جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-11@14:11:31 GMT

الدوبامين في قفص الاتهام

تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT

الدوبامين في قفص الاتهام

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

كُل إنسان يبحث عن السعادة بطرقه المُباحة والمُعتادة، فمنهم من يجدها في كوب شاي أو قهوة وقطعة حلوى، أو لقاء في وقت مُناسب مع الأهل والأصدقاء أو رحلة خلوية واستكشافية أو في السفر، مع أنَّ كل هذه النشاطات مسبوقةً باستعدادات وتجهيزات لا تخلو من العناء وتركيز ذهني ومجهود جسدي يزداد وينقص حسب نوعية المناسبة لكنها حوافز غرضية تهدف لبلوغ المُبتغى وتحصيل النتيجة النهائية وتتويجها بمشاعر البهجة والمسرة.

وهُناك من تُحفزه النواقل العصبية لنيل ثمرة سعادته بطرق خاصة، وهؤلاء تجاوزوا مراحل السعادة المعهودة إلى تفرعات إضافية نادرة أو غير مُعتادة وليس بالضرورة أن تكون تلك الممارسات متطرفة أو سيئةً شائنة بل استثنائية وربما حسنة زائنة، كما إن من يسعى للسيطرة والتملك متوسلًا القوة والعنف والبطش إنما يبذل تغوله طلبًا في نهاية المطاف للسعادة، ولن تتحق له.

تتعدد مراتبُ السعادة وتتفاوت درجاتها، ونتفاعل مع زيادتها ونتعاطى مع نقصانها بحسب مقتضى الضرورة والظروف، حتى إذا بلغت أدنى درجاتها تتدخل عوامل الصبر المشفوعة ببواعث الأمل ودوافع الجهد والبذل والعمل، وفي مُعظم الأحيان يُفلح الأمر ويحقق النجاح المنشود، ولكن مع الرضوخ للفشل تبدأ مرحلة الانحدار عند الاستسلام إلى ما دون الصفر ثم النكوص إلى دركات الشقاء وهو الجانب المُناقض الذي لن تُجدي معه كل فُرص اقتناص السعادة الطبيعية المألوفة، وإن وجدت فلن تكون إلّا محاولات شكلية غير مجدية وستقود إلى انتكاسات متتالية تودي بصاحبها إلى الاكتئاب ومايتبعه من أحوال سيئة واستحلال للمعصية وتصرفات مُشينة ومعيشة مُزرية.

يصعب تعريف مفهوم السعادة في جوهرها سوى أنها مظهر فرح داخلي يعود على صاحبه بشعور البهجة والطمأنينة ويفضل البقاء في تلك الحالة لأطول فترة ممكنة، إلّا أن الحصيف الكيّس يُدرك أنَّ هنالك أولويات وأسبقيات يجب تفضيلها وهي من الضرورات الدائمة وبإهمالها وتركها أو تأجيلها ستفقد السعادة المؤقتة معناها، وكان ماسبق مجرد مقدمة لتوصيف فهم محفزات السعادة ومحبطاتها وقد يكون معلومًا لدى الكثيرين ولكن ما قد لا يعلمه البعض أن "الدوبامين" والمعروف بهرمون السعادة هو المتحكم بها من خلال بث الحوافز في الخلايا العصبية للمخ، فكل ما يفتعله الإنسان من نشاطات بغرض إسعاد نفسه ماهي إلا نوع من المكافآت الذاتية التي تعزز من تنشيط إفراز نواقل البهجة ولكنها تبقى في نطاق المستويات المعقولة التي لن يضر بعدها عودة نشاط الدوبامين إلى مستواه الطبيعي، إلّا أنَّ الضرر الكامن وراء اختلال محفزات الدوبامين هو الخطر الأكبر والخفي إذا ما تمَّ التلاعب بها بواسطة إغراق النفس بالشهوات والإفراط في الملذات والسعي الدائم وراء بلوغ الحدود القصوى للسعادة بإضافة مؤثرات خارجية كالمخدرات.

