والاستقرار الإقليميين على نطاق أوسع؟

غروندبرغ: إن المأساة التي تستمر في غزة وترابطها مع زعزعة الاستقرار التي شهدناها في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع المتصاعد الذي نشهده في البحر الأحمر، أدت إلى تباطؤ زخم المحادثات التي كنا ننخرط فيها من أجل تحقيق السلام، للتوصل إلى اتفاق حول خارطة الطريق وتنفيذها. وأعتقد أن هذا أمر بديهي.

أن المسألة الحاسمة هنا هي أنه إذا استمر هذا الوضع، فهناك دائما خطر أن تقوم الأطراف بتشديد مواقفها، ويمكن أن تعيد حساباتها أيضا. وهذا يعني أن الحلول التي نتصورها قد يصبح تحقيقها أكثر صعوبة.

لذلك أعتقد أنه في هذا الوضع، من المهم بالنسبة لنا جميعًا أن نفهم أوجه الترابط بين المواقف المعقدة المختلفة التي نشهدها في الشرق الأوسط، وأن نفهم التأثير المتبادل بين كل وضع والآخر، وأن لا شيء يحدث دون أن يكون له تأثير سلبي على الآخر، وأننا نفهم تلك الروابط المتبادلة، حتى نتمكن من معالجتها. لكن هذا لا يعني أنني أعتقد أننا بحاجة إلى معالجتها بطريقة متسلسلة أو مشروطة. وأعتقد أن ذلك سيكون خطأً، لأن ذلك قد يؤدي أيضاً إلى تعقيد حلول القضايا المختلفة المطروحة.

لذا، ومن هذا المنظور، أعتقد أنه يمكن البحث عن حلول بشكل متوازي من خلال فهم الترابط بين المواقف المختلفة. وأعتقد أن هذا عنصر حاسم هنا، حتى نتمكن من السماح لأحد الحلول بأن يكون له تأثير إيجابي على الآخر واستخدام ذلك من أجل التوصل إلى الاستقرار الأوسع الذي يحتاج إليه الشرق الأوسط.

أما بشأن اليمن، أعتقد أنه من الأهمية أن يظل المجتمع الدولي منخرطًا قدر الإمكان عندما يتعلق الأمر بالضغط على الأطراف والتأكيد على أهمية استمرارية الدبلوماسية في الصدارة، وأن تكون العنصر الأساسي إذا أردنا تحقيق نتائج إيجابية حقيقية في اليمن. عندما يتعلق الأمر بالوضع داخل اليمن، أعتقد أن هناك أمراً أساسياً ينبغي التذكير به، وهو أن عناصر الالتزامات التي اتفقت عليها الأطراف والتي قمت بذكرها في سؤالك السابق، هي ترتكز على احتياجات الشعب اليمني التي لا تزال ضرورية لليوم وستظل ضرورية أيضًا في المستقبل. وهنا، تعتبر هذه الاحتياجات حاسمة.

إن الاحتياجات التي نتحدث عنها والتي نحاول تسويتها من خلال خارطة الطريق لاتزال موجودة. لديك الموظف اليمني في القطاع العام الذي يحتاج إلى أن يكون قادراً على الحصول على أجر مقابل عمله. ان يُدفع الراتب بلا عوائق. يحتاج المواطن اليمني إلى التنقل بحرية داخل اليمن دون قيود. القطاع الخاص في اليمن يحتاج إلى أن يكون قادرًا على إدخال البضائع أو تصديرها بدون عوائق ويحتاج إلى أن يكون قادرًا على القيام بذلك بدون ضرائب إضافية أو تعقيدات تسمح ببيع البضائع بسعر معقول داخل اليمن. وهناك حاجة لإيجاد حل للأزمة السياسية في اليمن، حتى يتمكن اليمنيون من العيش بالأمان الذي ينبع من ثقة بأن الحرب لن تعود وأنهم يستطيعون البدء في رسم ملامح حياتهم لمستقبل طويل الأمد. كل ذلك مازال قائما وسيظل كذلك بصرف النظر عن التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط. لذا، ولهذا السبب ستظل جهودي وجهود فريقي والأمم المتحدة مستمرة في تحقيق هذا التقدم.

يونشيانغ: ما هي أولويات الأمم المتحدة لتخفيف حدة الوضع؟

غروندبرغ: من أجل منطقة الشرق الأوسط بأكملها، أعتقد أن هناك حاجة إلى وقف التصعيد على نطاق أوسع. وهذا ضروري للغاية. وما الذي اعنيه بذلك؟ سأغتنم الفرصة هنا لأكرر الدعوات التي وجهها الأمين العام منذ فترة. هناك حاجة. أولا وقبل كل شيء، إلى وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن. ويجب أن يحدث ذلك في أسرع وقت ممكن. وبالمثل، هناك حاجة أيضًا إلى تجنب أي تأثير غير مباشر للوضع في غزة على الشرق الأوسط بشكل أوسع. وهذا أمر ضروري. وعلينا أن نتأكد من أن الإمكانيات الموجودة في الشرق الأوسط قادرة على تحقيق النتائج. وإذا أردنا حدوث ذلك، فإن تأثير الانتقال واستمرار زعزعة الاستقرار لن يكون في مصلحة السكان في الشرق الأوسط. سيشمل ذلك أيضًا الوضع في البحر الأحمر، حيث سنحتاج إلى رؤية مستوى معين من التهدئة. ومن ثم بالتركيز مرة أخرى على الوضع في اليمن، سنحتاج إلى رؤية انفراجه هناك أيضًا. نحن بحاجة إلى أن نرى وضعا يمكننا من خلاله المضي قدما في التقدم الذي وصفته للتو. وهنا، بينما أتابع عن كثب العمل الذي يقوم به زملائي داخل الأمم المتحدة في غزة، ولكن أيضًا في الشرق الأوسط بشكل أوسع. يظل تركيزي على اليمن، ويظل تركيزي على التأكد من أننا نستطيع تحقيق هذا التقدم في أقرب وقت ممكن. وفي هذا الصدد، سأظل على اتصال وثيق جدًا بالأطراف اليمنية ، وهذا أمر بديهي. وسأكون أيضًا على اتصال بالمجتمع الدولي بشكل أوسع. وقد عدت قبل فترة قصيرة من زيارتي لموسكو وواشنطن، وأجريت مناقشات مطولة وملموسة في كِـلا العاصمتين حول الاحتياجات طويلة المدى والضرورة طويلة المدى للسعي إلى تسوية طويلة الأمد للنزاع في اليمن. وهنا، يسعدني أن أتلقى دعمًا قويًا، من كل من موسكو وواشنطن، بشأن رؤيتي لتسوية طويلة الأمد للنزاع في اليمن. لذلك أعتقد أنه من الممكن تحقيق ذلك.

