سواليف:
2025-06-17@05:29:02 GMT

صفقة الأسرى مجددا.. لماذا الآن وما الذي تغير؟

تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT

#سواليف

بعد أيام من عودة الحديث عن #صفقة لتبادل #الأسرى بين #المقاومة_الفلسطينية بقيادة ” #حماس” وحكومة بنيامين #نتنياهو، بدا أن فرص إحراز تقدم حاليا في تلك الصفقة ما زالت تراوح مكانها، بعد كشف هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر مطلع أن إسرائيل لم تقدم للوسطاء حتى الآن وثيقة تتضمن مقترحها.

ولم يسفر لقاء باريس 2، السبت الماضي، عن شيء يُذكر، حيث اجتمع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني مع رئيس المخابرات الأميركية (سي آي إيه) وليم بيرنز، ومدير #الموساد ديفيد بيرنيع.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن بيرنيع عرض أمام وزراء #مجلس_الحرب ملخص اجتماعه مع الوسطاء.

مقالات ذات صلة الجيش المصري يصدر بيانا بعد تبادل إطلاق النار مع جيش الاحتلال 2024/05/27

التحركات الإسرائيلية الأخيرة بخصوص إعادة الحياة لمفاوضات الأسرى فاجأت الإدارة الأميركية الداعم الأقوى لإسرائيل، وفق ما نقل موقع “أكسيوس” الإخباري.


إسرائيل المراوغة والتملص

تزامنت التحركات الإسرائيلية لمحاولة إحياء صفقة التبادل مع سلسة من الأحداث شهدتها الساحة الإسرائيلية، إذ عقد الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس مؤتمرا صحفيا هدد فيه بترك الحكومة، وبالتالي رفع غطاء الشرعية التي منحها لنتنياهو بالدخول معه في ائتلاف بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبدوره، عقد وزير الدفاع يوآف غالانت مؤتمرا صحفيا طالب من خلاله نتنياهو بعرض خطة ما بعد الحرب، إضافة إلى بث فيديو المجندات اللاتي اعتقلتهن حماس في عملية طوفان الأقصى.

تتبع مسار التفاوض، الذي بدأ قبل أشهر، يظهر أن نتنياهو اتبع إستراتيجية المماطلة خلال كافة مراحل التفاوض، ومحاولة الضغط على حركة حماس والمقاومة، للقبول بما يعرض عليها بعيدا عما يجري على الأرض من فشل رافق جيش الاحتلال منذ بدء عدوانه على قطاع غزة.

خلال مسيرة التفاوض المتعثر سعت إسرائيل للتخلص من أي التزامات من خلال اتهام الوسطاء بعدم العمل بجدية للتوصل لصفقة، حيث اتهمت قطر بأنها لا تبذل الجهد الكافي في الضغط على حماس، وأنها أقرب إلى مواقف حماس والمقاومة في محاولة للتشكيك بالموقف القطري، الذي سعى للحياد بين الطرفين، كما يفترض بالوسيط.

كما اتهمت مصر لاحقا بتغيير بنود الاتفاق، بعد أن تفاجأ نتنياهو بأن حماس قبلت المقترح الأخير الذي قُدم لها خلال مفاوضات القاهرة الأخيرة.

ورقة إسرائيل الأخيرة كانت رفح، التي هاجمها جيش الاحتلال ليدرك عندها نتنياهو أن مسار الحرب بعدها وصل إلى طريق تجب عنده مواجهة الواقع الجديد، الذي تشكّل في أعقاب معركة طوفان الأقصى، والذهاب إلى طاولة المفاوضات للوصول لليوم الثاني من وقف الحرب.

حماس… المفاوض الشرس

كل ما جرى من جولات التفاوض وتعمّد قتل المدنيين خلال أكثر من 7 أشهر على الحرب جاء محاولة من إسرائيل وداعميها، خاصة الولايات المتحدة، للضغط على حماس للقبول بما يُعرض عليها.

المتتبع لمسار المفاوضات يدرك أن حماس لن تقدم أي تنازل في شروطها الرئيسة، وهي وقف الحرب، والانسحاب من القطاع، ورفع الحصار.

فوفقا لعضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق، فإن “المطلوب بشكل واضح هو وقف العدوان بشكل دائم وكامل في كل قطاع غزة، وليس في رفح وحدها، وهذا ما ينتظره شعبنا وهو المرتكز ونقطة البداية لأي شيء”.