إن المُتعاطي لأول جرعة من المخدرات سيشعر ببلوغ معدل غير مسبوق من الابتهاج وهي سعادة لم يبلغها من قبل، وهو بالطبع شعور وهمي نتيجة تحفيز عظيم لإفراز الدوبامين- هرمون السعادة- وتفصله النشوة المؤقتة فصلًا شبه كامل عن الواقع، ويكون بذلك قد أوجد خللًا عصبيًا أصاب به إفراز المحفزات الطبيعية، ولن يجد المتعاطي بعد ذلك سعادته عند تراجع مستوى المخدر وعودة معدلات الدوبامين إلى طبيعتها، فيصاب حينها بخيبة أمل عندما تبدأ حالة القلق بالازدياد تدريجيًا ويشعر بتناقص سريع وحاد للسعادة حتى تصل إلى درجة الصفر، فيباغتها بجُرعة جديدة إن توفرت وإن لم تتوفر سينتقل إلى مرحلة مادون الصفر ويتدرج في التعاسة هبوطًا، حتى إذا وصل إلى الاكتئاب، تقاذفته أفكار الغضب المُفرط التي قد تسوقه للجريمة أو الانتحار.

لا أريد أن أكون سوداويًا جدًا ولكن هذه هي الحقيقة المُبرهَنة ويجب الإحاطة بها علمًا من جوانبها السلبية، ومع ذلك يوجد جانب إيجابي مشرق في حال توفرت إرادة جادة لدى المدمن الذي يعتقد أنه بلغ نقطة اللاعودة؛ حيث إنَّ رغبة الترك تمثل قطع نصف الطريق إلى الخلاص، والنصف الآخر المتبقي هو التعاون المشترك وتكاتف الجهود، والتي تبدأ بالأهل ومدى معرفتهم ومعلوماتهم وطريقة تعاملهم في هذا المنعطف الحساس، وبنجاحهم سيخرجون جميعًا من نفق البؤس التي يقاسونه سرًا. ثم عليهم بالحذر كل الحذر من مخاطر انتكاسة المدمن في مرحلة التعافي وبالتحديد في أول أسبوعين؛ لأنها الفترة التي تساوره فيها كل الذكريات والرغبات الجامحة للاستسلام والعودة للسعادة الزائفة، ولكن بعد تجاوزه بنجاح فترة شهر كامل منذ إقلاعه فإنَّ ما يأتي بعد هذه المرحلة؛ هي خطوات تأهيل نفسي ومعنوي وسيكتشف خلالها عودته إلى طبيعته وهي أشبه بمن استفاق من النوم بعدما رأى كابوسًا مزعجًا.

وجدنا أخيرًا أن محفزات الدوبامين أو ما يعرف بهرمون السعادة، بريء براءة الذئب النبيل من دم الحمل الوديع، ومما ينسب له من اتهام، فهو من بديع صنع الخالق ومقدر بمقاييس ومعايير بالغة الدقة ولا يُخرج تلك المقادير عن ضبطها إلّا ما تسوِّل به النفس لصاحبها وتُزيِّن له لذائذ المسرّات تقبل أخطاء الانحرافات وتعضده بأهلية كسب الموبقات، وإبقائه تحت رحمة السعي المضني لمكافأة نفسه بالسعادة التي تحفزها النواقل العصبية، والحقيقة أن المحفزات الطبيعية كالأكل والشرب وممارسة الهوايات والتكاثر، هي التي تستحث إفراز الدوبامين لنيل الشعور بالسعادة والوصول إلى مبالغ البهجة، وبدونه لانقرضت معظم المخلوقات وانتهت الحياة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اكتشفها الآن.. خمس عادات لتدريب عقلك على السعادة

