أكد صندوق النقد الدولي أن التوترات في المنطقة والتصعيد في البحر الأحمر، يفاقمان الأوضاع الاقتصادية الهشة في اليمن الغارف بالحرب منذ تسع سنوات.

 

جاء ذلك في بيان لصندوق النقد الدولي، بمناسبة اختتام فريق خبرائه بقيادة "جوس وونغ"، مشاورات مع السلطات اليمنية خلال الفترة من 28 أبريل/نيسان إلى 2 مايو/أيار الجاري.

 

وشملت مباحثات الصندوق الدولي، أحدث المستجدات الاقتصادية في اليمن، وآفاق التوقُّعات، والتَّقدُّم المُحرَز على صعيد الإصلاحات الرئيسية.

 

وأوضح جوس وونغ أن "استمرَّ التوقف في صادرات النفط منذ الهجوم على مرافق النفط في أكتوبر / تشرين الأول 2022 في التأثير على الاقتصاد اليمني. وتشير التقديرات إلى أن النمو قد تقلّص بنسبة 2 في المئة في العام 2023، في حين بقي معدل التَّضخُّم مرتفعًا على الرغم من تراجع أسعار الأغذية عالميًا.

 

وأضاف بأن التقديرات تشير إلى أنّ الخسارة في الصادرات النفطية، التي مثلت اكثر من نصف الايرادات الحكومية (ما يعادل 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، قد عملت على اتّساع العجز في المالية العامة إلى نسبة 4,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023، الأمر الذي فرض ضغوطات على الاحتياطيات الأجنبية وعلى سعر الصرف.

 

وأكد أن الوضع الإنساني يظل صعبًا، مع وجود 17 مليون يمني يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي.

 

وأشار إلى أن الدفعات المنصرفة من حزمة الدعم من بلدان مجلس التعاون الخليجي، واستقرار تحويلات المغتربين تعتبر عوامل تُسهم في تخفيف حدة الأوضاع في اليمن.

 

وأردف: " في العام 2024، قد يتفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية. فالتصعيد في حالات التوتر في البحر الأحمر يُمكن أن يؤثّر سلبا على النشاط الاقتصادي من خلال قنوات التجارة والقنوات المالية، إلى جانب تأثره من انخفاض الدعم الخارجي، الذي يشمل المساعدات الإنسانية".

 

وبحسب بيان صندوق النقد، فإنه "وعلى الرغم من وضع اليمن الذي تكتنفه التّحدّيات، تبقى السلطات اليمنية ملتزمة التزامًا ثابتًا بإجراء الإصلاحات، ومنها الاستمرار في القضاء على تعدّدية أسعار الصرف في تنفيذ المعاملات الحكومية، وتيسير نظام مزادات العملات الأجنبية. وقد تم تعزيز إدارة السيولة النقدية مع ضبط الإنفاق وترتيب الأوليات بطريقة أفضل". مشيرا إلى أن هذه التدابير "أسهمت في الحدّ من العجز في الموازنة، واللجوء إلى التمويل النقدي، والضغوط التضخمية المصاحبة لها".

 

وحثت بعثة صندوق النقد الدولي، على الاستمرار في تسريع الإصلاحات في المالية العامة، بما في ذلك، تحسين إدارة الإيرادات، والعمل في الوقت ذاته على تعزيز إعادة ترتيب أولويات الإنفاق والرقابة عليه.

 

وشدد البيان على ضرورة تعزيز وظيفة الحوكمة لدى البنك المركزي اليمني، مع العمل في الوقت نفسه على تحسين عملية جمع البيانات، مؤكدا أن ذلك من شأنه أن "يعزز الشفافية والمساءلة".

 

وأكدت البعثة على أهمية الاستمرار في المحافظة على استقرار القطاع المالي، وتعزيز الامتثال مع المعايير الدولية ومنها معايير مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب، والتشريعات المحلية، والتي من شأنها تيسير ممارسة التجارة وحوالات المغتربين، مشيرا إلى أنهما يمثّلان "شرايين الحياة الرئيسية للشعب اليمني".

 

ولفت بيان البعثة، إلى أهمية الدعم المالي الخارجي للحكومة والذي قال بأنه يظل "عاملًا بالغ الأهمية في المساعدة على تخفيف شدة الضغوط المالية، والحد من التمويل النقدي، والمحافظة على استقرار الأسعار".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: البحر الأحمر صندوق النقد الدولي اليمن مليشيا الحوثي الحرب في اليمن النقد الدولی فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

أنصار الله.. معادلة الهيمنة الاستراتيجية في البحر الأحمر

 

 