تدرك حماس، وفق مراقبين، أن تطورات ما بعد رفح جعلت سقف المقاومة يرتفع أكثر من ذي قبل، فيما سقف إسرائيل ينخفض، وتتزايد عليها الضغوط من عدة جوانب، مما يدلل على أن المقاومة لن تغير موقفها.

كما تدرك أن تقديم تنازلات في مفاوضات لا توفر لأهل القطاع الأمن من خلال وقف الحرب والانسحاب من القطاع، ورفع الحاصر، يعني خسارتها الكثير من رصيدها وسندها الشعبي.

من ناحية أخرى، فحماس ترى أنها حققت إنجازا كبيرا، سواء يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أو خلال الحرب، وفرض معادلتها على مسار الحرب البرية يمكّنها من فرض شروطها على إسرائيل وعدم تقديم تنازلات كبرى لها.

وتبقى حماس حتى الساعة في وضع مريح أكثر من إسرائيل، التي تعاني ميدانيا واجتماعيا ودوليا.

أميركا وأوروبا… محاولة إنقاذ

على الجانب الآخر، وبعد أكثر من 7 أشهر على الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، ترى الإدارة الأميركية أن إسرائيل في مأزق، خاصة بعد حكم محكمة العدل الدولية بوقف عملية رفح وقرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، لذا تسعى إدارة بايدن لمساعدة الاحتلال بالتخلص من هذا الوضع من خلال إقناع المصريين بفتح معبر رفح، والسماح بإدخال المساعدات للقطاع، مما قد يُسقط تهمة التسبب بإحداث مجاعة في القطاع.

وسارعت أوروبا أيضا لطمأنة إسرائيل من خلال الحديث عن مراقبين أوروبيين للمشاركة في إدارة معبر رفح، الذي انسحب منه الأوروبيون بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006.

التحركات الأميركية والأوروبية تهدف لإقناع نتنياهو وطمأنته للعودة للمفاوضات، والقبول ببعض شروط المقاومة، والتعامل مع ملف المقاومة وتهديدها لإسرائيل لاحقا.

فالولايات المتحدة لا تريد لحماس أن تنتصر في الحرب، لكنها تريد اتباع أساليب لا تثير حفيظة الشارع الأميركي والأوروبي، الذي بات البعض منه يتهم حكوماته بالتواطؤ مع إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني.

في الوقت ذاته، يعاني بايدن تراجعا مستمرا في شعبيته متأثرا بالحراك الطلابي، كما يتعرض لـ”مزايدة من الجمهوريين تزعم أن إدارة بايدن تتخلى عن إسرائيل، بهدف رفع حظوظها بالانتخابات المقبلة، والحصول على أغلبية الكونغرس”، كما يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور خليل العناني.

أيا كان مسار المفاوضات الجاري الآن وما قد يعرض على المقاومة ومحاولات الضغط عليها عسكريا وسياسيا، تبقى الكلمة الأخيرة للمقاومة لقبول ورفض وتغير المعادلات التي قام عليها العديد من سياسات المنطقة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف صفقة الأسرى المقاومة الفلسطينية حماس نتنياهو الموساد مجلس الحرب من خلال أکثر من

إقرأ أيضاً:

لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟

في فجر الثالث عشر من يونيو/حزيران 2025، نفذت إسرائيل عملية عسكرية استثنائية استهدفت أكثر من مئة هدف داخل إيران، بما في ذلك منشآت نووية ومقار للحرس الثوري ومنازل قادة كبار في الجيش والحرس وعلماء نوويين.

ولم تكن تلك الضربة نتاج لحظة انفعال، بل حصيلة تفكير وتخطيط إستراتيجي تراكم عبر سنوات من القلق الإسرائيلي المتصاعد اتجاه المشروع النووي الإيراني.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تقلب إيران الطاولة على إسرائيل؟list 2 of 2ما الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل في قصف العمق الإيراني؟end of list

وبين صفحات الرؤية الأمنية التي صاغها رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال إيال زامير تجاه إيران، نجد البنية العقلية التي مهّدت لهذه الضربة. فالعملية لم تكن عسكرية فحسب، بل جسّدت مدرسة إسرائيلية جديدة في إدارة الصراع مع إيران، مدرسة تقوم على الضرب الاستباقي، والتفكيك المنهجي، والتنسيق الإقليمي المتعدد الأدوات.

