التنافس بين أميركا والصين.. من سيمتلك مستقبل الإنترنت؟
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
الثورة /
يقول خبراء التكنولوجيا إنّ العالم يعاصر حالياً تنافساً بين نسختين من الإنترنت، إذ تهيمن شركات عملاقة مثل “ميتا” و”ألفابت” و “آبل” على النسخة الأميركية، فيما تُعدّ هذه الشركات رائدة في مجالات الاستهلاك والتجارة.
في المقابل، تسعى الصين إلى الخروج بنسخة إنترنت صينية كمنصة للخدمات والمراقبة حيث تتمتع بموجبها شركات صينية عملاقة مثل، “بايت دانس” و”علي بابا” و “تينسنت” بنفوذ سوقي غير محدود مع الترويج لذلك في إطار “طريق الحرير الرقمي”.
ففي تقرير صدر مؤخّراً، قالت مؤسسة “المادة الـ19” الحقوقية ومقرها لندن إنّ “الصين تسعى للتأثير على المعايير العالمية من خلال لوائح فنية وتنظيم منتديات متعددة الأطراف” مثل “مؤتمر الإنترنت العالمي” الذي تنظّمه الصين سنوياً منذ عام 2014.
وأشار التقرير الذي جاء تحت عنوان “تصدير الصين للقمع الرقمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، إلى أنّ “الصين تطمح لأن تكون قوة عالمية عظمى في مجال التكنولوجيا من خلال تطوير سياسات تهدف لإعادة تشكيل المعايير العالمية”.
وأوضح التقرير أنّ النموذج الصيني يرتكن إلى مبدأ “السيادة الرقمية” الذي يرمي إلى تجزئة الإنترنت، “على النقيض من عالمية حقوق الإنسان ومبادئ حرية الإنترنت”، مشيراً إلى أنّ “النسخة الصينية من الإنترنت تقوم على فكرة سيطرة الدولة” وتركّز على “الأمن السيبراني وتعزيز وسائل الرقابة والمراقبة”.
مصدر واحد ونظامان
ويشير الخبراء إلى وجود تباين كبير بين النسخة الأميركية من الإنترنت ونظيرتها الصينية، وهو ما يتجلّى في كيفية تنظيم عمل الإنترنت في البلدين.
وقد سلّط ستيفان شمالس، عالم الاجتماع في جامعة إرفورت في ألمانيا، الضوء على هذا الأمر في تقرير كان عنوانه “مغايرات الرأسمالية الرقمية: المقارنة بين الصين والولايات المتحدة”.
وذهب شمالس في مقالته إلى القول إنّ “ضمان حرية ريادة الأعمال” يُعدّ ركيزة تنظيم عمل الإنترنت في الولايات المتحدة، فيما تؤدي قضايا “الأمن القومي والاعتبارات السياسية” دوراً رئيسياً في الصين.
وبرغم هذا التباين، إلّا أنّ كلاً من النسختين الأميركية والصينية من الإنترنت تعتمدان على التكنولوجيا الأساسية نفسها ولا سيما بروتوكول التحكّم بالإرسال (TCP) و”لغة ترميز النص المتشعّب” (HTML)، لكنهما يختلفان في مجال “الويب 2.0” الذي يرمز إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل “واتسآب” و “إنستغرام”.
وفي إطار عصر “الويب 2.0″، قامت الصين بتدشين منصات رقمية موازية مثل تطبيق “وي تشات” الشهير الذي يستخدم في البلاد، بدلاً من “واتسآب”، فيما يرى غالبية المستخدمين في جميع أنحاء العالم أنّ كلا التطبيقين يمثّلان عالمين نقيضين يغيب عنهما أي ارتباط.
الصين والنفوذ الرقمي
يُشار إلى أنّ الصين شرعت منذ عام 1998 في فك الارتباط بالإنترنت الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، إذ دشّن الحزب الشيوعي الصيني في ذاك الوقت ما عُرف باسم “جدار الحماية العظيم” الذي تستخدمه السلطات الصينية لحجب المواقع أو المضامين التي تنتقدها.