في واحد من أكثر التحوّلات الاستراتيجية غير المتوقعة خلال العقود الأخيرة، فرض أنصار الله في اليمن واقعاً جديداً على خريطة الملاحة الدولية، وبخاصة في البحر الأحمر وباب المندب، عبر أدوات عسكرية غير تقليدية ومنهجية صراعية تقوم على الجمع بين الردع الثابت والضغط المرحلي الموجّه. هذا التحوّل لم يقتصر على المعطى العسكري، بل امتد ليشكّل إعادة تعريف للهندسة الجيوسياسية في المنطقة، وأسفر عن إرباك غير مسبوق في مراكز اتخاذ القرار داخل الولايات المتحدة، وأدى في نهاية المطاف إلى رضوخ أمريكي لشروط صنعاء الثورية، مقابل تعليق الهجمات على المصالح الأمريكية فقط، مع الإبقاء على وتيرة الهجمات المتصاعدة ضد الكيان الصهيوني، الذي بات يتلقى الضربات بشكل منفصل ومنهجي باستخدام صواريخ فرط صوتية.
هذا التحول ليس فقط انتصاراً ميدانياً، بل نجاحاً استراتيجياً لليمن الذي استطاع فرض معادلته في واحد من أكثر المسارح البحرية تعقيداً، بل واستطاع إعادة صياغة العلاقة بين الحلفاء الغربيين أنفسهم، وبالذات بين واشنطن و”تل أبيب”.
من الهامش إلى المركز: إعادة تعريف الجغرافيا اليمنية
لأكثر من قرن، كان اليمن، وبالذات مناطقه الساحلية المطلة على البحر الأحمر، موقعاً هامشياً في المعادلة الدولية. وُظفت أحياناً كممر، وتُركت غالباً كمستقر للاضطرابات. لكن، منذ عام 2023، بدأت هذه الجغرافيا تتبلور كفاعل، لا كمجرد موقع.
نجح أنصار الله في تحويل ما يُعرف في الأدبيات العسكرية بـ”الهامش الجغرافي” إلى رأس حربة جيوسياسية، مستندين إلى قراءة دقيقة لتحوّلات التجارة العالمية، وانكفاء الهيمنة الغربية التقليدية، والفجوة المتزايدة بين القدرات الأمريكية ورغباتها الإمبراطورية. هذا التحول لم يكن عشوائياً، بل تم بتخطيط متدرج، استثمر في الوقت، ومعرفة العدو، وتطوير القدرة الصاروخية والنفس الثوري في آنٍ معاً.
صناعة الردع البحري: معادلة جديدة لميزان القوة
الردع في البحر الأحمر لم يعد، كما كان في السابق، يعتمد على حاملات الطائرات أو القواعد العسكرية الدائمة، بل على القدرة على تهديد المصالح الاقتصادية في نقاط حرجة من دون الانجرار إلى صدام مفتوح. استطاع أنصار الله بلورة هذا الردع عبر استراتيجية تجمع بين المفاجأة والتدرج، وبين التصعيد المحسوب والضبط العملياتي الدقيق.
ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تراهن على تكثيف الوجود البحري في المنطقة، باغتتها الجماعة بضربات ذكية استهدفت السفن المرتبطة بالمصالح الغربية، ثم وسّعت نطاق عملياتها لتطال “إسرائيل” بشكل مباشر، من دون أن تخسر خطابها الأخلاقي أو مشروعيتها الداخلية.
إن ما حدث هو ولادة “ردع طرف ثالث،”، أي فصل الولايات المتحدة عن التزامها المباشر بأمن الكيان المحتل، عبر إقناع واشنطن أن كلفة استمرار الارتباط العسكري مع “تل أبيب” باتت أكبر من كلفة التخلي عنها مرحلياً.
فك الارتباط الأمريكي- الإسرائيلي: مكسب أممي لمحور المقاومة
أحد أعمق أبعاد التحوّل الاستراتيجي يتمثل في نجاح أنصار الله في صياغة معادلة جديدة داخل المحور الغربي نفسه. لقد قبلت الولايات المتحدة، بشكل صريح هذه المرة، وقف العمليات ضد سفنها ومصالحها، مقابل تعليق أنصار الله الهجمات تجاه السفن الأمريكية، لكنها لم تنجح في دفع اليمن إلى وقف استهداف الكيان الصهيوني.
هذا التمايز في الاستجابة العسكرية يعكس ما هو أعمق من نجاح تكتيكي. إنه فصل نفسي واستراتيجي بين الحليفين التاريخيين، واشنطن و”تل أبيب”. فكيان الاحتلال الذي تعوّد على الاحتماء تحت المظلة الأمريكية بات مكشوفاً أمام قوة جديدة في اليمن تتقن استخدام تكنولوجيا الصواريخ فرط صوتية ومبادئ الردع الثوري.
المفارقة هنا أن واشنطن، التي تدّعي حماية الاستقرار العالمي، وجدت نفسها مرغمة على الدخول في مفاوضات غير معلنة مع جماعة تعدّها هي “إرهابية”، في وقت يستمر اليمن في مهاجمة مدن كيان الاحتلال من دون رادع. هذا التحول وحده كفيل بإعادة تشكيل منطق التحالفات في الشرق الأوسط، وهو سقوط مدوٍ لمبدأ “الأمن الجماعي الغربي”. وفرض معادلة يمنية وهي أن وقف الهجمات على “تل أبيب” يستلزم وقف حرب الإبادة على غزة في التزام أخلاقي لا نظير له بين الدول الإسلامية.