يشكّل هذا التحول في العقيدة الإسرائيلية اتجاه إيران لحظة فارقة في تاريخ المواجهة بين الطرفين. فمنذ الثورة الإسلامية عام 1979، اعتبرت تل أبيب أن طهران تمثل تهديدًا مركزيًّا لكيانها، ليس فقط بسبب سعيها لامتلاك سلاح نووي، بل أيضًا لما تمثله من مشروع سياسي عقائدي عابر للحدود.

وقد جاء صعود إيال زامير داخل المؤسسة الأمنية -بجانب علاقته القديمة بنتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- ليكرّس توجهًا إستراتيجيًّا جديدًا: تفكيك المنظومة الإيرانية لا احتواؤها، واستهداف القيادات والمؤسسات لا مجرد البنية التحتية.

إعلان

في عام 2022، نشر إيال زامير حين كان في قوات الاحتياط ورقة بحثية بعنوان "مواجهة الإستراتيجية الإقليمية لإيران: نهج طويل الأجل وشامل"، شدد فيها على أن إسرائيل بحاجة إلى تعديل جذري في مقاربتها لإيران.

إذ لم يعد كافيًا، وفقا لما يراه، الاكتفاء بسياسة الاحتواء والردع التقليدي، بل أصبح مطلوبًا الانتقال إلى إستراتيجية شاملة تدمج بين الأدوات العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية والاقتصادية، وتستهدف الرأس لا الذيل.

أشار زامير إلى أن الخطأ الرئيسي خلال العقدين الماضيين تمثّل في الفصل بين الملف النووي الإيراني وسلوك إيران الإقليمي. إذ لطالما تعامل الغرب مع مشروع إيران النووي باعتباره معزولًا عن توسعها الإقليمي، متجاهلا حقيقة أن القوة النووية ليست سوى تتويج لمنظومة نفوذ ممتدة تشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة.

واعتبر زامير أن إيران تمثل تهديدا مركبا وليس خطرًا منفردًا. ودعا إلى شن هجوم وقائي تراكمي، أي تنفيذ ضربات جزئية متكررة تستنزف المخزون المعنوي والعسكري للنظام، وتُضعف صورته أمام الداخل والخارج.

واقترح كذلك الدمج بين الوسائط العسكرية والسيبرانية والنفسية لإنهاك الخصم وإيجاد بيئة من الشلل الداخلي، مع التأكيد على أهمية بناء تحالفات أمنية عميقة مع دول الخليج.

وقد يؤخذ على طرح زامير، أنه يتجاهل الطبيعة الموزعة والمرنة للبنية العسكرية والعلمية الإيرانية، وأن الضربات الجوية للمنشآت النووية قد تؤخر المشروع النووي، لكن يصعب أن تُنهيه دون دعم أميركي عسكري مباشر.

نفذت إسرائيل عملية عسكرية استثنائية استهدفت أكثر من مئة هدف داخل إيران صباح الجمعة الموافق 13 يونيو/حزيران 2025 (الفرنسية) الضربات العسكرية ترجمة للعقيدة

وإذا ما نظرنا لتفاصيل العملية العسكرية الإسرائيلية التي جرت في قلب إيران، يمكننا استنباط أنها لم تكن سوى ترجمة حرفية لما دعا إليه زامير في دراسته.

إعلان

ما ميّز هذه الضربة ليس فقط اتساع نطاقها، بل أيضًا طابعها المركب، فقد مزجت بين الهجوم الجوي والاختراق الاستخباري، وعمليات "الكوماندوز"، وبين الخداع الإعلامي والتضليل السياسي. فقد سبقت الضربة عمليات تضليل واسعة هدفت إلى إيهام الإيرانيين بأن إسرائيل تعاني من شلل سياسي داخلي وانشغال بالملفات الاجتماعية، في حين كانت تعد لهجومها الضخم.

ومن الناحية العملياتية، كشفت الضربة عن تطور كبير في قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على التنسيق بين مكونات القوة المختلفة. فقد انطلقت الطائرات من قواعد متفرقة، ونفذت مهماتها بشكل متزامن، واستهدفت مناطق محصنة مثل مفاعل نطنز وأراك ومقر خاتم الأنبياء ومخازن الصواريخ في كرمنشاه، مما يشير إلى توفر بنك أهداف دقيق وتحديث مستمر للمعلومات الاستخبارية.

كذلك، فإن استهداف القادة الكبار في الحرس الثوري والعلماء النوويين يدل على تبني إسرائيل مبدأ "ضرب الرأس لا الذيل" التي أشار لها زامير في دراسته، وهي الفلسفة التي تقوم على تفكيك المنظومة من القمة، لا تآكلها التدريجي.

