سودانايل:
2024-06-12@07:23:06 GMT

سمنار المجتمع المدني السوداني

تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

1

بدعوة من الاتحاد الأوروبي وحكومتي فرنسا وألمانيا، التأم شمل طيف واسع من السودانيين ضم القيادات السياسية وقيادات المجتمع المدني والأهلي والشخصيات المستقلة في لقاء/سمنار بمقر معهد العالم العربي في باريس، بتاريخ 15 أبريل/نيسان الجاري، متزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لارتكاب جريمة الحرب بحق السودان وشعبه، والتي لاتزال تدمر وتحصد الأرواح حتى اللحظة.


اللقاء، أو السمنار، هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب إذ ضم مجموعات من القوى المدنية ظلت تتخاصم وتتصارع، بل بعضها يرفض مجرد الجلوس مع البعض الآخر منذ فترة ما قبل اندلاع الحرب، ثم تفاقم الخصام والصراع بعد اندلاعها رغم أنهم جميعا يتفقون حول ضرورة وقفها. اللقاء جاء تجسيدا لحلم انتظرناه طويلا، وكان البعض يرى استحالة تحققه على أرض الواقع، بينما البعض الآخر، ومن ضمنهم شخصي، كان يحاجج بأنه سيتحقق ولو متأخرا. فشخصيا ظللت على قناعة لا تتزحزح بأن هذه الأطراف المتصارعة ما دامت تقف على ذات ضفة رفض الحرب، فإن التفكير السليم سيفرض عليها القناعة بأن الوطن كله أصبح في مهب الريح، وأن خطرا داهما يتهدد الجميع، وأن ما يجمع هذه الأطراف من مصالح في الحد الأدنى الضروري للحياة، أقوى مما يفرقها، وأنها عاجلا أم آجلا لابد أن تلتقي وتعمل بجدية وإخلاص لتمنع انهيار البلاد.
صحيح أن المشاركين في اللقاء لم يأتوا كممثلين للجهات التي ينتمون إليها، ولم يحملوا تفويضا للتحدث باسمها، لكن قطعا أن ما طرحوه من رؤى وحيثيات تعكس وجهة نظر تلك الجهات، خاصة وأن الحضور كان على مستوى الصف القيادي الأول. وفي كل الأحوال، ومنذ البداية، تم الاتفاق على أن اللقاء سيكون بمثابة عصف ذهني ومحاولة لاستكشاف المشتركات وتحديد نقاط التباعد، وأصلا لم تكن هناك أي نية أو توجه لصدور بيان ختامي أو مخرجات بعينها، بإعتباره اللقاء الأول الذي لا يحتمل أي حمولات زائدة، ولكنه قطعا سيدفع الجميع للتفكير في كيفية متابعته وصولا إلى لقاءات رسمية مفوضة لاتخاذ قرارات. بهذا المعنى فإن اللقاء كان ناجحا وأدى غرضه تماما.
اللقاء، أو السمنار، ناقش مجموعة من القضايا الهامة المتعلقة بمسألة الحرب وكيفية إيقافها، وحسب قراءتي الخاصة والذاتية لمجريات نقاش هذه القضايا، والذي شاركت فيه بالطبع، أعتقد بوجود توافق مشترك حول العديد من النقاط، والتي تفتح الباب لمزيد من اللقاءات مستقبلا وصولا للتوافق حول رؤية سودانية لوقف الحرب. هذه النقاط تشمل:
1 ـ الاتفاق على ضرورة وقف الاقتتال وإنهاء الحرب باعتبارها أكبر مهدد وجودي مر على السودان في تاريخه الحديث. وإن العمل من أجل إيقاف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية الواقعة على كاهل السودانيين مقدمة على أي تفاصيل أخرى.

