شهدت الحرب البربرية التى تشنّها قوات الاحتلال على غزة ردود فعل سلبية -لا تتناسب مع الجُرم الإسرائيلى- من أمريكا وأوروبا، بعكس رد فعل الدول العربية وشعوبها التى رفضت وندّدت بهذه الحرب من اليوم الأول وطالبت بوقفها فوراً وتوصيل المساعدات إلى أهل غزة.. أما أمريكا وباقى دول العالم، حكومات وشعوباً، فقد هاجمت فلسطين فى بادئ الأمر، وأبدوا تعاطفهم ودعمهم وتأييدهم لإسرائيل، بعد أن كذبت -كعادتها- و«فبركت» يوم ٧ أكتوبر فيديوهات واختلقت قصة وهمية مفادها أن المقاومة الفلسطينية هاجمت مستوطنة وقتلت نساءها وذبحت الأطفال وارتكبت مجزرة، فانتفضت أمريكا وحرّكت حاملة الطائرات لترسو فى البحر المتوسط أمام الأراضى المحتلة، وكذلك فعلت الدول الأوروبية، وأمدّوا إسرائيل بالعتاد والأسلحة والأموال، وانطلقت حرب الإبادة النازية، ثم اتضحت حقيقة الكذبة الإسرائيلية، واعتذرت أمريكا وأوروبا من خلال تصريحات على لسان مسئوليها، ولكنهم لم يغيّروا سياستهم الداعمة بشكل غير محدود للكيان السرطانى الإسرائيلى، وخلال المائتى يوم الماضية مارست قوات الاحتلال كل أنواع التعذيب والمجازر وأساليب القتل للفلسطينيين، من قتل بالقنابل المحرّمة دولياً وقصف المستشفيات، وهدم المبانى على رؤوس أصحابها وممارسة سياسة منع دخول المساعدات، ليموت أهل غزة جوعاً وعطشاً ومرضاً.

كل ذلك شاهده العالم صوتاً وصورة، وحصيلة الحرب حتى الآن تجاوزت الـ١٠٠ ألف شهيد وجريح فلسطينى، بخلاف الذين استُشهدوا تحت الأنقاض، ولم يتم حصرهم.ما ارتكبته قوات الاحتلال فى غزة لم تشهده أى حروب من قبل، وفاق ما كانت تدّعى إسرائيل أن هتلر ارتكبه فى حق اليهود، بالإضافة إلى البلطجة السياسية التى تمارسها، حيث رفضت تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية، وقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.عنصرية وبلطجة واحتلال وقتل وتدمير ظهرت جلية ومباشرة أمام شعوب العالم، وكشفت الوجه الحقيقى القبيح لقوات الاحتلال، فانتفضت الشعوب الأوروبية وفى أمريكا، وخرجت المظاهرات فى الشوارع تُندّد بما تفعله وتتعاطف مع الفلسطينيين، وتطالب بوقف الحرب ووقف الدعم والمساعدات لإسرائيل، وطبعاً كانت ردود فعل المسئولين فى هذه الدول فاترة، ولم تتجاوز مرحلة التصريحات، ولم تستجب لرغبة شعوبها.

المتغير الجديد فى هذه الحالة العبثية هو مظاهرات الطلبة فى الجامعات التى واجهتها شرطة الولايات المتحدة والدول الأوروبية -حامية حقوق الإنسان- بعُنف مفرط تجاه الطلاب وأعضاء هيئات التدريس، ومن بين صور العنف قام رجال الشرطة بطرح أستاذة جامعية أرضاً ووجهها إلى الأرض، ووضع ركبته فوق ظهرها بمنتهى العُنف ليُخرسها ويثنيها عن موقفها المناهض لإسرائيل والمؤيد للحق الفلسطينى!

وظنى أن انتقال المظاهرات من الشارع إلى الجامعات الأمريكية والأوروبية يُعد مؤشراً إيجابياً لقُرب نهاية إسرائيل -أقصد بالقرب خلال العقد القادم- ويؤكد نجاح الهدف الاستراتيجى لهجوم المقاومة على قوات الاحتلال يوم ٧ أكتوبر، رغم الخسائر الفادحة فى البشر، وذلك لعدة أسباب:- لم يعد فى إمكان قوات الاحتلال تزييف الحقائق مرة أخرى وتصدير صورة إلى العالم بأنها مضطهدة.- ظهر جلياً أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة، وليست المقاومة هى الإرهابية، ومن حق أى شعب مقاومة الاحتلال بكل الوسائل.

كشف الانحياز الأعمى غير المبرر من الولايات المتحدة وأوروبا لقوات الاحتلال صعوبة استمراره مستقبلاً.

كشف كذب ادعاء إسرائيل أنها دولة ديمقراطية تريد السلام، برفضها الدائم حل الدولتين، وإصرارها على توسيع نطاق احتلالها.- سقوط نظرية أن إسرائيل مستهدَفة من كل الدول المحيطة بها -دول الطوق- وأنها دائماً فى حاجة إلى المساعدة والدعم الأمريكى والأوروبى.

