بعد مرور أربعين يوماً على رحيله… الباحث والمؤرخ الراحل محمد قجة مكرماً ضمن ندوة أدبية
تاريخ النشر: 28th, May 2024 GMT
حمص-سانا
إحياء لذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل الباحث والمؤرخ محمد قجة الرئيس الفخري لجمعية العاديات السورية نظّم فرع جمعية العاديات بحمص اليوم ندوة أدبية تكريمية تناولت محطات مضيئة في حياة الراحل ومسيرته المشرفة.
وبدأ الندوة رئيس فرع جمعية العاديات بحمص الدكتور الأديب نزيه بدور بالحديث عن أهم أعمال ومحطات الباحث والمؤرخ قجة والتكريمات والجوائز التي نالها حيث نال جائزة الدولة التقديرية في مجال النقد والدراسات والترجمة عام 2016.
وخلال الفيلم الذي تناول مسيرته تحدث الراحل عن نفسه وتاريخ أسرته العريق ورحلته البحثية والأدبية والتاريخية الغنية منذ تخرجه في جامعة دمشق وإنشائه لمكتبته الخاصة التي تضم عناوين بارزة في التاريخ والفلسفة والعلوم الإنسانية والدراسات الأدبية ودواوين الشعر إلى جانب الموسوعات والمعاجم في عدد من اللغات ما قاده للاهتمام بتراث مدينته حلب كما تحدث عن نشأة جمعية العاديات التي تهتم بالتراث منذ العام 1924.
وتحدثت أمينة سر الجمعية بحمص الأديبة خديجة الحسن بكثير من الفخر للقائها بالراحل قبل وفاته: لقد عرفت الرجل عن كثب فوعيت أدبه ونبله وثقافته ودخلت عالمه الجميل ما فتح عندي أبواب الأدب والشعر والتاريخ والتأريخ إضافة لكتاب رحلاته الذي دوّن فيه أسفاره عبر مشاركاته في ندوات عالمية فتعلمت منه أن أكون أكثر اجتهاداً وتحملاً للمسؤولية.
المحقق التاريخي المهندس نهاد سمعان تحدث عن الراحل قجة خلال مداخلته بوصفه عنوان الثقافة الأصيلة واستحق بجدارة أن يسمى قلعة حلب حيث كتب بموضوعية وموسوعية وانطلق في أبحاثه من نفسه وجذوره من مدينته حلب ومن وطنه الواسع سورية وصولاً لبصمات سورية في العالم.
تمام الحسن
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
خطارات مراكش.. تراث بيئي مستدام بمواجهة الإجهاد المائي
مراكش – من يزور مدينة مراكش من الباحثين في مجال البيئة، لا يمكن أن يتغاضى عن وجود قنوات كانت تستعمل لجلب المياه العذبة لكيلومترات عديدة من المناطق المحيطة، لتصل الى المدينة ويتم توزيعها بشكل مدروس على عدد من المرافق الحيوية، واستغلالها في سقي المساحات الخضراء، أو المزروعة أو في الاستعمال اليومي للمواطنين.
وتشكل الخطارات نظاما مائيا تقليديا يعكس خبرة الإنسان المغربي في تدبير الماء، وهو كان يرتبط ارتباطا وثيقا بالحدائق التقليدية مثل حدائق المنارة وأكدال ذات المساحة الواسعة وبها صهاريج مياه كبيرة، أو الحدائق الصغيرة في المنازل التقليدية (الرياض)، والمساحات الخضراء العمومية (العراصي والجنانات) والتي تمثل نموذجا مستداما للتنظيم البيئي.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4جغرافيا المياه في أفريقيا.. ثروة وتوترات ونزوحlist 2 of 4المياه والأنهار الجليدية هواجس أممية متجددةlist 3 of 4أصوات من غزة.. تفاقم أزمة المياهlist 4 of 4الغرق بالمياه العادمة كابوس يلاحق الغزيينend of listيقول الباحث المغربي عبد الرزاق ناهض في حديث للجزيرة إن قيام الحضارة الإنسانية يرتبط بوجود الماء على مر العصور وفي كل الأمكنة، وهكذا كان الحال بالنسبة لوجود الخطارات في مراكش وأحوازها.
