د. عبدالله الأشعل **

أعلنت المقاومة شروطها الأربعة للدخول فى صفقة مع إسرائيل؛ وهذه الشروط هي: أولًا: الوقف الشامل والدائم لعملية الابادة، ثانيًا: عودة النازحين إلى مناطقهم فى القطاع، ثالثًا: جلاء القوات الإسرائيلية عن غزة، رابعًا: إدخال المساعدات دون إشراف إسرائيل.

وهذه الشروط تسمح بتبادل المحتجزين من الطرفين، أما إسرائيل وأمريكا فقد وضعا شرطًا واحدًا وهو استمرار الإبادة حتى ينتهي الشعب الفلسطيني وتنتهي مقاومته وتتحرر غزة من حكم حماس، دون أن يكون للسُّلطة دخل فيما بعد الحرب، وفى هذه الحالة يتم تحرير الرهائن الإسرائيليين وحدهم.

هذه الصيغة ظلّت تراوح مكانها شهورًا طويلة؛ لأن نتنياهو يعتقد جازمًا أنه سيُحاسَب على التقصير الأمنى والاداء العسكرى المُتدني، لذلك كان ذلك أحد أسباب عدم قبوله وقف إطلاق النار. أما السبب الثاني، فهو إحساس نتنياهو بالمسؤولية عن اهتزاز الأمن بإسرائيل، لذلك فإنه يطمح لأن يكون بن جوريون آخر، ويهمه دوره ورتبته فى المجد الصهيوني، وهذه شهادة فى المقاومة أنها ضربت المشروع الصهيوني في مقتل، ولا يمكن أن يسترد المشروع عافيته، وأن يعود كما كان في السابق، ثم إن هجوم المقاومة في "7 أكتوبر" أحبط "صفقة القرن" التي كان بعض العرب مُستعدين لتنفيذها، وقد أعلنوا عن ذلك صراحة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ويتمنون أن ينجح ترامب فى الانتخابات المقبلة، حتى يمهد المسار أمامهم لتشييد "إسرائيل الكبرى"، ولكن المقاومة أحبطت آمالهم جميعًا، وأثبتت أن فلسطين لأهلها، وأن الغرباء من اليهود أساءوا الأدب، وسوف يظهر التاريخ أن الولايات المتحدة أقوى من قضى على المشروع الصهيوني بسبب تحريضها لإسرائيل ومشاركتها فى أعمال الإبادة.

فشلت الصفقة في الماضي لأسباب عديدة؛ السبب الأول: هو أن المقاومة تريد أن تخرج منتصرة على إسرائيل، وأن إسرائيل تريد القضاء على المقاومة؛ أي إدارة الصراع بنظرية المعادلة الصفرية (zero sum game)، ولكن ذلك مستحيل؛ لأن الغرب وقف بشدة مع إسرائيل وتنكر لشعاراته، كما أن إسرائيل تحلَّلت من أي قيد أخلاقي أو قانوني أو غيره، وساعدها على ذلك أن البيئة العربية فى أحسن الحالات تلعب دور الوسيط، لذلك رأينا أن نيكارجوا في أمريكا اللاتينية هي التى استفزَّها السلوك الألماني، فرفعت الدعوى ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية، وبالطبع قرّرت المحكمة أنها غير مُختصة. ومن ناحية أخرى، فإن جنوب إفريقيا تحمَّست لمقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الدولية، ولولا أن جنوب إفريقيا انسحبت من "ميثاق روما" 2017 لشاركت خمس دول أخرى أعضاء في "ميثاق روما" رفعوا الدعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة، وعلى كل حال تَشكَّل فريقٌ من المحامين الدوليين ومن رجال القانون فى جنوب إفريقيا للتصدى للظاهرة الإسرائيلية التي تهدد المجتمع الدولي وقانونه، وتُشجِّع على الإفلات من العقاب، ويترتب على ذلك أنَّ الأطراف المختلفة المباشرة وجدت استحالة انتصار هذه النظرية، ولا بُد من التمهيد لنظرية أخرى، وهي الخروج من الحرب بانتصار الطرفين المقاومة تكسب السكان وإسرائيل حققت ما لم تكن تحلم به من إبادة السكان، وهي مرحلة من المراحل، خصوصًا وأن المشروع الصهيوني يقوم على التدرُّج.

