التغيير البيروقراطي الذي أنقذ إسرائيل
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
تشارلز والد
مايكل ماكوفسكي
ثمة تغيير بيروقراطي غامض هو الذي يسَّر الدفاع الناجح وشديد التنسيق عن إسرائيل أمام الهجوم الإيراني الأخير، فالقرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب في يناير من عام 2021 بنقل إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) كفل التعاون الإسرائيلي الأمريكي البريطاني العربي غير المسبوق الذي صدَّ 99% من الصواريخ والمسيَّرات الإيرانية.
فيما قبل عام 2021، كانت إسرائيل مدرجة ضمن منطقة مسؤولية القيادة الأمريكية الأوروبية (EUCOM). وإسرائيل تنتمي ـ من حيث الجغرافيا والتهديدات ـ إلى القيادة المركزية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. غير أن الدول العربية لم تكن ترغب في أن تكون جزءا من منتدى واحد يضم إسرائيل، وكان قادة الجيش الإسرائيلي راضين عن ذلك فلم يطلبوا نقل القيادة المركزية الأمريكية، وحتى العقد الماضي، لم يكن قائد القيادة المركزية الأمريكية يسافر بشكل عام إلى إسرائيل، فهي ضمن المنطقة الخاضعة لنظيره قائد المنطقة المركزية الأوروبية، برغم أن اجتماعات دورية بين القائدين الأمريكيين والقائد العسكري الإسرائيلي بدأت في الانعقاد.
وعندما بدأ الدفء يزداد بهدوء في علاقات إسرائيل مع الدول العربية، صدر في عام 2018 تقرير معهد (JINSA) للأمن القومي الأمريكي وقد ذهب ببصيرة إلى أن وضع إسرائيل ضمن القيادة القتالية الأمريكية المسؤولة عن المنطقة الجغرافية التي تسكنها إسرائيل فعليا، أي الشرق الأوسط، من شأنه أن «ييسِّر تحسين التنسيق الاستراتيجي والعملياتي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وشركائنا العرب في جميع أنحاء المنطقة ضد إيران وغيرها من التهديدات المشتركة الخطيرة» وكرر المعهد هذه الحجة مرة أخرى في في عام 2020.
وفي سبتمبر من عام 2020، أثبتت اتفاقيات إبراهيم أن التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين إسرائيل والدول العربية ليس ممكنا فحسب، بل إنه يمكن أن يزدهر.
وفي الوقت نفسه، بدأ الجيش الأمريكي، وكذلك قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي وقائد القيادة الأوروبية الجنرال تود ولترز، في إدراك الأمر نفسه وعملوا على تحقيق ذلك. وحظي ذلك بتأييد رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، وكذلك وزير الدفاع مارك إسبر. ثم وافق ترامب في يناير من عام 2021.
وكان لهذا التغيير البيروقراطي البسيط في ظاهر الأمر تأثير كبير، حيث أتاح التنسيق العملياتي الوثيق واليومي مع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وكان جنرالات الجيش الإسرائيلي على اتصال مباشر بنظرائهم في القيادة المركزية الأمريكية.
فور الوجود في القيادة المركزية الأمريكية، تمكنت الجيوش الإسرائيلية والعربية، بحسب كل دولة، من إقامة علاقاتها العسكرية المهنية أو توسيعها، ونظَّمت القيادة المركزية الأمريكية اجتماعات متكررة للقادة العسكريين في المنطقة لمناقشة التهديدات المشتركة وأجرت تدريبات مشتركة متكررة. على سبيل المثال، عقد ماكنزي مؤتمرين سريين مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي وجميع قادة الدفاع في الدول العربية حول تعزيز التعاون في مجال الدفاع الجوي.
وعندما أطلقت إيران مائة وسبعين طائرة مسيّرة، ومائة وعشرين صاروخا باليستيا، وثلاثين من صواريخ كروز على إسرائيل في الثالث عشر من أبريل، فإن هذا الانتقال إلى القيادة المركزية الأمريكية هو الذي يسَّر التنسيق الحاسم مع كل من الولايات المتحدة والجيران العرب.
في الفترة التي سبقت الهجوم الإيراني، سافر الجنرال مايكل كوريلا إلى إسرائيل، مرسلا إشارة قوية بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل، فضلا عن تسهيل التنسيق العملياتي الوثيق.
وعندما هاجمت إيران إسرائيل، أسقطت قوات القيادة المركزية الأمريكية، بدعم من المدمرات في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، أكثر من ثمانين طائرة مسيرة هجومية أحادية الاتجاه وما لا يقل عن ستة صواريخ باليستية كانت متجهة من إيران واليمن إلى إسرائيل. كما ضربت القوات الأمريكية صاروخا باليستيا تابعا للحوثيين وسبع مسيرات في اليمن قبل التمكن من إطلاقها.
لعبت الولايات المتحدة أيضا دور حلقة الوصل بين إسرائيل وشركاء آخرين. فسمح الأردن لإسرائيل باستخدام مجاله الجوي وأسقط مقذوفات إيرانية كانت تستهدف إسرائيل، وتردد أن دولا خليجية زودت إسرائيل بمعلومات استخبارية مستخلصة من راداراتها وذلك عبر مركز العمليات الجوية المشتركة التابع للقيادة المركزية الأمريكية.
كان من شأن هذا الدفاع المنسق الوثيق أن يكون أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلا، لولا دور القيادة المركزية الأمريكية بوصفه عامل تكامل إقليميا، وبعد إثبات هذا المفهوم، هناك إمكانات كبيرة وحاجة ماسة إلى قيام القيادة المركزية الأمريكية بتوسيع التعاون الدفاعي الإقليمي.
فمع توقع أن المزيد من الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل قادمة ولا شك، ومع امتلاك دول الخليج العربية دفاعات أقل قدرة من إسرائيل، يجب أن تعجِّل الولايات المتحدة إنشاء شبكة دفاع جوي وصاروخي متكاملة. وينبغي أن تكون الخطوة التالية في هذه العملية هي إنشاء صورة تشغيل مشتركة للمجال الجوي. غير أن هذا لن يكون ممكنا إلا من خلال قيام القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية الدؤوبة بقيادة العملية.
والاستعدادات الإضافية لمزيد من الضربات الإيرانية يجب أن تشمل توسيع مخزون الأسلحة الأمريكية في إسرائيل، المعروف باسم WRSA-I وإضفاء الطابع الإقليمي عليه، مثل هذه الترسانة الأمريكية الموضوعة مسبقا وهي تحت سيطرة الولايات المتحدة ومخصصة لتلبية الاحتياجات العسكرية الأمريكية لكنها متاحة أيضا للاستخدام الإسرائيلي في حالات الطوارئ - من شأنها أن تعزز الردع وتثبت أهميتها في صراع محتمل مع حزب الله أو إيران، بما يغني عن الحاجة إلى إعادة الإمداد عبر جسر جوي. ومن الممكن أيضا لهذا المخزون الإقليمي أن يدعم هذا الشركاء العرب. غير أن مخزون الأسلحة الأمريكية في إسرائيل، WRSA-I، قد استنفد على مدى السنوات الخمسة عشرة الماضية وبات في حاجة ماسة إلى التجديد بأسلحة حديثة مهمة، من قبيل الذخائر دقيقة التوجيه.
لقد أثمر نقل إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية مكاسب هائلة، حيث ساعد في كل من الدفاع عن إسرائيل أمام هجوم مدمر محتمل وإظهار التضامن الإقليمي ضد تهديد مشترك متمثل في إيران. ويجب على الولايات المتحدة أن تستمر في الاستثمار في توسيع هذه الشراكات الإقليمية حتى لا يضطر أي شريك للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى الدفاع عن نفسه منفردا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القیادة المرکزیة الأمریکیة القیادة المرکزیة الأمریکی إلى القیادة المرکزیة الولایات المتحدة الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
عودة الهذالين.. صوت النضال الذي أسكتته إسرائيل
أستاذ وناشط حقوقي فلسطيني ولد عام 1994 في محافظة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، عُرف بموقفه الثابت في الدفاع عن قريته ومناهضة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في منطقة مسافر يطا. ساهم عام 2019 في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي حاز جائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل عام 2025، ووثق معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال. واستشهد في 28 يوليو/تموز 2025 برصاص مستوطن إسرائيلي قرب منزله أثناء تصديه لعملية استيطانية.
المولد والنشأةوُلد عودة محمد خليل الهذالين عام 1994 في قرية أم الخير شرق بلدة يطا بمحافظة الخليل، في قلب الضفة الغربية المحتلة.
وتعود أصوله إلى قبيلة الهذالين، إحدى القبائل البدوية العريقة التي استقرت في المنطقة بعد أن أجبرها الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من موطنها الأصلي في بئر السبع عام 1948.
نشأ في كنف أسرة بدوية تعتز بأرضها، وتربى على قيم الصمود والتشبث بالأرض وعدم الاستسلام.
كان محبا للرياضة لا سيما كرة القدم، وشارك في مباريات ودية أقيمت في قريته ضمن فرق محلية مثل نادي مسافر يطا ونادي سوسيا، وآمن بأن الرياضة تعزز الانتماء وتُنمّي روح التحدي.