السودانيون ظلوا مع كل صباح جديد من صباحات الحرب، يتطلعون إلى قواهم وقياداتهم المدنية من أحزاب ومنظمات وصناع الرأي وقيادات المجتمع والزعامات الشعبية والأهلية والروحية، علّ هذه القيادات تستجيب وتنفعل عمليا مع هذا التطلع

2 ـ الاتفاق على إدانة الانتهاكات التي تم ارتكابها خلال الحرب، وبالأخص جرائم القتل الجماعي والتهجير القسري وجرائم الاغتصاب والعنف الجنسي، والتأكيد على ضرورة المحاسبة والمساءلة حول كافة الانتهاكات وعدم الإفلات من العقاب، وضمان تحقيق العدالة للضحايا، وضرورة توفير الحماية للمدنيين حسب مبادئ القانون الدولي وقانون الحرب.
3 ـ ضرورة مخاطبة قضية المجاعة التي تضرب أرجاء السودان، ومناشدة كل الأطراف بالتعامل الجاد مع هذه القضية لما فيه مصلحة شعبنا، وعدم استخدام الوضع الغذائي كأحد أسلحة الحرب، وأن الأولوية القصوى الآن هي لضمان إيصال المساعدات الإنسانية وضمان وجود ممرات آمنة لإيصالها عبر الحدود الدولية وعبر خطوط سيطرة الطرفين. وأيضا مطالبة أطراف المجتمع الدولي بتقديم الدعم الكافي للمستجيبين في الخطوط الأمامية وأعضاء غرف الطوارئ ودعمهم بشكل مباشر وتعريفهم كمتطوعي عون إنساني تشملهم الحماية المتضمنة في الاتفاقات والعهود الدولية.
4 ـ التأكيد على استمرار العمل المشترك بين الأطراف المشاركة في السمنار، وتوسيع دائرته لتشمل كافة الجهات والاطراف الرافضة للحرب والتنسيق بينها.
5 ـ الترحيب بالدور الأممي والإقليمي في وقف القتال مع التشديد على رفض تعدد المنابر والتمسك بالمنبر الواحد.
6 ـ التأكيد على أن إنهاء الأزمة السودانية هو في يد السودانيين في المقام الأول ولا ينبغي أن يكون رهينا لأي تدخلات إقليمية أو دولية.
في نفس التاريخ، ونفس المدينة باريس، لكن في موقعين آخرين تابعين للحكومة الفرنسية والاتحاد الأوروبي، عقد اجتماعان آخران حول الأزمة السودانية، أيضا بدعوة مشتركة من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا، لم تشارك فيهما أي من أطراف القوى المدنية السودانية المشاركة في السمنار، واقتصر حضورهما على وزراء خارجية الدول ذات العلاقة بالشأن السوداني وممثلين من هذه الدول، من أمريكا وأوروبا والدول العربية والدول الأفريقية، بالإضافة إلى ممثلين عن المنظمات الأممية والإقليمية. وحسب البيانات والتصريحات الصادرة عن الاجتماع الأول فإن الغرض منه هو التشاور حول مبادرات وقف الحرب في السودان، والخروج بموقف مشترك يزيد من فعالية هذه المبادرات ويعجل بوقف الحرب. أما الاجتماع الثاني فكان بغرض تقديم مساهمات مالية وتوفير الدعم المالي لسد احتياج السودان للمعونات الإنسانية، حيث التزمت كل دولة بتقديم مبلغ معين، وبلغت جملة المساهمات أكثر من 2 مليار دولار. دعيت القوى المدنية السودانية لحضور مخاطبة الرئيس الفرنسي للجلسة الختامية، وبعد ذلك التقاها الرئيس لمدة ساعة في جلسة ترحيب.
في عدة مقالات سابقة، كررت القول بأن السودانيين ظلوا مع كل صباح جديد من صباحات الحرب، يتطلعون إلى قواهم وقياداتهم المدنية من أحزاب ومنظمات وصناع الرأي وقيادات المجتمع والزعامات الشعبية والأهلية والروحية، علّ هذه القيادات تستجيب وتنفعل عمليا مع هذا التطلع، فتضاعف من جهودها للتنسيق فيما بينها وتتوافق حول رؤية موحدة لكيفية إسكات البنادق وبسط السلام. وسمنار القوى المدنية في باريس، سواء في جلسات النقاش الرسمية أو النقاشات الجانبية، أكد على إمكانية تحقيق هذا الهدف. والأمر الجوهري الآن هو أن نلتقط الإشارات الإيجابية التي أرسلها السمنار.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى المدنیة

إقرأ أيضاً:

الموقف من المائدة المستديرة في مصر اول امتحان امام تقدم!

