بعد أسبوع مُرتفع المخاطر في الشرق الأوسط، قرّرت إسرائيل وإيران أن الوقت قد حان لإنهاء دورة التصعيد بينهما، وإعادة ضبط صراعهما. والطريقة التي اختارت بها إسرائيل الردّ على الهجوم الإيراني، كانت مصممة على غرار الأخير، لاستعراض محدود للقوّة وإرسال رسالة ردع.

مع ذلك، ينبغي ألا يدفع تراجع الإسرائيليين والإيرانيين خطوة إلى الخلف والابتعاد عن حافة الهاوية إلى الشعور بالرضا عن النفس وبأن خطر نشوب حرب بين البلدين انتهت تمامًا.

غالبًا ما تُصبح الأفعال غير المألوفة مألوفةً مع مرور الوقت، حتى لو حصلت كنتيجة لظروف استثنائية.

وفي الصراع الإسرائيلي الإيراني، فإن كسر العتبة النفسية بخروجه من الظلّ إلى العلن، يجعل من الصعب العودة إلى القتال في الظلّ فقط، وكأن شيئًا لم يحصل. وحتى لو أراد الطرفان العودة إلى قواعد الاشتباك، التي أدارت الصراع قبل التصعيد الأخير، فإن اللعب على حافة الهاوية أُضيف إلى قواعد الصراع.

لقد أظهرت دبلوماسية القنوات الخلفية والتكاليف الباهظة للحرب، أنها لا تزال تعمل كرادع قوي لمنع حدوثها. مع ذلك، فإن النمط الجديد للصراع، سيبقى محفوفًا بالمخاطر إلى حين إرساء قواعد الردع والاشتباك التي يُفترض أنّها ستعمل على إدارته في المستقبل، وتمنعه من الانفجار.

استغرق إرساء القواعد السابقة للصراع سنوات من القتال في الظلّ، واختبار العزيمة. كما أن الظروف غير المباشرة المؤثّرة على ديناميكيات الصراع خلال السنوات والعقود الماضية، كانت تعمل في الغالب للحفاظ على استقرار الصّراع. لكنّ هذه الظروف اليوم اختلفت بشكل جذري.

إن البيئة الأمنية الإقليمية المضطربة التي أفرزتها حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بين إسرائيل وحركة حماس، والشكوك المُحيطة بمستقبل الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط، والحقبة الجديدة من المنافسة الجيوسياسية العالمية بين القوى الكبرى، كلّها عوامل تزيد من وعورة الطريق أمام إسرائيل وإيران، لإرساء قواعد جديدة للصراع. وحتى الوصول إلى هذه النقطة، فإنه ينبغي توقّع المزيد من استعراض القوة المتبادل واختبار العزيمة.

لقد أظهرت دبلوماسية القنوات الخلفية والتكاليف الباهظة للحرب، أنها لا تزال تعمل كرادع قوي لمنع حدوثها. مع ذلك، فإن النمط الجديد للصراع، سيبقى محفوفًا بالمخاطر إلى حين إرساء قواعد الردع والاشتباك التي يُفترض أنّها ستعمل على إدارته في المستقبل، وتمنعه من الانفجار

حقيقة أنّ الشرق الأوسط لا يحتمل مزيدًا من هذا الاستعراض الذي أصبحت تُهيمن عليه المجازفة على الانضباط في الفعل وردة الفعل، تترك هامشًا للوقوع في الحسابات الخاطئة التي يُمكن أن تجرف الصراع في لحظة ما إلى الانفجار.

وما يُعزّز هذه المخاطر أن اليمين المتطرف الذي يُهيمن على الحكم في إسرائيل لا يزال موجودًا في السلطة، وأن النظام في إيران لا يزال ينظر إلى حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول وارتداداتها الإقليمية على أنها لحظة فاصلة لطهران؛ لإعادة تشكيل الحالة الإقليمية، وأن القواعد التي حافظت على استقرار الصراع بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، أصبحت أو تكاد تُصبح شيئًا من الماضي.

وحتى في الوقت الذي أظهرت فيه إيران أنها لا تزال تُولي أهمية لتجنب التكاليف الباهظة، وتُفضل مواصلة اعتمادها الرئيسي في صراعها مع إسرائيل والولايات المتحدة على شبكة وكلائها المنتشرين في المنطقة، فإن أولوياتها الرئيسية قد تُصبح ثانوية عندما يتعرض أقوى حليف لها في المنطقة، وهو حزب الله لخطر وجودي. وهنا تبرز الحاجة إلى مقاربة الصراع الإسرائيلي – الإيراني من منظورَين متوازيَين، هما حسابات المواجهة المباشرة، وحسابات القتال في الظل.

ومن الأهمية بمكان الأخذ بعين الاعتبار أن الأسباب الجوهرية، التي أدّت لدورة التصعيد الأخيرة بين إسرائيل وإيران، كانت نتيجة لحرب الاستنزاف التي تخوضها إسرائيل ضد الوجود الإيراني في سوريا. وبمعزل عن المكاسب التي حقّقها الطرفان في التصعيد، فإنه شكّل لحظة فارقة في الشرق الأوسط.