السبب الثاني أن نتنياهو يُدرك جيدًا أن الصفقة معناها حل حكومته وإجراء انتخابات جديدة ومحاكمته وانتهاء هيئته السياسية؛ لذلك عارض نتنياهو أي صفقة، وظل حتى اليوم يُردد أن الصفقة لن تُوقف اجتياح مدينة رفح الفلسطينية؛ وذلك بسبب تعنُّته وعناده؛ لأنه يعلم أن اجتياح رفح يؤدي للاحتكاك مع مصر، والولايات المتحدة لا تريد أن تخسر إسرائيلُ مصرَ.

السبب الثالث: أنَّ الوسطاء بقيادة الولايات المتحدة تعرضوا لضغوط كثيرة، ويكفي أن الجامعات الأمريكية تغلي، وأن الرئيس جو بايدن لا يستطيع أن يتحمل النتائج الكارثية لنظام ديمقراطي يقمع حرية التعبير والتظاهر؛ لذلك فإن تصريح وزير الخارجية الأمريك يشير إلى أن واشنطن مُصرَّة على إنجاح الصفقة.

السبب الرابع: أن المقاومة أدركتْ أن الولايات المتحدة وإسرائيل بدأوا حربَ دعاية ضدها؛ لذلك فإنَّ إسرائيل تلوم المقاومة على تعنتها في التوصل إلى صفقة؛ لذلك شاع التفاؤل بين الوفود المختلفة الوسطاء وإسرائيل والمقاومة، وقدمت المقاومة بعض التنازلات إدركًا منها بأنَّ الصفقة تُنقذ آلافًا من الشهداء الفلسطينيين، وتذكرتْ أن إسرائيل كانت تلوم المقاومة على أعمال الإبادة لأن إسرائيل قالتْ منذ شهور إنه لو كانت المقاومة تعمل للشعب الفلسطيني لضحَّت واستسلمت وسلَّمت أسلحتها لإسرائيل، وإسرائيل مستعدة للوقف الفوري لأعمال الإبادة، وكأنَّ أعمال الإبادة انتقامٌ من المقاومة، ولكنَّ الصحيح أن أعمال الإبادة جوهر المشروع الصهيوني.

الخلاصة.. مع كتابة هذا المقال، نتفاءل بأنَّ الصفقة سوف يتمُّ التوقيع عليها، كما أنَّ المقاومة لديها شكوك فى مصداقية إسرائيل؛ لذلك طلبت من 3 دول أن تضمن تنفيذ هذه الصفقة؛ وهي: أمريكا ومصر وتركيا، خاصة وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن الإجراءات التجارية ضد إسرائيل ستتوقف، إذا جرى التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى ووقف الحرب.

إنَّ نجاحَ الصَّفقة يتوقف على هذه العوامل: جدية الموقف الأمريكي، ومرونة المقاومة، وتنشيط دور الوسطاء، واستمرار ميزان القوة في الميدان، وجديَّة اتجاه أطراف الصراع واقتناعهم بصيغة "لا غالب ولا مغلوب"، على الأقل مرحليًّا!

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يعمق جرائم الإبادة في غزة وإسبانيا تدرس فرض عقوبات على “إسرائيل”

الثورة / متابعات

يستمر العدو الصهيوني في ارتكاب مجازر وحشية وجرائم دموية ضد أبناء فلسطين في قطاع غزة، مخلفة العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى، أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن، على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي ، بالتوازي مع استمرار الحصار وتفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل غير مسبوق

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في تقريرها اليومي لحصيلة الشهداء والجرحى، أن مستشفيات القطاع استقبلت 38 شهيدًا و204 إصابات، خلال الـ 24 ساعة الماضية، مشيرة إلى أن هذه الأرقام لا تشمل مناطق شمال غزة بسبب صعوبة الوصول إليها.

