في السياسة الدولية، تعتبر اللغة أداة قوية للتواصل والتأثير، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة عدة مواقف لرؤساء دول أجنبية يستخدمون اللغة العربية في خطاباتهم أو تصريحاتهم العامة، وكان آخرهم تدوينة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي كتبها باللغتين العربية والعبرية على منصة "إكس"، للدعوة إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة.

شيخ الأزهر لسفير جنوب إفريقيا: ما صنعتموه أكثر الأسلحة إيلامًا للكيان الصهيوني محافظ أسيوط: تفعيل التدريب الميداني للطلاب وزيارة المشروعات القومية ماكرون والعربية 

وجاء في منشور ماكرون بالعربية العبارات التالية:"على الحرب في غزة أن تتوقف ندعم اقتراح الولايات المتحدة لاتفاق شامل كما نعمل مع شركائنا في المنطقة لسلام وأمان للجميع".

وتابع ماكرون في تغريدته بالعربية :" إطلاق سراح الرهائن، وقف إطلاق نار مستدام بغية العمل من أجل السلام والتقدم نحو حل الدولتين".وترجم الدبلوماسي الفرنسي التغريدة نفسها إلى اللغة العبرية.

لم تكن هذه هي المرة الاولي له، فقد استخدم ماكرون اللغة العربية في أغسطس ٢٠٢٠ لتعبّر عن تضامنه مع بيروت بعد الانفجار الذي ألمّ بالعاصمة اللبنانية، وذلك في تدوينه له على تويتر واستخدم ماكرون اللغة العربية للتعبير عن مشاعر الحزن والدعم .

المعارضة التركية تغير خطابها

ومن ناحية اخرى، تغير خطاب المعارضة التركية تجاه ملف العرب واللاجئين واللغة العربية، بشكل غير مسبوق، ففي تصريحات منذ اسبوعين لحزب الشعب الجمهوري وصفت بأنها نقطة تحول في خطابه تجاه اللغة العربية .

قال زعيم أكبر حزب معارض في البلاد أوزغور أوزال، إن استهداف اللوحات المكتوبة باللغة العربية قد يسبب جرحًا للكثيرين إذ إنها لغة القرآن، وحذر أوزال من استخدام كلمة “عربي” كمسبة، موضحا ان اللغة العربية هي اللغة الأم لنحو 6 ملايين مواطن تركي من أصول عربية، وعدم احترامها يعني عدم احترام هؤلاء.

 

أمريكا والمغازلة العربية

 ومن اوائل الرؤساء الذين استخدموا سياسة اللغة كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه بجامعة القاهرة في 2009، والقى التحية في كلمته الافتتاحية بعبارة "السلام عليكم " للتواصل مع الجمهور العربي واللعب على الجانب العاطفي، و كان هذا الخطاب هامًا في تعزيز العلاقات الثقافية والسياسية بين الولايات المتحدة والعالم العربي.

وفي عام 2021، استخدم الرئيس الأمريكي جو بايدن اللغة العربية لتهنئة المسلمين حول العالم بحلول شهر رمضان، كان هذا الخطاب هامًا في تعزيز التواصل مع المجتمعات الإسلامية.

 

احترام وتعزيز العلاقات بسلاح اللغة

كما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام بزيارات رسمية إلى دول عربية وتستخدم كلمات في خطابه باللغة العربية في بعض المناسبات، هذه المواقف تثير العديد من الأسئلة حول الدوافع والأهداف من وراء استخدام هؤلاء القادة للغة العربية.

يتحدث القادة الأجانب اللغة العربية في المناسبات الرسمية أو الزيارات الدولية، وذلك يكون بمثابة إشارة إلى الاحترام والتقدير للثقافة والتاريخ العربي، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية طرحت فكرة دراسة اللغة العربية لطلاب المدارس بجانب اللغة الأم.

وفي بعض الأحيان، يمكن أن يكون استخدام اللغة العربية طريقة للمغازلة أو الوصول إلى قلوب الشعوب العربية، و في هذه الحالة، لتعزيز الصورة العامة للقائد أو الدولة التي يمثلها.

 

ومع ذلك، يمكن أن يكون استخدام اللغة العربية إشارة إلى دعم حقيقي وملموس للقضايا العربية في هذه الحالة، يمكن أن يكون الهدف هو تعزيز التعاون والتفاهم بين الدول وتعميق العلاقات الثنائية.

لكن السؤال الأكبر هو: هل يمكننا الاعتماد على الكلمات وحدها كدليل على الدعم الحقيقي؟ أم أننا بحاجة إلى النظر إلى الأفعال والسياسات للحكم على مدى صدق هؤلاء القادة؟ ، فاللغة هي جزء من السياسة، ولكنها ليست كل شيء.

 

تفاخر الشباب بالعربية ضد محاولات إسرائيل لطمسها

ومن جانبها ، قالت السفيرة د.هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، ان الوقت الذي تمر به الأمة العربية من صراعات مسلحة بأشد الحاجة إلى الاهتمام بلغتنا والتفاخر، لافته أن منظمة اليونيسكو قررت بأن يكون موضوع اليوم العالمي للغة العربية لعام 2023: هو "العربية: لغة الشعر والفنون" ، حيث انها تحظى باهتمام وأولويات الحكومات والقادة والمسؤولين وصناع القرار، وذلك لمكانتها المرموقة، والأمانة العامة تضع اللغة العربية ضمن أولوياتها كلغة قومية وأعظم كنز وأعظم وعاء لحفظ تراثنا الحضاري القديم العريق.

 وشددت أبو غزالة أن الأمانة العامة أعدت الاستراتيجية العربية للنهوض باللغة العربية تحت شعار" التمكين للغة العربية رمز هويتننا وأداة تنميتها" التي اعتمدت في مؤتمر وزراء الشؤون الثقافية في القاهرة عام 2018، لتضع أول خطوة في طريق محدد الخطوات بالتعاون مع الجهات المعنية بالغة العربية في الدول الأعضاء والمؤسسات والمنظمات ذات العلاقة.

 وشددت أبو غزالة على أهمية اللغة في الوقت التي تمر به المنطقة العربية بتحديات كبرى وخاصة قطاع غزة وما تفعله قوات الاحتلال من أبشع صور القتل والدمار والتشتيت للشعب الفلسطيني في محاولة طمس الهوية الفلسطينية واحلالها بمستوطناتهم وثقافاتهم، وقالت: " لن تنسلخ الهوية الفلسطينية عن الهوية العربية، وان الحفاظ على الإرث التاريخي ضروري واللغة العربية تراث عريق ينبغي الحفاظ عليه من اية محاولات لطمسه والعمل على تمكينه وانتشاره، بما في ذلك الهوية والتراث الفلسطيني.

وشددت على ضرورة تحيز الأجيال الصاعدة للغتها العربية ، والتفاخر عند التحدث بها فاللغة العربية هي أهم عناصر الهوية، والتفريط بها تفريط بهويتنا التاريخية والقيم الثقافية والسيادة القومية، وكلما أهتم الإنسان العربي بلغته كان ذلك اهتماماً بأصالته وهويته، وجاء ذلك خلال احتفال الجامعة العربية باليوم العالمي للغة العربية.

وقال عالم اللغة الفرنسي "إرنست رينان"عن اللغة العربية: أنه من أغرب ما وقع في تاريخ البشر انتشار اللغة العربية فقد كانت غير معروفة فبدأت فجأة في غاية الكمال سلسة غنية كاملة، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: العربية منصة اكس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنهاء حرب غزة اللغة العربیة فی أن یکون

إقرأ أيضاً:

اللغة العربية في تسمية المدن والأحياء.. مطرح أنموذجًا

 

 

أنور الخنجري

alkhanjarianwar@gmail.com

 

تُعد اللغة العربية من أغزر اللغات في العالم من حيث المُفردات والدلالات، وقد شكّلت عبر قرون طويلة مرآةً للثقافة والهوية العربية، ليس في الأدب والشعر فقط، بل في حياة النَّاس اليومية وتفاعلهم مع المكان.