في الطريق إلى قواعد ردع جديدة

لعقود طويلة، استطاعت المنطقة التعايش مع صراع الظل بين البلدين. لكنّ الهجوم الانتقامي الإيراني المباشر على إسرائيل، والرد الإسرائيلي عليه، يُشكلان جرسَ إنذارٍ قويٍّ للشرق الأوسط، بأنّه ما كان يُعتقد في الماضي بأنه غير مُمكن، قد يُصبح واقعًا في أية لحظة.

كان الاعتقاد بأن هذا الصراع لن ينفجر، يستمد قوته من عوامل أخرى أيضًا، أهمها أن طهران تجني فوائد عالية من القتال عبر شبكة وكلائها في المنطقة بتكاليف أقلّ، وأن الولايات المتحدة لن تسمح بنشوب حرب إسرائيلية – إيرانية؛ لأن مثل هذه الحرب ستجرّها إلى الانخراط مُجددًا في صراعات الشرق الأوسط التي لا تنتهي.

حتى اندلاع حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول بين إسرائيل وحركة حماس، كانت هذه العوامل لا تزال واقعية إلى حد كبير، لكنّ تأثيرها بدأ يتراجع. لا يعني ذلك أن إسرائيل وإيران ترغبان في خوض حرب مباشرة، وأن الولايات المتحدة لم تعد مُهتمة بمنع هذه الحرب.

لكن التصدّع الكبير الذي أصاب الردع الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والفرصة التي خلقها لإيران لاستعراض قوتها الإقليمية، غيّرا معظم القواعد الصارمة التي أبقت الصراع الإسرائيلي – الإيراني في الظل، ويعمل ضمن ديناميكيات مستقرة.

إن المعضلة الكبيرة التي تواجه إسرائيل في إعادة ترميم الردع؛ إنْ مع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، أو حزب الله في لبنان، والصعوبات التي تواجهها في تقويض الوجود الإيراني في سوريا، فضلًا عن بروز نقاط ضعف إستراتيجية "الصبر" الإيرانية، تدفع الجانبين إلى إيلاء أهمية أقل لتجنّب المخاطر الكبيرة، والانتقال إلى اللعب على حافة الهاوية؛ لمحاولة فرض قواعد ردع جديدة متبادلة في إدارة الصراع.

وهذا التحول يعني للشرق الأوسط، أنه عليه الاستعداد للتعامل مع سيناريو حرب إسرائيلية -إيرانية بأبعاد إقليمية بدل مواصلة الرهان على أن هذه الحرب لا يُمكن أن تحصل. لقد نجحت دول المنطقة إلى حد معقول في عزل نفسها عن ارتدادات فصل جديد من فصول المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، لكننا أمام مُجرد بداية في نمط جديد من الصراع يجلب المخاطر على الأمن الإقليمي بقدر أكبر من الفرص.

ولا يرجع السبب في ذلك إلى أن اللعب الإسرائيلي – الإيراني على حافة الهاوية يُمكن أن يدفع الصراع إلى الانفجار فحسب، بل أيضًا إلى تراجع قدرة الولايات المتحدة على ممارسة دورها الرادع لمنع الحرب.

يُمكن لواشنطن أن تنسب جانبًا كبيرًا من الفضل لقوّتها العسكرية في إفشال الهجوم الإيراني على إسرائيل، لكنّ هناك أمرَين ينبغي ألا يدفعا الولايات المتحدة ودول المنطقة إلى التقاط الأنفاس. أوّلهما: أن إسرائيل لم تنجح في صد الهجوم الإيراني بدعم حلفائها؛ لأنه لم يُصمم أصلًا كي تفشل في صدّه. فهدف طهران كان إرسال رسالة ردع أكثر من إلحاق الضرر وإظهار أنها مُستعدة بعد الآن لرد غير تقليدي إذا تم الضغط عليها أكثر. والثاني: أن الولايات المتحدة فشلت في منع كسر العتبة النفسية في صراع الظل الإسرائيلي – الإيراني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات السابع من أکتوبر تشرین الأول الولایات المتحدة إسرائیل وإیران الشرق الأوسط حافة الهاویة بین إسرائیل لا تزال فی الظل

إقرأ أيضاً:

22 منتسباً للدفعة الثالثة من دبلوم المرونة والحد من المخاطر

دبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة محاضرات توعوية لسائقي الأجرة في «تاكسي دبي» شرطة دبي تحصد جائزة «أفضل داعم للعمل التطوعي»

