شـواطئ.. إعادة النظر في النظام الدولي الجديد (3)
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع يورج سورنسن Georg Sorensenأستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس Aarhus Universityالدنماركية، في كتاب "إعادة النظر في النظام الدولي الجديد "Rethinking the New World Order، والذي نقله إلى العربية أسامة الغزولي، بقوله: ما تحولات القوة التى تميزت بها نهاية الحرب الباردة؟ تفكك الاتحاد السوفيتى، واحدة من القوتين العظميين خرجت من اللعبة مخلفة وراؤها بلدا يدعى روسيا القوية بترسانتها النووية.
ومن حيث القوة العسكرية فالولايات المتحدة كانت لاتزال أقوى بكثير من أى قوة أخرى، إذ إن حصتها تبلغ واحد وأربعين فى المائة من الإنفاق العسكرى العالمى. ولابد من أن نضيف إلى ذلك قدرتها على التلويح بالقوة العسكرية الرادعة وكفاءة قتالية لا تُبارَى. وفيما يتصل بالاقتصاد فالولايات المتحدة محتفظة بتفوق كبير على الصين من حيث نصيب الفرد من إجمالى الناتج العام، ومن حيث الابتكار وإنشاء المشروعات التجارية، فالتفوق الأمريكى أكثر إبهارًا، وتبلغ سيطرة الولايات المتحدة درجة من القوة تجعل من الممكن القول بأنها تضاهى الإمبراطورية الرومانية أو البريطانية، أو حتى تفوقهما.
لكن فكرة إمبراطورية أمريكية هى فكرة مضللة، لأن الإمبراطورية هى حالة سيطرة رسمية. تعنى الاستيلاء على أقاليم من قبل غرباء يتولون مقاليد السيطرة الرسمية. وليس هذا حال الولايات المتحدة اليوم. ولهذا فمن يتحدثون عن إمبراطورية أمريكية يعتمدون على حيل بلاغية كقولهم "إمبراطورية مخففة "، أو " إمبراطورية غير رسمية أو حتى "إمبراطورية ما بعد الإمبريالية".
ويتحدث الصينيون عن نظام دولى حالى يتألف من "قوة عظمى واحدة وقوى كبرى عديدة"، وهم محقون فى ذلك، خصوصا عند التركيز على القوة العسكرية، ولكن عند الحديث عن الاقتصاد، أو عن الموقع داخل المؤسسات الدولية، أو حتى عن حالة القيم الليبرالية، فإن موقع الولايات المتحدة كقوة عظمى يبدو أكثر التباسا. وبالتالى تتعلق المسألة التى تتطلب مزيدًا من التحليل بالقوة الفعلية وبطابع السلطة الأمريكية فى مختلف المجالات وبالنسبة إلى عديد من مجموعات الدول.
وهناك توجه قوى آخر فى النظام الدولى الحالى يجعل تفحص المسائل أكثر أهمية. ويتصل ذلك بتقاسم السلطة والنفوذ، بما فى ذلك القدرات الاقتصادية، بين كثير من أجزاء العالم المختلفة. وقد أفضى هذا التوجه إلى ظهور فكرة أقاليم العالم. ولاشك فى أقاليم بعينها فى عالمنا لقيت من الاهتمام ما يفوق غيرها فى السنوات الأخيرة، لأسباب ليس أقلها أهمية أنها تضم بلدانا على طريق التحديث مثل البريكس BRICS. لكن هناك أقاليم أخرى، بينها الشرق الأوسط، عُرفت بمشكلاتها، أكثر مما عرفت بالحلول، فهى مبتلاة بأشكال من العداوة، تجعل الأمن على قمة الأجندة.
لكن لا يصح التغاضى عن الأهمية الخاصة للأقاليم. وقد كانت الحرب الباردة غطاء حجب هذه الأهمية، من حيث إنها أخضعت الشؤون الإقليمية والمحلية لتأثير قوى مصدره المواجهة بين القوتين العظميين وأشكال العداء والتعاون المتولدة عنها.
