من أهم المؤسسات الاستيطانية الإسرائيلية التي استند إليها الاستعمار في فلسطين، يُنظر إليها باعتبارها مؤسسات نموذجية لتوليد جماعة وظيفية شبه عسكرية. فاختيار موقعها يكون لاعتبارات عسكرية بالدرجة الأولى، ثم لاعتبارات زراعية، وأعضاؤها لا يتدربون على الزراعة فحسب، بل على حمل السلاح أيضا.

والكيبوتس كلمة عبرية تعني "تجمّع"، وكان الهدف من هذه التسمية جمع يهود العالم في فلسطين.

وتستخدم للإشارة إلى مستوطنات تعاونية تضم جماعة من المستوطنين الإسرائيليين يعيشون ويعملون سويا ويتعاونون في الزراعة.

النشأة والتأسيس

تأسس أول كيبوتس عام 1910 على ضفاف بحيرة طبريا، أطلق عليه اسم "دغانيا"، وأصبح نموذجا لحركة الكيبوتسات اللاحقة، أقام فيه المهاجرون الجدد القادمون من ألمانيا وبولندا وروسيا إلى الأراضي الفلسطينية.

تكون العضوية في الكيبوتس بالاختيار الحر من قبل العضو بعد استجابته للمعايير والمقاييس المطلوبة. وكانت الكيبوتسات تنظم الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين منذ عام 1934، واستمرت حتى بعد تأسيس منظمة خاصة للهجرة اليهودية عام 1939.

توسع دور الكيبوتسات بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948، فكانت لهذه المؤسسات الاستيطانية إسهامات كبيرة من الناحية الاقتصادية، منها توفير فرص عمل للمهاجرين الجدد، مما خفف من الأعباء القائمة على الهستدروت (الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية). وكان لها أيضا دور عسكري في الحروب التي خاضتها إسرائيل.

ومن الناحية السياسية، كان أعضاء الكيبوتس فاعلين في الانتخابات الإسرائيلية، فكانت لديهم القوة لترجيح كفة مرشح على آخر، وعملت الحكومات على توطيد فكرة الكيبوتسات ودعمها.

كما حاولت الحكومات الإسرائيلية تقديم نظام الكيبوتس للعالم على أنه النموذج الذهبي الذي لا مثيل له، باعتباره يمثل نمط الحياة الاشتراكية المثالية في الدولة الرأسمالية.

أصبح يعيش في الكيبوتسات بحلول عام 1950 حوالي 67 ألف إسرائيلي، أي ما يعادل 7.5% من السكان حينها. وبلغت نسبتهم ذروتها عام 1989، إذ بلغ عدد سكان الكيبوتسات حوالي 129 ألف شخص في 270 كيبوتسا تقع غالبتها في أطراف إسرائيل بهدف الدفاع عنها.

ومن أعضاء الكيبوتسات الذين أصبحوا قيادات سياسية في إسرائيل ديفد بن غوريون وموشيه ديان وشمعون بيريز وغيرهم، كما كان ثُلث الوزراء الإسرائيليين في الفترة بين 1949 و1967 ممن عاشوا في الكيبوتسات، ثم إن 40% من إنتاج إسرائيل الزراعي و7% من صادراتها من إنتاج الكيبوتسات، و8% من إنتاجها الصناعي.

بنية الكيبوتس الداخلية

تعد الحياة داخل الكيبوتس جماعية إلى أقصى حد، فملكية الأرض والمباني والأدوات، بل أحيانا الملابس الشخصية، ملكية جماعية، وتنعدم أشكال التعبير الفردية في الحكم.

عندما ينضم عضو للكيبوتس فهو لا يشتري شيئا لأنه لن يمتلك شيئا، وعندما يترك الكيبوتس فإنه لا يبيع شيئا ولا يأخذ معه أي شيء.

يحصل أعضاء الكيبوتس على كل احتياجاتهم الأساسية دون مقابل مثل الطعام والمسكن والملبس، وأحيانا إصلاح الملابس وغسلها، والرعاية الطبية ورعاية الأطفال والتعليم.

