اليمن في ميزان القوة والنفوذ داخل جغرافيا الصراع القائم
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
عبدالقوي السباعي
العملياتُ الأخيرةُ التي نفّذتها القواتُ المسلحةُ اليمنية مستهدفةً حاملةَ الطائرات الأمريكية “آيزنهاور”، والسفن المرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي، حملت العديد من الرسائل؛ إذ كان مضمونها الأبرز أن قواتِنا المسلحة اليوم، باتت هي المتحكمةَ بتوزيع ورسم خارطة الجغرافيا العسكرية التكتيكية في ميدان الصراع البحري، والمسيطرة على التموضع والمسار والتحَرّك والانتشار، لكل قطعةٍ حربية أمريكية أَو غيرها في بحار المنطقة، سواءٌ أكانت العلنية، أَو الموصوفة بالسرية، وأصبح السلاح اليمني قادراً على النيل منها داخل هذه الجغرافيا، أياً كانت تبعيتها أَو تحصُّنُها وقدراتها الدفاعية.
وأثبتت القدرة اليمنية للعالم أن هذه الأسلحة متميزة ومتطورة إلى الحد الذي لا تسطيع فيه كُـلّ قوى البغي والعدوان ووسائط الدفاعات الجوية والرادارات التي تمتلكها أن تتصدى لها، أَو تحد من فعاليتها، وبالتالي فالأمريكي يوماً عن يوم يستنزف قدراته وإمْكَانياته وثروات حلفائه في سبيل إنقاذ “إسرائيل”، لكن دون جدوى.
ما في جعبة الجيش اليمني هو أكبرُ من ذلك بكثير، والمستوى الذي حقّقه مستوىً عالٍ جِـدًّا، سواء من حَيثُ القدرة الهجومية أَو القوة التدميرية أَو التفوق المعلوماتي والفعالية الاستخباراتية، ولعل أكبر دليل ومؤشر، هو المستوى الذي تحقّق في ضرب الأهداف “السيَّارة” وبمختلف المديات والسرعات، وقد كان للجميع شرفُ أن شاهد نماذجَ من تلك الضربات المتميزة وفي أكثر من مكان في جغرافيا البحار.
غير أن استهدافَ الحاملة الأمريكية الأكثر تحصيناً، والأكثر رمزية بالنسبة للعالم المتكالب على هذه الجغرافيا، يعكس مدى القدرة اليمنية والتصميم والإصرار على النيل منها، وإن لم تدمّـرها بالكلية؛ إلا أنها كسرت هيبتها وأفقدتها عذريتها التي حافظت عليها منذ العام 1977م، وهي بذلك رسالة مفادها أن قوى الاستكبار والهيمنة الصهيونية العالمية، لن تحمي “إسرائيل”، ولن تخفف من وطأة الاستنزاف اليمني لقدراتها المادية والاقتصادية، وسلبها أهم العوامل المؤثرة على ميزانها العسكري في ظل استمرار حصارها وعدوانها على أهلنا في غزة.
هذا التحول النوعي والكمي والكيفي في العمليات اليمنية المتصاعدة، كشف لنا زيف “البعبع” المتوحش والعملاق المفترس، والذي بدا وكأنهُ غول وهمي من ورق، لولا تضخيم وتهويل الـ “بروباغندا” الأمريكية، وكشف أَيْـضاً عن ثغرات أنظمة الدفاع الجوي والتعامل السريع مع الأهداف المختلفة، ومنظومات كذا.. وكذا؛ ما أثار الشكوك حول فاعلية وكفاءة كُـلّ تلك المنظومات السراب، والتي بُنيت عليها الهيبة الاستراتيجية لأمريكا.
وبالتالي فقد مثّلت تجربة الجيش اليمني في إعادة تطوير وبناء قدراته بهذا الشكل، وتحت العدوان والحصار الجوي والبري والاستخباراتي العسكري من خماسية التحالف (الأمريكي-الإسرائيلي-البريطاني-السعوديّ-الإماراتي) نموذجاً يُحتذى به، وموضوع دراسة لمختلف مراكز الأبحاث العالمية، وأصبح العالم كله مديناً بالشكر للجيش اليمني، الذي كشف لهم حقيقة السلاح الأمريكي ومدى فاعليته دفاعاً وهجوماً، وكيف أنه كان محاطاً بهالةٍ زائفة كشفتها التجارب الميدانية لسنواتٍ تسع، وبات العالم اليوم يؤمن أن القدرة الحقيقية للسلاح اليمني ستنعكس على القدرة الفعلية لنفوذ اليمن قريباً، بعد أن أصبحت كُـلّ المنطقة في الإقليم وما يتعداها مكشوفةً وتحت نظر ومرمى نيران الجيش اليمني.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الأردن وسوريا: الجغرافيا لا تُلغى… فهل تأخرنا كثيرًا؟
#سواليف
#الأردن و #سوريا: الجغرافيا لا تُلغى… فهل تأخرنا كثيرًا؟
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
في الوقت الذي تتغير فيه موازين القوى والتحالفات في المنطقة، وتُعقد الاتفاقيات الاستراتيجية الكبرى، يطل علينا مشهد يعكس تراجع الدور الإقليمي للأردن، وتحديدًا تجاه الشقيقة سوريا، الجار الأقرب تاريخًا وجغرافيًا، والاردن هو البوابة الجنوبية الطبيعية التي لا يمكن إنكارها أو تجاوزها في أي حسابات سياسية أو اقتصادية.