يتابع يورج سورنسن Georg Sorensenحديثة بالقول، لسنا فى عالم الإمبراطورية الأمريكية، لكن تبقى الولايات المتحدة الدولة القائدة، من حيث القوة المادية. ولسنا فى عالم يقوم على أقاليم، لكننا مقبلون على عالم تتبعثر فيه القوة أكثر مما سبق، وهذا يلفت الأنظار إلى تحليل القوة يقيم توازنا بين "الإمبراطورية " من ناحية، و"الأقاليم" من ناحية أخرى.
ويطرح علينا سؤال، أين مكمن القوة فى النظام الدولى، وما تأثيرها فى الترتيبات الدولة، فى ظل الشروط الدولية الحالية؟ هذه مسألة يدور حولها الجدل، وقليلا ما يقع الاتفاق بشأنها. فالقوة تحتل موقعا مركزيا بين اهتمامات المعنيين بالشئون الدولية من أيام ميكيافيلى. فالتحليل الواقعى يقوم على افتراض أن النظام الدولى يتألف من دول ذات سيادة. والدول تسيطر على أدوات العنف، فهى تحدد قواعد اللعبة لجميع اللاعبين الآخرين وبينهم الشركات والأفراد والمنظمات. لا يسع أن يثق بعضها بنيات البعض الآخر، ولكى تدافع الدول عن نفسها فهى فى حاجة إلى القوة، وخاصة القوة العسكرية لكنها تحتاج أيضا إلى الحجم (السكان والإقليم)، إضافة إلى القدرات الاقتصادية والتكنولوجية وغيرها.
وهذا هو التفكير الذى يحكم الرؤية التى تعطى الأولية للدولة ذات السيادة وتركز على القدرات المادية باعتبارها المصدر الرئيس لقوة الدولة. فالدول هى الوحدات الأساسية التى يتألف منها النظام الدولى. وللقوة العسكرية للدول أهمية خاصة لأنها هى ما تلجأ الدوله إلى استخدامة حال نشوب صراع عنيف، لكن القوة العسكرية لابد لها من موارد قوة مادية أخرى أيضا، من بينها القدرة الإقتصادية. ووفقًا لهذه الرؤية تكون القوة المقتدرة هى دولة لديها "قدرة صناعية وعسكرية يُعتد بها" ويؤكد أحد الباحثين فى السياسة الدولية جون ميرشايمر على القوة العسكرية حين يدفع بأن "القوة الفعالة لدى الدولة تتحق بقواتها العسكرية.. لأن القوة هى المرجع النهائى فى السياسات الدولية".
وللحديث بقية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إعادة النظر في النظام الدولي الجديد الولايات المتحدة الولایات المتحدة القوة العسکریة النظام الدولى من حیث
إقرأ أيضاً:
أستاذة قانون: ضربات ترامب على إيران كانت غير قانونية.. لهذه الأسباب
نفذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية استهدفت منشآت نووية إيرانية دون الحصول على تفويض من الكونغرس أو مجلس الأمن الدولي، ما يسلط الضوء على الثغرات القانونية التي تسمح لرئيس أقوى دولة في العالم باستخدام القوة خارج الأطر الشرعية.
ففي غياب تهديد وشيك على الأراضي الأمريكية، جاءت الضربة خارج نطاق أي تفويض قانوني قائم، سواء داخليا أو دوليا.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لأستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة بيل، أونا هاثاواي، قالت فيه إن الجيش الأمريكي نفذ ضربة في وقت مبكر من صباح الأحد ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية بناء على أوامر الرئيس ترامب. لم يكن يعلم بهذه الضربات مسبقا سوى القليل. لم يطلب ترامب موافقة مسبقة من الكونغرس أو مجلس الأمن الدولي، كما يقتضي القانون. وهكذا، كشفت الضربات غير القانونية عن الغياب الخطير لأي قيود قانونية فعالة - سواء محلية أو دولية - على قرار الرئيس الأمريكي باستخدام القوة المميتة في أي مكان في العالم.
