النداء التركي للأكاديميين المضطهدين في الغرب بسبب غزة
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
تتجه العقول والكفاءات عادة إلى من يقدرها علميا وماليا وإنسانيا، وقد نجحت التجربة الغربية كحال معظم دول المركز الحضاري عبر التاريخ في جذب العلماء والباحثين. فلا حضارة من دون معرفة ولا معرفة من دون علماء، ولا علماء من دون بيئة خصبة للبحث العلمي والحريات وعلى رأسها حرية البحث العلمي. وحين يختل وضع العلماء والباحثين في دولة ما يتسربون منها إلى مكان آخر، وعادة ما يتم هذا بشكل غير معلن عدا في حالة انتفاضة غزة العالمية التي تموج بها الجامعات الغربية حاليا.
لقد أعلن رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش أكثر من مرة ترحيب بلاده بالأكاديميين الذين اضطهدوا بسبب دعمهم لغزة وللقضية الفلسطينية. استدعى قورتولموش فورا الخبرة التاريخية التركية في إيواء الأكاديميين الذين يوجهون ظروفا صعبة على مدار التاريخ. وهنا ينبغي التذكير بأن علاقة تركيا مع العلماء والأكاديميين هي علاقة عريقة ذات اتجاهين، فكما كانت تركيا تفتح أبوابها لعلماء فروا من ألمانيا بسبب اضطهاد النازيين، فتحت ألمانيا أبوابها بعد ذلك بفترة لعلماء أتراك آخرين، على رأسهم البروفيسور نجم الدين أربكان الذي كان له دور كبير تطوير الصناعة الألمانية، قبل أن يعود إلى تركيا ويساهم في نهضتها الاقتصادية عبر اتحاد الصناعات وهي البوابة التي دخل منها إلى عالم السياسة بعدئذ. الأمر نفسه تكرر مع الشاعر التركي الشهر محمد عاكف أورسوي، مؤلف النشيد التركي للجمهورية التركية، والذي ذهب إلى مصر وأسس قسم اللغة التركية في جامعة القاهرة.
من هنا تنبع أهمية دعوة رئيس البرلمان التركي، وهي دعوة ذكية لأنها تضرب عدة عصافير بحجر واحد؛ فهي تحاول أن تفتح باب الهجرة لتركيا بشكل معلن بعد أن شوهته كثير من أصوات وأحزاب المعارضة التي حمَّلت المهاجرين كل مشاكل تركيا وتجرد الدعوة حجج المعارضة من منطقيتها، وهي إن سكتت فقد أقرت بالمبدأ الذي يريد حزب العدالة والتنمية إقراره دوما وهو فتح البلاد أمام المهاجرين وخاصة المظلومين، وإن اعترضت، فقد وقفت في وجه خبرات علمية راقية آتيه من أكبر الجامعات الغربية تأتي لتفيد المجتمع التركي، وفي الوقت ذاته تضخ دماء جديدة في الجامعات التركية.
الأمر يتطلب ما هو أبعد من الدعوة الإعلامية إلى بعض الإجراءات العملية في هذا الشأن، لهذا أتمنى أن تكون هناك استعدادات تعليمية ومالية وفي دوائر الهجرة لتطبيق الدعوة التي أطلقها رئيس البرلمان التركي. فليس لديّ أدنى شك من أن كثير من القامات الأكاديمية لن تتردد في الهجرة إلى تركيا طالما توفر لها المستوى الكريم من البحث العلمي والمستوى المعيشي. وقد أثبتت التجارب العربية في هذا الإطار هذا الأمر، فكلما ظهرت بوادر بعض الإصلاح وتحسين الأوضاع في أي بلد عربي قصدته مباشرة طيوره المهاجرة في الجامعات الغربية، فلا شيء يساوي أن يزرع المرء في ترتبه وأرضه ويرى حصاده بين أبناء وطنه.
لقد أنفقت تركيا واستثمرت في عديد من المشاريع الاقتصادية والسياسية والعسكرية خلال العقود الماضية، وأتصور أن الاستثمار ذاته والإنفاق لو تم توجيهه نحو التعليم العالي والبحث العلمي سيكون خطوة رائد تأخذ البلاد إلى مستوى آخر بين الدول؛ ليس فقط من أجل تحسين العملية التعليمية، ولكن لتغيير النظر للبحث العلمي كعملية منفصلة عن المسار الاقتصادي والسياسي والفكري الذي تمر به البلاد ليكون رافدا ورافعا لها ومرتبطا به. بعبارة أخرى، إذا تحولت الخبرة التركية إلى نهضة علمية أكاديمية ستنتج هذه النهضة المعرفة التي تستطيع أن تساعد على الحافظ على هذه الخبرة وتطويرها.
twitter.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغربية العلماء غزة الجامعات تركيا الهجرة تركيا غزة الغرب علماء جامعات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أيمن عاشور: تحويل البحث العلمي لمنتجات تخدم المجتمع في قصر العيني
انطلقت اليوم، الأربعاء 29 مايو، فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، تحت شعار "نحو مجتمع طبي مبتكر"، وذلك تحت رعاية الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة، وبحضور الدكتور حسام صلاح مراد عميد كلية الطب، والدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، وعدد من قيادات جامعة القاهرة وكليّة الطب، من بينهم الدكتور محمود السعيد نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا.