يونشيانغ: فيما يتعلق بالأزمة الإنسانية في اليمن، فإن المجتمع الدولي يعمل بلا كلل لتقديم المساعدات. كيف تقيمون فعالية جهود المساعدات الحالية؟ هل هناك حاجة لتغيير استراتيجيات المساعدات لتلبية الاحتياجات الإنسانية بشكل أفضل؟

غروندبرغ: للأسف، وأود حقًا أن أؤكد على هذا، “للأسف”. لا تزال الاحتياجات الإنسانية في اليمن هائلة. وعندما أؤكد على كلمة “للأسف” فإنني أفعل ذلك لأنني كنت أود أن يكون الأمر مختلفا، بالنظر إلى حقيقة أننا ندخل العام العاشر من الحرب. كنت أود أن أكون في وضع لا تكون فيه الاحتياجات الإنسانية بهذا الحجم الهائل كما هي اليوم ولكن بالمثل، للأسف، في السنوات القليلة الماضية شهدنا تضاعفًا للنزاعات على مستوى العالم، والحالات التي تتطلب دعم عمليات توصيل المساعدات الإنسانية والجهات المانحة الإنسانية. وهذا يعني أن الأموال المتاحة لليمن لم تعد متاحة كما كانت في السابق، وهناك حاجة إلى دعم إضافي لليمن، أيضًا في السنوات القادمة. ومع ذلك، فإن زملائي الذين يعملون في مجال إيصال المساعدات الإنسانية هم في وضع لا يحسدون عليه حيث يحتاجون إلى تحديد أولويات جهودهم وأولويات إيصال المساعدات داخل اليمن، وكنت أتمنى ألا يكونوا في هذا الوضع. كل ذلك يعني أن هذا يؤكد أيضًا ضرورة وإلحاح التوصل إلى انفراجه بشأن التسوية السياسية للنزاع في اليمن لأن هذا وحده مما سيمكن اليمن بالارتقاء إلى مرحلة جديدة يصبح فيها التركيز على القضايا الجادة ممكنًا، إعادة الإعمار الذي يحتاجه اليمن والدعم التنموي الذي يحتاجه. ولكن من أجل تحقيق ذلك، هناك حاجة إلى عملية سياسية تحقق ذلك الاستقرار على المدى الطويل.

يونشيانغ : شهدنا هذا العام، انخفاضًا في ميزانيات خطط الاستجابة الإنسانية، والتزامات المانحين، وتمويل المشاريع الإغاثية. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة إعادة تصنيف تنظيم الحوثي كـ”مجموعة إرهابية”. كيف سيؤثر كل ذلك على الوضع الإنساني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وعلى تنفيذ خطط الأمم المتحدة؟

غروندبرغ: نتابع هذا الأمر عن كثب وهذا أمر بديهي. حسنًا، نقطتي الأولى بشأن هذه القضية هي أنه بغض النظر عن التطورات وبصرف النظر عن أي تصنيف لأي مجموعة من قبل أي دولة، فإن جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة ستظل قائمة. هذا أمر بديهي، وهو أول شيء يمكن قوله. ثانياً، أعتقد أنه عندما نواجه وضعاً كهذا، حيث صنفت الولايات المتحدة أنصار الله، فإن القلق الرئيسي للأمم المتحدة في هذه المرحلة هو ضمان أن يكون الشاغل الأساسي هو ضمان استمرار إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق. ولهذا السبب فإن زملائي الذين يعملون في مجال توصيل المساعدات الإنسانية على اتصال وثيق مع نظرائهم في الولايات المتحدة لضمان إصدار التصريحات العامة حتى نتمكن من ضمان استمرارية المساعدات الإنسانية داخل اليمن. وهذا التقييم مستمر. بالطبع، هناك قلق أوسع أيضًا، لأنه بحسب ما نشاهد في مثل هذه المواقف حين يكون هناك تصنيف، يمكن أن يكون لذلك تأثير سلبي على الاقتصاد الأوسع بحد ذاته ويمكن أن يؤثر أيضًا على الوضع الاقتصادي العام، وهذا هو شيء نريد تجنبه. لذلك، هذه قضية نقوم بتقييمها ومحاولة معالجتها بشكل يومي.

يونشيانغ: باعتبارك المبعوث الخاص للأمين العام بشأن النزاع في اليمن، يركز عملك في المقام الأول على التوسط وتسهيل الحوار بين الأطراف المعنية. ما هي آفاق تعزيز الحل السياسي في الوضع الراهن؟ ما هي العوامل الرئيسية التي يمكن أن تسهل هذه العملية؟ وما هي نظرتكم لتحقيق السلام والاستقرار؟

غروندبرغ: هذا سؤال جيد جدًا، لكن كذلك من الصعب الإجابة عليه. حسنًا، أول شيء يجب قوله هو أن نهجي دائمًا، ومنذ البداية، كان يجمع بين مسألتين متناقضتين. فمن ناحية، فإن العنصر الرئيسي الوحيد في نهجي هو الصمود مع التطلع إلى تحقيق الأهداف طويلة الأمد التي نرغب في تحقيقها، والتأكد من أن جميع جهودنا موجهة نحو هذا الهدف طويل المدى. التأكد من أن جهود ليس فقط الأمم المتحدة، ولكن أيضًا المجتمع الدولي، موجهة نحو ذلك الهدف طويل الأمد، وأن الأطراف تفهم ذلك الهدف طويل الأمد. لذا، الثبات على الهدف هو عنصر حاسم إذا كنت ترغب في تحقيق نتائج حقيقية. وبالمثل، ولهذا أقول متناقضا، هناك حاجة إلى المرونة. وهذه المرونة مطلوبة إذا كنت تريد تحقيق النتائج في وضع متغير مثل الوضع الذي نواجهه اليوم. نحن أمام وضع يجعل من الممكن التخطيط طويل الأمد داخل الشرق الأوسط معقدًا بسبب عدم الاستقرار الذي نشهده.  وهنا، أعتقد أن النهج المرن الذي يهتم ويتفهم الوضع الذي نحن فيه ويعالج هذا الوضع بطريقة مرنة، ويحافظ على النهج طويل الأجل أمر ضروري إذا أردنا تحقيق نتائج حقيقية. وهنا، سأتوقع مرة أخرى ليس الدعم من المجتمع الدولي فحسب، بل أيضا الشجاعة من الأطراف أنفسهم، وعدم استغلال الأوضاع الحالية كفرصة للتخلي عن الالتزامات التي تم التعهد بها، بل الحفاظ على هذا المستوى من الالتزام والتعهد، للمضي قدماً نحو التقدم الذي تم تحقيقه. ليس هذا هو الوقت المناسب للمناورات ذات المحصلة الصفرية أو التكتيكات قصيرة المدى. هذه هي اللحظة المناسبة للنهج طويل المدى. هذا هو وقت اتخاذ القرارات الشجاعة. وهذا ما أعتقد أنه مطلوب بشدة.