وفي عام 2010، انسحبت شركة “غوغل” من الصين بسبب معركة الرقابة مع الحكومة الصينية، فيما تلا ذلك بعام إنشاء “إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية” بهدف تنظيم الإنترنت في البلاد والرقابة عليه (هذه الإدارة منوط بها تنظيم المؤتمر العالمي للإنترنت).
وتمكّن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين عن طريق ذلك من إنشاء سوق محدّد يضم 1.4 مليار مستخدم صيني، ما أدّى إلى زيادة قوة الشركات الصينية الرقمية.
وقد حقّقت نسخة الإنترنت الصينية نجاحاً ضمنياً تمثّل في تنامي قوة عمالقة الإنترنت في الصين مثل “تينسنت” و “بايت دانس”، برغم عدم قدرتها على الانخراط في معركة تنافسية كاملة مع الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها.
ويقول الخبراء إنّ المثال الأوضح على ذلك هو منصة “تيك توك” الصينية الشهيرة. فعل الرغم من أنّ الولايات المتحدة لم تكن موطن التأسيس، إلا أنّ التطبيق حقق قدرة تنافسية عالمية.
الهيمنة المستقبلية على الإنترنت
ويشير الخبراء إلى أنّ طموح الصين لم يتوقّف عند فكّ ارتباطها بشبكة الإنترنت، بل امتّد إلى التوسّع والسعي لتأدية دور رائد في تطوير التقنيات التكنولوجية الرئيسية.
وعلى غرار “تيك توك”، فإنّ شركة “هواوي” تعتبر مثالاً جليّاً أيضاً على الطموح الرقمي الصيني، ولا سيما أنّ الشركة باتت أكبر مزوّد لمعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي تستخدم لبناء شبكات الجيلين الرابع والخامس.
في المقابل، تتهم الولايات المتحدة ودول غربية الشركة الصينية بإتاحة تقنياتها للحكومة الصينية لأنها ملزمة في نهاية المطاف بتقديم المعلومات إلى الحزب الشيوعي الصيني.
ففي كتابهما “الغزو الصامت”، قال كلايف هاميلتون وماريكي أولبيرغ، إنّ شركة “هواوي” تُعدّ المثال الأوضح على جهود الحزب الشيوعي الصيني في المزج بين “أعمال التجسس وانتهاك وسرقة حقوق الملكية الفكرية وعمليات السيطرة والنفوذ”.
من جانبها، نفت “هواوي” مزاعم نقل بيانات إلى الحزب الشيوعي الصيني، فيما لا يوجد أي دليل إلى الآن يُثبت أنّ معدات الشركة تحتوي على “أبواب خلفية” يمكن استخدامها للتجسس.
تزايد الانقسام
وفي ضوء هذه المعطيات، يتوقّع خبراء التكنولوجيا تزايد وتيرة التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين. ومثال على ذلك، ما حدث في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، عندما حظرت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية بيع واستيراد معدات اتصالات جديدة من شركة “هواوي” في البلاد لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
في المقابل، أدخلت الصين في نهاية العام الماضي “مبادئ توجيهية” جديدة ترمي إلى “التخلص التدريجي” من المعالجات الدقيقة الأميركية من شركتي “إنتل” و”أي أم دي” في أجهزة الكمبيوتر والخوادم الحكومية.
ومنذ تولّي الرئيس الأميركي، جو بايدن، السلطة في البيت الأبيض، تسعى إدارته إلى منع الصين من الوصول إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات المهمة، فيما يتعيّن على الدول التي تفتقر إلى تكنولوجيا خاصة بها أن تقرّر ما إذا كانت ستصطفّ إلى جانب واشنطن أم إلى جانب بكين.
يُشار إلى أنّ الولايات المتحدة ظلت لعقود القوة المهيمنة في مجال التكنولوجيا، بيد أنّ الصين باتت تكتسب نفوذاً دولياً كبيراً خاصة في منطقة المحيط الهادئ، في دول مثل كمبوديا وباكستان وتايلاند وماليزيا ونيبال.