أما احتياجات الفرد الأخرى مثل شراء بعض السلع الاستهلاكية أو قطع الملابس الكمالية وتكاليف الإجازات التي يقضيها خارج الكيبوتس فيدفع تكاليفها بنفسه من مصروف جيبه الشهري الذي يعطى له، وإن تبقى معه أي مبلغ فعليه أن يعيده لصندوق الكيبوتس، وكان يحظر على الأعضاء أن يكون لهم حساب خاص في البنك.

نساء يعملن في حراثة الأرض بأحد كيبوتسات إسرائيل (غيتي)

يتناول الأعضاء في الكيبوتس الطعام بشكل جماعي، ومن يرفض ذلك يُعد متمردا وخارجا عن الجماعة.

معظم الشبان من أعضاء الكيبوتسات (ذكورا كانوا أم إناثا) يكونون رهن الإشارة في الخدمة العسكرية، كما تشكل بعض الكيبوتسات مواقع لتخزين السلاح وصناعة الذخائر.

يقوم أعضاء الكيبوتس بأشق المهام العسكرية وأخطرها، وأيضا بالمهام السرية في الداخل والخارج، كما يوجد العديد منهم في الوحدات الخاصة مثل وحدة المظليين ووحدة الضفادع البشرية.

يُحظر على اليهود المهاجرين من دول عربية الانضمام لهذه الكيبوتسات، فهي مؤسسات خاصة باليهود الأشكناز المهاجرين من دول غربية.

التنشئة الاجتماعية في الكيبوتس

يضعف الكيبوتس الروابط الأسرية لحساب الروابط القومية والولاء للدولة، وحسب التصور الذي يقوم عليه هذا النوع من التجمعات، فإن الشخص الذي يعيش حياة فردية من دون روابط بأي أشخاص آخرين هو القادر على الانتماء بسهولة ويسر إلى جماعته الوظيفية، ويكون قادرا على تكريس ذاته لوظيفته.

يعيش الأطفال في الكيبوتسات بعيدا عن والديهم، ولا يزورونهم إلا بعض الوقت بعد الدراسة وبعد استكمال ساعات العمل المطلوبة منهم.

يحافظ الكيبوتس على مبدأ الجماعة ويدعمها، فالجماعة هي التي تقرر كل شيء، بداية من الموسيقى التي يسمعها الفرد إلى الوحدة العسكرية التي سيخدم فيها.

وإذا رفض أحد الأعضاء التطوع في الجيش يتعرض للضغط والتحريض والتخوين داخل "الأسرة الكيبوتسية".

تصميم الكيبوتس

تُظهر طريقة الإسكان في الكيبوتس مدى الحياة الجماعية فيه، إذ تُقسَّم المباني إلى قسمين: المساكن والمباني الأخرى. أما المساكن فهي عادة وحدات متقاربة يتكون كل منها من طابق واحد، تقع بين مجموعة من الأشجار، وكل وحدة سكنية مقسمة إلى شقتين أو ثلاث، وتتكون كل شقة من غرفة صغيرة يقطنها رجل وامرأة.

ويكون تنظيف الثياب وكيّها في بيت الغسيل العام، وأثاث المنازل بسيط لأبعد الحدود، وإن وُجد تلفزيون أو جهاز ستيريو فيوضع عادةً في غرفة المعيشة الجماعية.

ويضم الكيبوتس أيضا عدة مبان منها: مبنى الثقافة، ومبنى الاجتماعات، ومكان مخصص للرياضة. وعلى مقربة من المجموعة السكنية من المباني، توجد المجموعة الإنتاجية، التي تضم حظائر الحيوانات والمصانع والمزارع، وهي في العادة تكون محيطة بالمباني بشكل كلي.

الكيبوتس والمرأة

يتخذ الكيبوتس مبدأ المساواة المتطرفة بين الرجل والمرأة، فيقوم الجميع بالأعمال اليدوية نفسها، شاقة كانت أم هينة، ويعتبر القائمون على الكيبوتسات ذلك أحد سبل إعداد النساء للعمل في الجيش الإسرائيلي.

حاولت بعض الكيبوتسات إلغاء الفرق بين الرجل والمرأة بهدف "تحرير المرأة تحريرا كاملا"، لذلك لا يوزع العمل بين أعضاء الكيبوتس على الأساس الجنسي، ومما ساعد على هذا الاتجاه تنشئة الأطفال الجماعية بعيدا عن نفوذ الوالدين، الأمر الذي يعفي المرأة من واجب الأمومة.

