أفادت دراسة جديدة بأن ثقبا في طبقة الأوزون ناجم جزئيا عن الأدخنة الكثيفة غير المسبوقة لحرائق الغابات الضخمة في أستراليا عامي 2019 و2020 بات يهدد بشكل كبير الحياة البرية في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا).


وذكر راديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن الثقب الواقع فوق القارة يعرض الحياة البرية هناك لمستويات خطيرة من الأشعة فوق البنفسجية، ما يهدد الحيوانات القطبية بالإصابة بسرطان الجلد وأمراض العيون.


وأوضحت الدراسة المنشورة بدورية "جلوبال تشينج بيولوجي" أن الثقب في طبقة الغاز التي تحمي من أشعة الشمس الضارة يظهر بشكل سنوي إلا أن مدة بقائه مستمرة في الزيادة، إذ يستمر خلال شهري سبتمبر وأكتوبر عندما تكون النباتات والحيوانات محمية بطبقة كثيفة من الجليد، إلا أن فترة وجوده تمتد حاليا حتى ديسمبر الذي يتزامن مع فصل الصيف في القارة. 


كما رصد العلماء تزايد تعرض الحياة البرية في "أنتاركتيكا" لأشعة الشمس في السنوات الأخيرة وحدوث تغيرات فعلية في الحياة البرية نتيجة لهذا الثقب، كما أن طبقة الأوزون أصبحت رقيقة لمعظم فترات العام. 


ونقل الراديو أيضا وجود أدلة على أن الكريليات - كائنات بحرية صغيرة تشكل أساس السلسلة الغذائية في القطب الجنوبي- باتت تتحرك إلى عمق المحيط لتجنب الأشعة فوق البنفسجية، ما من شأنه التأثير على الحيتان والفقمات وطيور البطريق والطيور البحرية الأخرى التي تتغذى عليها.


وأوضح العلماء أن أفضل ما يمكن فعله لمساعدة القارة القطبية هو التعامل مع قضية تغير المناخ وتقليل الانبعاثات الكربونية في أسرع وقت ممكن للحد من حرائق الغابات وإمهال طبقة الأوزون فرصة للتعافي. 
يُشار إلى أن العلماء اكتشفوا الثقب - وهو منطقة تكون فيها طبقة الأوزون مستنفدة للغاية - في عام 1985 عبر قياس كمية الإشعاع الشمسي التي تصل إلى الأرض. واتفقت كل الدول في عام 1987 على التخلص التدريجي من مجموعة من المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون، خاصة مركبات الكلوروفلوروكربون التي تستخدم في المبردات. وعرفت الاتفاقية باسم "بروتوكول مونتريال" وتعد أنجح معاهدة بيئية في التاريخ.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحیاة البریة طبقة الأوزون

إقرأ أيضاً:

زراعة القطن تجارياً في السودان بين عامي 1820 و1925م: دراسة في الجغرافيا التاريخية

زراعة القطن تجارياً في السودان بين عامي 1820 و1925م: دراسة في الجغرافيا التاريخية

Commercial Cotton Growing in the Sudan between 1820 and 1925: A Study in Historical Geography