من المؤسف أن نجد الأردن، وهو من أكثر الدول التي تحملت تداعيات الأزمة السورية على مدى أكثر من عقد، يتأخر في إعادة فتح الأبواب نحو دمشق، رغم دعواتنا المتكررة لضرورة الانفتاح على سوريا الشقيقة، وهي دعوات لا تنطلق من عاطفة آنية، بل من إدراك حقيقي لمصالح وطنية واستراتيجية أردنية، وكذلك لمتطلبات الاستقرار الإقليمي.
مقالات ذات صلة أوامر إخلاء جديدة من مناطق شمال غزة.. الشوارع مكتظة بالمهجرين 2025/05/30الأردن يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري، ويتحمل أعباءً اقتصادية واجتماعية وخدمية ضخمة جراء ذلك. ومع أن هذا الموقف الإنساني محل تقدير دولي، فإن من الطبيعي والمنطقي أن يسعى الأردن إلى استثمار هذه التضحيات في بناء علاقات ثنائية متوازنة وعادلة مع الدولة السورية، تضمن له استعادة حقوقه المالية التي سلبها النظام السوري البائد لعقود، وتفتح أمامه آفاق التعاون الاقتصادي في مرحلة ما بعد الحرب.
إننا اليوم نتابع بقلق بالغ ما حملته وكالات الأنباء عن توقيع اتفاقية كبرى بين سوريا وتحالف شركات دولية تقوده قطر، بشراكة تركية وأمريكية، بقيمة سبعة مليارات دولار في قطاع الطاقة، وذلك بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع. هذه الاتفاقية، مهما كانت خلفياتها، يجب أن تكون جرس إنذار حقيقي لصانع القرار الأردني، فهي تؤكد أن عجلة الإعمار والتحالفات الإقليمية قد بدأت تدور، فيما الأردن ما يزال واقفًا عند عتبة الانتظار.
وهنا لا بد من التوقف عند ملف الطاقة، الذي يُعد أحد أكبر التحديات التي تواجه الأردن في الوقت الراهن. هذا الملف المعقد والمثقل بالألغاز والغموض، يتطلب من الدولة الأردنية التحرك بحنكة واستباقية. فوفقًا للخبير في قطاع الطاقة عامر الشوبكي، فإن الأردن يمتلك فائضًا كبيرًا في الطاقة الكهربائية يمكن تصديره إلى سوريا التي تعاني من انقطاعات مزمنة نتيجة تدمير بنيتها التحتية. استئناف تصدير الكهرباء إلى سوريا، كما كان قبل عام 2011، لا يُعد فقط فرصة لتخفيف الخسائر السنوية لشركة الكهرباء الوطنية والتي تُقدر بنصف مليار دينار، بل يمثل أيضًا مدخلًا استراتيجيًا لاستعادة الدور الأردني في الإقليم وتعزيز أمنه الاقتصادي.
وفي ظل هذا الغياب الدبلوماسي الرسمي المقلق، نتساءل أيضًا عن غياب آخر لا يقل أهمية: أين هي الدبلوماسية البرلمانية من هذا المشهد؟ لماذا تأخر النواب عن دق أبواب دمشق؟ ألم يكن الأجدر بممثلي الشعب أن يبادروا بخطوات تفتح المجال للتقارب البرلماني والسياسي مع الجار الشقيق، أسوة بما تقوم به برلمانات عربية أخرى أعادت وصل ما انقطع؟ الدبلوماسية البرلمانية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في كسر الجمود السياسي وتمهيد الطريق لمشاريع شراكة واقعية ومفيدة للطرفين.
وعليه، إن تأخرت الدبلوماسية الرسمية في التحرك وبحث المشاريع المشتركة، فإن على الدبلوماسية الشعبية والاقتصادية والبرلمانية أن تتحرك بجرأة ومسؤولية. زيارة الوفد التجاري الأردني إلى دمشق مؤخرًا، والتي وصفها رئيس غرفة تجارة الأردن بـ”التاريخية”، تمثل بارقة أمل، لكنها غير كافية ما لم تُتبع بخطوات عملية منسقة على أعلى المستويات.
ختامًا، إن سوريا الموحدة، المستقرة، الآمنة، المدنية والديمقراطية ليست مجرد أمنية سورية، بل مصلحة أردنية خالصة، بل ومصلحة عربية وإقليمية شاملة. والجغرافيا لا تتغير، كما لا يمكن طمس حقائق التاريخ. أما التأخر في استيعاب هذه البديهيات، فقد يكون مكلفًا للغاية.
فهل نتحرك قبل أن يفوت الأوان؟