ويستحضر ناهض في كتابه "خطارات حوز مراكش، الماضي، والحاضر، والمستقبل" مقولة الباحث المغربي المعروف في مجال البيئة محمد الفايز، والذي اعتبر فيها أن مدينة مراكش هي هبة الخطارات، كما كانت "مصر هبة نهر النيل"، حسب هيرودورت.
ينسج تاريخ مراكش وتاريخ هذه الشبكة الجوفية المنتشرة تحت نسيجها العمراني أسطورة مشتركة، كما يعبر عن ذلك الباحث ناهض، مبرزا أن حضارة المدينة الحمراء شيدت في قلب الجفاف، وهو ما يثير الكثير من الاهتمام والإعجاب.
إعلانمن جهته، يؤكد الباحث المغربي في التاريخ الاجتماعي رشيد شحمي للجزيرة نت أن مراكش عرفت بالحر الشديد، و"فيها يسقط الطير من شدته" كما يقال، لكن المرابطين استطاعوا تحويلها الى جنة خضراء فيحاء بعد أن جلبوا لها الماء من جبال الأطلس المحيطة عبر الخطارات، وأصبحت واحة النخيل في مراكش بهجة الناظرين وواحة فيحاء للمتنزهين.
ويضيف أنها إلى جانب كونها وسيلة أو منشأة مائية للسقي والري وتحويل وجلب المياه، فهي أيضا نظام بيئي يحافظ على جودة الماء عبر ثقب التهوية وكذلك تحافظ على الرطوبة الجوية كما أنها وسيلة فعالة في نقل الماء من مسافة بعيدة دون تبخره.
من جانبها، تقول الأكاديمية المغربية حنان حمودا للجزيرة نت إن الخطارة في المغرب ساهمت في مواجهة إشكالية ندرة الموارد المائية، نظرا لأن مجتمع الواحة قام بإنتاج نظام توزيع عرفي محلي لمياه الخطارة، قائم أساسا على تدبير فترات الندرة والخصاص، عبر تمسك سكان الواحات المغربية بتطبيق قوانين وأعراف الماء القديمة.
تشكل الخطارات في مدينة مراكش مختبرات طبيعية وبيئية عريقة جدا، أثارت اهتمام العديد من الباحثين، في مجال يميزه ندرة المياه، كما هو الشأن في عدد من الواحات المغربية.
ويعتمد نظام الخطارة، وتسمى أيضا في الجنوب المغربي بالفجارة، على نقل المياه عبر قنوات باطنية، تتخللها أجواف أو ثقب لأجل التهوية، معتمدة على الانحدار الطبوغرافي.
وتشير الأكاديمية المغربية سعاد بلقزيز في حديث للجزيرة نت إلى أن الباحثين لاحظوا أن مراكش تتمتع بموقع جغرافي فريد في مخروط رسوبي محاط بسلاسل جبلية، مما يسمح بتدفق المياه من الطبقات الجوفية والأودية، وهي نقطة تقاطع لعدة مكامن مائية تم استغلالها بفضل عبقرية تصميم الخطارات.
إعلانوتضيف أن هذه المنشآت تلعب دورا أساسيا في توازن المياه في المنطقة، فتصميمها تحت السطح يجعلها قادرة على توجيه المياه إلى المناطق الزراعية من دون هدر أو تبخر مفرط، وبالتالي تعتبر نموذجا للإدارة المستدامة للموارد المائية، والحفاظ على النظم البيئية.