العمق الشعبي: السر الخفي لاستمرار الزخم الثوري
الاستراتيجية لا تُبنى فقط على الأسلحة، بل على الشرعية. هنا، يكمن أحد أسرار قوة أنصار الله، وهي القاعدة الشعبية الصلبة التي يستندون إليها. فبينما تعاني الأنظمة الموالية للغرب من انعدام الشرعية وفقدان الحاضنة الداخلية بعد دعمها لإبادة جماعية وقتل يومي بحق الأطفال والنساء في غزة، يتمتع أنصار الله بدرجة عالية من الالتفاف الشعبي ليس فقط في اليمن، بل في العالمين الإسلامي والدولي الذي ينظر إلى قضية فلسطين كقضية تحرر يجب دعمها.
هذا الالتفاف لم يأتِ من فراغ، بل من إدراكهم لأهمية تمثيل الهوية المحلية في مشروعها السياسي والعسكري. بخلاف مشاريع الهيمنة التي تهمل الشعوب وتفرض سياسات فوقية، بنى أنصار الله مشروعهم على أساس الارتباط بالناس، والحديث بلغتهم، والقتال من أجل قضاياهم، وليس بالنيابة عنهم.
هذا العمق الشعبي هو ما يحميهم من الاختراق، وهو ما يقلق الغرب أكثر من الصواريخ: كيف تواجه خصماً تتجذر مشروعيته في قلوب الناس، لا في بيانات الأمم المتحدة؟
الحرب النفسية: السلاح الأمريكي القادم
بما أن أدوات القوة الصلبة أثبتت محدوديتها تجاه اليمن، من المتوقع أن يتحوّل تركيز الولايات المتحدة إلى الحرب النفسية والإعلامية. سيُعاد تشغيل ماكينة التضليل، وستُبث الروايات حول الانقسامات داخل اليمن، أو الأزمات الاقتصادية، أو “الإرهاق الشعبي” من الحرب.
سيُوظّف الإعلام العربي والغربي لتفكيك الخطاب المقاوم، وشيطنة أنصار الله، وتقديمهم كعبء على اليمن بدل كونهم ممثلاً للسيادة والكرامة. هذه الحرب الناعمة ستكون أشرس من القصف الأمريكي الذي فشل في كسر إرادة الشعب اليمني العظيم، لأنها تستهدف المعنويات، وتُبنى على الاستنزاف البطيء، وليس الضربة السريعة.
لكنّ وعي أنصار الله وقاعدتهم الشعبية بهذا النمط من الحروب يُعدّ من نقاط قوتهم. فهم يدركون أن المعركة القادمة ليست فقط بالسلاح، بل بالوعي والرسالة والسردية. وبالتالي، فإن تطوير أدواتهم الإعلامية، وبناء خطاب يتحدث إلى العالم، لا فقط إلى اليمن، سيكون ركيزة دفاعهم المقبلة.
لم يعد البحر الأحمر مجرد ممر تجاري، بل تحول إلى منصة صراع تُرسم فيها خرائط النفوذ الجديدة. وإن كانت واشنطن قد دخلت البحر الأحمر بأساطيلها، فإن صنعاء دخلته برؤية، واستراتيجية، وتوقيت، ونفس طويل.
الانتصار اليمني ليس ميدانياً فقط، بل مفهومياً عبر فرض قواعد اشتباك جديدة، وانتزع اعتراف أمريكي بفاعلية المقاومة، وزرع أولى بذور الانفصال بين واشنطن و”تل أبيب.”
المعادلة الجديدة تقول إنّ من يتحكم بباب المندب، يتحكم بتدفق التجارة العالمية، وبالتالي بتوازنات الهيمنة. وأنصار الله اليوم، بفضل وعيهم، وقاعدتهم، وشجاعتهم، والتزامهم الأخلاقي والديني تجاه غزة لم يعودوا مجرد فاعل محلي، بل صاروا رقماً إقليمياً يُحسب له في كل قرار دولي.
مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية.

مقالات مشابهة

  • أنصار الله.. معادلة الهيمنة الاستراتيجية في البحر الأحمر
  • اليمن تعلن موقفها من التصعيد العسكري الإسرائيلي في شمال وجنوب غزة
  • اليمن يُدين التصعيد العسكري الإسرائيلي في شمال وجنوب غزة
  • حنفي: تدبير الاعتمادات المالية لإنشاء 4 محطات تحلية مياه جديدة بمدن البحر الأحمر
  • نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي: جددنا التأكيد على الشراكة القوية بين صندوق النقد ومصر
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: الأوضاع الصحية في غزة كارثية والمجاعة واقع حقيقي
  • برلماني: دعم صندوق النقد الدولي لمصر شهادة ثقة فى قوة اقتصادها
  • صندوق النقد الدولي: مصر أحرزت تقدما كبير في مسار الإصلاحات الاقتصادية
  • استعدادات مكثفة لانطلاق امتحانات نهاية العام الدراسي 2025
  • حسام زكي: خطة إعمار غزة تعثرت بسبب استمرار التصعيد الإسرائيلي