لكن بعض الفترات الاستثنائية في حياة المرأة مثل فترة الحمل أو الإرضاع تكسر هذه القاعدة، وتصبح النساء غير قادرات على القيام بالأعمال الشاقة، وكثيرا ما يتركن وظائفهن وتضيع منهن، ونتيجة لهذه الظروف وجدت المرأة نفسها تعمل غالبا في قطاع الخدمات، وهو قطاع يزدريه أعضاء الكيبوتس لأنه قطاع غير إنتاجي.

صورة جماعية لمستوطنين يهود بأحد الكيبوتسات في فلسطين ما بين 1920 و1936 (شترستوك) اتخاذ القرار

يتخذ الكيبوتس مبدأ الديمقراطية والمساواة بين الأعضاء في كل شيء، فتكون السلطة العليا هي المؤتمر العام للكيبوتس، الذي يضم جميع الأعضاء ويكون عبارة عن اجتماع أسبوعي عادة ما يعقد يوم السبت.

وتوكل القرارات الأساسية المتعلقة بإدارة مزارع الكيبوتس وتحديد سياستها الإنتاجية والاقتصادية إلى أمانة اتحادات مزارع الكيبوتس.

وتوضع هذه القرارات موضع التنفيذ داخل الكيبوتس من خلال فئة صغيرة من الأفراد يتناوبون على المراكز القيادية، فتتركز السلطة في يد السكرتير العام للمؤتمر والمدير الاقتصادي.

تطورات الكيبوتسات

في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، تطورت الكيبوتسات فلم تعد مزارع جماعية، بل أصبحت مجموعة من المشروعات الصناعية الضخمة، وقد وصف مراسل "واشنطن بوست" كيبوتس دجانيا بأنه "كيبوتس يديره مصنع".

وفي عام 1960 كان 30% من أعضاء الكيبوتسات يعملون في الصناعة، وفي عام 1970 بلغت نسبتهم 45%، وزادت النسبة لاحقا إلى أكثر من 50%.

التقشف سمة أساسية من سمات الحياة داخل الكيبوتس باعتباره مؤسسة عسكرية، ويظهر هذا التقشف أيضا في أسلوب الحياة نفسها، إذ يحرم على الأعضاء من تناول الطعام على انفراد، ولكن لاحقا بدأت تظهر حياة الأسر وحمامات ومطابخ مستقلة لكل أسرة، ومساكن مؤثثة تأثيثا فاخرا بأدوات تعد ترفا، وذلك نتيجة النشاط الاقتصادي الذي رفع مستوى المعيشة.

إسرائيليون يزيلون غابات البردي من مستنقعات الحولة عام 1940 بجانب كيبوتس أمير قرب بحيرة طبريا (غيتي)

وتوجد في الكيبوتسات أيضا سيارات تنقل الأعضاء إلى المدينة، وبإمكان العضو حجز سيارة ليستخدمها بمفرده.

ومن أبرز التطورات التي يرى مؤسسو الكيبوتسات أنها سلبية المسكن المستقل، وانضمام كثير من الأطفال إلى ذويهم وقضائهم معظم أوقات فراغهم في وحداتهم السكنية المستقلة.

وبدأت أيضا بعض الكيبوتسات إنشاء مساكن تشبه شقق الطبقات المتوسطة في أي بلد غربي حديث، وانتشر تناول الطعام على انفراد بعد تحول الصالات الملحقة بالمنازل إلى غرف للطعام.

كما أصبح الفنانون يقيمون في الكيبوتسات، إذ وجدوا أن أسلوب الحياة في هذه المزارع الجماعية يوفر لهم الراحة والأمان المالي. وبعضهم ليسوا أعضاء في الكيبوتسات، وهذا في حد ذاته يُعد تطورا عميقا، إذ لم يكن يسمح لمُستوطن العيش داخل الكيبوتس دون أن يكون عضوا فيه.