أصبح من الغريب تقريبا الإشارة إلى أن الدستور يمنح الكونغرس، وليس الرئيس، سلطة إعلان الحرب. صحيح أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكنه ملزم بطلب إذن الكونغرس قبل بدء الحرب. ولا يغير قرار صلاحيات الحرب لعام 1973 هذا. سُنّ هذا التشريع ردا على حملة القصف السرية التي شنّها الرئيس ريتشارد نيكسون في كمبوديا، ويهدف إلى منع الرئيس من شنّ حروب غير مشروعة من خلال إلزامه قانونا بطلب موافقة الكونغرس قبل إشراك القوات المسلحة الأمريكية "في أعمال عدائية أو في مواقف تشير فيها الظروف بوضوح إلى تورط وشيك في أعمال عدائية". الحالة الوحيدة التي لا يُطلب فيها من الرئيس طلب موافقة الكونغرس المسبقة هي عندما تتعرض الولايات المتحدة لهجوم، ويتعيّن عليه التصرف بسرعة لحماية البلاد.
لم يكن هذا صحيحا عندما تعلق الأمر بإيران. بل على العكس تماما. في خطاب ألقاه بعد الهجمات، أشار ترامب إلى أن إيران كانت تُوجّه تهديدات ضد الولايات المتحدة منذ "40 عاما". لا شيء في ما قاله هو أو وزير الدفاع بيت هيغسيث لاحقا يشير إلى تهديد مُلحّ لأمريكا منع الرئيس من طلب موافقة الكونغرس قبل إطلاق العنان للقوة القاتلة التي قد تُثير ردا انتقاميا ضد الولايات المتحدة والقوات الأمريكية في المنطقة. (وبالفعل، يبدو أن هذا الرد الانتقامي قد وقع للتو، حيث أطلقت إيران صواريخ على قاعدة أمريكية في قطر). كما لا يمكن دمج هذه الضربات ضمن تفويضات الكونغرس الحالية لاستخدام القوة - إحداها في عام 2001 ضد المسؤولين عن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، والأخرى في عام 2002 ضد العراق في عهد صدام حسين. وهكذا، ادّعى الرئيس لنفسه السلطة التي يمنحها الدستور صراحة للكونغرس.
وكما أن الرئيس ملزم قانونا بطلب إذن من الكونغرس قبل شن حرب، فإنه ملزم أيضا بطلب إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، صممت الولايات المتحدة ودافعت عن نظام عالمي يخضع فيه استخدام أي دولة للسلطة القسرية ضد دولة أخرى لضوابط جماعية. ينص ميثاق الأمم المتحدة على أن الدول الموقعة يجب أن "تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة".
هذا الحظر على اللجوء الأحادي إلى القوة هو المبدأ الأساسي للنظام القانوني لما بعد الحرب. لا يجوز لدولة صادقت على ميثاق الأمم المتحدة أن تلجأ إلى استخدام القوة ضد دولة أخرى إلا إذا صوّت مجلس الأمن على تفويض الحرب - أو عندما تكون الدولة موضوع "هجوم مسلح". نعم، يُعدّ شرط الحصول على دعم مجلس الأمن عقبة، ولكنه عقبة أمام روسيا والصين بقدر ما هو عقبة أمام الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن شرط السعي للحصول على تفويض مجلس الأمن قبل استخدام القوة يمنح الولايات المتحدة سلطة استثنائية: فالولايات المتحدة تشغل أحد المقاعد الخمسة الدائمة في مجلس الأمن، وتمتلك حق النقض (الفيتو) على أي قرار يجيز استخدام القوة. وبينما لا يوجد نظام قانوني مثالي - وهذا النظام ليس استثناء، كما تُظهر الصراعات العالمية اليوم - فقد ساعد ميثاق الأمم المتحدة مع ذلك في إنتاج أكثر العصور سلما وازدهارا شهدها العالم على الإطلاق.
