تامر أفندي يكتب: لحظة ضجر في الحظيرة!
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعطلت بي سيارتي.. فوقفت على الطريق “أشاور” لأي سيارة ولم يستجب لاستغاثتي سوى “عربجي” فركبت معه وأخذ يتحدث في كل شيء “اقتصاد.. سياسة.. طب.. هندسة.. علاقات اجتماعية.. أبحاث بيولوجية.. ويُحلل ويضع روشتات إصلاح”.. ثم فاجأني بأنه يقول: "إنت عارف يا بيه أنا أزمتي إيه؟ إن الناس بتجادل في كل شيء!
كنت تذكرت ما سألني عليه "الحاج حسن" صديقي الغالي قبل أسابيع، عن السبب في أننا نصب جام غضبنا على "الحمار" وأن أي نقصٍ أو خطأ نلصقه به؟.
تبسمت وقلت له لا ولكن لأن الحمار هو المخلوق الوحيد الذي ليس له "وجهة نظر".. ليس له رأي.. "تابع لصاحبه أينما وجهه".. يركض ويرقد حسب الحالة المزاجية لصاحبه.
وقصصت عليه ما حدث أول مرة حينما غضب الحمار بعدما بالغ صاحبه في إهانته، خرج من الحظيرة وأطلق نهيقه عالياً، فارتجف صاحبه لأنه لم ير "حماره" على تلك الحالة من قبل، واحتار كيف يُراضيه.. لكن الحمار "تمرغ" في الأرض ثم نهض منكفئ الرأس ودخل مرة أخُرى إلى الحظيرة.. فعرف صاحبه أن هذا مٌنتهى غضبه فبات يُهينه ولا يبال بنهيقه!
ثم أردفت: مع أن الحمار هذا كان من المُمكن أن يُغير وضعيته بين أمم الحيوانات والبشر، إذا أدرك قيمته التاريخية ودون تلك المشاهد التي لم يرها حيوان غيره.
جذب حديثي انتباه “العربجي” فأخذ آخر حارة في اليمين وهدأ وقع الحدوات ليستمع للحكايات فقلت له: "أكثر من مرة ذُكر الحمار في القرآن وكان لزاماً عليه بعد ذلك على الأقل أن يغتر.. أن يُحاول أن يعقل الفعل والقول ولو كان الأمر صعباً.. أن يكون له رأي ولو لمرة.. أن يكون قد اكتسب ولو حكمة واحدة.. لكنه لم يفطن ولم يتعلم.. فحكايات كثيرة تعرض لها معشر الحمير كانت كفيلة أن تٌغير منهج تفكيرهم وتضعهم في مصاف معاشر الحيوانات، فقد عاصروا أنبياء وملوك وحكماء وفراعنة وسافروا إلى كل مكان وعاملوا كل الصنوف لكنهم لم يستفيدوا من كل تلك الأحداث، ولم يفطنوا إلى قيمة ما مروا به من تجارب.
أخرج من “جيب الصديري” علبة الدخان ولف واحدة في ثوان وقال لي: “عفر يا باشا”.. فقلت له أنني حينما قابلت أشهر حًمارٍ قال لي: "لا تُحدث جلبة في الحظيرة أيها الجحش! فبكيت وتبسمت وقلت: "لا عليك.. إنه مجرد ضجر!. فنحن الحمير نشأنا على ألا يكون لنا "رأي".. وأن صمتنا "صبراً" سنؤجر عليه يوماً بزيادة "العليقة".
ثم صمت وقلت لصديقي “العربجي”.. هل تعرف حمار علي الكسار؟.. في كل مرة أتطرق فيها لسيرة الحمار، أتذكر علي الكسار حينما خدعه أحد اللصوص وسرق حماره ووضع اللجام حول رقبته، وحينما استدار له الكسار أخبره أنه كان "بني آدم" ولما أغضب أمه دعت عليه فتحول إلى حمار، فأعتقه الكسار وقال له: "روح وأوعى تزعل أمك تاني".. وفي اليوم التالي حينما ذهب إلى السوق ووجد حماره معروضاً للبيع هرول نحوه ومال على أذنه وقال له: "الله يخربيتك إنت زعلت أمك تاني يا حمار!".. ومن يومها ولم يُغضب أحداً فينا أمه.. ورغم ذلك نُسخط كل يوم لحمير.
قاطعني “العربجي” قائلاً: “تعرف يا بيه إن سلالة الحمير بتاعتنا أحسن واحدة في الدنيا وأرخص سعر كمان”.. تباهيت وانتشيت وتبسمت “كجحش”.. وضاع الوقت ولم أصل.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سيارة تامر أفندي
إقرأ أيضاً:
شحاتة السيد يكتب: الأسرار المناخية في الأمطار الصيفية
لم تعد السماء تمطر كما اعتدنا في كتب الجغرافيا المدرسية. في القاهرة، وكما في العديد من المدن حول العالم، أصبحنا نشهد أمطارًا تتساقط فجأة خلال أيام الصيف الحارة، من دون مقدمات واضحة أو تفسير مباشر.
والسؤال الذي يطرحه المتخصصون والمواطنون على حد سواء هو: ما الذي يحدث في مناخنا؟ هل الأمطار الصيفية مجرد حدث عارض، أم هي مؤشر عميق على تحولات مناخية شاملة تؤثر في النظام الجوي بأسره؟
من المعروف علميًا أن الأمطار غالبًا ما ترتبط بموسم الشتاء، حيث تنخفض درجات الحرارة وتتهيأ الظروف الجوية لتشكيل الغيوم وسقوط الأمطار. بينما في الصيف، حيث تتجاوز درجات الحرارة الأربعين أحيانًا في بعض المدن، يتطلب تشكل الأمطار آليات مختلفة وعوامل فيزيائية دقيقة.
الزيادة الحرارية في الطبقات السطحية من الغلاف الجوي تؤدي إلى رفع وتيرة التبخر، مما يحمل الهواء بكميات هائلة من بخار الماء. مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تتعزز هذه العملية بشكل غير معتاد. ولكن البخار وحده لا يكفي لتكوين الأمطار، بل يتطلب الأمر حدوث اضطرابات هوائية معينة، مثل اندفاع منخفض علوي بارد من الطبقات العليا للجو، أو تصادم كتل هوائية مختلفة.
هذا التفاعل بين كتلة هوائية ساخنة محملة بالرطوبة وكتلة باردة علوية يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الجوي، مما ينتج عنه ما يُعرف بالعواصف الحملية أو الأمطار الرعدية الصيفية. وفي بعض الحالات، تكون هذه الأمطار غزيرة ومركزة، وتظهر في غضون دقائق، وهو ما شهدناه في مشاهد متكررة خلال السنوات الأخيرة في القاهرة، وبيروت، وعمان، وحتى في الرياض.
السؤال الأكثر عمقًا لا يتعلق فقط بكيفية تشكّل هذه الأمطار، بل بما تعنيه من دلالات مناخية. فظهور نمط مناخي غير مألوف، مثل هطول الأمطار في أوقات غير معتادة، يعني غالبًا أن النظام المناخي بدأ يختل، وأن خطوط التوازن التي كانت تضبط العلاقة بين فصول السنة بدأت تتحرك.
العلماء يربطون هذا التغير مباشرة بالاحترار العالمي الناتج عن تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. فمع كل جزء من الدرجة المئوية التي ترتفع فوق المتوسط المعتاد، يحتفظ الغلاف الجوي بمزيد من بخار الماء، مما يجعله أكثر قابلية لتوليد طاقة كامنة تؤدي إلى تطرف مناخي. وما كان يومًا من الحالات النادرة، كالأمطار الصيفية، يتحوّل شيئًا فشيئًا إلى نمط متكرر.
تساعد تكنولوجيا الأقمار الصناعية، ونماذج المحاكاة الجوية، وأدوات الاستشعار عن بعد في توفير بيانات دقيقة حول أنماط التحول هذه.
ورصدت العديد من المراصد المناخية الإقليمية والدولية تحوّلات واضحة في التوزيع الموسمي للهطول المطري في مناطق متعددة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن بين أهم ما كشفته هذه النماذج هو وجود تحولات زاحفة في نطاقات الأمطار، حيث تتوسع بعض المناطق شبه الجافة لتدخل في نطاق المطر الموسمي، بينما تنحسر مناطق أخرى.