المشكلات المترتبة على التطور

أضعف الانتقال من الزراعة إلى الصناعة تماسك الكيبوتسات، وولَّد داخلها توترات أثرت في درجة فعاليتها ومدى إسهامها في البناء المجتمعي الإسرائيلي. ومن بعض المشكلات التي ظهرت مع هذا التطور ما يلي:

نظرا لانصراف عدد كبير من أعضاء الكيبوتسات إلى الأعمال الصناعية بدأت العمالة العربية الأجيرة تظهر مرة أخرى داخل الكيبوتس للقيام بالأعمال الزراعية، وهذا يُعَدُّ -من وجهة نظر إسرائيلية- ضربة في الصميم لمفهوم العمل الإسرائيلي. انقسم العاملون في الكيبوتسات إلى فريقين، أحدهما يعمل بالزراعة والآخر يعمل بالصناعة، مما خلق كثيرا من الانقسامات. المشروع الصناعي، على عكس المشروع الزراعي، يجب أن يكون حجمه كبيرا، والكيبوتس من المفترض أن يظل حجمه صغيرا حتى يتسم بالدينامية وتسهل إدارته. الإدارة الذاتية للكيبوتسات أصبحت تزداد صعوبة بعد تنامي القطاع الصناعي داخلها، لأن القضايا التي يواجهها أعضاء الكيبوتس تتطلب خبرة المتخصصين، وهذا أمر غير متاح للأعضاء العاديين الذين لم يتلقوا تدريبا أو تعليما خاصا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات فی الکیبوتس

إقرأ أيضاً:

ديفيد هيرست: حماس ستبدي مرونة بشأن حكم غزة بعد الحرب.. بشروط

نقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، عن مصدر مقرب من حركة المقاومة الإسلامية حماس قوله، إن الحركة على استعداد لإبداء مرونة حول مستقبل الحكم في غزة، طالما أن قرار حكم القطاع يتم الاتفاق عليه من قبل الفصائل الفلسطينية الأخرى، وليس مفروضا على الفلسطينيين سواء من قبل الولايات المتحدة أو من قبل دولة الاحتلال.

وذكر تقرير أعده رئيس تحرير الموقع ديفيد هيرست نقلا عن المصدر، أن حماس تشعر بأن ميزان القوة قد مال لصالحها بينما تواجه "إسرائيل" انقسامات سياسية متفاقمة بشأن مستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب.
 
كما أشار المصدر إلى أن حماس على ثقة تامة بأنها متجذرة بعمق في المنطقة وأنه لا يمكن لأحد أن يتجاوزها.

فيما يلي النص الكامل للتقرير:

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مصدر فلسطيني كبير لديه اطلاع على سياسات حركة حماس إن الحركة على استعداد لإبداء "مرونة" حول مستقبل الحكم في غزة، طالما أن قرار حكم القطاع الذي دمرته الحرب يتم الاتفاق عليه من قبل الفصائل الفلسطينية الأخرى وليس مفروضاً على الفلسطينيين سواء من قبل الولايات المتحدة أو من قبل إسرائيل.
 
وقال المصدر، الذي اشترط عدم التصريح بهويته نظرا لحساسية الموضوع الذي يتحدث فيه، إن حماس تشعر بأن ميزان القوة قد "مال" لصالحها بينما تواجه إسرائيل انقسامات سياسية متفاقمة بشأن مستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب.
 
وقال المصدر في تصريحه لموقع ميدل إيست آي: "لدى حماس ثقة بأنها متجذرة بعمق في المنطقة وأنه لا يمكن لأحد أن يتجاوزها".
 
وأضاف: "ومع ذلك يوجد لدى حماس من المرونة السياسية ما يجعلها تقبل بالعديد من الصيغ بشأن مستقبل غزة. وهي منفتحة على صيغة وطنية متفق عليها خدمة لصالح شعبها. ولكن أي تسوية لديها فرصة الاتفاق عليها وطنياً لا يجوز بحال أن تفرض من قبل أمريكا أو إسرائيل. فهم لا يمكنهم إبرام صفقة مع دولة فلسطينية ضعيفة".
 



كان من المقرر أن تُستأنف المحادثات حول وقف إطلاق النار هذا الأسبوع، ولكن حماس أبلغت الوسطاء الدوليين يوم الثلاثاء بأنها سوف تنهي مشاركتها بعد "مذبحة" الأحد التي ارتكبتها إسرائيل في رفح.
 
وكان ما لا يقل عن خمسة وأربعين شخصاً قد قتلوا وأصيب عشرات آخرون بجروح، معظمهم من النساء والأطفال، عندما قصفت إسرائيل مخيماً يؤوي نازحين فلسطينيين في منطقة تل السلطان غربي رفح.
 