كما أن تزامن الضربة الجوية مع عمليات خاصة نفذها الموساد داخل العمق الإيراني بحسب ما أوردت عدد من الصحف والمواقع الإسرائيلية، مثل زرع أجهزة تشويش وتفخيخ صواريخ وأنظمة دفاع جوي، يدل على أن إسرائيل نجحت في الدمج بين ذراعها العسكري وذراعها الاستخباري في إطار رؤية عملياتية موحدة.

في المجموع، فإن ضربة يونيو لم تكن فقط تنفيذًا لخطة عسكرية، بل كانت عرضًا عمليًّا لعقيدة زامير في الردع النشط، وضربة استباقية مدروسة تهدف ليس فقط إلى تأخير المشروع النووي الإيراني، بل إلى ضرب العمود الفقري للمؤسسة العسكرية والعلمية التي تقف خلفه.

لقد وضعت إسرائيل بتلك الضربة إطارًا جديدًا للمواجهة: لا خطوط حمراء، لا مناطق آمنة، لا قيادات بمنأى عن الاستهداف. وسيتحدد مستقبل هذه العقيدة بناءً على قدرة إسرائيل على إدارة تداعيات الضربة، وتحويل النجاح التكتيكي إلى استثمار إستراتيجي طويل الأمد.

منشأة نطنز النووية (رويترز) الرد الإيراني وتحول قواعد الاشتباك

شكل الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي محطة جديدة في تطور قواعد الاشتباك، فهو لم يكن غير مسبوق. إذ سبقته ضربتان مباشرتان من طهران لإسرائيل ردًّا على اغتيال قادة من الحرس الثوري في دمشق، وعقب اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

إعلان

ومع ذلك، تميز رد يونيو 2025 باتساع نطاقه وكثافة نيرانه، إذ أطلقت إيران أكثر من 150 صاروخا باليستيا نحو أهداف داخل إسرائيل، منها تل أبيب.

أدركت طهران أن سياسة "الرد غير المباشر" التي بنت عليها ردعها الإقليمي بدأت تتآكل، مع نجاح إسرائيل في الالتفاف على الوكلاء واستهداف العمق الإيراني دون كلفة تردعها. وبالتالي، جاء الرد هذه المرة لإعادة ترسيم الخطوط الحمراء، وإثبات أن طهران تملك القدرة والإرادة للرد من مركزها لا من هوامشها.

كما أن تبني إيران للرد المباشر نابع من إدراكها أن استهداف قيادات عليا، مثل حسين سلامي ومحمد باقري، واغتيال علماء نوويين مثل فريدون عباسي ومحمد مهدي طهرانجي، يمثّل تهديدًا وجوديًّا لبنية النظام نفسه. فقد أصبحت إسرائيل لا تستهدف البنية التحتية فقط، بل تسعى إلى تصفية العقول والأذرع التنفيذية، وهو ما يعني استهداف الرأس الإستراتيجي للنظام الإيراني.

الرد الصاروخي الإيراني حمل رسائل متعددة:

أولها أن طهران قادرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، رغم تفوقها التكنولوجي. وثانيها أن الحرب المفتوحة لم تعد محرمة. وثالثها أن إيران على استعداد لتحمل تكلفة التصعيد إذا تعلق الأمر بكرامتها السيادية.

لكن هذا الرد لا يخلو من الأخطار. فهو يفتح الباب أمام دورة جديدة من التصعيد قد تفقد طهران السيطرة عليها، خصوصًا مع تآكل قدرة منظوماتها الدفاعية على مواجهة هجمات جوية ونوعية متزامنة. ولذلك، يمثل رد إيران لحظة مفصلية في مراجعة طهران لعقيدتها: هل تستمر في التصعيد المباشر أم تتوقف عند سقف معين؟

هذا التبادل العسكري المباشر بين دولتين كانتا تتحاربان بالوكالة لعقود، يفتح الباب أمام إعادة تعريف قواعد الاشتباك في المنطقة. لم يعد بالإمكان الاعتماد على "الردع غير المباشر"، بل أصبح من المرجح أن تكون المواجهات المباشرة أكثر تكرارًا، سواء عبر صواريخ عابرة أو هجمات سيبرانية أو عمليات خاصة.