يونشيانغ: من وجهة نظرك، ما مدى دور الصين في حل النزاع اليمني، وما تأثيرها في تقدم القضية اليمنية؟

غروندبرغ: التزام الصين تجاه اليمن يعود إلى عقود عديدة، بل إلى أكثر من نصف قرن. وكما هو الحال دائمًا، ما زلت اليوم ألتقي بالعديد من اليمنيين الذين يذكرون المساهمة الحاسمة التي قدمتها الصين في أوائل الخمسينيات، على ما أعتقد، من خلال المساهمة في بناء الطريق، الشريان الحيوي الذي يربط ميناء الحديدة مع صنعاء، الطريق الذي قطعته بنفسي. وقد تم إنشاء هذا الطريق بفضل المساهمة الصينية، وقد فقد العديد من عمال البناء الصينيين حياتهم أثناء بناء هذا الطريق. لذا فإن مشاركة الصين في اليمن تعود إلى عدة عقود. واليوم، يظل دور الصين على نفس القدر من الأهمية كما كان في أي وقت مضى. ودعمها لجهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة أمر بالغ الأهمية. انا على اتصال وثيق مع نظرائي الصينيين، وهذه علاقة مبنية على الثقة والصراحة، وهي علاقة ستؤدي إلى نتائج حقيقية. وسأتطلع إلى استمرار دعم الصين لجهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة. وعلى نحو مماثل، قامت الصين أيضاً بتوسيع جهودها في الشرق الأوسط. لقد رأيتم أن الصين استضافت اجتماعا مهما للغاية، أدى إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية. وهذا ليس إنجازًا صغيرًا. أعتقد أن استئناف العلاقات أمر بالغ الأهمية، إذا كنت تريد تحقيق استقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط. وبالمثل، بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين هي إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبالتالي، فهي تحمل صوتًا مهمًا داخل مجلس الأمن. لقد كانت منذ فترة طويلة داعمًا قويًا لتسوية سياسية للنزاع في اليمن، وآمل أن يستمر صوت الصين في دفع ذلك الحل وأن يستمر سماع هذا الصوت. كل هذا يقود إلى أن دور الصين يظل مهمًا كما كان دائمًا، ليس فقط من أجل عمل الأمم المتحدة ووساطتها، ولكن أيضًا من أجل الشعب اليمني.

عند موعد بث هذا اللقاء، ستكون فترة الاحتفالات بالعيد قد بدأت أو لربما انتهت. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأتمنى لجميع اليمنيين داخل اليمن وفي جميع أنحاء العالم عيداً مباركاً وسعيداً. أعلم أنكم جميعًا مررتم بصعوبات وتحديات خلال السنوات القليلة الماضية. ولكني أريد أيضًا أن أؤكد لكم أنه يمكنكم الاعتماد على الأمم المتحدة، يمكنكم الاعتماد على مكتبي وعليّ شخصيًا في استمرار الدعم لتحقيق تسوية طويلة الأمد للنزاع كما نريد رؤيتها. للجمهور العريض والأصدقاء في الصين، أتمنى أن تستمروا في تقديم الدعم الذي يحتاجه ويستحقه اليمن هذا البلد الجميل، وان يظل التزامكم وانخراطكم مع هذه القضية المليئة بالتحديات راسخا ودائما كما هو التزامي تجاهها.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة ا فی الشرق الأوسط المجتمع الدولی الأمم المتحدة هناک حاجة إلى جهود الوساطة البحر الأحمر التقدم الذی طویلة الأمد بین الأطراف هذا التقدم طویل الأمد الذی یحتاج داخل الیمن على اتصال هذا الوضع إذا أردنا بحاجة إلى أعتقد أنه الصین فی على نطاق أعتقد أن ا الوضع لا تزال أن یکون من خلال یمکن أن یعنی أن دائم ا من أجل أن هذا فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

جارف الثلوج الذي دَوَّخ فرنسا وأميركا.. من يكون هو شي منه؟

على بعد أكثر من 1600 كيلومتر إلى الجنوب من عاصمة فيتنام هانوي، وعلى بعد كيلومترات قليلة من بحر جنوب الصين تقع مدينة "هو شي منه" التي لربما يقدرها العديد من الفيتناميين أكثر من عاصمتهم هانوي.

تعد مدينة "هو شي منه" هي الكبرى في البلاد من حيث عدد السكان، بتعداد 10 ملايين نسمة تقريبا وهي العاصمة الثقافية والمالية الحقيقية لفيتنام، وفيها تمتزج الثقافة التقليدية بسرعة مع متطلبات التحضر. هنا تجد المعابد المزخرفة والأضرحة القديمة والأزقة التاريخية، تصطف جنبًا إلى جنب في وئام بجوار ناطحات السحاب الشاهقة ومراكز التسوق الحديثة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هكذا فعلها الفيتناميون.. كيف نفهم النصر والهزيمة في حرب غزة؟list 2 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟end of list

يغلب على المدينة النمط العمراني الفرنسي بحكم خضوعها للاستعمار لفترة ليست قليلة، ويظهر ذلك جليا في تصميم مبنى البريد التاريخي في المدينة بهيكله المعدني الرقيق الذي يعود بناؤه إلى عام 1891 إبان الحكم الفرنسي من تصميم غوستاف إيفل مصمم برج إيفل الشهير في قلب العاصمة الفرنسية، مما يمنح المدينة لقب "باريس الشرق الأقصى".

مكتب البريد في مدينة هو شي منه في فيتنام، والذي بُني في عهد الاستعمار الفرنسي. (مواقع التواصل)

ولكن على النقيض من جغرافيا المدينة التي تحتضن تاريخها المتناقض في سلام عجيب، يتحد سكانها جميعا حول مظاهر الاحتفال والبهجة العارمة في لحظة واحدة بعينها: الثلاثين من أبريل/نيسان الماضي الذي يوافق هذا العام خمسينية نهاية الحرب الأميركية على فيتنام التي استعاد الفيتناميون بعدها وحدتهم وأراضيهم بعد نصر تاريخي على الجيش الأميركي، الأكثر قوة وبطشا على وجه الأرض.