شهد المؤتمر حضورًا لافتًا من عمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس والخبراء والباحثين في شتى التخصصات الطبية، في تأكيد على مكانة طب قصر العيني وريادتها في دعم المنظومة الصحية والبحثية في مصر والمنطقة.
وخلال كلمته في الجلسة الافتتاحية، عبّر الدكتور أيمن عاشور عن امتنانه للجهود المبذولة في تنظيم المؤتمر، قائلًا: "أشكر الأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، على كلمته القيمة التي أبرزت دور الجامعة في دعم التعليم العالي والبحث العلمي، كما أشكر الدكتور حسام صلاح على العرض المفصل الذي قدمه، والذي عكس حجم التطوير الذي تشهده كلية الطب ومستشفياتها، سواء في العملية التعليمية أو الرعاية الصحية".
وأكد الوزير أن الدولة تعمل على تعزيز الربط بين مخرجات البحث العلمي واحتياجات الصناعة والاقتصاد الوطني، مشددًا على أهمية الانتقال من مرحلة النشر العلمي إلى تطبيق نتائج الأبحاث في صورة منتجات وخدمات مبتكرة تخدم المجتمع وتدعم التصنيع المحلي.
وأضاف: "قمنا بإجراء دراسة بالتعاون مع أحد السفراء مؤخرًا، كشفت أن نحو 30% من الأبحاث المصرية المنشورة دوليًا تستفيد منها جهات أخرى في تحويلها إلى تطبيقات صناعية، بينما نفتقد نحن إلى آليات الربط الفعّال بين البحث والتصنيع، وهو ما يمثل تحديًا رئيسيًا تسعى الوزارة للتغلب عليه من خلال مبادرات الابتكار والتحالفات البحثية".
وأشار عاشور إلى أن الوزارة أطلقت مبادرة وطنية لدعم التحالفات التكنولوجية والتنموية بتمويل قدره مليار جنيه، على أن يبدأ فتح باب التقديم للمشروعات في الثالث من يوليو المقبل، قائلًا: "أصررت على بدء تنفيذ المبادرة قبل إجازة العيد، وسأتابع بنفسي استلام المقترحات، في تأكيد على الجدية التي نتعامل بها مع هذا الملف".
وتحدث الوزير عن إنجازات قطاع التعليم الطبي، مستعرضًا تقدم الجامعات المصرية في التصنيفات الدولية، وقال: "في تصنيف شنغهاي، الذي يُعد من بين الأدق عالميًا، جاءت جامعة القاهرة في الفئة من 150 إلى 200 عالميًا في علوم الصيدلة، كما احتلت الجامعة المركز 179 عالميًا في تصنيف كيو إس لعام 2025، وكانت في صدارة الجامعات الأفريقية، وهو ما يعكس ريادتها التاريخية ومكانتها كممثل لجامعات مصر والمنطقة".
كما استعرض إسهامات القطاع الطبي في البحث العلمي، مشيرًا إلى أن "بيانات سيفال أوضحت أن القطاع الطبي ساهم بنسبة تتراوح بين 23.4% و25% من إجمالي النشر الدولي في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، بما يعكس حجم التقدم العلمي في هذا المجال".
وأشار الوزير إلى أن كلية الطب بجامعة القاهرة كان لها دور محوري في هذا الإنجاز، حيث بلغ عدد أبحاثها العلمية المنشورة أكثر من 9000 بحث، أغلبها أبحاث دولية مشتركة، وأضاف: "الإحصائيات توضح مدى انخراط الجامعة في شراكات بحثية مع مؤسسات دولية كبرى، ونفخر بأن نسبة كبيرة من النشر تقع ضمن تصنيفي Q1 وQ2 المرموقين".
وشدد الدكتور عاشور على أن التحدي القادم يكمن في تحويل هذه الأبحاث إلى ابتكارات، وقال: "حتى لو احتلت مصر المركز الأول عالميًا في النشر العلمي، فهذا لا يكفي ما لم نستطع تحويل هذا الإنتاج إلى منتج فعلي، حتى لو كانت مجرد إبرة".
وتابع: "كل الأدلة تشير إلى أننا نمتلك علماء وباحثين متميزين، لكن المطلوب الآن هو تفعيل آليات الربط مع الصناعة واحتياجات الدولة، وهو ما تعمل عليه الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي التي أُطلقت في 2023".
وأوضح الوزير أن مصر تحتل حاليًا المرتبة 25 عالميًا في البحث العلمي وفق تصنيف سايماجو، مما يعكس تطور المنظومة العلمية والبحثية، لكنه أكد أن "الهدف هو الاستفادة الاقتصادية من هذا التقدم وليس مجرد الترتيب الأكاديمي".
وفي ختام كلمته، نوّه الوزير إلى أن "القطاع الطبي يُمثل إحدى الركائز الأساسية في دعم الاقتصاد المعرفي، وأن كلية طب قصر العيني تعد نموذجًا لما يمكن أن تقدمه المؤسسات الأكاديمية من دعم عملي وابتكاري للمنظومة الصحية في مصر".
ويُشار إلى أن المؤتمر السنوي لكلية الطب بجامعة القاهرة يعد أحد أبرز الفعاليات العلمية التي تجمع بين الخبرات الأكاديمية والطبية في مصر والعالم، ويعكس حرص الجامعة على دعم التميز العلمي والابتكار في مختلف التخصصات الطبي