جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-27@09:40:21 GMT

حافة السؤال

تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT

حافة السؤال

حمد الصبحي

"لكل زمان حكاية.. الأسئلة التي لا نجرؤ على نطقها، تُقيم فينا أكثر مما تفعل الأجوبة".

لا أتذكر من قال هذه الجملة، لكن في الغالب أقرب إلى قلب الشاعر محمود درويش، وحده من يفيض بهكذا مفردات، وحسّه العالي المُفرط بالسؤال في نهر كلماته، كأثر الفراشة. ولأن الأسئلة دائمًا ما تجرح الذاكرة، نقيم لها الأرض.

لذلك وجدتُ من هذه الجملة مدخلًا لتبدأ الحكاية، حكاية السؤال ونهر كلماته في أفقه المتسع والمتشظي في الغالب.

 ولأننا نحتاج دومًا إلى الإجابة كحالة تأملية وفلسفية، فإن السؤال هو جوهر الكلمات الطافحة بالأمل، لذلك علينا أن نكتب، فهي سر كل شيء، وبقاء كل شيء. ولأننا نحتاج إلى إجابة تُصرَع الحاضر وحمولاته، ونغرق بمعرفتنا بإجابة واحدة، فكان لا بد من دفع الأشياء في صباحاتنا الأولى؛ نكتب عن كل شيء، وفي كل شيء، نكتب عمّا يدور حولنا من تفاصيل صغيرة، وهي كبيرة، وفي الكتابة أكثر من حلم بذرناه في شرفة الصباح الجديد.

نكتب لأننا عالقون في الأسئلة الكبرى، نبحث عن إجابة لها. لذلك قررتُ، وبعد انقطاع طويل نسبيًا عن الكتابة في الصحافة اليومية، أن أكتب في زاوية أسبوعية تُنهي أجراس القطيعة مع اليومي والسائد، مع السؤال وإجابته، على اعتبار أن الحياة تستحق الكتابة عنها، وفي كل فصولها، محاولًا التقاط ما يمكن التقاطه.

تبدأ الحكاية وأنت في خروجك من المنزل؛ ترى عمّال النظافة وهم يكنسون الأرض مما لفظه الليل، ترقب المحلات في شهيّتها الأولى، تُحدّق في وجوه الناس، ترى كل شيء من حولك بفرحه وحزنه، في شكله وتعبه. وعندما تذهب إلى مكاتب الخدمات، عليك أن تكتب؛ تكتب عن موظف يبتسم رغم ضيق الحال، تكتب عن خبر في الجريدة يرفع من منسوب الأمل عند الموظف، تكتب عن حقوقه وواجباته، تكتب عن المرأة العاملة، تكتب عن القوانين الجديدة لوزارة العمل، عن الأفق والرؤية الوطنية، عن التأهيل والتدريب، عن رأس العمل والمقرون بالعمل، عن رواق المؤتمرات والندوات، عن كلام المسؤولين وصنّاع القرار، عن المستقبل الجديد. نكتب على عجل، قبل أن تبرد قهوتنا.

نكتب لنقرأ، ليس بالضرورة عن الرواية أو القصيدة أو المسرح، وهذا الأخير هو مسرح الحياة في ضميره المتكلم والصامت. سنقرأ جميعًا لنكتب؛ الكتابة هنا ليست وصفة بقدر ما هي سؤال، وعند حافة السؤال تبدأ أصل الحكاية.

في هذه الزاوية التي اشتقنا إليها في كل صباح وكل أحد، سنبدأ الحكاية مع العامل، كما كتب عنه ماركس وأنصفه وانتصر له. سنتحدث عن الحياة من زوايا مختلفة، ومن هوامش عدة: عن الحياة وقوانينها، عن الموظف في قطاعيه، وعن الأمل بينهما، من هموم إلى طموح، ومن انكسار إلى مجد، ومن أمل إلى إخفاق. سنكتب عن العمل خطوة بخطوة، عن حزمه ومزاياه، سنكتب بحب عن العدالة والإنصاف، وهناك قوانين لزم أن تُنصف كونها تُحقق العدالة، "من الضوء الخافت في المكاتب إلى ضوء الشمس المكسور على الأرصفة".