كانت هو شي منه هي عاصمة فيتنام الجنوبية الموالية للولايات المتحدة في ذلك الوقت، وكان دخول الثوار إليها في أبريل/نيسان عام 1975 هو النهاية الرسمية للحرب، غير أن المدينة لم تكن تعرف وقتها بذلك الاسم، بل كان يطلق عليها اسم سايغون، ولمعرفة السر وراء تغيير اسمها، علينا العودة بالتاريخ إلى الوراء، تحديدًا إلى مؤتمر جنيف الذي عقد عام 1954 لتسوية شروط هزيمة فرنسا في فيتنام، حينذاك فرضت الولايات المتحدة تقسيم فيتنام إلى شطرين، واشترطت تأسيس حكومة غير شيوعية (موالية لها) في الجنوب الفيتنامي تكون عاصمتها سايغون، في حين بقيت الحكومة الشيوعية في الشمال واتخذت من مدينة هانوي عاصمة لها.

ومن هانوي، شق ثوار الفيت كونغ الشيوعيون طريق "هو شي منه"، وهو الاسم الحربي لطريق مموه كان عبارة عن ممر صغير حفر بشق الأنفس وسط غابات لاوس وكمبوديا المطيرة ليربط بين فيتنام الشمالية والجنوبية، ومن خلاله تدفق مقاتلو جبهة التحرير الشيوعيون لمحاربة الأميركيين في فيتنام الجنوبية، ومباغتتهم مثل الأشباح.

مدينة هو شي منه في فيتنام بتاريخ 17 فبراير/شباط 2024. (شترستوك)

مُنح هذا الطريق اسمه تيمنًا بالزعيم الأسطوري الذي قاد نضال الشعب الفيتنامي ضد اثنتين من أعتى القوى الاستعمارية في العالم هما فرنسا والولايات المتحدة وتمكن من هزيمتهما. وعلى ذلك كان سقوط مدينة سايغون في يد ثوار الفيت كونغ الشيوعيين والطريق الحربي التاريخي الذي مهد لذلك النصر هو الذي منح المدينة اسمها الحالي، "هو شي منه"، تخليدًا لذكرى القائد العظيم الذي أصبح رمزًا للمقاومة الفيتنامية وملهما لحركات المقاومة ضد الاستعمار في العالم.

إعلان "نغوين".. الزعيم الغامض

يصف كثيرون شخصيته بالغموض، وربما يرجع ذلك إلى أن سيرته الذاتية وقصة صعوده إلى السلطة لم توثق بشكلٍ كامل في المراجع والكتب، حتى إن بعض الكتاب قد ذهبوا بعيدًا إلى حد التكهن بوجود رجلين مختلفين يحملان الاسم ذاته "هو شي منه"، وذلك حتى قامت صحيفة فرنسية باستبعاد هذه الفكرة عند طريق مقارنة الصور التي التقطت له طوال حياته.

يعزو الكاتب ألدين وايتمان، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر/أيلول عام 1969، سر هذا الالتباس في شخصية القائد الفيتنامي الكبير إلى حقيقة أنه عُرف على مدار حياته بأسماء مختلفة، فقد كان له اثنا عشر اسمًا مستعارًا، لم يكن "هو شي منه" سوى واحد منها.

وعلى الرغم من ترجيح كثير من المصادر أن الاسم الذي عرف به خلال فترة إقامته في باريس وموسكو، "نغوين آي كوك" الذي يعني بالعربية (نغوين الوطني)، كان اسمه الحقيقي. لكن ويلفريد بورشيت قام بدحض هذه السردية، وهو مراسل أسترالي جمعته علاقة جيدة مع القائد الفيتنامي، قائلًا إن هذا الاسم لم يكن سوى اسم مستعار آخر، في حين أن اسم ميلاد هو شي منه كان "نغوين تات ثانه"، ونغوين هو اسم العائلة (وهو اسم فيتنامي شهير مستمد من اسم آخر سلالة ملكية في فيتنام)، ولقب "تات ثانه" يعني "الرجل المنتصر".

نحن نتحدث عن قائد تاريخي يبدأ الغموض من اسمه، لكنه لا يتوقف عند هذا الحد بل يصل إلى تاريخ ميلاده، ففي الوقت الذي ذكرت فيه بعض المصادر المعتبرة أن ميلاد هو شي منه كان في شهر يوليو/تموز عام 1892، يجادل وايتمان بأن التاريخ الأكثر موثوقية بحسب أغلب الأدلة هو مايو/أيار من عام 1890.

وبغض النظر عن الاسم وتاريخ المولد، فالمؤكد أن هو شي منه ولد ابنا ثالثا لأسرة فقيرة لا يختلف حالها عن كثير من مزارعي الأرز الفيتناميين، في قرية كيم ليان بمقاطعة "أنام" وهو الاسم الذي عرفت به مساحة من وسط فيتنام الحالية إبان الاستعمار الفرنسي.

إعلان

غير أن الفيتناميين كانوا يكرهون هذا الاسم وغيره من الأسماء التي أطلقها الفرنسيون ورفضوا استخدامه لوصف بلادهم، ولم يكن والد هو شي منه استثناء من ذلك، فقد كان عدوًّا لدودًا للاستعمار الفرنسي، حتى إنه رفض تعلم الفرنسية لكونها لغة غزاة بلاده، وكان عضوًا نشطًا في حركات المقاومة الفيتنامية، في وقت كانت تعج فيه هذه المقاطعة بالجمعيات السرية لمناهضة الاستعمار، لذلك لم يكن مستغربا أن هو شي منه خطا أولى خطواته الثورية وهو طفل صغير، كرسول بين والده ورفاق المقاومة.

تأثر القائد الفيتنامي "هو شي منه" بكتب كارل ماركس وهو ما قاده ليصبح ثائرا قوميا شيوعيا. (مواقع التواصل)

انخرط هوشي منّه في المسار التعليمي المتاح في مدينته ذلك الوقت، ولما اشتد عوده غادر مسقط رأسه مدفوعًا بشغف مناهضة الاستعمار من الخارج، وقد كان ذلك فكرًا منتشرًا بين الثوار الآسيويين في تلك الفترة، وبحلول عام 1911 عمل هوشي منّه طباخًا على متن سفينة فرنسية لمدة ثلاث سنوات وتنقل بين موانئ مارسيليا وأفريقيا وأميركا الشمالية، وخلال رحلاته نمت ثقافته عن طريق التعليم الذاتي وقراءة الكتب، فكان شغوفًا بمسرحيات شكسبير وروايات تولستوي والأهم بكتابات الفيلسوف والمفكر الألماني الشهير كارل ماركس، فكانت سنوات البحر هي التي أثرت شخصيته ليصبح ثائرا قوميا وشيوعيا.