جاءت الضربات الجوية، التي نجم عنها احتراق بعض الفلسطينيين أحياء، بعد يومين من إصدار محكمة العدل الدولية أمراً لإسرائيل "بأن توقف فوراً هجومها العسكري في رفح".
 
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مصدر ثان، هو الآخر مقرب من حركة حماس: "ليست حماس مضطرة للجلوس للتفاوض بينما يستمر الإسرائيليون في القتل".
 
وأضاف: "إن استمرار المفاوضات بينما المذابح مستمرة إنما يوفر غطاء للمذابح، بل أدى أيضاً إلى مقتل جندي مصري. وهذا لن يحدث ثانية".
 
وقال المصدر إن حماس يمكن أن تستأنف المفاوضات فقط فيما لو توقفت إسرائيل عن ارتكاب المذابح وغادرت رفح. وأضاف أنه يجب أن يعود معبر رفح إلى إدارته السابقة، مشيراً بذلك إلى الترتيب الذي كان معمولاً به حتى ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
 
المفاوضات أمام طريق مسدود
وقال المصدر الأول، الذي كان يتحدث قبل القصف الذي تعرض له مخيم اللاجئين، إن المفاوضات وصلت فعلياً إلى طريق مسدود، وذلك بعد الإخفاق الذي منيت به الجولة الأخيرة في القاهرة والدوحة.
 
وقال إن المفاوضات بعد العدوان الإسرائيلي على رفح وصلت إلى طريق مسدود، وإن الولايات المتحدة بحاجة لأن تعالج مجموعة من الأمور مع إسرائيل بخصوص الوقف الدائم لإطلاق النار.

وأضاف: "بالنسبة لحماس، من الواضح أنه يتوجب على الولايات المتحدة التعامل مع هذه المفاوضات. ويجب على الإسرائيليين احترام الوثيقة التي قبلت بها حماس، بدون الخوض في ألاعيب سخيفة ومحاولة الالتفاف على مطالب حماس الأساسية."
 
وكانت حماس قد أعلنت في وقت مبكر من هذا الشهر عن قبولها لصفقة وقف إطلاق النار التي تقدم بها الوسطاء القطريون والمصريون لها، ولكن إسرائيل قالت إن المقترح لم يحقق لها مطالبها.
 
بعد انهيار المحادثات في القاهرة، توجهت مصادر أمريكية باللوم إلى مصر لتعديلها العرض المقدم لحماس بحيث أصبح لصالحها. فما كان من القاهرة إلا أن عبرت عن سخطها على مثل هذه المزاعم.
 
أكد المصدر الفلسطيني الرواية المصرية حول ما جرى، وقال إن مصر لم تعدل في الوثيقة، وأن الولايات المتحدة كانت على دراية تامة بكل التعديلات، فقد كان مدير وكالة المخابرات الأمريكية بيل بيرنز حاضراً في القاهرة وفي الدوحة على حد سواء، حيث تمت مناقشة الوثيقة.
 
وقال المصدر: "أعلنت حماس عن تعديلاتها التي قبلها المفاوضون. ولقد أبلغ الطرف الأمريكي بالتعديل وقبل به. فلم تكن تلك غلطة مصر. إلا أن الإسرائيليين تراجعوا عن الصفقة، ولم تجبرهم الولايات المتحدة على قبول شيء كان يمكن أن يكون لصالحهم".
 
حماس تندد بتحركات السلطة الفلسطينية
وبينما تستمر رحى الحرب للشهر الثامن على التوالي، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة. في نفس الوقت انتقدت الولايات المتحدة نتنياهو لإخفاقه في الخروج بخطة ذات مصداقية حول من سوف يحكم القطاع المدمر.
 
وكان نتنياهو قد اقترح عندما تحدث عن الموضوع لآخر مرة في شهر فبراير (شباط) استبدال حماس بممثلين محليين "لا يرتبطون بعلاقات مع بلدان أو مجموعات إرهابية ولا يتلقون دعماً مالياً منها".
 
في واقع الأمر، كانت محاولة استبدال الحكومة المركزية بشبكة من زعماء العشائر قد وئدت في مهدها.
 