- ظهور إسرائيل على حقيقتها بأنها خطر على السلام والأمن الدوليين، بعد التهديد الذى أطلقه أحد وزراء نتنياهو بضرورة استخدام السلاح النووى ضد الفلسطينيين.

- لأول مرة من ٧٩ سنة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥، تخرج مظاهرات فى ألمانيا ضد إسرائيل، التى حرصت طوال هذه السنين -من خلال المناهج الدراسية فى ألمانيا والإعلام الموجه- أن يظل الشعب الألمانى يعيش بعُقدة الذنب لما روّجته كذباً بأن هتلر أحرق اليهود، وأنه السبب فى تقسيم ألمانيا وعدم وجودها كعضو دائم فى مجلس الأمن رغم أنها دولة عظمى.

وهذا الأسلوب نفسه الذى مارسته أمريكا مع الشعب اليابانى، بعد قصفها هيروشيما ونجازاكى بقنابل نووية، وجعل اليابانيين يشعرون بأن قادتهم هم من دفعوا أمريكا لاستخدام هذا السلاح المحرّم دولياً!- مؤشر لظهور جيل جديد واعٍ ومدرك لحقيقة الكيان الإسرائيلى، وعندما يتولى مناصب قيادية، فى أمريكا وأوروبا، سيغيرون سياسة بلادهم تجاه إسرائيل المحتلة.

وهذا ما يجعل صنّاع القرار فى الولايات المتحدة، ومعهم اللوبى الصهيونى حريصون على الدفع بوجوه تجاوزت السبعين «ترامب ٧٧ سنة»، والثمانين «بايدن ٨١ سنة» لتولى الرئاسة، حتى تظل أمريكا منتهجة سياسة الدعم الأعمى لإسرائيل.. وتظل المظاهرات الجامعية تهديداً لإسرائيل أكثر من صواريخ إيران!ربما يظن البعض أن ثمناً غالياً دفعه شعب فلسطين، جراء ما قامت به المقاومة الفلسطينية يوم ٧ أكتوبر، لكن الأوطان لا تُحرّر بالأمانى ولا بالشعارات ولا بالمواءمات ولا بالنيات الطيبة، ولكنها تُحرّر بدماء شعوبها الأحرار، ولكم فى تجارب مصر والجزائر وليبيا عبرة.أرى فى الأفق بصيصاً من الأمل، ربما يكون صعباً، ولكنه ليس مستحيلاً، وإنما هو ممكن وسيتحقق، وربما يكون بعيداً ولكنه موجود ومرئى.

أعلم أن العدو الإسرائيلى كاذب جبان ونذل وغير شريف، ولا يلتزم بأى مواثيق أو أعراف أو قوانين دولية، ولا شرف له ولا عهد ولا ميثاق، ويلقى دعماً سياسياً وعسكرياً ومالياً غير محدود من الدول العظمى، ولكنه سيظل هشّاً غير قادر على المواجهة المباشرة، ويمكن هزيمته، فالحق سيظل دائماً فوق القوة.تذكّروا هزيمته المنكرة من المصريين الأخيار فى حرب أكتوبر ١٩٧٣.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: إسرائيل إيران 7 أكتوبر قوات الاحتلال

إقرأ أيضاً:

حيفا في مرمى صواريخ إيران.. ماذا نعرف عن مركز الثقل الاقتصادي والعسكري لإسرائيل؟

تُعدّ مدينة حيفا من أهم المراكز الحيوية في إسرائيل، إذ تجمع بين الأهمية الاقتصادية والعسكرية، فهي تضم أكبر ميناء في البلاد، إلى جانب احتوائها على منشآت صناعية وبتروكيماوية كبرى. اعلان

في قلب التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران، تتكرر الاستهدافات الإيرانية لمدينة حيفا، المدينة الساحلية، لتكشف عن مركز ثقل حيوي في البنية الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية. لم تأتِ ضربات طهران نحو حيفا عبثًا، بل تعكس فهمًا دقيقًا لموقعها الحساس في المنظومة الأمنية والاقتصادية للدولة العبرية ، خصوصًا في ظل التهديدات المتزايدة من أطراف إقليمية متعددة، بينها جماعة "أنصار الله" في اليمن.

بوابة اقتصادية محورية

يشكّل ميناء حيفا أحد أكبر موانئ شرق البحر الأبيض المتوسط، ومحورًا رئيسيًا في النشاط التجاري الإسرائيلي. يمر عبره الجزء الأكبر من الواردات والصادرات، إذ يرتبط بشبكات نقل متقدمة من سكك حديد وطرق سريعة تصل الميناء بمراكز الاستهلاك والإنتاج داخل إسرائيل، مما يجعله شريانًا اقتصاديًا لا غنى عنه. كما أن خصخصة الميناء في عام 2023 لصالح مجموعة هندية-إسرائيلية بقيمة 1.15 مليار دولار، تُبرز اهتمام الدولة العبرية بتحويله إلى منصة عالمية في التجارة والملاحة.