بعد ذلك انتقل إلى مدينة لندن، حيث عمل هناك في مِهن شاقة متواضعة كسب من خلالها قوت يومه، فكان بستانيا حينًا وجارفا للثلوج حينا آخر، وعمل مساعد طاهٍ وعامل نظافة ونادلا في أحايين أخرى، إلا أن اهتمامه بالسياسة كان مسيطرًا على تفكيره حتى إنه انضم إلى رابطة العمال الأجانب ضمن كثير من الآسيويين، وناضل إلى جانب المناضلين من أجل استقلال أيرلندا عن بريطانيا.

لاحقا، وبدافع من فضوله العميق سافر هو شي منه إلى الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الرغم من قلة المعلومات التي تناولتها المصادر عن فترة وجوده هناك، فإنه كان مولعًا بالحديث بين أصدقائه عما رآه من "وحشية الرأسمالية الأميركية" والممارسات العنصرية ضد السود الذين أعدموا في ذلك الوقت دون محاكمة، فكانت هذه المشاهدات هي ما حثه على إصدار كتيب عام 1924 أثناء إقامته في موسكو، بعنوان "العرق الأسود"، هاجم فيه الممارسات العنصرية في أميركا وأوروبا.

إعلان

تردد هو شي منه على فرنسا خلال فترات مختلفة من حياته، فقد عاش في شقة متواضعة في باريس فيما بين 1917 و1923، وكانت تلك هي الفترة التي بدأ فيها مشوار نضاله، حيث وجه التماسا للمشاركة في مؤتمر فرساي للسلام عام 1919 بوصفه متحدثًا رسميًّا باسم وطنه الأم، إلا أن فشل مؤتمر فرساي في تسوية القضايا الاستعمارية دفعه إلى الانضمام إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي وشارك في تنظيم الفيتناميين المقيمين هناك، وتذكر السرديات التاريخية أن أول خطاب مسجل له في الحزب عام 1920، وكان الخطاب نداءً عامًّا للوقوف "في وجه الإمبرياليين الذين ارتكبوا جرائم شنيعة" في وطنه الأمّ، وقد استمر عمله في الحزب حتى انشق الشيوعيون الفرنسيون عن الحزب الاشتراكي في العام نفسه، فانضم لهم هو شي منه ليصبح من الأعضاء المؤسسين في الحزب الشيوعي الفرنسي.

كانت هذه هي الفترة التي اكتسب فيها هو شي منه خبرة حقيقية ضمن الحركة الاشتراكية الأوروبية أهلته فيما بعد للانضمام عام 1920 إلى "الأممية الشيوعية الثالثة" (الكومنترن)، وهي منظمة دولية تأسست عام 1919، وعقد مؤتمرها الدولي الأول في موسكو وألقى فيه الزعيم السوفياتي فلاديمير لينين خطاب تأسيسها، وقد ضمت هذه المنظمة بين جنباتها الأحزاب الشيوعية الثورية من كل أنحاء العالم.

على مدار رحلة حياته فضل "هو شي منه" تقديم نفسه للعالم بوصفه زعيمًا قوميًّا فيتناميًّا أكثر من كونه شيوعيًّا. (غيتي) "نغوين".. الوطني الكاره لفرنسا

زار هو شي منه موسكو لأول مرة عام 1922، وذلك لأجل حضور المؤتمر العالمي الرابع للأممية الشيوعية، وفي فترة وجيزة أصبح من أنشط منظمي مكتبها في جنوب شرق آسيا، وقد كان انضمامه للأممية الشيوعية نقطة التحول الرئيسية في مشوار نضاله ضد الاحتلال الفرنسي معتنقا الأيديولوجية الماركسية اللينينية المناهضة للاستعمار.

دفعه ذلك في عام 1925 للتعاون مع الزعيم الوطني الجزائري "مصالي الحاج" لإصدار مجلة "لو باريا" (Le Paria) وتعني بالعربية "المنبوذ"، فكانت هذه المجلة بمثابة منبر للمقاومة الموحدة ضد فرنسا في المغرب العربي ودول الهند الصينية، وقد وقع هو شي منه مقالاته في هذه المجلة باسم مستعار جديد هو "نغوين أو فاب" أي (نغوين الكاره لفرنسا).

إعلان

في ذلك الوقت من التاريخ، كان الثوار من شعوب الهند الصينية، وهو اسم يطلق على أبناء دول لاوس وكمبوديا وفيتنام، قد جمعتهم صداقة النضال وأخوة السلاح، وكان معظمهم أعضاء في جمعيات سرية داخل وطنهم الأم، عن ذلك تقول الكاتبة والصحفية الألمانية روث فيشر في مقالة نشرتها بمجلة "فورين أفيرز" في أكتوبر/تشرين الأول عام 1954، إن هو شي منه كان عضوا داخل إحدى هذه الجمعيات السرية، وربما اختار هناك اسمه المستعار الذي عرف به في دوائر الكومنترن الشيوعية في موسكو، نغوين آي كوك، الذي يعني "نغوين الوطني".

وعن تلك الحقبة، يقول الكاتب ألدين وايتمان إن انجذاب هو شي منه إلى الشيوعية ربما جاء في المقام الأول من منظور قومي، حيث كان استقلال فيتنام ومناهضة الفرنسيين هو شغله الشاغل والمهمة الأساسية التي أخذها على عاتقه، وينقل في مقال له قول هو شي منه إنه "لا يفهم المصطلحات الشيوعية المعقدة"، لكنه يعرف جيدا أن الأممية الشيوعية الثالثة كانت معنية بمناهضة القوى الإمبريالية حول العالم ومساندة الشعوب المقهورة، ولهذا وصفه وايتمان بأنه "الرجل الذي استطاع مزج القومية مع الشيوعية".

غير أن سيرة هو شي منه العملية ربما تشي بغير ذلك، فعلى مدار رحلة حياته فضل هو شي منه تقديم نفسه للعالم بوصفه زعيمًا قوميًّا فيتناميًّا أكثر من كونه شيوعيًّا، فكان انتماؤه القومي هو الغالب عليه ولعل ذلك هو ما ساعده على النجاة من الاختبارات العاصفة التي اجتاحت الحركات الشيوعية في العالم.

وقع أهم هذه الاختبارات وأكثرها صعوبة في الثلاثينيات حين وقع الخلاف الكبير بين جوزيف ستالين ومعارضيه بزعامة ليون تروتسكي، الذي دعا الشيوعيين من منفاه إلى الانفصال عن المكتب السياسي للحزب الخاضع لستالين في موسكو.

ورغم تعاطف هوتشي منه مع معارضي القبضة الستالينية الحديدية فإنه آثر النأي بنفسه عن الخلافات التي دبت في أروقة الأممية الشيوعية الحديثة العهد، فلم يلبّ نداء تروتسكي الذي اعتبره غير عملي نظرًا إلى المساعدة التي كانت تقدمها موسكو للأحزاب الشيوعية الناشئة.