إعلان

أما على الصعيد الداخلي الإيراني، فقد سعت طهران إلى توظيف الرد لرفع الروح المعنوية الشعبية، والتأكيد على أن النظام قادر على "حماية كرامة البلاد". لكن هذا الرد لم يُخفِ حجم الخسائر التي تكبدها النظام، سواء في بنيته العسكرية أو في صورته الدولية.

شكل الرد الإيراني مساء الجمعة الموافق 13 يونيو/حزيران 2025 على الهجوم الإسرائيلي محطة جديدة في تطور قواعد الاشتباك بين الجانبين (الجزيرة) اختبار العقيدة في ميدان ممتد

إذا كانت ضربات يونيو 2025 الإسرائيلية والرد الإيراني المباشر يمثلان ذروة تطبيق العقائد العسكرية لكلا الطرفين، فإن المشهد الأكثر تعقيدًا هو ما تلا تلك اللحظة: مدى قدرة الحفاظ على فاعلية العقيدة الإستراتيجية في سياق صراع طويل الأمد، متعدد الجبهات والأدوات.

بالنسبة لإسرائيل، شكّلت الضربة نموذجًا مثاليًّا لدمج القوة الصلبة، بين التفوق الجوي والتفوق الاستخباري، وبين الحسم العسكري والتضليل السياسي. لكنها في الوقت ذاته كشفت عن محدودية القدرة على الحسم التام. فرغم النجاح العملياتي، لم تنه الضربة المشروع النووي الإيراني وفق المؤشرات الراهنة، ولم تسقط النظام، ولم تمنع الرد الصاروخي.

كما أن طول أمد المواجهة يفرض أعباء سياسية واقتصادية على إسرائيل نفسها، فكل عملية موسعة تحمل معها احتمال الانزلاق إلى حرب شاملة، مما يثير مخاوف لدى الرأي العام الإسرائيلي، ويضع القيادة السياسية تحت ضغط دائم من المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية.

ومن جهة إيران، فإن الرد الصاروخي مثّل لحظة نادرة من الاشتباك المباشر، لكنه لم يحقق انقلابًا في موازين الردع. وعلى المدى الطويل، فإن إيران تواجه معضلة العقوبات المتفاقمة، والعزلة الدولية، وتضييق الخناق على حلفائها في المنطقة، مما يجعل من قدرتها على تكرار الرد أو تطويره أمرًا معقدًا.

عقيدة إيران الدفاعية، التي تميل إلى الانتشار غير المتناظر عبر المليشيات، تتعرض لتحدٍّ مزدوج: من جهة استهداف القيادات المركزية والعلماء، ومن جهة صعوبة الرد المباشر دون تكاليف باهظة. ويدفع ذلك طهران إلى إعادة تقييم جدوى الاعتماد الحصري على الرد الصاروخي، وإعادة التوازن بين المواجهة والاحتواء.

إعلان

كما أن الاختبار الحقيقي للعقائد المطروحة لا يكمن فقط في نجاح ضربة أو رد، بل في القدرة على تحويل هذه الضربات إلى أدوات دائمة لإعادة صياغة البيئة الإستراتيجية. وهنا تبدو إسرائيل أكثر جاهزية من إيران، من حيث المرونة التكنولوجية، والدعم الغربي، والقدرة على المبادرة.

لكن التاريخ العسكري يعلمنا أن التكيف هو مفتاح النصر، وأن العقيدة التي لا تتطور تتحول إلى عبء. ولذلك فإن استمرار إسرائيل في الاعتماد الحصري على الضربات الجوية، دون استثمار سياسي في خنق البيئة الحاضنة لإيران، قد يؤدي إلى إنهاك إستراتيجي. وكذلك، فإن تمسك إيران بمنطق "الرد الاعتباري" دون بناء قدرة ردع دائمة، سيجعلها مكشوفة أمام أي هجوم جديد.

التوازن الإقليمي وموقع الخليج والولايات المتحدة

لا يظهر بعض أبرز انعكاسات الضربة الإسرائيلية ورد إيران في ساحات الاشتباك فقط، بل في الأثر العميق على موازين القوى الإقليمية، وخصوصًا في موقع دول الخليج، ودور الولايات المتحدة في المعادلة الجديدة.

فمن جهة أولى، فإن الضربة أعادت تعريف مفهوم "الردع" من منظور خليجي. لم تعد الدول الخليجية قادرة على النظر إلى الصراع الإسرائيلي الإيراني كصراع خارجي محض، بل أصبحت تجد نفسها في قلب احتمالات التصعيد. فالقرب الجغرافي، والتشابك الاقتصادي، يجعلها عُرضة للضرر المباشر في أي توسع للمواجهة.