الجديد برس| كشفت دراسة جديدة قام بها مجموعة من علماء النفس، عن 5 عادات لتدريب العقل على السعادة وزيادة الرفاهية. وأشارت الدراسة الجديدة إلى أن الأفكار والسلوكيات، بل حتى البيئة المحيطة بالشخص، يمكن أن تعيد برمجة الدماغ نحو الاستمتاع بمزيد من السعادة والرفاهية. ووفقا للدراسة، التي نشرتها صحيفة “تايمز أوف إنديا”، فإنه وكما هو الحال في اللياقة البدنية، فإن اللياقة العاطفية تتطلب أيضًا التدريب. واستعرضت الدراسة الجديدة بعض النصائح العلمية لتدريب العقل على السعادة، وهي كالآتي: 1.ممارسة الامتنان يعد الامتنان من أقوى أدوات علم النفس الإيجابي. عندما يركز المرء على ما لديه ويقدّره، حتى أصغر الأشياء، يبدأ عقله بتحويل انتباهه من الندرة إلى الوفرة، وتؤدي تلك الخطوة إلى مزيد من الوفرة في الحياة. وتظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يكتبون 3 أشياء يشعرون بالامتنان لها يوميًا ويصلون إلى مستويات أعلى من السعادة ومستويات أقل من الاكتئاب. 2.إعادة صياغة الأفكار السلبية إن الدماغ مصمم بطبيعته لاكتشاف التهديدات، وهي آلية للبقاء تعرف باسم “التحيز السلبي”. ولكن بجهد واعٍ، يمكن تجاوز هذا الوضع الافتراضي من خلال إعادة صياغة كيفية تفسير الشخص للأحداث. يشجع العلاج السلوكي المعرفي الأشخاص على تحدي الأفكار المشوّهة واستبدالها بأفكار متوازنة وواقعية. فعلى سبيل المثال، يمكن إعادة صياغة الإحساس بالفشل على أنه “عدم نجاح هذه المرة، لكنه فرصة لتعلم شيء قيّم”. إن هذا التحول العقلي يقلل من القلق ويعزز الثقة بالنفس، ما يساعد على التغلب على التحديات. 3.قضاء وقت في الطبيعة للطبيعة تأثير عميق على الصحة النفسية. اكتشف علماء النفس أن قضاء 20 دقيقة يوميًا في بيئة طبيعية يمكن أن يخفض مستويات الكورتيزول، المعروفة باسم هرمونات التوتر، ويحسن الحالة المزاجية مدى الانتباه. إن المشي في الحديقة أو الجلوس قرب الأشجار أو حتى الاستمتاع بمناظر الطبيعة، يهدئ العقل ويعيد التواصل مع اللحظة الحالية. 4.علاقات هادفة مع الآخرين إن البشر كائنات اجتماعية، وإقامة علاقات هادفة من أهم أسباب السعادة طويلة الأمد. تظهر دراسات علم النفس أن الأشخاص ذوي الروابط الاجتماعية القوية أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب وأكثر ميلًا للشعور بالرضا. لذا، فإن تخصيص وقت للأحباء، وقضاء وقت ممتع معهم، وإجراء محادثات عميقة، وإظهار اللطف، كل هذا يطلق موادًا كيمياوية تشعر الشخص بالسعادة مثل الأوكسيتوسين والسيروتونين في الدماغ. 5.تدريب العقل على اليقظة إن اليقظة هي ممارسة التركيز على اللحظة الحالية من دون إصدار أحكام. وقد ثبت أن اليقظة المنتظمة، من خلال التأمل والتنفس العميق أو حتى مجرد الوعي أثناء الأنشطة اليومية، تقلص مركز التوتر في الدماغ وتعزز المناطق المرتبطة بالسعادة والوعي بالذات. ومع مرور الوقت، تساعد اليقظة على أن يصبح الشخص أكثر ثباتًا وأقل انفعالًا وأكثر تقديرًا لملذات الحياة البسيطة. وشددت الدراسة على أن اتباع هذه العادات بشكل منتظم من شأنها أن تزيد هرمون السعادة لدى الإنسان، وتدرب العقل على السعادة وزيادة الرفاهية.

مقالات مشابهة

  • كريمة أبو العينين تكتب: سرقة السعادة
  • بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول ولكن.. دون شروط مسبقة
  • الصور الكاملة.. أصالة تشبع البهجة فى زفاف نجل شقيقتها أماني
  • دراسة: لا وصفة موحدة للسعادة.. وما يُسعدك قد لا يعني شيئًا لغيرك
  • رقص وغناء .. لقطات من حفل زفاف نجل شقيقة أصالة
  • قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر من قرارات الاتهام أو الإحالة
  • اكتشفها الآن.. خمس عادات لتدريب عقلك على السعادة
  • الدستورية: قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر من قرارات الاتهام
  • الدستورية: قرار مجلس تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر من قرارات الاتهام
  • باحث: الهدنة الروسية الأوكرانية تشهد هدوءًا محدودًا ولكن لا تُحَل المشكلة