رشا عوض
رحبت بعض الاحزاب السياسية السودانية المنضوية في تحالف " تقدم" بالمبادرة المصرية الخاصة بتنظيم مؤتمر مائدة مستديرة للقوى المدنية السودانية في القاهرة تحت اشراف وزارة الخارجية المصرية نهاية يونيو الجاري.
على هذه الخلفية ارجو من هذه الاحزاب ومن تنسيقية " تقدم" ان تفكر بجدية في الحقائق الاتية:
اولا: لن ترضى عنكم مصر الرسمية حتى تتبعوا ملتها ! وهذه الملة هي الحكم العسكري وهو خيار مدمر للسودان، وكانت الحرب الكارثية الحالية هي نتيجته الحتمية! ولو توقفت الحرب على اساس حكم عسكري باي صيغة ، ستندلع الحرب مجددا وفي زمن قياسي.
ثانيا: اي اجتماع سياسي تنظمه الحكومة المصرية سوف تتحكم فيه بالكامل ابتداء من تحديد الشخصيات التي ستشارك مرورا باجندة الاجتماع وصولا الى مخرجاته، وهذا يتناقض مع جوهر فكرة المائدة المستديرة التي يتساوى اطرافها ويتحاورون بندية وبحرية دون وصاية او ترغيب او ترهيب ودون اي شكل من اشكال الهيمنة! يستحيل ان تسمح مصر للسودانيين بان يتحاوروا بحرية دون تدخلات مباشرة واملاءات مخابراتية مجهزة سلفا! ولن تتحرج مصر من ذلك ابدا لان ذهنية الوصاية على السودان مسيطرة عليها تماما، وضعف النخب المدنية والعسكرية السودانية المزمن امام الحكومات المصرية كرس هذه الوصائية المصرية وجعلها امرا طبيعيا جدا! لدرجة ان المخابرات المصرية في الماضي القريب ، بكل بساطة اصدرت اوامرها لشخصية بقامة الامام الصادق المهدي - رحمه الله وتقبله في جنة رضوانه- بان لا يسافر الى باريس للمشاركة في اجتماع قوى " اعلان باريس" عام ٢٠١٧! وكانت تتوقع ان الامام سيسمع الكلام لان هذا ما اعتادت عليه! وعندما خالف الامام اوامرهم عاقبوه بعدم السماح له بدخول مصر!! وهو رئيس وزراء منتخب ديمقراطيا ويمثل اكبر حزب سياسي في السودان.
هذا هو اسلوب مصر في التعامل مع اكبر كبير في السياسة السودانية !! الاوامر الفوقية ثم العقاب حال عدم التنفيذ!!
الان الامور ازدادت سوءا! اذ ان دخول السياسي السوداني وخروجه من والى مصر يحتاج الى موافقة امنية! فهل يعقل ان تخرج توصيات المائدة المستديرة دون " موافقة امنية" !!
ثالثا: انسب مكان لانعقاد مائدة مستديرة حقيقية هو دولة ديمقراطية مثل جنوب افريقيا التي نحتاج لاستلهام تجربتها الرائدة في التحول الديمقراطي ، واتمنى ان تسعى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية تقدم لانجاح فكرة المائدة المستديرة باختيار المكان الصحيح، وقبل ذلك الاستعداد بالاجندة الصحيحة والتسلح بالارادة الصلبة لتحقيق السلام وانجاح الانتقال التأسيسي الى دولة مدنية ديمقراطية.
نتمنى ان تثبت تقدم تقدميتها فعلا بتقديم دليل عملي على انها محصنة من المرض المستوطن في السياسة السودانية والذي استعصى على العلاج لعقود طويلة ممثلا في " الخوف من مصر والخضوع غير المشروط لاملاءاتها بل الارتجاف رعبا من مجرد توجيه انتقادات علنية للسياسة المصرية في السودان وزجر من يفعل ذلك من السودانيين الشجعان امثال الدكتور النور حمد " !! ان التعافي من هذا المرض يجب ان يكون اهم معيار في تقييم وطنية و ديمقراطية السياسي السوداني وكذلك في تقييم جدوى التحالفات السياسية للقوى المدنية.
سيكون امرا محبطا ومخيبا للامال لو رأى المواطنون السودانيون " تقدم" التي استبشروا بميلادها خيرا لا تختلف عن ما يسمى "الكتلة الديمقراطية" وغيرها من الدمى التي تتلاعب بها مصر!!
رابعا: من حق " القوى المدنية الديمقراطية السودانية" ان تسجل موقفا احتجاجيا ضد السياسة المصرية تجاه السودان منذ اندلاع الثورة وحتى الان! فمصر لم تسمح باذاعة خبر عن ثورة ديسمبر في اعلامها حتى يوم ٩ ابريل ٢٠١٩! وبعد سقوط البشير تدخلت تدخلات سافرة وموثقة في تخريب الفترة الانتقالية وفي تخطيط وتنفيذ ومساندة انقلاب البرهان وفي احتضان المطبخ الكيزاني الذي هندس الانقلاب والحرب ، وبعد ان اتت رياح الحرب بما لا تشتهي سفن التآمر العسكركيزاني على الثورة السودانية طرأ تغيير في الخطاب الرسمي المصري عن الحرب في السودان باتجاه تبني الحل السلمي التفاوضي ولكن لم يطرأ اي تغيير على الموقف المصري من القوى المدنية الديمقراطية، وظلت السياسة المصرية هي تصنيع الحواضن السياسية للعسكر وتقوية وكلاء الحكم العسكري وتمكينهم من الفضاء السياسي والاعلامي والاشتراك المباشر معهم في تسفيه القوى المدنية الديمقراطية وعلى رأسها " تقدم" والتقليل من شأنها والتآمر عليها اختراقا وتقسيما واضعافا ، فما هو المنطق في ان ترحب القوى الديمقراطية بعقد مائدة مستديرة تحت اشراف وزارة الخارجية المصرية؟
خامسا: واجب القوى السياسية المدنية ان تقدم سودان السلام والديمقراطية للجوار الاقليمي وفي مقدمته مصر كصديق متعاون في حفظ الامن والسلام وكشريك مخلص في بناء علاقات اقتصادية وتنموية منتجة تحقق المصالح المشتركة بين السودان والدول المجاورة له بما فيها مصر، ولكن لن يتحقق ذلك بعدالة تحفظ كرامة السودان والسودانيين الا بواسطة قوى سياسية تعرف متى تقول نعم ومتى تقول لا، وبناء العلاقات الايجابية بين الدول لا يتم بالمجاملات والسباق المحموم لإرضاء دولة لن ترضى بغير التبعية المذلة ، بل يكون بتقوية المنصات الوطنية والتسلح بالتحالفات الذكية داخليا واقليميا ودوليا والقدرة على التعامل من مواقع الشراكة لا من مواقع التبعية.
مصر ناصبت الانتقال المدني الديمقراطي في السودان العداء السافر واضرت بمصالح السودان الاستراتيجية ويجب ان تدفع مقابل ذلك ثمنا دبلوماسيا وبصورة معلنة . لا للمشاركة في اي مائدة مستديرة او مستطيلة في مصر هل هناك معضلة في تبني مثل هذا الموقف وهو اضعف الايمان؟!  

مقالات مشابهة

  • كشف مصادر دخل السودان ..جبريل إبراهيم يتوقّع انفتاحا روسيا في أربع مجالات
  • استنكروا صمت المجتمع الدولي .. مدونون يطلقون حملة إسفيرية بعنوان «#العالم_يتجاهل_السودان»
  • الموقف من المائدة المستديرة في مصر اول امتحان امام تقدم!
  • الحروب في السودان تؤكد هشاشة التكوين القومي وعجز الحكومات عن الحسم
  • الحوالات المالية للمغتربين اليمنيين مهددة بسبب التصعيد الاقتصادي ضد صنعاء
  • العالم يتجاهل السودان.. حملة تسلط الضوء على الوضع الكارثي في البلاد
  • هل الحرب ضد البرهان أم الكيزان؟
  • تعهد سوداني.. إعادة بعث القاعدة الروسية
  • محافظ الفيوم يبحث مع وفد إحدي مؤسسات المجتمع المدني تعزيز التعاون
  • السودان: عسكرية الحرب ومدنية الحل