وعند حافة السؤال، علينا أن نرفع الصوت، لأننا جزءٌ من هذا السِّبْر اليومي، حالنا كحال الريح في العدم، نعمل لنعيش. أن نبقى، علينا أن نتكلم عن الطريق، وعن المكتب، عن الوظيفة وقانون العمل، وعمّا يدور حول الوظيفة العامة، وعن كواليس المسؤول، وعن واقع الحدّ الأدنى من الحلم.

سنكتب عن كل شيء، وفي الكتابة قراءة، الحقوق أولها. سنكتب عن خيوط الشمس وهي تبزغ على أرضنا الطيبة، سنكتب عن بذرة أحلامنا، سنكتب بأملٍ وخسارات، عن موظف مهزوم وناجح. سنكتب عن العلاوة السنوية التي ينتظرها بشغف ليُؤثّث حياته ويفرح سؤال طفله، عن عقد العمل خارج حلق المؤثرين، سنكتب عن ساعات النهار تحت الشمس الحارقة، عن المكتب والضوء الخافت، عمّن يقرأ جريدة الصباح ويشرب شاي الكرك، سنكتب عن إجازة الأبوة، سنكتب عن ساعات العمل خارج المكتب، عن الساعات الإضافية ومهام العمل، سنكتب عن كل شيء؛ عن ملف الباحثين عن عمل، وماذا يتوجب عليهم فعله، سنكتب عن الفرص المهدورة، وعن العمل الحر، سنكتب عن وظائف الدنيا، وما أجملها من وظائف.

سنكتب ونسأل: هل الموظف شريك، أم رقم في جدول الرواتب؟ أم أنه تخطّى سلالم خريطة الصباح وهو في طريقه للعمل، ليكون خارج الدوائر وخارج إيقاع الزمن؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: تکتب عن کل شیء

إقرأ أيضاً:

البطالة وأثرها على الاستقرار المجتمعي

 

علي بن عبدالله بن منصور السليمي

[email protected]

دائمًا ما نسمع عبارة: "الباحثون عن عمل"، ولعلّك -عزيزي القارئ- واحدٌ منهم الآن. ولكن، هل تساءلت يومًا عن حقيقة هذه المشكلة التي تواجهها؟

أو عن الآثار التي قد تخلّفها، سواء على حياتك الشخصية أو على المجتمع بأسره؟

وهل حاولت في وقتٍ ما أن تبحث عن حلّ جذري لها؟

أنا لا أشك في ذلك... لكن في السطور القادمة، سنحاول أن ننظر إلى هذه المعضلة من زاوية مختلفة، لعلنا نستلهم منها شيئًا، أو يلتمس -ولو أحدنا- طريقًا نحو المستقبل الذي ينشده.

لا شكّ أنّ مشكلة "البطالة" باتت من القضايا العالمية الملحّة، فلا يكاد يخلو بيت -تقريبًا- من باحث عن عمل. ومع توالي الأزمات العالمية وتفاقم الصراعات الدولية، تتعاظم هذه الظاهرة، ويكون أول المتضررين منها هو المواطن الصالح البسيط، الذي يسعى بشرف إلى لقمة عيشه.

وعلى الرغم من الجهود الجادة التي تبذلها الحكومات في سبيل احتواء هذه الأزمة، إلا أننا نلاحظ -مع مرور الوقت- ازدياد أعداد الباحثين عن عمل، دون تحسّن ملموس في الأوضاع. ومن هنا، بات من الضروري عقد لقاءات موسعة ومناقشات جادة لإيجاد حلول واقعية وعملية لهذه الآفة، التي تنهش في نسيج المجتمع مثل سوسةٍ تأكل في صمت، حتى تحدث فيه شرخًا يصعب رأبه.

فهل ننتظر -لا قدّر الله- أن يبلغ السيل الزُبى؟

هل ننتظر انتشار الفقر، وازدياد معدلات الجريمة، وظهور الانحرافات السلوكية في مجتمعنا؟ بالتأكيد لا.