حسن عبد العزيز أحمد Hassan Abdel Aziz Ahmed
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم: هذه ترجمة لمقتطفات من رسالة دكتوراه قدمها حسن عبد العزيز أحمد لجامعة درم البريطانية في نوفمبر من عام 1970م عن الجغرافيا التاريخية (وليس الاقتصادية) لزراعة القطن تجارياً في السودان بين عامي 1820 و1925م.
يمكن الاطلاع على مقالين مترجمين عن مشروع الجزيرة تجدهما في الرابطين: https://shorturl.at/cjwE8 و https://shorturl.at/eqsvY .
المترجم
************** ************ ***********
1/ مستخلص الرسالة
لقد أُدْخِلَ انتاج القطن بصورة تجارية في السودان في فترتين منفصلتين: فترة الحكم التركي في ستينيات القرن التاسع عشر، وفترة الحكم البريطاني في سنوات القرن العشرين. غير أن المشروع التركي فشل فشلاً ذريعا، بينما نجح المشروع البريطاني. وقد قمنا في هذه الأطروحة بدراسة العوامل الكامنة وراء الفشل والنجاح في المشروعين، وذلك باستخدام السجلات والوثائق التي خلفها الرحالة والإداريون وخبراء الزراعة، لمناقشة وتقويم اتجاهات ومواقف السكان تجاه موارد السودان الزراعية في الفترة بين 1860 و1925م. وتقدم هذه الأطروحة مساهمةً للجغرافيا التاريخية لقطر أفريقي في طور النمو إبان سنوات الحكم الكلولونيالي، وتؤكد على أهمية عاملين في مشاريع التنمية: أولهما هو الحاجة لدراسات تجريبية متأنية ومتعاطفة ومصممة بشكل سليم قبل الشروع في تنفيذ المشروع الأساسي، والاستفادة والاعتماد - بقدر الإمكان - على الممارسات الزراعية المحلية؛ وثانيهما هو الحاجة إلى رؤية واضحة للأهداف النهائية للتطورات واسعة النطاق، بحسبانها مقدمة أساسية لتحديد وفرز المسائل البارزة، وتنفيذ سياسة متسقة. ويمكننا بنظرة استرجاعية أن نرى أن مشروع الجزيرة (الأصل) قد حقق نجاحا كبيرا. وتركز هذه الدراسة على السَوَابِق الحيوية التي جعلت منه مشروعاً ناجحاً.
************ *********** *************
2/ القطن البري في السودان من النباتات المحلية منذ أزمان قديمة. غير أن زراعته بصورة متأنية وواعية للأغراض التجارية لم تحدث إلا بعد أن أُدْخِلَ للسودان في سنوات الماضي القريب نسبياً، في مرحلتين تاريخيتين: في العهد التركي (1821- 1882م)، حين باءت محاولة ذلك العهد إدخال زراعة القطن بصورة تجارية في البلاد بالفشل التام؛ والعهد البريطاني (1900 – 1925م)، حين نجح البريطانيون في مشروعهم نجاحاً منقطع النظير. ويكمن السبب الرئيس في النجاح أو الفشل في اتجاه القوتين الحاكمتين في العهدين وموقفهما تجاه المشاكل العملية التي تواجه عملية انتاج القطن، ومفهومهما المختلف لما تعنيه "الحكومة". ومن المهم التأكيد على القواعد الاجتماعية التي ينبغي أن تُؤَسَّس بحيث تضمن توزيعاً عادلاً لأرباح المشروع، وتتحاشى القيام بأي محاولة لنزع ملكية الأراضي قد تُبْعد أو تُنَفِّر المزارع. ولا بد من استدامة قدر كافٍ من مياه الري لضمان نجاح مشروع هكذا في مناخ السودان.
************ ************** ***************
3/ تتكون هذه الأطروحة من جزئين: يختص الجزء الأول بتفاصيل الخلفية التاريخية والفيزيائية لزراعة القطن في السودان، ومناقشة لمشكلة التنمية الزراعية فيه بصورة عامة. ويتناول الجزء الثاني من الأطروحة الجغرافيا التاريخية وتطور زراعة القطن بصورة تجارية بالسودان في الفترة من 1860 إلى 1925م. واِعتمدت الأطروحة على أربعة مصادر مكتوبة كانت متفاوتة المَوثُوقية والحيادية، وهي:
أ/ سجلات البرلمانات (مثل سجلات وأوراق البرلمان البريطاني، والكتب الزرقاء (Blue Books)، والمكاتبات الرسمية والتقارير لجهات ذات صلة مثل الشركة الزراعية السودانية Sudan Plantation syndicate (1)، والجمعية البريطانية لزراعة القطن The British Cotton Growing Association (2)، ومجلس التجارة ومجلس النيابة التركي بالقاهرة؛ إضافة لتقارير فردية وأوراق شخصية تدور حول أحوال الزراعة والاقتصاد بالسودان بين عامي 1860 و1925م.
ب/ كتابات الرحالة الذين زاروا السودان في القرن التاسع عشر، وكتبوا عن حياة السكان إبان تلك السنوات.
ج/ كتب تاريخية وجغرافية عامة ذات فائدة في تجميع وصياغة مواد لم يعد من المتيسر الحصول عليها.
د/ كتابات ومقالات منشورة حول الجوانب المختلفة لزراعة القطن بالسودان وغيره من البلدان، خاصة في "مَجَلّة زراعة القطن Cotton Growing Review"، ومجلات أخرى، وبعض الكتب التي كان من أهمها كتاب آرثر قيتاسكيل Gaitskell Arthur، المعنون Gezira: A Story of Development in the Sudan (الجزيرة: قصة تنمية بالسودان)، الذي صدر عام 1959م. وإلى الآن لا توجد أي دراسة منهجية للظروف والأحوال الاقتصادية بالسودان في القرن التاسع عشر فيما عدا رسالة ماجستير – غير منشورة - لكاتب هذه الأطروحة.
واتخذت منهجية هذه الدراسة في الأساس مَنحاً مرتب زمنياً، وذلك لتسهيل المقارنة بين منهج الحكومة التركية ومنهج الحكومة البريطانية في محاولتهما تنمية وتطوير الإمكانات الزراعية بالسودان.
************ ************** ***************
4/ هناك نوعان لجنس القطن (Gossypium): نوع يحمل تيلة طويلة قابلة للغزل والنسج (ويسمى القطن الحقيقي)، ونوع آخر ينمو برياً كشجيرات تحمل زغبا قصيرا من شعر البذور. وقيل إن بداية ظهور القطن الحقيقي كانت بوادي السند في شبه الجزيرة الهندية، وانتشر منها شرقاً عبر المحيط الهندي إلى شبه الجزيرة العربية وساحل شرق أفريقيا، ومنها إلى وسط وغرب أفريقيا. وعبر عمليات انتخاب طبيعي وبشري عديدة صارت هناك أنواع محددة من القطن تَلاءمَ الظروف الطبيعية في المنطقة المعينة، حتى أنه يمكن القول بأن الأقطان المصرية (وهي أكثر الأنواع تقدماً) هي في الأصل إفريقية المنشأ، على الرغم من أن نوع ذلك القطن كان قد استجلب من أمريكا في العقود القريبة الماضية (كتب هذا النص في 1970م. المترجم). ويُعْتَقَدُ بأن وادي النيل هو أول مكان في أفريقيا استخدم فيه القطن للغزل والنسيج، ومنه انتشر عبر مناطق السافنا ليبلغ غرب أفريقيا. ويُعْتَقَدُ بأن مملكة مروي التي ازدهرت بوادي النيل (في شمال السودان) كانت هي ذلك المكان.
********** ************ ***********
5/ لم يُنْتَج القطن بشكل تجاري في السودان إلا في القرن العشرين، غير أن الأقطان البرية كانت معروفة بلا شك منذ العصور الكلاسيكية. أما أنواع القطن شبه المزروعة (semi - cultivated) فقد كانت موجودة منذ العصر المروي على الأقل (500 قبل الميلاد حتى عام 500م)، إن لم يكن قبل ذلك. وكانت في البدء لاستخدام المزارعين محلياً، ثم صارت لاحقاً من المواد المهمة التي تصدرها المملكة. وكل المعلومات عن تلك المرحلة مستقاة من الاكتشافات الأثرية في إحدى المقابر المروية، ومن كتابات مؤلفين كلاسيكيين أشارت إلى أن القطن كان يُزْرَعُ في الهند وفي الجزيرة العربية وأفريقيا.