وأوضحت الوزارة أن عددًا من الضحايا لا يزالون تحت الأنقاض وفي الطرقات، حيث تعيق الظروف الميدانية الصعبة وصول طواقم الإسعاف والدفاع المدني إليهم.

كما أشارت الوزارة إلى أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 بلغت 3,785 شهيدًا و10,756 إصابة، مما يعكس تصاعدًا في وتيرة العدوان خلال الفترة الأخيرة. فيما بلغت حصيلة العدوان الصهيوني المستمر منذ 7 أكتوبر 2023، 53,939 شهيدًا و122,797 إصابة.

واستشهد مواطنان مساء أمس إثر قصف استهدفهم من مسيرة “إسرائيلية في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس جنوب قطاع غزة .

كما استشهدت عائلة فلسطينية نازحة من رفح، ظهر أمس، في قصف طائرات العدو الصهيوني الحربية خيمة تؤوي نازحين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

وفي شمال قطاع غزة، ارتقى ثلاثة شهداء وأصيب عدد من المواطنين الفلسطينيين بجروح متفاوتة، جراء غارة لطائرات العدو الإسرائيلي استهدفت مجموعة من المواطنين في مشروع بيت لاهيا، وهم: زياد أبو ركبة، وبشير حمودة، ومحمد المغربي.

إلى ذلك استشهد صحفي فلسطيني وعدد من أفراد عائلته، صباح أمس، في قصف طائرات العدو الصهيوني الحربية جباليا النزلة، شمال قطاع غزة.

وأفادت مصادر طبية، باستشهاد الصحفي حسان مجدي أبو وردة، وعدد من أفراد عائلته، في قصف العدو منزلهم في جباليا النزلة.

وباستشهاد أبو وردة، ترتفع حصيلة الشهداء من الصحفيين منذ بدء جريمة الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر عام 2023 إلى أكثر 221 صحفيا، إضافة إلى جرح واعتقال مئات آخرين.

من جهتها نعت المديرية العامة للدفاع المدني في قطاع غزة، أمس الأحد، مدير إدارة العمليات لديها، العقيد أشرف أبو نار، في استهداف مباشر من قوات العدو الإسرائيلي داخل منزله في مخيم النصيرات، ما أدى لاستشهاد زوجته ايضاً.

وأفادت وكالة وفا الفلسطينية نقلا عن مصادر طبية، باستشهاد عائلة مكونة من خمسة أفراد، بينهم طفلان، في قصف طائرات العدو خيمة تؤوي نازحين في منطقة المشاعلة بدير البلح.

إنسانيًا، يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية جراء منع الاحتلال إدخال المساعدات لقطاع غزة، فيما يسعى لمخططات خبيثة من خلال تخصيص الاحتلال مراكز معينة تخضع لسيطرته وفي نطاق عملياته، وتقع جميعها في مناطق جنوب قطاع غزة، وذلك لتوزيع المساعدات التي ما زال يمنع دخولها، بالتزامن مع إجراء ترتيبات مع شركات أمريكية من خلفيات عسكرية، لتولي عمليات التوزيع المتوقعة.

وأوضحت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا أمس الأحد، أن السبيل الوحيد لمنع تفاقم الكارثة الحالية في غزة هو تدفق المساعدات بشكل فعال ومتواصل.

وأكدت الأونروا، أن قل ما نحتاج إليه في غزة هو 500-600 شاحنة يوميا تديرها الأمم المتحدة بما في ذلك وكالة الأونروا.

وبينت أن سكان قطاع غزة لا يستطيعون انتظار دخول المساعدات أكثر من ذلك.

من جانبها أفادت بلدية غزة، أنها تعاني من انهيار شبه كامل في منظومة الصرف الصحي نتيجة تدمير الاحتلال للبنية التحتية.