تظهر سفينة شحن راسية في محطة حاويات في ميناء حيفا، إسرائيل، الخميس 15 أغسطس/آب 2024. AP Photoميناء مزدوج الوظيفة: مدني وعسكري

لا تقتصر أهمية حيفا على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى الأبعاد العسكرية والأمنية. فالميناء يحتضن قواعد بحرية تُستخدم كمقرات للأسطول البحري الإسرائيلي، بما في ذلك الغواصات والبوارج الحربية. ويُعدّ موقعه الطبيعي المحمي تحت جبل الكرمل ميزة إستراتيجية تقلّل من تأثير الأحوال الجوية وتوفّر غطاءً طبيعياً من الرصد والاستهداف.

وتقع بالقرب من الميناء قاعدة "ستيلا ماريس"، وهي نقطة مراقبة بحرية استراتيجية تتيح لإسرائيل مراقبة النشاط البحري في شرق المتوسط، كما تشكّل جزءًا من منظومة الرصد المبكر.

Relatedأردوغان يتعهد بتعزيز إنتاج الصواريخ في تركيا مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيرانغروسي: أضرار كبيرة في منشآت نطنز وأصفهان.. وتحذير من استهداف بوشهرحرب إسرائيل وإيران في يومها التاسع.. هجمات متبادلة وتل أبيب تتوقع أياماً صعبةالصناعات البتروكيماوية والطاقة

تُعرف منطقة خليج حيفا بتركيزها الكثيف للصناعات البتروكيماوية الثقيلة، إذ تضم مجمعات لتكرير النفط الخام ومصانع لإنتاج المواد الكيميائية والبلاستيك والأسمدة. ويُعدّ هذا التركيز الصناعي جزءًا من أمن الطاقة الإسرائيلي، وركيزة رئيسية في تصدير المنتجات البترولية إلى الخارج. لكن هذا التمركز يجعل المدينة عرضة لمخاطر بيئية وأمنية في حال استهداف تلك المنشآت، كما أنه يزيد من فداحة أي هجوم ناجح على المنطقة.

محور الصناعات الدفاعية والتقنية

إلى جانب الاقتصاد والطاقة، تُعد حيفا مركزًا متقدمًا للصناعات العسكرية والتكنولوجية. وتحتضن مقرات وشركات كبرى مثل:

- شركة رافائيل للأنظمة الدفاعية المتقدمة، المسؤولة عن تطوير أنظمة صاروخية ودفاعية، مثل أجزاء من منظومة "القبة الحديدية" وأنظمة توجيه متقدمة.

- إلبيت سيستمز، التي تمتلك أقسامًا ومرافق إنتاج في حيفا، وهي من رواد الصناعات الدفاعية في مجال الطائرات بدون طيار، والأنظمة الجوية، والحرب الإلكترونية.

- شركة الصناعات البحرية الإسرائيلية، ومقرها في الميناء، تعمل على إنتاج وصيانة السفن الحربية، ما يعزز من البعد البحري العسكري لحيفا.

موقع إستراتيجي على خطوط التنافس الدولي

حيفا ليست فقط مركزًا إسرائيليًا داخليًا، بل أصبحت جزءًا من مشاريع تجارية وجيوسياسية عالمية، منها "ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا"، الذي يُنظر إليه كمنافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية. فموقعها الجغرافي عند تقاطع طرق التجارة بين آسيا وأوروبا، يضفي عليها أهمية دولية متزايدة في منظومة النقل البحري والطاقة العالمية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • مجازر الاحتلال في غزة تحصد أكثر من 50 شهيدا (حصيلة)
  • أمريكا تقصف منشآت إيران النووية.. وطهران ترد بموجة صواريخ تجاه إسرائيل
  • إيران.. أكثر من 400 قتيل منذ بدء الحرب مع إسرائيل
  • حيفا في مرمى صواريخ إيران.. ماذا نعرف عن مركز الثقل الاقتصادي والعسكري لإسرائيل؟
  • د.محمد عسكر يكتب: الحرب السيبرانية تشتعل وسط المواجهة الإسرائيلية الإيرانية
  • عشرات الآلاف في إسرائيل يطالبون بتعويضات بسبب صواريخ إيران
  • شريف عامر: صواريخ إيران أصبحت أكثر دقة في إصابة اسرائيل
  • تطورات الحرب.. إسرائيل تهاجم مقر قوات جهاز الأمن في طهران
  • مدير مكتب الجزيرة بطهران: إيران استخدمت صواريخ أكثر قوة بعد كلمة خامنئي
  • رصد إطلاق صواريخ من إيران في شمال إسرائيل