إعلان

فكانت تلك هي العاصفة الأولى التي تمكن تشي منّه من اجتيازها بهدوء ودهاء سياسي، ليكون من بين الناجين القلائل من "سنوات التطهير الكبير" بين عامي 1936 و1938، التي استهدف فيها ستالين رفاقه القدامى في الحزب قبل معارضيه ليثبت أقدامه في الحكم لعقود تالية.

تلا ذلك أيضًا بعض السنوات العاصفة التي قدمت رياحها من اتجاه مغاير، حيث قامت اليابان باحتلال شبه جزيرة الهند الصينية مطلع الأربعينيات بهدف إحكام الحصار على الصين خلال الحرب المشتعلة بين البلدين آنذاك.

ولكن مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها رأى شيانغ كاي شيك، الزعيم الصيني آنذاك، الفرصة سانحة لدمج الهند الصينية في مناطق نفوذه مع الهزيمة الوشيكة لليابان في الحرب، ووسط ذلك الصراع المحتدم، بدأت فرنسا تخشى من فقدان نفوذها وسيطرتها في منطقة الهند الصينية بغير رجعة.

آلاف الجنود الفرنسيين الذين أسروا في معركة ديان بيان فو في عام 1954بين فيتنام وفرنسا. (أسوشيتد برس) هو شي منه.. رجل التنوير

خلال تلك الحقبة، استغل هو شي منه الصراع بين القوى الاستعمارية بحنكة ودهاء. ففي أعقاب الهجوم المباغت الذي قامت به قوات الإمبراطورية اليابانية على الأسطول الأميركي في "بيرل هاربور" عام 1941، استخدم تشي منه مواهبه الدبلوماسية في التواصل مع القائد القومي الصيني شيانغ كاي شيك، كما استغل توتر العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان وأقام جسور علاقات مع الولايات المتحدة قائلًا عن نفسه: "كنت شيوعيًّا لكنني لم أعد كذلك، أنا مجرد فرد في العائلة الفيتنامية".

وفي عام 1942 وأثناء توجه هو شي منه إلى مدينة كونمينغ الصينية في محاولاته لكسب الحلفاء خلال مواجهاته مع اليابانيين، اعتقله رجال كاي شيك بدعوى الاشتباه في كونه جاسوسًا فرنسيًّا نتيجة الاسم الحركي الذي كان يستخدمه، إلا أن الدافع الأعمق كان توجس كاي شيك منه نظرًا لماضيه الشيوعي.

إعلان

قضى الزعيم الفيتنامي أربعة عشر شهرًا متنقلا بين السجون الصينية من يوليو/تموز 1942 وحتى سبتمبر/أيلول 1943، ووفقًا للكاتب ألدين وايتمان فقد أطلق سراحه حينذاك بناءً على طلب أميركي، وخلال تلك الفترة واظب تشي منه على كتابة يومياته باللغة الصينية التي كان يتقنها بطلاقة إلى جانب الإنجليزية والفرنسية ولغات عدة، وقد نشرت هذه اليوميات في شكل قصائد وأبيات شعرية تروي معاناته ويومياته في السجن وشوقه القاتل إلى وطنه، كتب في إحداها: "قلبي يسافر ألف ميل نحو وطني الأم، وحلمي يتشابك بالحزن كخيوط ألف مغزل، مضى عام كامل وأنا بريء في عتمة السجن الثقيلة".

بعد إطلاق سراحه، بدأ نوع من التعاون البراغماتي ينشأ بين هو شي منه وشيانغ كاي شيك، حيث قاما برعاية اتحاد لشعوب الهند الصينية لمواجهة الاستعمار الياباني، اعتبراه مصلحة مشتركة تجمعهما، وقد استفادت قوات شي منه من هذا الاتحاد على الأرض وطورت قدرتها على العمل سرًّا في المناطق التي سيطر عليها اليابانيون، وعندما تم تطهير شريط حدودي صغير داخل الهند الصينية من القوات اليابانية نتيجة لهذه الجهود، استغل الزعيم الفيتنامي ذلك متخذًا هذه المنطقة نواةً لإقامة دولته الشيوعية المستقلة.

ولموازنة تحالف المصالح بينه وبين الصين، تعاون الزعيم الفيتنامي كذلك مع رئيس البعثة العسكرية الفرنسية جان سانتيني عام 1945، وذلك للوقوف في وجه طموح شيانغ كاي شيك ومطامعه، وهي الفترة التي قام فيها الزعيم الفيتنامي بوضع قوميته أولًا قبل انتمائه الشيوعي، فعمد إلى طمس تاريخه الأيديولوجي لتسهيل مهمته مع سانتيني، عن طريق تغيير اسمه متخذًا "هو شي منه" اسمًا مستعارًا جديدًا ومعناه "الرجل الذي بلغ التنوير الكامل"، وهو الاسم الذي أصبح يعرف به حتى يومنا هذا.

صورة هو شي منه تعلو مقر الحزب الشيوعي في هانوي. (الجزيرة)

وعلى الرغم من أنه لم يتلق من حلفائه هؤلاء جميعهم سوى القليل من المساعدة المادية، فإن تلك الفترة أكسبته مكانة سياسية وشعبية كبيرة؛ حيث استطاع استقطاب العديد من الجماعات القومية الناشئة في الهند الصينية، فكانت تلك هي الفترة التي تأسست فيها رابطة المنظمات الثورية في فيتنام عام 1942 التي عرفت اختصارًا باسم "فيت منّه"، وساهمت بشكل كبير في مناهضة الاستعمار الياباني، كما نجحت في الوقوف في وجه فرنسا عندما حاولت العودة لاحتلال الهند الصينية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي نهاية المطاف، كانت هذه الرابطة هي التي وقفت في وجه الاحتلال الأميركي.

إعلان

كانت تلك أيضا هي الفترة التي دعا فيها هو شي منه إلى التعبئة الشاملة في الهند الصينية، واستطاع الفيتناميون آنذاك حشد قوة مسلحة للمشاركة في حرب العصابات ضد اليابانيين قوامها 10 آلاف مقاتل، وعرفوا حينذاك بـ"الرجال الذين يرتدون السواد"، فكانوا يخرجون في الظلام من الغابات والأدغال لـ"اصطياد اليابانيين" ثم العودة إلى مواقعهم بهدوء.

وبحلول منتصف الأربعينيات، شعر الفرنسيون بقدر من عدم الأمان أثناء وجودهم تحت الإدارة اليابانية، ولإنقاذ أنفسهم من الاضطهاد الياباني اضطر الفرنسيون إلى أن يحاربوا جنبًا إلى جنب مع هو شي منه والثوار الفيتناميين عام 1945 لإخراج اليابانيين من الهند الصينية.