تلقى عودة تعليمه الأساسي في مدارس مسافر يطا، والتحق بمدرسة أم الخير الابتدائية عام 2000، وواصل دراسته رغم ضعف البنية التحتية وصعوبة الوصول إلى المدارس بسبب مضايقات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أظهر منذ صغره حبه لتعلم اللغات، وأبدى اهتماما خاصا باللغة الإنجليزية، مما دفعه لإكمال تعليمه الإعدادي والثانوي في مدرسة الصرايعة التي تخرج فيها عام 2012. وواصل دراسته الجامعية في جامعة الخليل، وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 2016.
تزوج الهذالين وأنجب ثلاثة أطفال وهم وطن ومحمد وكنان.
المسيرة النضاليةعمل عودة بعد تخرجه مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة الصرايعة الثانوية الواقعة في البادية الفلسطينية، لكنه لم يكتف بالدور التعليمي، بل سرعان ما برز ناشطا في مجال حقوق الإنسان ومقاومة الاستيطان جنوب الضفة الغربية.
وعرفه المحليون والدوليون بأنه صوت قرية "أم الخير" والمدافع الأول عن سكانها، وأصبح المتحدث غير الرسمي باسمها، خاصة في الأوساط الحقوقية والإعلامية.
تولى لفترة طويلة مسؤولية المرافعة الميدانية، واستقبل الوفود الأجنبية من دبلوماسيين وصحفيين ونشطاء حقوقيين، وقادهم في جولات توثيقية داخل المناطق المهددة بالهدم، موضحا واقع البيوت التي أصبحت خياما، والأراضي التي صودرت لصالح التوسع الاستيطاني.
إعلانبالعربية والإنجليزية، قدّم الهذالين شهادات حية ومؤثرة نقلت معاناة قريته إلى العالم، مستخدما لغة بسيطة لكنها قادرة على النفاذ إلى الضمير الإنساني.
شارك الهذالين في إنتاج الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى" الذي صُوّر على مدى أربع سنوات (2019-2023) وانتهى العمل عليه قبل أيام قليلة من اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والنرويج، حصد أصداء واسعة في الأوساط السينمائية والحقوقية، وفاز بجائزتي "أفضل فيلم وثائقي" و"جائزة الجمهور" في مهرجان برلين السينمائي عام 2024، ثم حقق إنجازا تاريخيا بفوزه بجائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل في الدورة الـ97 للأكاديمية، التي أُقيمت يوم 2 مارس/آذار 2025 على مسرح دولبي في هوليود.
وسلّط الفيلم الضوء على معاناة الفلسطينيين في قرية مسافر يطا جنوب محافظة الخليل، وركز على حياتهم التي يقضونها في المقاومة للبقاء والعيش في أرضهم رغم القمع والاستيطان.
وأثار فوز الفيلم بجائزة أوسكار موجة غضب كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية، واعتبرته الحكومة الإسرائيلية "لحظة حزينة للسينما العالمية"، ذلك أنه جسّد حقيقة النكبة التي ترفض روايتها.
الاستشهاداستشهد عودة محمد خليل الهذالين مساء يوم الاثنين 28 يوليو/تموز 2025، وذلك بعدما أطلق مستوطن إسرائيلي النار مباشرة على رأسه أمام منزله في قرية أم الخير.
ووفقا لشهادات الأهالي، جاء الاعتداء في سياق اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي برفقة جرافة عسكرية أراضي القرية لتوسيع مستوطنة "كرميئيل" المقامة على الأراضي المصادرة.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن المستوطن المسؤول عن إطلاق النار هو ينون ليفي، أحد أبرز المستوطنين المعروفين بتورطهم في اعتداءات ممنهجة ضد الفلسطينيين جنوب الضفة الغربية.
ويُذكر أن ليفي هذا مُدرج منذ عام 2023 في قوائم العقوبات الأميركية والبريطانية والأوروبية والكندية، ضمن حزمة شُرعت لمحاسبة المستوطنين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة (ج) من الضفة الغربية.
سياسات قمع إسرائيليةوفي 29 يوليو/تموز 2025، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي خيمة عزاء الشهيد عودة الهذالين في قرية أم الخير، واعتدت على عدد من النشطاء والصحفيين الأجانب ثم طردتهم بالقوة، وأعلنت المنطقة "عسكرية مغلقة"، في محاولة واضحة لمنع أي مظاهر للتضامن المحلي والدولي.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن القوات طردت المعزين بالقوة من العزاء واعتقلت ناشطتين أجنبيتين كانتا ضمن المتضامنين.