لقد تبنى دونالد ترامب الآن بشكل كامل ما يسمى بمبدأ بوش، وهو موقف في السياسة الخارجية ينص على أن الولايات المتحدة يمكنها استخدام القوة استباقيا ضد أي تهديد محتمل - سواء لنفسها أو للآخرين. كان هذا هو الأساس القانوني الرئيسي لحرب العراق الكارثية عام 2003، والتي تم رفعها باعتبارها ضرورية لمنع استخدام أسلحة الدمار الشامل - وهي أسلحة اتضح أنها لم تكن موجودة. وحتى في ذلك الوقت، تعامل الرئيس جورج بوش الإبن على الأقل مع مجلس الأمن وسعى وحصل على تفويض من الكونغرس قبل شن تلك الحرب.
وقد نأى معظم الرؤساء منذ ذلك الحين بأنفسهم عن مبدأ بوش. لكن رؤساء كلا الحزبين اعتمدوا على تفسيرات موسعة لحق الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة لاستخدام القوة في الشرق الأوسط ضد ما وصف بـ"الجماعات الإرهابية". كما اعتمدوا أيضا على تفسيرات موسعة لتفويض الكونغرس لعام 2001 باستخدام القوة العسكرية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. لقد تجاوز ترامب الآن هذه التفسيرات المُبالغ فيها، مُطلقا حربا تفتقر إلى أي سند قانوني محلي أو دولي معقول.
يبدو أن بعض مؤيدي الرئيس، مثل السيناتور ليندسي غراهام، غير مُبالين بالضربة الخارجة عن القانون، مُستنتجين أن "النظام الإيراني يستحق ذلك". هذه حجة خطيرة، مهما كان رأي المرء في جدوى الضربات. وبينما يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها، فإن هذا لا يمنحها - أو الولايات المتحدة - شيكا مفتوحا لمهاجمة إيران كما تشاء، بحسب تعبيرها.
إن غياب أي قيود قانونية فعّالة على الرئيس لا يُمثل مُشكلة لتوازن القوى والأمن القومي للولايات المتحدة فحسب، بل يُمثل الآن مُشكلة للعالم أجمع. إن الصعود الظاهري للاستبداد في الداخل يُعجّل بنوع من الاستبداد الدولي، حيث يُمكن للرئيس الأمريكي إطلاق العنان لأقوى جيش عرفه العالم على الإطلاق بمُجرد نزوة. في هذه الحالة، وبعد فشله في الفوز بـ"الصفقات" السهلة التي وعد بها، أظهر ترامب الآن أنه سيتخلى عن الدبلوماسية والتفاوض مُفضّلا القوة. قد تُشجع أفعاله الحكام المستبدين حول العالم على فعل الشيء نفسه، مُرسخة مثالا على الفوضى القادرة على إعادة تشكيل النظام القانوني العالمي، وتحويله من نظام يحكمه القانون إلى نظام تحكمه القوة.
يتطلب وقف هذا التحول تحركا - من جانب الدول الأخرى والكونغرس. يجب على الدول أن تتكاتف للتنديد بالإجراء الأمريكي غير القانوني، والدعوة إلى الدبلوماسية، لا القوة، لحل النزاع بين إيران وإسرائيل. على المدى البعيد، يجب على الدول إيجاد سبل للعمل معا لدعم القانون، وربما حتى التكاتف كمجموعة رسمية لتبني عقوبات جماعية ضد الولايات المتحدة إذا ثبت عزمها على انتهاكه مرة أخرى.
أدان العديد من أعضاء الكونغرس قرار ترامب غير القانوني باستخدام القوة. هذا لا يكفي. لقد حان الوقت منذ زمن لإصلاح طريقة اتخاذ الولايات المتحدة قرارات خوض الحرب. كبداية، يجب على الكونغرس أن يحظر فورا استخدام الأموال الفيدرالية لأي استخدام للقوة يتجاوز السلطة القانونية للرئيس. لفترة طويلة جدا، رضخ مشرّعونا للاستنزاف التدريجي لسلطتهم الدستورية. ويجب عليهم أن يتحركوا الآن لاستعادة تلك السلطة قبل أن تذهب إلى الأبد ويدفع العالم ثمن أخطائنا.