ومن أبرز تجليات هذا التفاعل، ما نراه في تسمية المدن والأحياء والمواضع المختلفة؛ حيث تأخذ الأسماء طابعًا لغويًا غنيًا، يعكس البيئة، أو التاريخ، أو القبيلة، أو حتى الشعور الجمعي تجاه المكان. اللغة إذاً ليست وسيلة للتخاطب فحسب، بل هي خزان للذاكرة الجماعية، وجسر يصل الحاضر بالماضي. ومن أبلغ تجليات حضور اللغة في الحياة اليومية، ما نراه في تسمية المدن والأحياء؛ حيث يتداخل العامل الجغرافي مع التاريخي، والبيئي مع الاجتماعي، لتنتج تسميات محمّلة بالمعنى والحنين. وفي المدن الساحلية القديمة مثل مطرح، تظهر اللغة العربية، كغيرها من اللغات الحيَّة، تفاعلًا ملموسًا في مسميات الأماكن والأحياء وهي مرآة صادقة للهوية، لكن هذه المرآة بدأت تُكسر بصمت، حين تُمحى الأسماء بلا مُبرر، ويُستبدل بها ما لا يحمل من الروح شيئًا.

اسم مدينة "مَطْرَح" بحد ذاته له جذور عربية قديمة، ومعناه مرتبط بوظيفة المدينة التاريخية والجغرافية والتجارية، ومن حيث المعنى اللغوي فإنَّ كلمة "مَطْرَح" في اللغة العربية مشتقة من الفعل "طَرَحَ"، أي ألقى أو وضع، و"المَطْرَح" هو المكان الذي يُطرح فيه الشيء، أي يُلقى أو يُنزل فيه. وبناءً على موقع المدينة الساحلي، فإنه من المؤكد أن الاسم يُشير إلى أنها كانت مكانًا تُطرح فيه البضائع القادمة من البحر، أي ميناءً أو مرسى للتجارة، حيث يطرح فيها التجار بضائعهم أو حيث تطرح السفن مراسيها، وهذا يتماشى مع تاريخها العريق كميناء تجاري مهم في سلطنة عُمان، وخاصة لكونها كانت جزءًا من الحراك البحري والتجاري في الخليج والمحيط الهندي وأفريقيا. وبذلك، فإنَّ التسمية تنبع من عمق المعنى اللغوي والبيئي والتاريخي للمكان.

والتشبث بالأسماء العربية لا يعني إقصاء اللغات الأخرى؛ بل على العكس، ففي تعدد اللغات المستخدمة في تسمية الأحياء أو المواضع ما يعكس الترابط الثقافي والتاريخي لعُمان مع محيطها الأوسع في آسيا وإفريقيا. فكما نعتز بالأسماء العربية للمدن والأحياء العُمانية، فإننا لا نجد في تسميات سواحيلية أو بلوشية أو أعجمية أو غجراتية أو غيرها من اللغات واللهجات الحية في مدينة مطرح أو غيرها من المدن العُمانية ما يُنقص من الهوية؛ بل نراه ثراءً ثقافيًا وشاهدًا حيًا يؤرخ تواصل عُمان الحضاري مع محيطها الواسع.

اللغة السواحيلية، على سبيل المثال، ليست دخيلة؛ بل هي لغة تحدث بها العُمانيون في زنجبار وبمبا ومُمباسا، وساحل شرق أفريقيا برمته، وتوارثوها في بعض البيوت والمجالس حتى اليوم. وكذلك بالنسبة للبلوشية والزدجالية والغجراتية والأعجمية، وهكذا الحال أيضا مع الشحرية والمهرية في محافظة ظفار، أو الكمزارية في محافظة مسندم، كلها مكونات بشرية أصيلة في نسيج المجتمع العُماني.

إن تنوع اللغات في التسمية ليس ضعفًا، بل دليل قوة وانتشار، وهو يُعبّر عن الامتداد الطبيعي لعُمان عبر البحر، وعن التعايش والتعدد الذي لطالما ميّز شخصيتها الحضارية.

