قَوَّهُ الْكِتَابَهُ
#ثروت_موسى
هَل حاولتَ يوماً أَنْ تُنقذَ نَفسكَ مِن الغرقِ بِالكتابةِ ؟ وَكيفَ لِورقةٍ بَيضاءَ خُطتْ عليهَا الكلماتُ الصمّاءُ أَنْ تنجوَ بِكَ مِنْ سقمٍ مُحدقٍ
أَم أَنكَ لَم تتذوقْ بعدَ حلاوهِ الكِتابةُ ومزيجُها الشهيُّ ، ولم تتوغَّل بها وَلم تَلحظْ رائحتهَا ، أَنتَ لَمْ تَستنشقهَا يومًا ولم تَكنْ محظُوظًا بما يكفِي لِعناقِها ، ولَا تعلمُ بِأَنكَ تَستطيعُ أَنْ تنجوا بِها ، فهيَ مُستثناهُ منْ كُل القوانينِ ولَا تُؤمنُ سوى بِنَفْسها .
عُرِفتْ الكتابةُ منذُ بدايةِ الحضاراتِ بوساطةِ السومريُّونَ ، فهيَ منْ أَبرزِ الأَنشطةِ التي تُنمي قُدراتِ وإِمكانياتِ الإِنسانِ وتجعلُ حواسةً نبهِهُ وَقُدراتةَ العقليةِ في أَوجُهها فيما يخصُّ تنشيطَ الدِّماغِ وَتَحسينَ الذَّاكرهِ كما تظهرُ أَهميتُها جلياً في حياهِ الشُّعوبِ العربيةِ وَحضاراتها فقدْ انتقلَ الينَا كل ما يخصُّ الأُمم ، وَالشُّعوبَ الغابرهُ عن طَريقِ التدوينِ .
فذكرتِ الكتابةَ بالقرآنِ الكريمِ بقولِه تعالَى …
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ﴾صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ
فَالكتابه وسيلهُ لحفظِ حقوقِ الناسِ منْ الضياعِ أَو الإِنكارِ لإِنَّ إِهمالَ كتابتها يدخلهَا بِالنسيانِ والشجارِ وَالبغضاءِ وَالمنازعاتِ فيما بَيْنَهُمْ .
أَما في علمِ النفسِ فالكتابةُ (تُؤدي لِلمواجِهِهِ المُستَمرَّةِ).
فهيَ إِحدى الْأَساليبِ التي تساعدُ الإِنسانَ على الْحفاظِ على صحتهِ النفسيهِ وَالجسديةِ .
أَما الباحثُ كارِينْ يقولُ أَنَّ الكِتابةَ التعبيريةَ تنفعُ بشكلٍ كبيرٍ في أَوقاتِ الضغطِ ، التوترُ ، الحزنُ ، الغضبُ ، ودمجُ الكتابهِ التعبيريةِ فِي الْخطهِ العلاجِيةِ يعطي مفعولَ الدواءِ فَيَحْمِي مِنْ الِازِمَاتِ القلبيةِ .
وحسبَ مَوقعٍ (positive psychology program) فأَنَّ الكتابةَ وسيلةٌ للإِفصاحِ عن مشاعرنَا ، أَفكارنَا التي لا نستَطيعُ التعبيرَ عنها ، وهوَ نوعُ سهلٌ وبسيطٌ لا يتطلبُ منكَ سِوى وَرقةٍ وقلمٍ ، ويؤَكدُ عُلماءُ النفسِ بِكتابةِ الْمخاوفِ والهواجسِ التي نَشعُرُ بها لأَنهَا تنقلُ المخاوفَ منْ العقلِ لِلورقِ وأَنَّ عِشرونَ دقيقَهُ فِي اليومِ كافيهِ لاستِعادِهِ التوازُنَ النفسيَّ والثقهَ بالذَّاتِ .
أَما رؤْيتي للكتابَةِ فهيَ مِنْ الحاجاتِ المُلِحَّةِ التي يستحِيلُ أَنْ نُقاوِمها وَلا نُجيدُ التحكُّمَ بِها ، تجعلنِي استُبيحَ كل مَا يخطرُ لي مِنْ حروفٍ وكلمَاتٍ .
الْكتابهُ توأَمُ الروحِ الذي يُخرجكَ منْ ضيقِ الصدرِ لرحابةِ الكونِ فتملئُ رُوحكَ روحاً ، وكأَنها مولودُهُ منْ رحمِ قلبكَ لِتهذِّبَ عَقلكَ و تجعلْ ضميركَ أَشدَّ وسامَةً لِتعيشَ لحظتكَ وملامحَ وَاقِعِكَ وَتنتزعُ تِلكَ الْجراحُ المتعلِّقهُ بكَ دونَ خوفٍ و ترددٍ ، فلا تجعلْ لِذِكْرَيَاتِكَ ، مكاناً لِتتآمرَ عليكَ ، تبقى حينهَا قويّاً قَادراً على مُواجهةِ نفسكَ قبلَ الاخرينَ ، فترَى الحقائقَ مِن المرهِ الأُولى لِتستوعبَ نفسكَ وَروحكَ ، فَتعيشَ الْفرحَ وَالسَّعادهَ لِتمتلئَ بهجةً ، فهيَ بوابُهُ الْحيَاهُ لَاوْلئكَ الْأَشخاصُ الْقابعونَ خلفَ أَسوارِها العاليهِ لتمنحهُمْ حقَّ الْحُريةِ وَاستنشاقَ الهواءِ فتملكُ رُوحاً هائمةً .
أَنها انتصارٌ منْ نوعٍ آخرَ وبوحٍ لا يجاريهِ بوحٌ فتؤْمنُ بذاتكَ فتقفُ شجاعاً، مِقداماً ، واثقاً ، فتغلفُ حُروفكَ بِالسعادهِ الغامرَهْ فتشفي ذَاكرتكِ الْمجروحةَ فتثورُ على كل ما فاتَ ، فترَى جودهُ احساسكَ وتطهرْ نفسكَ منْ ادرانِ الماضي ، فتسرعُ إِلى إِخراجِ ما في جعبتكَ فتتحدثُ عنْ نشرتكَ النفسيهِ بكل وضوحٍ
انُها الشغفُ ، الحياهُ ، الحريهُ ، الجنَّهُ ،السعهُ
إنها الكتابهُ يا سادهْ.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة
في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.
لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.
كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.
وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.
ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.
واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.
ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.
في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.