قبل ذلك بأسابيع، ندد زعماء قبليون في غزة بمقترحات الجيش الإسرائيلي تقسيم غزة إلى مناطق تحكمها القبائل أو العشائر بدلاً من بقائها كياناً سياسياً واحداً.
 
بعد ذلك بشهر، برزت تقارير تفيد بأن إسرائيل تنظر في فكرة تنصيب ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية، حاكماً إدارياً على غزة. ولكن ذلك المشروع مني بالفشل أيضاً. كما منيت بالفشل محاولة فرج تسريب مجموعة من المسلحين تظاهروا بأنهم فرقة حماية لقافلة مساعدات مصرية، وتم اعتقال عناصر المجموعة.
 
منذ ذلك الحين، نددت حماس بمناورات تقوم بها السلطة الفلسطينية، بما في ذلك ما وصفته بأنه إجراء أحادي لتنصيب محمد مصطفى رئيساً للوزراء. قالت حماس إن القرار اتخذ بدون استشارتها، على الرغم من مشاركة الحركة في لقاء جرى في موسكو وحضرته فتح بهدف إنهاء الانقسام.
 
منذ توليه منصبه، صرح محمد مصطفى في بيان مهمته أنه يريد إصلاح السلطة الفلسطينية وتوحيد الضفة الغربية وغزة والإشراف على إعادة إعمار القطاع.
 
سعى موقع ميدل إيست آي للتواصل مع السلطة الفلسطينية للحصول على تعليق منها على ذلك ولكنه لم يتلق رداً حتى موعد النشر.
 



استراتيجية إسرائيل تتعرض للنقد
تقول المصادر الفلسطينية إنه على الرغم من أن غاية نتنياهو المعلنة هي تدمير حماس، إلا أن إسرائيل تقوم حالياً بإعادة حساب موقفها حول كيفية التعامل مع سيناريو اليوم التالي، أخذاً بالاعتبار أنه لم يتسن لها خلع حماس.
 
من الناحية العسكرية، لقد أثبتت كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، أن لديها القدرة على الظهور مجدداً في المناطق التي أخلاها الإسرائيليون والاشتباك مع الجنود في مواجهات قتالية مباشرة، وهو الأمر الذي لاحظه بشيء من الإحباط كبار الجنرالات في الولايات المتحدة.
 
وفي الأسبوع الماضي، انتقد الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة، فيما اعتبر توبيخاً علنياً نادراً منه للإسرائيليين.
 
وقال براون في إشارة إلى المهمة العسيرة التي تواجه القوات الإسرائيلية في غزة: "لا يقتصر الأمر على الحاجة لأن تدخل فعلياً وتقضي على العدو الذي تواجهه هناك أيا كان هذا العدو، بل يجب عليك أن تدخل ثم تفرض سيطرتك على المنطقة، ثم يجب عليك أن تحدث حالة من الاتزان داخلها".
 
فقط بعد بضعة أيام من ذلك زعمت حماس أنها أسرت مجموعة من الجنود الإسرائيليين في كمين داخل شبكة من الأنفاق، وذلك في خضم قتال كثيف في مخيم جباليا في الشمال، وهو الذي زعم الجيش الإسرائيلي أنه طهره في ديسمبر (كانون الأول).
 
نفت إسرائيل تلك المزاعم، فما كان من كتائب القسام إلا أن نشرت مقطعاً مصوراً فيما بعد يظهر فيه مقاتلوها وهم يسحبون رجلاً داخل النفق بدا فاقداً للوعي. كان يتم سحبه بسلاحه.
 
ثم عرض الفيديو بشكل منفصل ثلاث بنادق نصف آلية وغير ذلك من الأسلحة التي تقول حماس إنها استولت عليها من الإسرائيليين الذين أسرتهم.
 
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مصدر ثالث لديه اطلاع على الأمور في الميدان داخل غزة إنهم يقدرون بأن 20 بالمائة فقط من شبكة الأنفاق قد تم تدميرها من قبل إسرائيل، وأن شبكة الأنفاق الهائلة تحت الأرض مازالت توفر ملاذاً ووسيلة نقل ومقراً لتصنيع الأسلحة والصواريخ.
 