ومع استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية في أغسطس/آب 1945، انتهز الثوار الفيتناميون الفرصة وهاجموا هانوي عاصمة البلاد مرغمين الإمبراطور باو داي (آخر أباطرة سلاسة نغوين) على التخلي عن العرش، ثم رفعوا العلم الشيوعي الأحمر فوق القصر الإمبراطوري.

عند تلك اللحظة، أعلن هو شي منه استقلال فيتنام في خطابٍ مقتبس من "إعلان الاستقلال الأميركي"، وهي عادة جرت بين كثير من الدول التي نالت استقلالها في القرن العشرين.

وبهذا الإعلان أصبح هو شي منه رئيسًا لجمهورية فيتنام الديمقراطية، التي اعترف بها الفرنسيون عام 1946، وأُعلنت فيتنام دولة حرة لها حكومتها وجيشها وبرلمانها، لكنها في الوقت ذاته اعتبرت جزءًا من اتحاد دول الهند الصينية التابع للإدارة الفرنسية. وكان ذلك ضربة قاصمة لفرحة الثوار الفيتناميين بما حققوه من نصر، خاصة مع تزايد طموح الفرنسيين لاستعادة مستعمرتهم الفيتنامية القديمة.

وفي الوقت الذي كان فيه هو شي منه يشغل منصبه الرسمي رئيسًا للبلاد اضطر إلى أن يعود مجددًا زعيمًا سريًّا لقوات المقاومة الشعبية ويخوض مع شعبه حرب عصابات عرفت باسم "حرب الهند الصينية الأولى" التي بدأت عام 1946، ولم يتلق فيها شي منه إلا القدر الضئيل من المساعدة من المعسكر الشيوعي سواء في موسكو أو في بكين لاحقا (بعد استيلاء ماو تسي تونغ ورفاقه على الحكم في الصين عام 1949)، وقد عانت قواته من سوء التغذية ونقص الإمدادات الطبية ونقص التسليح، ولكن على الرغم من ذلك انتهت هذه الحرب بانتصار ساحق للثوار الفيتناميين بعد معركة "ديان بيان فو" عام 1954 التي ختمت 8 سنوات من الحرب بين الثوار الفيتناميين "الفيت منّه" والقوات الفرنسية.

في مواجهة أميركا

بدأ التورط الأميركي في فيتنام من خلال دعم القوات الفرنسية خلال معركة "ديان بيان فو" وما قبلها خلال وقائع حرب الهند الصينية الأولى، لكنه اتخذ شكلا أكثر وضوحا بعد انتصار قوات "الفيت منّه" (رابطة تحرير فيتنام)، حيث خشيت واشنطن قيام دولة شيوعية مناهضة للغرب فوق أراضي فيتنام الموحدة، لذلك فإنها فرضت تقسيم فيتنام إلى شطرين، فيتنام الجنوبية وعاصمتها سايغون (الموالية للولايات المتحدة)، وفيتنام الشمالية (الشيوعية) وعاصمتها هانوي بقيادة هو شي منه، وشرعت واشنطن على الفور في مساعيها لتقويض الحكم في الشمال ضمن وقائع الحرب الباردة.

إعلان

يسرد المؤرخ الكندي المتخصص في الدراسات الدولية أندرو بريستون، أسباب هذه الحرب الأميركية في كتابه "مقدمة مختصرة في العلاقات الخارجية الأميركية"، قائلًا إنه في اللحظة التي تشكلت فيها معالم الصراع الجديد بين طرفي الحرب الباردة، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، اندلع أكثر الصراعات الدموية في فيتنام، وهو ما عُدّ نتيجة مباشرة لهذا الصراع المتأجج بين القوتين العظميين، وذلك لأن قرار البلدين تجنب خوض مواجهة مباشرة لم يكن إلا وسيلة لإدارة التوترات وليس إخمادها؛ وساعتها كانت حرب فيتنام كأنها بديل لتفريغ طاقة الحرب لدى القوتين دون المخاطرة باندلاع حرب نووية تصل آثارها المدمرة إلى كل دول العالم.

أما السبب الثاني للتدخل الأميركي فيتنام وفقًا لبريستون، فكان وقف التمدد الشيوعي إلى مناطق نفوذ الولايات المتحدة في آسيا، الذي كان مرتبطا ارتباطًا وثيقًا باحتواء الصينيين الشيوعيين الذين اعتبرتهم واشنطن لا يقلون خطرا عن غيرهم من الشيوعيين؛ فكانت فيتنام أحد الأماكن التي تواجهت فيها بكين مع واشنطن.

وفي البداية، كان التدخل الأميركي منصبًّا على تقديم الدعم المالي والعسكري وتوفير المستشارين للحكومة الموالية لواشنطن في فيتنام الجنوبية بقيادة "نغو دينه ديم" لكن جذوة المقاومة المتقدة القادمة من الشماليين الذين بدوا عازمين على استعادة فيتنام الموحدة والمستقلة أجبرت الأميركيين على تغيير خططهم والتدخل مباشرة في الحرب.

قاد هذه الحرب الجنرال الأميركي وليام ويستمورلاند من مدينة سايغون بصحبة وزير الدفاع الأميركي روبرت ماكنامارا، وكانت إستراتيجيته تعتمد بشكل كبير على استعراض القدرات العسكرية المتقدمة والتفوق التكنولوجي الساحق للولايات المتحدة بما يشمل القصف الجوي الوحشي لكلّ من فيتنام الشمالية والجنوبية، وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة أسقطت حمولة من القنابل على فيتنام تفوق أضعاف ما أسقطته جميع الأطراف المتحاربة في الحرب العالمية الثانية، بل إنها أسقطت على حليفتها الجنوبية (أثناء مطاردة الثوار) عددا من القنابل يفوق ما أسقطته على فيتنام الشمالية.

إعلان

وعلى الرغم من كل هذا التفوق التكنولوجي والقصف الجوي المجنون، استطاع ثوار "الفيت كونغ" بقيادة العجوز هو شي منه استخدام الأنفاق على نطاق واسع سلاحًا فعّالًا في بيئة جوف أرضية لم تصل إليها الآلة العسكرية الأميركية بعد، فتمكنوا عن طريق الأنفاق من نصب الكمائن لجنود الجيش الأميركي دون أن يتأثر المقاتلون بالهجمات الجوية، وهي الممرات التي امتدت على مسافة آلاف الأقدام وكانت لها مداخل صغيرة مموهة استُخدمت ملاجئ ومواقع للقتال.