بينما تضيف الباحثة حمودا أن التدبير المستدام لدورة مياه الخطارة، يعتمد دورة وتوقيت محدد، وساعة خاصة وصارمة، يراقبها ويسهر عليها شيخ الخطارة، بضوابط وقواعد اجتماعية تتحكم في توزيع حصص الفرد من الماء. فيتم توزيع الماء بالتتابع وحسب نظام الحصص.
لا يقتصر الاهتمام المتجدد بالخطارات على هندستها العبقرية ودورها التاريخي في تدبير شح الموارد المائية، بل يتعداه لتصبح مصدر إلهام لحلول مستقبلية في مواجهة التغيرات المناخية.
وتؤكد حنان حمودا وهي مستشارة في مؤسسة مفتاح السعد (مؤسسة غير حكومية تهتم بالتراث المائي) على التقدير الدولي الكبير الذي تحظى به الخطارات، وذلك لعبقريتها الاجتماعية في فلسفتها المقتصدة للماء وحفظه جوفيا، ولدورها في الحفاظ على الرابط الاجتماعي للواحات المغربية العريقة.
وتبرز أن البحث العلمي ينظر بإعجاب لهذه التقنية المائية العرفية والتاريخية، فهناك العديد من التجارب العلمية الدولية التي تحاول نقل الخبرات والمعارف وتقنيات بناء الآبار الجوفية للخطارة وطرق إيصال الماء من "المنبع" إلى "المصرف"، مع الاعتراف بمدى نجاعتها في الصمود أمام موجة التغيرات المناخية والجفاف الهيكلي، بناء على فلسفتها المقتصدة للماء.
ويؤكد الباحث عبد الرزاق ناهض أن هذا الاهتمام المتجدد الذي تحظى به الخطارات يجب في جميع الأحوال، أن يبرر بأبحاث متعددة التخصصات ومشاريع ترميم وصون تراثي تدمج حماية هذه التقنية والمحافظة عليها مع ترويجها كتراث، مع إشراك مختلف الفاعلين.
ويشير إلى أن ذلك ينبغي أن يراعي الخصوصيات الهيدروليكية الجوفية، ويأخذ عين الاعتبار مختلف الأبعاد الزمانية والمكانية لهذه التقنية التقليدية للريّ واحتياجات كل منطقة من التراب المغربي.
ومع تصاعد الضغوط المائية، تبرز الحاجة إلى إعادة تأهيل الخطارات والحدائق التقليدية بصفتها خطوة نحو تبني حلول مستدامة تستند إلى مبادئ الهندسة الخضراء.
إعلانوترى الأكاديمية بلقزيز أنه على الرغم من صعوبة تنفيذ الخطارات اليوم بسبب تعقيد بنائها الذي يتطلب قوة عمل كبيرة إلا أنها تملك القدرة على إلهام الأعمال الهيدروليكية الحديثة.
وتشير إلى أن مشروع طريق المياه في المغرب هو مثال بارز على هذا الإلهام، إذ تم نقل المياه من مناطق الشمال إلى الجنوب، مستفيدا من الأساليب القديمة لمواجهة التحديات المائية المعاصرة.
وتؤكد بلقزيز أن هذا المشروع يطبق نهجا مشابها بإنشاء قنوات تحت الأرض، لتحسين كفاءة نقل المياه وتقليل التأثير البيئي، متماشيا مع المبادئ الأساسية للخطارات، لا سيما الإدارة المستدامة والفعالة للمياه.
بدوره، يقول الباحث المغربي عبد الرزاق ناهض إن الخطارات تشكل مرجعا نموذجيا للهندسة في تدبير المياه، لذلك يجب إحياؤها بإدماجها ضمن مشاريع مائية من خلال اعتماد تقنية مائية ناعمة وبيئية محلية.
ويشير إلى كونها تمثل اختراعا عالميا بارعا، وينبغي حمايتها بهدف نقل الذاكرة الجماعية في إطار تنمية مستدامة، من شأنها أن تصون وتعيد الاعتبار لتراث يعكس الثقافة والقيم المغربية.