أما واشنطن، التي كانت تاريخيًّا الضامن الأول لأمن الخليج، فقد أصبحت تظهر ميلًا إلى تقليص وجودها المباشر، وتفويض بعض أدوار الردع إلى حلفائها المحليين، وفي مقدمتهم إسرائيل. هذا التحول لا يعكس فقط تغيرًا في أولويات واشنطن الخارجية، بل أيضًا في رؤيتها لدور شركائها الإقليميين، الذين يُطلب منهم الآن تمويل وتحمّل أعباء الأمن الإقليمي.

تواجه واشنطن في هذه اللحظة اختبارًا لتوازن دقيق: فهي لا تريد التورط في حرب جديدة بالشرق الأوسط، لكنها أيضًا لا تستطيع التخلي عن دعم حليفها الإسرائيلي. لذلك، تدير المشهد دون انخراط عسكري مباشر في الهجوم على إيران، مع اقتصار دورها على تزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية والأسلحة والغطاء الدبلوماسي، وتلوّح في الوقت ذاته بخيارات ردع أكبر إن توسعت الحرب.

إعلان الخلاصات الإستراتيجية

يبدو أن هجمات يونيو 2025 لن تكون مجرد حملة عسكرية واسعة، بل لحظة فارقة تعيد تشكيل بنية الردع الإقليمي.

لقد دشّنت الضربة -بما حملته من جرأة وتكامل عملياتي- عهدًا جديدًا من العقيدة الإسرائيلية التي انتقلت من الردع السلبي إلى المبادرة الحاسمة، كما أجبرت إيران على مغادرة منطقة الراحة الإستراتيجية المتمثل في عقيدة الصبر الإستراتيجي إلى مربع المواجهة المباشرة. ومن خلال هذه الصورة المركبة، يمكن استخلاص أربع خلاصات رئيسة:

نهاية الردع التقليدي: لم تعد قواعد الاشتباك تقوم على ضبط النفس وامتصاص الضربات، بل انتقل الطرفان إلى نمط من الهجوم المدروس، مع دمج متزايد للأدوات الاستخبارية والنفسية والتضليلية. سيادة العقيدة بالضربة لا بالرد: أظهرت إسرائيل أن امتلاك المبادرة وضرب المفاصل القيادية والعلمية للخصم قد يحقق مكاسب إستراتيجية أكبر من مجرد منع التخصيب النووي. مأسسة الدمج العملياتي: دمج الاحتلال الإسرائيلي بين أذرع قوته بشكل متناغم؛ الاستخبارات، والقوات الجوية، والدبلوماسية، في نموذج يُحتذى في الحروب المركبة. الرد الإيراني غير حاسم: رغم جرأته لم ينجح الرد في ردع إسرائيل عن مزيد من التصعيد، مما يعني أن طهران بحاجة إلى تطوير منظومة ردع أكثر فاعلية.

في المحصلة، فإن الشرق الأوسط بعد يونيو 2025 ليس كما كان قبله. لقد دخلنا عصر ما بعد الردع الكلاسيكي، حيث السيادة تُنتزع بالضربات الهجومية، وليس بالتحذير. والفاعلون الحقيقيون في هذه المرحلة هم من يتقنون استخدام القوة بتنوعها، وتوظيف المفاجأة، وترويض التصعيد في آنٍ معًا.

ويبقى السؤال الأهم: هل ما شهدناه هو بداية نمط دائم من الحروب الشاملة، أم مجرد ذروة تكتيكية في صراع قابل للتهدئة؟ ذلك سؤال سيُجيب عنه شكل الصراع في المرحلة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: تلقينا معلومات باستئناف المفاوضات
  • لماذا اختارت إسرائيل ضرب إيران الآن؟
  • بين صواريخ إيران وملف الأسرى.. نتنياهو يدفع نحو إنجاز سياسي داخلي
  • من غزة إلى طهران.. كيف مهّدت إسرائيل لهجومها على إيران؟
  • لماذا تغير الموقف المصري من قوافل التضامن مع غزة؟
  • فعلها ترامب وليس نتنياهو… ونجحت إيران بالرد
  • لماذا غادر نتنياهو إسرائيل متوجها لآثينا ؟
  • لماذا لم تٌقحم إيران حزب الله في الحرب مع إسرائيل؟
  • إعلام غربي: طهران لم تتوقع شدة الهجوم الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر
  • لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