وإعادة الاعتبار لمسميات الأحياء القديمة في مطرح يشكل رد الجميل لمكان ما زال حيًا في وجدان الكثير من الناس وهو شكل من أشكال الوفاء لتاريخ لم يُكتب بعد، لكنه يعيش على ألسنة الناس وقلوبهم. ومن الأمثلة على ذلك، اسم الحي القديم "نازي موُجه"، وهي كلمة سواحيلية أطلقها العُمانيون القادمون من شرق إفريقيا على الحي الذي استقروا فيه عند عودتهم إلى مطرح. وكان الاسم يحمل في نبرته نكهة المغترب، ودلالة على تواصل الجغرافيا والثقافة، لكن الاسم تغيّر لاحقًا إلى "حي الصاغة"، وهو اسم لا يُعبّر عن الذاكرة أو الأصل؛ بل يرتبط بحرفة حديثة نسبيًا في هذا الحي.

كذلك هو الحال مع حي "كوهبون" وهي تسمية بلوشية تعني "تحت الجبل"، في إشارة مباشرة إلى موقع الحي الجغرافي الواقع أسفل السفوح الجبلية، وتُجسّد هذه التسمية العلاقة الحميمة بين السكان والبيئة الطبيعية المحيطة، كما تعكس البُعد اللغوي والثقافي الذي حمله البلوش معهم إلى المكان، فاختلط بالهوية المحلية وأصبح جزءًا من الذاكرة العمرانية للمنطقة. كما أن "سور اللواتيا" الذي يحمل رمزية اجتماعية ودلالة على التمايز السكاني، أو على شكل من أشكال التنظيم المجتمعي الذي حافظ على هوية الجماعة. وكذلك حي "جبروه" الذي ربما يكون الاسم منسوبًا إلى شخصية قوية، أو يحمل دلالة على القوة أو السلطة في تاريخ الحي. وحتى تسمية "حارة الشمال" الذي يشير إلى الحي الواقع في الجهة الشمالية لمدينة مطرح العتيقة، تحول مؤخرا الى حي الميناء، وقِس على ذلك أحياء وأسماء عديدة أخرى.

هذه الأسماء تحمل في الغالب دلالات اجتماعية أو جغرافية، أو تاريخية ترتبط بالبيئة العُمانية وهي أسماء ليست خادشة للحياء العام بأي شكل، بل تمثل جزءًا من الهوية اللِّسانية الشعبية للمكان، وتحمل دلالات ثقافية وجغرافية عميقة تعكس التركيبة السكانية والتاريخية للمدن العُمانية، خاصة في مدينتي مسقط ومطرح.

حين نتحدث عن استخدام الأسماء المحلية، فإننا لا نتحدث عن "لفظ" بحد ذاته؛ بل نتحدث عن المعنى، عن الجذور، عن الحكايات التي تختبئ خلف كل اسم. الاسم المحلي ليس مجرد دلالة، بل هو رابط بين الأجيال، وهوية لغوية تعاند الذوبان في ثقافة الاستيراد والتحديث الأجوف.

وأخيرًا.. اللغة- أيًا كانت عربية أو غيرها- ليست قادرة على توصيف الواقع فحسب؛ بل هي أيضًا حافظة للخصوصية، وهي ما يعطي لمطرح (ولغيرها من المدن) ملامحها التي لا تتكرر.

مقالات مشابهة

  • العراق أكثر الدول العربية إستيراداً من تركيا
  • أسعار العملات العربية و الأجنبية في مصر اليوم.. الأربعاء 4-6-2025
  • ارتفاع قياسي بأسعار «أضاحي العيد» في الدول العربية
  • اللغة العربية والاقتصاد
  • وزير الخارجية: مصر من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال دولة بنين
  • طلاب الشهادة الإعدادية بالشرقية يؤدون امتحان اللغة الأجنبية
  • الدور العُماني في خدمة اللغة العربية
  • اللغة العربية في تسمية المدن والأحياء.. مطرح أنموذجًا
  • طلاب الأدبي يؤدون امتحانات الثانوية الأزهرية في اللغة الأجنبية الثانية.. فيديو
  • أسعار العملات العربية و الأجنبية في مصر اليوم.. الإثنين 2-6-2025