وتم العثور على قطع قماش قطنية متشابهة في مروي وقرنوج (Karanog) ببعض مدافن العصر الإغريقي – الروماني. وهنالك بعض الأدلة على أن نبات القطن كان معروفاً منذ القدم في منطقة "صعيد مصر/ الوجه القبلي upper Egypt" (وهي السودان)، على الرغم من نفي بعض خبراء الآثار لما ذُكر عن زراعة القطن بمصر في تلك العصور السحيقة القدم. وهناك من ذكر أن نبات القطن كان موجوداً في السودان من عهد مملكة أكسوم، عزانا Aksum, Ezana اليونانية القديمة (عام 350 م). ففي غارة ناجحة لذلك الملك على الإثيوبيين (السودانيين) نهب ودمر – ضمن أشياء أخرى – "... مخازن حبوبهم وما لديهم من أشجار القطن، ورمى بها في نهر سيدا seda (النيل)". ولا شك في أن المنطقة التي ذُكِرَتْ هي مروي. وفي العصور الوسطى ورد في أحد المراجع أنه تمت مصادرة كميات كبيرة من القطن بمنطقة إبريم Ibrim في منطقة النوبة السفلى في عام 1172م، على يد رجل قيل إنه شقيق صلاح الدين. وخلص أحد الخبراء إلى أنه من الممكن أن تكون تجارة البحر الأحمر (التي ازدهرت في العهد الروماني) قد أدخلت القطن من الهند إلى المرويين. غير أن هناك دليل أقوى على أن القطن المستخدم قديماً في مصر سوداني الأصل. بينما أورد البريطاني آركل (في كتابه عن تاريخ السودان حتى عام 1821م) بأنه من الممكن أن الأقمشة القطنية التي وُجدت في مدافن مروي كانت قد أتت من الهند.
وبالإضافة إلى ما تقدم، يعتقد بعض الخبراء بأن السودان هو مصدر القطن طويل التيلة الذي يزرع الآن في مصر. وذكر رجل فرنسي اسمه جوميلJumel إنه كان قد اكتشف في حديقة ماحي بيه حاكم التركي لسنار ودنقلا نبتة قطن معمرة perennial عاد ببعض بذورها للقاهرة. واُسْتُخْدِمَتْ لاحقاً بعض تلك البذور في تجارب زراعية بمصر، غير أن معظمها لم ينجح خلا نوع اسمه Sea Island (3). ومما تقدم يمكن القول بأن القطن لم يكن معروفاً في مصر قبل القرن الخامس الميلادي، ولكنه كان موجوداً بالسودان قبل ذلك التاريخ بكثير.
وينتج السودان حالياً (أي في عام 1970م. المترجم) صنفين من القطن: القطن المصري طويل التيلة (الذي يروى صناعيا)، والقطن الأمريكي متوسط التيلة (الذي يروي بالأمطار). وقبل الاعتماد على هذين الصنفين، كان السودان قد جرب أصنافا متنوعة من أقطان جُلِبَتْ من مصر والولايات المتحدة الأميركية وأفريقيا.
وأُدْخِلَت للسودان منذ عام 1900م أصناف متنوعة من القطن، خاصة من مصر. وتواصلت منذ عام 1904 إلى عام 1923م التجارب العلمية على نحو إثني عشر صنفا من أصناف القطن (طويل التيلة المصري، مثل "عفيفي" و"مخصوص" و"أصلي" و"عباسي"؛ ومتوسط التيلة الأمريكي مثل "غريفن" و"ويبر") في دلتا بركة والزيداب والجزيرة وغيرها من المناطق. وفي عام 1910م كانت أكبر انتاج للقطن بالسودان يأتي من طوكر (بركة)، وهو من بذور صنف "عفيفي"، التي كانت تستجلب سنوياً من مصر.
************ ************** ***************
6/ جاء في الفصل الرابع للأطروحة سرد لتاريخ تطور زراعة القطن بين عامي 1860 و1899م، تجد فيما يلي تلخيصاً موجزاً له:
على الرغم من الاختلاف في التاريخ الذي أُدْخِلَ فيه القطن للسودان (سواءً أكان من مصر وشمال أفريقيا أو الهند) أو أنه وجوده كان متأصلاً في السودان من قديم، إلا أنه من الحقائق الثابتة أن السودانيين كانوا يرتدون الملابس القطينة التي ينسجونها في مناويلهم (looms). وكانت تلك الحرفة اليدوية راسخة بالبلاد عندما بدأ الرحالة الأوروبيون الأوائل في الوصول إلى البلاد في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر. غير أنه ما زال من الصحيح القول بأن الدافع لزراعة القطن للأغراض التجارية أتى من مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأن السبب الرئيس في المشروع بأكمله كان هو ما عرف بـ "مجاعة / ذعر القطن cotton famine " (4) التي حدثت بسبب اندلاع الحرب الأهلية الأميركية في ستينيات القرن التاسع عشر. وكانت السلطات الحاكمة في تركيا من قبل سنوات تلك المجاعة مُعْجَبة ببعض الأقمشة السودانية الصنع. وذكر المؤرخ البريطاني هيل أن محمد علي باشا (خديوي مصر) بعد أن رأى قطعة من القماش السوداني، طلب من حاكم سنار أن يرسل له عينة من قطن السودان وكمية من بذوره. وقام بتلك المهمة حاكم سنار الذي أعقب ماحي بيه، لذا أطلق اسمه على نوع ذلك القطن الذي هجن في مصر علي يد الفرنسي جوميل بعد أن وجده ينمو في حديقة بالقاهرة. وأدركت السلطات التركية أن طقس السودان مناسب لزراعة القطن، لذا فكرت في تحويل السودان إلى حقل كبير لزراعة القطن كي يجلب المال الذي تحتاجه مصر بشدة، وأن تجعل السودان ينفق – من ذلك المورد - على نفسه. وفي غضون سنوات "مجاعة القطن" (1861 – 1864م) اتخذت السلطات التركية خطوات عملية في ذلك الاتجاه، وأبدت السلطات في مصر حماسة أشد لزراعة القطن بالسودان. وكانت صناعة الغزل والنسيج في لانكشير ببريطانيا تعتمد بصورة كبيرة على القطن الأمريكي. وشجعت الحرب الأهلية في أمريكا بريطانيا على زراعة القطن في بعض أجزاء إمبراطوريتها، ومنها مصر (التي كانت في تلك السنوات دولة تابعة لبريطانيا satellite state) لسد العجز في القطن الذي أضر بصناعة الغزل والنسيج البريطانية. وساهم ذلك – بطريق غير مباشر - في تشجيع زراعة القطن بصورة تجارية في السودان.
************ ************** ***************
7. أدرك تجار القطن الإنجليز والكثير من الخبراء بعيدي النظر خطورة اعتماد صناعة القطن البريطانية على امدادات القطن الأمريكي (كان نحو 80% من القطن المستخدم في مصانع لانكشير في عام 1860م يأتيها من ولايات جنوب أمريكا). لذا عملت الحكومة البريطانية – بعد تلقيها توصيات من لجان متخصصة – على تشجيع زراعة القطن في أنحاء مختلفة في امبراطوريتها. وصارت الهند تمد بريطانيا بنحو 70% من وارداتها من القطن. وعمل الكثير من مالكي مصانع الغزل في بريطانيا على تشجيع مشاريع الري في مصر، وصار وادي النيل في نهاية المطاف واحداً من أكبر وأهم المناطق التي يُزْرَعُ فيها القطن، بسبب خصوبة أراضيه، وملائمة طقسه، وتوفر مياه الري والأيدي العاملة به. وساهمت كل تلك العوامل في جعل وادي النيل مصدراً لأفضل أنواع القطن في العالم. وبالمثل، حاولت فرنسا وألمانيا محاكاة بريطانيا في زراعة القطن في مستعمراتها كي تقلل من اعتمادها على القطن الأمريكي، غير أن محاولاتها باءت بالفشل. وهذا يؤكد أن انتاج القطن (تجاريا) يحتاج لما هو أكثر من توفر ظروف جغرافية طبيعية ملائمة.