إنّ مجتمعنا المسلم المحافظ، يدرك تمامًا أن البطالة قد تفضي إلى هذه المشكلات الخطيرة، فهي نتيجة طبيعية للفراغ، واليأس، وانعدام مصدر الدخل.

وقد حث الإسلام على العمل والكسب الحلال، واعتبره من أسباب الكرامة والعيش الكريم، فقال تعالى: 

"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (الملك: 15).

وقال أيضًا: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" (التوبة: 105).

كما قال النبي ﷺ: "مَا أَكَلَ أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِهِ..." (رواه البخاري).

إذاً يجب على كل امرئ فينا أن يسعى في طلب رزقه، ويطرق جميع الأبواب حتى يحقق مبتغاه.

وفي المقابل يجب أن تكون هناك تسهيلات كبيرة من لدن الدولة؛ حتى تتحقق للفرد الوظيفة المناسبة له التي يستطيع من خلالها أن يعيش حياة كريمة.

فلا يمكن للإنسان -بطبيعة الحال- أن يكون كائنا خاملا وسط الخلية المنتعشة التي تتطلب كل ذرة قوة فيها حتى تنمو وتزدهر، وإلا سيتم إقصاؤه بعيدًا.

إلا أن هذا الأمر لا يتحقق إلا إذا تكاتف الجميع، وعملوا فيما بينهم على إصلاح الخَلَّة، ومعالجة العِلَّة، فلا يمكن القضاء على هذه الظاهرة إلا إذا تظافرت جميع الجهود من أعلى الهرم إلى أدناه.

ولربما هناك بعض الحلول التي من شأنها أن تسهم في تقليص حجم هذه المشكلة ومضرتها، وسنسردها لكم فيما تبقى من سطور قليلة قادمة...

ولمواجهة هذه الظاهرة، تبرز الحاجة الملحّة إلى تبنّي سياسات تنموية واقتصادية شاملة، تستند إلى رؤى واقعية وفاعلة. ومن أبرز هذه السياسات: تنشيط الاستثمارات في القطاعات المنتِجة لفرص العمل، ودعم ريادة الأعمال والمبادرات الفردية، والعمل على مواءمة مخرجات التعليم والتدريب مع متطلبات سوق العمل. كما ينبغي تشجيع الشباب على الانخراط في المهن الحرفية والتقنية، ونشر ثقافة الإنتاج والعمل الجاد، باعتبارها أساسًا لبناء مجتمع متماسك واقتصاد مستدام.

وفي الختام، فإنّ البطالة ليست مجرد أزمة اقتصادية، بل هي تحدٍّ حضاري يمسّ كيان المجتمع واستقراره وأمنه.

ومن هذا المنطلق، يجب علينا -أفرادًا ومؤسسات- أن نستشعر حجم المسؤولية، ونتكاتف جميعًا في السعي الجاد نحو إيجاد الحلول، وتوفير بيئات محفزة للعمل، وتمكين الشباب من أداء دورهم الحقيقي في بناء أوطانهم.

ولنأخذ بأسباب النجاح والتوكل على الله، متيقنين بأن العمل شرف، والكسب الحلال عبادة، وأن في الجد والاجتهاد تُصنع الأمم وتنهض الحضارات.

مقالات مشابهة

  • البطالة وأثرها على الاستقرار المجتمعي
  • منى أحمد تكتب: 23 يوليو..الثورة التنويرية
  • إلهام أبو الفتح تكتب: ماكرون يغرد
  • غزة على حافة كارثة إنسانية: تحذير من مقتلة جماعية تهدد حياة 100 ألف طفل
  • لو همومك ديون أو امتحان.. 7 أدعية تكتب لك التوفيق والنجاح
  • أم تحارب الجوع والسرطان في خيمة.. غزة تكتب فصول الموت البطيء
  • يمتد 5 أيام.. أطباء بريطانيا يضربون عن العمل
  • عائشة الماجدي تكتب ✍️ رجال المرور ببورتسودان
  • حين تكتب عن الجوع وأنت جائع