كما تواجه كارثة بيئية متفاقمة في ظل نقص حاد في المواسير والمعدات اللازمة لتشغيل محطات الضخ وصيانة الشبكات.

سياسيًا، أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس، باسم نعيم، أن الحركة لا تتوقف عن البحث عن سبل لإنهاء الأزمة ووقف شلال الدم، وإنهاء الحصار المفروض على أهالي القطاع ، مشيرًا إلى أن حركته في تواصل مستمر مع الوسطاء بعقل مفتوح لدراسة أي مقترحات “خارج الصندوق أو داخله”، شريطة أن تحقق وقف الحرب وانسحاب الاحتلال من القطاع.

وشدد نعيم على أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من معاناة في هذه الأيام تتفطر له القلوب والعقول، وهو في قلب المعادلة القيادية للمفاوضات، مؤكدًا رفض حماس لأي معادلات تفرضها حكومة نتنياهو الفاشية في القطاع

وفي أوروبا ..قال وزير خارجية إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس، إن بلاده تدرس فرض عقوبات على “إسرائيل”، داعيًا إلى إدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق.

وأضاف ألباريس خلال لقائه نظيره النرويجي، أمس، “سنرفع صوتنا لوقف الحرب بغزة دفاعاً عن العدالة وكرامة الفلسطينيين”.

وشدد قائلًا: “لدينا مسؤولية للدفاع عن العدالة والسلام وكرامة أوروبا على المحك”.

وتابع: “لا نعطي دروسا لأحد لكن الاعتراف بفلسطين هو السبيل لحماية السلام”. وكان الوزير الاسباني قد اكد في وقت سابق إن على المجتمع الدولي أن ينظر في فرض عقوبات على “إسرائيل” لوقف الحرب في غزة. وذلك قبيل اجتماع في مدريد يضم دولا أوروبية وعربية لحضّ الدولة العبرية على وقف عدوانها.

وفي المانيا طالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلين بتعليق تصدير السلاح لـ”إسرائيل” المستخدم في فلسطين، وبمراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية.

واستنكر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، في ختام مؤتمره العام، العدوان الإسرائيلي على غزة، بما في ذلك القصف الجوي والحصار، معربا عن تضامنه التام مع الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، ودعم خطة إعادة الإعمار.

وطالب بدعم التحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية، واحترام ما يصدر عنها، والتأكيد على أن لألمانيا مسؤولية خاصة تجاه تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وشدد على ضرورة الاضطلاع بدور فاعل أكثر في السعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وضرورة التذكير بنكبة فلسطين عام 1948.

 

 

مقالات مشابهة

  • 300 كاتب فرنكوفوني ينددون بـ"الإبادة الجماعية" في غزة ويدعون لفرض عقوبات على إسرائيل
  • إسرائيل: مسؤول ملف الأسرى يُطلع عائلات المحتجزين بغزة على تطوّرات الصفقة
  • كيف تضع العمليات اليمنية العدو الصهيوني بين فكي كماشة وتمنح المقاومة الفلسطينية فرصة الانتصار؟
  • أحمد موسى: إسرائيل حولت غزة إلى سجن.. والمقاومة حق أصيل للفلسطينيين
  • أحزاب اللقاء المشترك: انتصار المقاومة اللبنانية على العدو الصهيوني علامة فارقة في تاريخ الأمة
  • الاحتلال يعمق جرائم الإبادة في غزة وإسبانيا تدرس فرض عقوبات على “إسرائيل”
  • الشيخ نعيم قاسم: صمود اليمن نموذج يحتذى والمقاومة خيار لا رجعة عنه في مواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي
  • أمين عام حزب الله: الحرب مع إسرائيل لم تنته
  • الرئيس المشاط يهنئ لبنان بالذكرى الـ 25 لعيد المقاومة والتحرير
  • إسرائيل وأمريكا تستكملان حرب الإبادة في غزة