يواصل مركز المرونة في القيادة العامة لشرطة دبي تأهيل وتدريب الموظفين، حيث أطلق المركز برنامج الدفعة الثالثة لدبلوم المرونة، بالتعاون مع الجامعة الأميركية في دبي، والذي يُعنى بتطوير مستوى المعرفة والجاهزية للمنتسبين في مجال المرونة والحد من المخاطر، وفق أفضل التجارب والممارسات العلمية والتطبيقية، وذلك تماشياً مع التوجهات الاستراتيجية للدولة في تعزيز الجاهزية الدائمة.
وانطلق الدبلوم بمشاركة 22 منتسباً من القيادة العامة لشرطة دبي، ومن 9 جهات حكومية في الدولة، ومنتسب من الجمهورية التونسية ومنتسب من جمهورية موريتانيا، ويمتد الدبلوم لأسبوعي نظري وشهر لبحث التخرج.
وحول البرنامج، قال العميد خبير أحمد عتيق بورقيبة، مدير مركز المرونة، إن انطلاق النسخة الثالثة يأتي بعد النتائج المتميزة والنجاح الذي تحقق في النسخة الأولى والثانية، وبمتابعة من معالي الفريق عبدالله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي، الذي يوجه باستدامة واستثمار البرامج الهادفة التي تعزز من مستوى الأداء للمورد البشري، حيث يُمكن البرنامج المنتسبين من التعرف والتزود بأحدث العلوم والتجارب والممارسات التي تساعدهم في رفع جاهزيتهم في التعامل مع المخاطر وتقليل آثارها السلبية والاستجابة بفعالية معها، للعبور إلى المستقبل بكل كفاءة وحرفية.
وأضاف العميد بورقيبة: إمارة دبي فازت بجائزة «المدينة النموذجية في مجال المرونة والذكاء والاستدامة»، وهي الجائزة التي تُمنح لأفضل المدن العالمية في كفاءة الإجراءات التي تعزز من المرونة والحد من المخاطر، وصنفت دبي كأول مركز للمرونة على مستوى العالم، الأمر الذي يحتم علينا ضمان استدامة الأداء عبر تنظيم العديد من المبادرات والبرامج والمؤتمرات والدورات التي تحقق الأهداف، وتعمل على استدامة هذا النموذج المتقدم من العمل الاحترافي.
وتابع العميد بورقيبة: نتطلع من خلال برنامج الدبلوم إلى صنع قادة في المرونة يستطيعون أن ينقلوا ما اكتسبوه من مهارات وقدرات علمية وتطبيقية إلى مقر عملهم لتعزيز التخطيط الاستراتيجي لمواجهة المخاطر والتهديدات، وضمان سير العمل واستمرارية الأعمال بكفاءة عالية.
وأشاد العميد بورقيبة بالتعاون مع الجامعة الأميركية في دبي، مؤكداً أن هذا التواصل المعرفي والعلمي لتنفيذ البرنامج يعكس حرص الطرفين على مد جسور التعاون والتواصل الهادف والذي يحقق الأهداف المشتركة.
من جانبه، قال الدكتور لانس دوماسي، رئيس الجامعة الأميركية في دبي: تحرص الجامعة الأميركية في دبي AUD منذ تأسيسها إلى بناء شراكات تساهم في تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية لإمارة دبي، ومن أبرزها شراكة الجامعة مع مركز المرونة بشرطة دبي، والتي تهدف إلى تعزيز المرونة المؤسسية في الإمارة عبر إطلاق دبلوم تخصصي مشترك لإعداد وتأهيل قادة مرونة في مختلف المؤسسات في القطاعين الحكومي والخاص.
ويستهدف برنامج دبلوم المرونة جميع العاملين في قطاعات المرونة المختلفة والحد من المخاطر في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، والقطاع لخاص، ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب الموظفين والطلبة الذين يرغبون بتعزيز قدراتهم وتنمية مهاراتهم، وذلك على أيدي خبراء ومتخصصين وأكاديميين من شرطة دبي والجامعة الأميركية في دبي، ومنظمات أخرى.

مقالات مشابهة

  • هذه رسائله المبطنة.. مسؤول إسرائيلي: خطاب بايدن يغير قواعد اللعبة
  • 22 منتسباً للدفعة الثالثة من دبلوم المرونة والحد من المخاطر
  • وزير إسرائيلي سابق: “إسرائيل” على حافة هزيمة استراتيجية غير مسبوقة
  • الإتحاد الأوروبي يصدم الحوثيين وإيران بعقوبات جديدة على صلة بالهجمات في البحر الأحمر
  • رضا فرحات: إسرائيل تحاول جذب مصر للدخول في دائرة الصراع
  • وزير إسرائيلي سابق: “إسرائيل” على حافة هزيمة استراتيجية والمسؤولون “يبيعون الإسرائيليين أوهاماً
  • الأمين: مشاريع المقامرة والمجازفة قاربت على الانتهاء
  • على حافة الغابة البدائية: الحلقة (11)
  • ترهيب ووعيد وفوضى.. الجولاني يطبّق قواعد الأسد في إدلب السورية
  • على حافة الغابة البدائية: الحلقة (10)