تظهر هنا معضلة من نوع جديد: إذا تغير نمط سقوط الأمطار من شتوي إلى صيفي، أو أصبح غير منتظم، فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على الزراعة، والتخطيط العمراني، وإدارة موارد المياه. فالمزارع الذي كان ينتظر المطر في ديسمبر ويناير، لن يجد فيه فائدة إن جاء في يوليو، لأنه حينها يكون قد زرع أو حصد بالفعل. كما أن المدن غير المجهزة بتصريف مياه الأمطار في الصيف معرضة للغرق والشلل، كما شهدنا في القاهرة قبل عامين.
ثمّة ما هو أعمق من مجرد السيول المؤقتة. فهذه الظواهر تعكس اضطرابًا أكبر في دورة المياه العالمية، وتؤشر إلى اختلال في حركة التيارات النفاثة، وتغير في مواضع الضغط الجوي العالي والمنخفض، وكلها عناصر دقيقة تدخل في حسابات ما يُعرف بالتوازن الديناميكي للغلاف الجوي.
يظن البعض أن هذه الأمطار خيرٌ في غير أوانه، لكنها في الحقيقة قد تكون نذيرًا بتحولات أكثر جذرية، من بينها تغير حدود الفصول نفسها. فعندما تتكرر الأمطار في الصيف، وتصبح درجات الحرارة معتدلة في الشتاء، فإننا أمام تلاشي تدريجي لما نعرفه من خصائص الفصول الأربعة، ودخولنا في مرحلة مناخية جديدة قد تُعرف باسم مناخ الانتقال المتغير أو مناخ الفوضى.
هذا المفهوم ليس مجرد تشبيه أدبي، بل هو مصطلح علمي بدأ استخدامه لوصف الحالة التي لا يمكن فيها التنبؤ بسلوك المناخ على المدى المتوسط بسبب كثرة المتغيرات. وهذا ما يجعل النماذج المناخية طويلة الأجل أكثر عرضة للخطأ، ويزيد من صعوبة وتعقيد التخطيط الحضري والمائي والزراعي.
على صعيد السياسات، تطرح هذه الظاهرة تحديات كبيرة. فلم يعد المناخ مجرد شأن بيئي، بل أصبح قضية أمن قومي. فأي تغير في نمط المطر قد يخلق نزاعات حول الموارد، أو يفاقم الهجرة المناخية، أو يسبب ضغطًا على شبكات البنية التحتية. ومن هنا تأتي أهمية أن تضع الحكومات سيناريوهات استباقية تتضمن بناء بنية تحتية قادرة على امتصاص الصدمات المناخية، وتوفير نظم إنذار مبكر، وتعزيز البحث العلمي.
أصبح الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها في هذا المجال. فأنظمة التعلم العميق قادرة على تحليل ملايين البيانات المناخية في وقت قياسي، واستنباط أنماط قد تعجز النماذج التقليدية عن رصدها. كما أن المحاكاة المستندة إلى الذكاء الاصطناعي يمكن أن تتنبأ بمواقع العواصف والأمطار وتوقيتها وشدتها، بدقة متزايدة يومًا بعد يوم.
لكن رغم هذه الأدوات، تبقى الحاجة إلى الوعي العام، وإلى ربط المواطن بهذه التغيرات من خلال إعلام علمي رشيد، يقدم الحقائق دون تهويل، وينبه إلى المخاطر دون إثارة الهلع. فالتغير المناخي ليس مجرد موضوع للنقاش السياسي في المؤتمرات الدولية، بل هو واقع يومي نشهده في تفاصيل الطقس وفي تغير سلوك السماء.
تلك الغيوم الصيفية التي تمر من فوقنا ليست مجرد مشهد عابر، بل هي وثيقة حيّة تشهد على أن مناخ الأرض يكتب فصلاً جديدًا من تاريخه، فصلًا تندمج فيه الفصول وتختلط فيه التوقعات، وتصبح فيه المظلة جزءًا من حقيبة الصيف.