ونسبة لتزايد عدد السكان في الهند، وحاجتها المتزايدة لزراعة المحاصيل الغذائية، فقد أخفقت الهند في تزويد إنجلترا بكميات كبيرة من القطن الجيد بصورة منتظمة. وكانت أحوال المزارعين البالغة السوء، ورداءة طرق النقل، واستخدام طرق بدائية للزراعة بالهند من الأسباب الأخرى التي أدت لعجزها عن انتاج القطن بكميات كبيرة. وفشلت كذلك محاولات بريطانيا زراعة القطن في كوينزلاند بأستراليا، وفي ناتال بجنوب أفريقيا، وغيانا البريطانية (من جزر الهند الغربية). أما بالنسبة لمصر (التي كانت تحت الحكم العثماني اسمياً فقط)، فقد جذبت اهتمام تجار القطن البريطانيين، وفي عام 1821م إقام الإنجليز مزارع للقطن في دلتا النيل على سبيل التجربة. وفي عام 1862 زار سعيد باشا مصانع لانكشير الإنجليزية، وفي تلك الزيارة حَضَّته "غرفة مانشستر للتجارة" و"جمعية توريد القطن في مانشستر" على زيادة المساحات المزروعة قطناً في مصر، فاستجاب لرغبتهم. ولما تولى في العام التالي عرش مصر، وفي أول لقاء له مع قناصل الدول الأجنبية عبر الخديوي عن رغبته في تنمية وتطوير موارد مصر بصورة حثيثة. وقررت "جمعية توريد القطن في مانشستر" مساعدة مصر في ذلك الاتجاه، بل واقترحت إقامة "بنك القطن" ليمنح المزارعين المصريين قروضاً ميسرة لمساعدتهم في زراعة القطن. وقامت تلك الجمعية بإرسال شحنات من بذور القطن الأمريكي (من ولاية نيو أورلينز) مع إرشادات موسعة حول طرق زراعتها. غير أن كل المحاولات لم تثمر عن نتائج ملموسة. وانتهت تلك المحاولات بموت سعيد باشا في عام 1863م.
******* ******* ********
إحالات مرجعية
1/ كون رجل الأعمال الأمريكي لي هنت Leigh Hunt (1855 – 1933م) تلك الشركة الزراعية في لندن عام 1900م. وكان الرجل قد طاف بأرجاء السودان، وكان شديد الحماسة والثقة في توفر فرص تجارية جمة لزراعة القطن فيه. وكون هنت شركة (زراعية) ذات مسؤولية محدودة في السودان. وكانت له من قبل ذلك استثمارات في أمريكا وكوريا.
2/ الجمعية البريطانية لزراعة القطن هي منظمة تشكلت في عام 1902 من مختلف الهيئات المرتبطة بصناعة القطن في لانكشير كانت تهدف إلى تقليل اعتماد تلك الصناعة على إمدادات القطن الخام من الولايات المتحدة. https://shorturl.at/cdDE4
3/ للمزيد عن هذا النوع من القطن يمكن الاطلاع على الرابط https://shorturl.at/bcdAC
4/ في هذا الرابط تجد ما جاء في موسوعة الويكيبديا وموقع تاريخي بريطاني عن "مجاعة القطن" في لانكشير: https://shorturl.at/dhOP1 و https://shorturl.at/jouyF

 

alibadreldin@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • شاهد.. غرق سفينة معادية خلال التدريبات الأمريكية والفلبينية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه
  • دراسة: زيت الزيتون يقلل من خطر الوفاة بسبب الخرف
  • العلماء يتوصلون إلى لغة حيتان العنبر
  • زراعة القطن تجارياً في السودان بين عامي 1820 و1925م: دراسة في الجغرافيا التاريخية
  • هل اليمين الغموس لها كفارة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي
  • لقاح "استباقي" جديد لفيروسات كورونا غير المكتشفة
  • عاجل| انتصار السيسي تهنىء المصريين بـ شم النسيم: كل عام وأنتم بخير
  • سبع عجاف.. عن سنوات المجلس الانتقالي
  • كويكب ضرب برلين يناير الماضي يحير العلماء
  • ميزة "غير عادية".. كويكب ضرب برلين يناير الماضي يستمر في مفاجأة العلماء