كما زودت الأنفاق الفيتنامية مقاتلي الفيت كونغ بمساحة للتصنيع وإعادة الإمدادات، وذلك على مسافة قريبة من أعدائهم الأميركيين، الأمر الذي دفع واشنطن إلى تشكيل فرقة كاملة من القوات الأميركية تعرف باسم "فئران الأنفاق"، كان أغلبهم من قصار القامة ولهم خصائص بدنية محددة تمكنهم من الزحف ساعات داخل الأنفاق في محاولات فاشلة للبحث عن المقاتلين الفيتناميين، وذلك بحسب ما جاء في تقرير المتحف الوطني للجيش الأميركي.

وفي ليلة 31 يناير/كانون الثاني 1968، وبينما كان الفيتناميون يستعدون للاحتفال بعيد رأس السنة القمرية "تيت نوين دان" المعروف اختصارا باسم التيت، بثت الإذاعة الرسمية في مدينة هانوي قصيدة كتبها رئيس فيتنام الشمالية "هو شي منه"، قال فيها: "ربيعنا اليوم أحلى من كل ربيع، ليقلّد الشمال والجنوب بعضهم بقتال الغزاة الأميركيين.. تقدموا! سننتصر!".

كانت تلك القصيدة عبارة عن رسالة مشفرة، وجهها هو شي منه إلى ثوار الفيت كونغ الشيوعيين، ليحثهم على بداية الهجوم الذي اندلع في عشر مدن جنوبية بالتوازي، ووصل إلى عاصمة الجنوب الفيتنامي سايغون واقتحم الثوار مقر السفارة الأميركية، فيما عرف باسم "هجوم التيت" الذي استمر شهرًا كاملًا واستهدف تقريبًا كل مدن وولايات فيتنام الجنوبية.

خلال هذا الهجوم عبر إلى فيتنام الجنوبية من "طريق هو شي منه" قرابة 80 ألف مقاتل، قُتل أكثر من نصفهم خلال هذا الهجوم الذي تسبب في مقتل آلاف الجنود من الأميركيين وقوات فيتنام الجنوبية.

إعلان

اعتبر "هجوم التيت" لحظة فارقة في تاريخ فيتنام، إذ سطر بداية النهاية لحرب فيتنام، التي قاد مقاومتها هو شي منه بنفسه قبل أن يلقى حتفه عام 1969، فلم يمنحه القدر الفرصة ليشهد وقائع هزيمة الولايات المتحدة واتحاد فيتنام الجنوبية والشمالية في دولة مستقلة بعد سبعة أعوام من ذلك الهجوم.

بيد أن الزعيم الفيتنامي عاش طوال حياته واثقًا من النصر، ففي عام 1962، قابل هو شي منه زائرا فرنسيا وأثناء مناقشته لمسألة تحرر فيتنام من الاحتلال الأميركي، قال له القائد العجوز: "استغرق الأمر منا ثماني سنوات من القتال المرير حتى نهزمكم أيها الفرنسيون، وأنتم تعرفون بلادنا جيدًا، والأميركيون أقوى بكثير إلا أنهم يعرفوننا بشكلٍ أقل، لذا قد يستغرق الأمر منا عشر سنوات، لكن مواطنينا الأبطال سيتمكنون من هزيمتهم في النهاية".

وبالفعل في أعقاب "هجوم التيت" عام 1968، أدركت الإدارة الأميركية أن الحرب الفيتنامية وصلت إلى نهايتها، حيث أظهرت أحداث أعياد الميلاد حالة الشلل القتالي المذلّ الذي عانى منه الجنود الأميركيون، وأدى ارتفاع أعداد الضحايا من الأميركيين والمدنيين الفيتناميين إلى تقوية التيار المناهض للحرب في واشنطن، فظهرت حركة "مناهضة الحرب في فيتنام" التي اعتبرت من أكبر حركات مناهضة الحرب في التاريخ، وانضم إليها الملايين الذين نظموا التظاهرات الحاشدة في شوارع العاصمة الأميركية، الأمر الذي اضطر الرئيس الأميركي ليندون جونسون إلى الرضوخ وقبول الذهاب إلى طاولة المفاوضات مع ثوار الشمال الشيوعيين.

في النهاية صدق حدس هو شي منه، ففي مارس/آذار من عام 1973، خرج آخر جندي أميركي من فيتنام بموجب اتفاق السلام في 23 يناير/كانون الثاني من نفس العام، لكن انسحاب قرابة نصف مليون جندي أميركي من فيتنام لم يستطع أن ينهي الحرب، إذ حلّت القوات الفيتنامية الجنوبية مكانهم، واستمرت واشنطن في قصف شمال فيتنام ودعمت قوات الجنوب اقتصاديًّا وعسكريًّا.

إعلان

في المقابل واصل "الفيت كونغ" قتالهم من الشمال لتوحيد شطري البلاد حتى بعد وفاة قائدهم هو شي منه، وفي ربيع عام 1975 سقطت مدينة سايغون في أيدي الثوار، لتكتب بذلك نهاية الحرب التي أنفقت الولايات المتحدة عليها قرابة 168 مليار دولار (تعادل أكثر من تريليون دولار بحسابات التضخم الحالية)، وفقدت أكثر 58 ألف جندي فضلا عن إصابة أضعافهم، وهي خسائر هائلة جدا بمقاييس ذلك العصر، لكنها لا تقارن بالخسارة المعنوية والرمزية في سمعة الولايات المتحدة وجيشها الذي مُني بأثقل هزيمة وأكثرها مرارة في تاريخه الحديث.

مقالات مشابهة

  • ما الذي حدث في إيران ؟ ولماذا لم تُطلق المضادات؟
  • أوكرانيا تسعى لإنهاء الحرب في 2025 وتواصل تبادل الأسرى مع روسيا
  • تحقيق للوموند يكشف التعذيب والإعدامات في سجون فاغنر السرية بمالي
  • إعلام إسرائيلي: وزراء أبلغوا نتنياهو أن الوقت حان لإنهاء حرب غزة
  • جارف الثلوج الذي دَوَّخ فرنسا وأميركا.. من يكون هو شي منه؟
  • اليمن في قلب العاصفة: الأمم المتحدة تحذر من تصعيد إقليمي جديد
  • إعلام عبري: ترامب يطالب نتنياهو بالسعي لإنهاء الحرب في غزة
  • المبعوث الأممي يعترف بفشل مهمته في اليمن ويتهم القوى اليمنية بأنها تستمع لقوى خارجية تسببت في إفشال عملية السلام
  • غروندبرغ: لا حل سريع لإنهاء الحرب في اليمن
  • غروندبرغ يحذر: اليمن على مفترق طرق ولا سلام دون هذا الأمر