عدا عن إعادة تدوير المتفجرات الشديدة المستخرجة من القنابل والصواريخ الإسرائيلية والتي أخفقت في الانفجار، استولت حماس على كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمعدات أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير على خان يونس. وعن ذلك يقول المصدر إنه في كل واحد من أيام القتال، كانت الوحدات التي تتكون من الشباب الاحتياطيين تتخلى عن مواقعها عندما يحل الليل تاركة خلفها جل معداتها.
 
تواصل موقع ميدل إيست آي مع الجيش الإسرائيلي ومع وزارة الخارجية الإسرائيلية للحصول على تعليق على الأمر، ولكنه لم يتلق رداً من أي منهما.
 



"تعلمت حماس دروساً من الحروب السابقة"
يقول المصدر المطلع على سياسات حماس إن المجموعة لديها ثقة بقاعدتها الشعبية الداعمة لها في غزة، وأوضح أنه على الرغم من الدمار الشامل، فإن إسرائيل تعاني من انقسامات كبيرة حول الاتجاه الذي ينبغي أن تؤول إليه الحرب.
 
وتابع المصدر: "على الرغم من اختلال الميزان بين حماس وإسرائيل، إلا أن حماس تعلمت دروساً من الحروب السابقة".
 
وأضاف: "إن صورة المقاومة {والجماعات الفلسطينية مثل حماس} في أوساط شعبنا في غزة هي أن المقاومة تقاتل نيابة عنا، بينما يعتقد الإسرائيليون أن نتنياهو يقاتل من أجل مصالحه الشخصية".
 
وأكد المصدر أنه على الرغم من أن إسرائيل تدفع بكل شيء خلف جهدها الحربي في غزة، إلا أن الاستراتيجية فشلت، وكذلك سوف يفشل الهجوم على رفح.
 
بعد ثمانية شهور من الهجوم الجوي والبري، حول الجيش الإسرائيلي معظم المنطقة التي يقطنها 2.3 مليون فلسطيني إلى أرض محروقة لا يمكن العيش فيها.
 
لقد مسحت أحياء كاملة عن وجه الأرض، وتحولت المنازل والمدارس والمستشفيات إلى رماد تحت وطأة الضربات الجوية ونيران الدبابات التي لا تبقي ولا تذر. ما زالت بعض المباني قائمة، ولكنها تحولت إلى هياكل ممزقة.
 
تفيد التقارير بأن كل السكان تقريباً غادروا منازلهم، ومن بقي منهم في شمال غزة باتوا على شفا المجاعة.
 
يقول المصدر: "لقد فشل القصف السجادي، وفشلت المساعي لخلق حالة من الفوضى بهدف تحريض الناس لكي ينقلبوا على حماس، وكذلك فشل استخدام المجاعة كوسيلة لقهر الناس وكسر إرادتهم. لقد ظنوا قبل ثمانية شهور أنه سوف يسهل عليهم سحق غزة، فهي بلا جيران يهبون لنجدتها، ولا يوجد بها جبال يحتمي بها الناس. ولكن غزة لديها الصمود".
 
تواصل موقع ميدل إيست آي مع وزارة الخارجية الأمريكية، ولكنه لم يتلق رداً منها حتى حين موعد النشر.

مقالات مشابهة

  • بايدن: أعلم أن البعض في إسرائيل لن يوافقوا على الخطة الحالية ومنهم أعضاء في الحكومة
  • قرية تتحول إلى مدينة أشباح في بريطانيا بسبب سلوك سكانها.. ماذا فعلوا؟
  • المغرب يتدرب على راجمات الصواريخ الأمريكية هيمارس في مناورات الأسد الأفريقي
  • كتائب القسام تستهدف ناقلة جند.. و«شهداء الأقصى» تقصف تجمعات الاحتلال
  • 8 أشهر من الحرب على غزة .. لوبس: إسرائيل في مواجهة العالم
  • بالسياسة والسلاح.. رحلة أكراد العراق الوعرة
  • 8 أشهر من الحرب على غزة.. لوبس: إسرائيل في مواجهة العالم
  • خبير عسكري يوضح كيف يتدرب الناتو على ضربات نووية ضد روسيا
  • ديفيد هيرست: حماس ستبدي مرونة بشأن حكم غزة بعد الحرب.. بشروط
  • "تم اعتقالهم وترحيلهم دون ذكر الأسباب".. إيران: السعودية طردت 6 أعضاء من فريقنا الإعلامي