وقال تقرير مؤسسة “المادة الـ19” إنّ كمبوديا باتت “أفضل مثال على تبنّي الاستبداد الرقمي على النمط الصيني،” مضيفاً أنه منذ عام 2021 “تبذل الحكومة في كمبوديا جهوداً لإنشاء نسختها الخاصة من جدار الحماية العظيم في إطار “بوابة إنترنت وطنية”.
وأشار التقرير أيضاً إلى أنّ الصين تحقّق نجاحاً متزايداً في تقليص حجم الإنترنت المجاني ومفتوح المصدر القابل للتشغيل البيني من خلال “طريق الحرير الرقمي”.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
عقبات تواجه تصنيع آيفون في الولايات المتحدة
يواجه مسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتصنيع هواتف “آيفون” التي تنتجها شركة “أبل” داخل الولايات المتحدة الكثير من التحديات القانونية والاقتصادية أقلها تثبيت “البراغي الصغيرة” بطرق آلية، وفق خبراء.
فقد هدد ترمب الجمعة بفرض رسوم جمركية تبلغ 25% على “أبل” في حال بيعها هواتف “آيفون” مصنعة في الخارج داخل الولايات المتحدة، وذلك في إطار سعي إدارته لدعم سوق العمل.
وقال ترمب للصحفيين الجمعة إن الرسوم الجمركية البالغة 25% ستطبق أيضًا على شركة “سامسونغ” وغيرها من صانعي الهواتف الذكية. ويتوقع أن تدخل الرسوم حيز التنفيذ في نهاية يونيو/ حزيران.
صناعة تتطلب تكنولوجيا غير متوفرة
وقال ترمب ط: “لن يكون من العدل” عدم تطبيق الرسوم على جميع الهواتف الذكية المستوردة، مشيرًا إلى تفاهم مبرم مع (الرئيس التنفيذي لشركة أبل) تيم (كوك) بأنه لن يفعل ذلك.
وبحسب ترمب، قال (كوك) إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. ورد ترمب له “لا بأس أن يذهب إلى الهند ولكنك لن تبيع هنا بدون رسوم جمركية”.
وكان وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك قال لشبكة “سي.بي.إس” الشهر الماضي إن عمل “الملايين والملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة جدًا لصنع أجهزة آيفون” سيأتي إلى الولايات المتحدة وسيصبح آليًا، مما سيوفر وظائف للعمال المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين.
لكنه قال لاحقًا لقناة “سي.إن.بي.سي” إن كوك أخبره بأن القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد.
وأوضح قائلًا: “لقد قال أحتاج إلى أذرع روبوتية وأن أقوم بذلك على نطاق ودقة يمكنني بهما جلبها (الصناعة) إلى هنا. وفي اليوم الذي أرى ذلك متاحًا، ستأتي إلى هنا”.
“قصة خيالية غير ممكنة”
وقال محامون وأساتذة بقطاع التجارة إن أسرع طريقة لإدارة ترمب للضغط على شركة “أبل” من خلال الرسوم الجمركية هي استخدام نفس الآلية القانونية التي تفرض الرسوم على شريحة واسعة من الواردات.
ونقلت وكالة “رويترز” عن دان إيفز المحلل في “ويدبوش” إن عملية نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد تستغرق ما يصل إلى 10 سنوات وقد تؤدي إلى أن يصل سعر جهاز آيفون الواحد إلى 3500 دولار. ويُباع أحدث إصدار من هواتف آيفون حاليًا في حدود 1200 دولار.
وأضاف إيفز: “نعتقد أن مفهوم إنتاج أبل لأجهزة آيفون في الولايات المتحدة هو قصة خيالية غير ممكنة”.
وبحسب “رويترز”، قال بريت هاوس، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، إن فرض رسوم جمركية على أجهزة آيفون سيزيد من تكاليف المستهلكين من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل الخاصة بشركة “أبل”. وأوضح قائلًا: “لا شيء من هذا إيجابي بالنسبة للمستهلكين الأميركيين”.
قناة العربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب