مؤرخ فرنسي: المصالح الأميركية لم تعد تتفق مع مصلحة إسرائيل
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
قال المؤرخ الفرنسي ماريو ديل بيرو إن إسرائيل لم تعد تبدو، وبشكل متزايد، عامل استقرار بالنسبة للولايات المتحدة رغم الروابط التي توحد بين البلدين، ورغم أن العلاقات بينهما "خاصة".
وأضاف أن تلك العلاقات وإن شهدت بعض التغير في السياقات وبعض التحولات الحاسمة، إلا أن لحمتها بقيت متماسكة بسبب عوامل مرتبطة بالجوانب الإستراتيجية والأيديولوجية والسياسية والثقافية.
وقال أستاذ التاريخ بمعهد العلوم السياسية -في مقال بصحيفة لوموند- إن الولايات المتحدة دعمت ولادة إسرائيل عام 1948، رغم التردد الشديد لمن كانوا يخشون في وزارة الخارجية أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقات مع العالم العربي، ولكن حرب 1967 وثقت العلاقات بينهما وأصبحت إسرائيل، بعد أن تعززت مصداقيتها العسكرية، حليفا خاصا حقا ومستفيدا كبيرا من المساعدات العسكرية الأميركية الضخمة.
وجعلت ديناميكيات الحرب الباردة في الشرق الأوسط من إسرائيل شريكا رئيسيا في موازاة الأنظمة الموالية للاتحاد السوفياتي في المنطقة، وبعد نهاية الحرب الباردة انتقلت إسرائيل من دور حصن "الاحتواء" المناهض للسوفيات إلى وظيفة أعيد تشكيلها ضد ما تبقى من القومية العربية أو الإسلام السياسي الراديكالي الجديد، كما يقول المؤرخ.
"قلعة تحت الحصار"
تم تبرير الشراكة الإستراتيجية -حسب ماريو ديل بيرو- بالسرديات الأيديولوجية التي تؤكد على الروابط "الحضارية" الطبيعية المفترضة بين البلدين عبر محورين، أولهما المحور الديمقراطي الغربي الذي يصوّر إسرائيل قلعة الغرب الليبرالي المحاصرة التي يجب الدفاع عنها، أما الثاني فهو ديني، لأن جزءًا من الإنجيلية الأميركية يرى ارتباطا قويا بين المصير الصهيوني وتحقق نبوءات عودة المسيح قبل نهاية العالم.
وقد اكتسب هذا الموقف -حسب المؤرخ- رواجا كبيرا في الولايات المتحدة منذ السبعينيات، أي منذ أن قامت العديد من مكونات هذه الحركة الإنجيلية بتنظيم نفسها في جماعات ضغط يمينية جمهورية، وتخلت عن معاداة السامية، وتبنت موقف الدعم الكامل لإسرائيل، بل تُرجم هذا التحول إلى صهيونية مسيحية تربط حروب إسرائيل بنبوءتها المروعة، كما ساعدت في إضفاء صبغة سياسية على العلاقات الإسرائيلية الأميركية.
وهذا يقودنا إلى المتجه الأخير للعلاقة "الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الوكيل السياسي، نتيجة تحول النظام السياسي الأميركي وإنشاء منظمات مؤيدة لإسرائيل، كلجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، التي تأسست عام 1963 وأصبحت لها قدرة على التأثير على الحملات الانتخابية.
أما العلاقة بين الصهيونية والتقدمية الأميركية فلها هي الأخرى جذور عميقة، حسب المؤرخ، إذ ظل جزء كبير من المثقفين الديمقراطيين ينظرون إلى المختبر السياسي الإسرائيلي بإعجاب، وقد تمت موازنة هذا الإعجاب بين الجمهوريين بدعم إسرائيل، التي كانت تتحرك بلا هوادة نحو اليمين والتي تتبنى المخاوف الأمنية للتيار المحافظ الأميركي.
احتجاج قوي
وقد اعترض "المستعربون" في وزارة الخارجية بشدة على نقاط من هذه الروابط، وتغلغلت معاداة السامية في قطاعات معينة من المجتمع الأميركي، وحاول عدة رؤساء تغيير شروط هذه العلاقة، واعترض الخبراء المؤثرون بشدة على التأثير المفسد للديمقراطية الأميركية الناتج عن الدعم الأعمى للحليف الإسرائيلي، وفقا للكاتب.
ومع ذلك، لم يظهر تحد قوي وحازم سياسيا لهذه العلاقة الخاصة، وقادر على ممارسة ضغوط غير متوقعة على إدارة بايدن إلا في الآونة الأخيرة، عندما ألقى الرد الإسرائيلي غير المتناسب على هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي والمأساة الإنسانية الهائلة في غزة بظلالهما الثقيلة، بل وحتى قبل ذلك أظهرت استطلاعات عديدة أن التغيير جارٍ.
ووفقا لاستطلاعات غالوب السنوية بين عامي 2013 و2022، ارتفعت النسبة بين الديمقراطيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية من 19% إلى 49%، مما يتجاوز بشكل كبير نسبة أولئك الذين لا يزالون يفضلون إسرائيل.
ويرى المؤرخ أن الشرق الأوسط عندما أصبح أقل مركزية بالنسبة للولايات المتحدة، لم تعد إسرائيل عامل استقرار أو شريكا رئيسيا في احتواء تهديدات الأمن الأميركي كما كانت في السابق، وبالتالي فإن فكرة أن المصلحة الوطنية للولايات المتحدة لم تعد تتفق مع مصلحة إسرائيل.
نتنياهو (يمين) وبايدن في لقاء سابق في إسرائيل (رويترز) انعطاف جذريكما أن "الأسمنت الأيديولوجي" للماضي بدأ ينهار تدريجيا بعد أن عفا الزمن على المصفوفات التقدمية للتعاطف الأميركي القديم المؤيد للصهيونية، وأصبح تأثير جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل يقابله اليوم نشاط الجماعات التي تدين السياسة الإسرائيلية، وظهرت جمعيات تنتقد بشدة الحكومة الإسرائيلية حتى من داخل اليهود الأميركيين أنفسهم.
وخلص الكاتب إلى أن سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، والاستخدام المفرط للقوة، والتخلي النهائي عن الرغبة في حل الدولتين، أمور أدت إلى نفور جزء في أميركا من إسرائيل، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جرّ عمدا قضية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الساحة السياسية في خدمة حزب سياسي محدد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ترجمات الولایات المتحدة لم تعد
إقرأ أيضاً:
تراجع الهجرة غير الشرعية مع اقتراب انتخاب الرئيس الأميركي
تبدو ضفاف نهر "ريو غراندي"، الذي يفصل بين المكسيك والولايات المتحدة شبه مهجورة وغدت ملاجئ مخصصة للمهاجرين شبه خاوية، بعد أن كانت مكتظة سابقا، نتيجة سياسات أميركية للهجرة باتت أكثر صرامة في عام الانتخابات.
ولا يعكس هذا التغيير نجاح الإجراء الأميركي الرادع فحسب، بل أيضا سخونة الخطاب الانتخابي قبيل انتخابات رئاسية ستشهد منافسة شديدة الأسبوع المقبل، وتشكل قضية الهجرة فيها قضية مثيرة للانقسام إلى حد كبير.
يفضل العديد من المهاجرين انتظار موعد مقابلة لطلب اللجوء قبل الوصول إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، خوفا من مواجهة عقوبات أشد للدخول غير الشرعي وخطر الموت على أيدي مهربي البشر.
وانخفض عدد المواجهات، التي خاضتها دوريات الحدود الأميركية، مع مهاجرين حاولوا عبور الحدود من المكسيك بشكل غير قانوني، إلى حوالى 54 ألف شخص في سبتمبر الماضي، مقارنة مع ذروة بلغت نحو 250 ألف شخص في ديسمبر، وفقا للحكومة الأميركية.
وأصدر الرئيس جو بايدن في يونيو أمرا بإغلاق الحدود أمام طالبي اللجوء بعد وضع سقف لأعداد يومية.
وكان غورالويس أوكاندو (28 عاما) أحد أولئك الذين خططوا في البداية للتسلل عبر الحدود بعد رحلة خطيرة من فنزويلا.
وقال الشاب، وهو واحد من نحو ثمانية ملايين فنزويلي غادروا بلادهم التي تعاني أزمة متفاقمة، "عندما وصلت، كان كل شيء معقداً".
وأضاف بعد وصوله إلى إل باسو بولاية تكساس عبر الحدود من سيوداد خواريز المكسيكية "من الأفضل الدخول بشكل قانوني".
وهدد المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب بأكبر عملية ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين في تاريخ الولايات المتحدة إذا تمكن من هزيمة منافسته الديمقراطية كامالا هاريس الثلاثاء.
ويعتبر أوكاندو نفسه محظوظا لأنه نجا من تهديدات مختلفة خلال رحلته في الطريق، وتمكن من دخول الولايات المتحدة عند معبر حدودي رسمي قبل أيام قليلة من الانتخابات.
وقال "لقد فعلتها، والحمد لله".
وقال مهاجرون آخرون إن الخوف من الموت خلال محاولة عبور الحدود دفعهم إلى طلب موعد عبر التطبيق أيضا.
وقالت دينيا راميريز (37 عاما) من هندوراس، والتي سارت عبر جسر حدودي مع أختها وأطفالها الستة "نحن نفضل عدم المخاطرة بالدخول بشكل غير قانوني، خصوصا من أجل حياة أطفالنا".
قبل أشهر، كان هناك تدفق مستمر للمهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون بشكل يومي نهر "ريو غراندي" من "سيوداد خواريز".
أما الآن، فقد أصبح هذا المشهد أقل شيوعا.