دراسة استقصائية تظهر انخفاضاً في استخدام الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
الثورة /
منذ إطلاق ChatGPT من OpenAI في نوفمبر 2022، أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي موضوعًا ساخنًا في المناقشات التكنولوجية، واكتسب تغطية واسعة النطاق لقدراته.
ولكن على الرغم من الضجيج المحيط بتقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، كشفت دراسة حديثة أن قلة من الناس يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT بانتظام.
وشمل الاستطلاع، الذي أجراه معهد رويترز وجامعة أكسفورد، أكثر من 12 ألف فرد في ستة دول، بما في ذلك فرنسا والدنمارك والمملكة المتحدة، لقياس المواقف تجاه استخدام نماذج GenAI.
تظهر النتائج أن نسبة ضئيلة من الأشخاص يستخدمون ChatGPT يوميًا، مع وجود عدد أقل من الأشخاص الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى مثل Google Gemini وMicrosoft Copilot.
الإلمام العام بأدوات الذكاء الاصطناعي
أفاد غالبية المشاركين أنهم سمعوا عن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي الشائعة.
وبرز ChatGPT باعتباره التطبيق الأكثر شهرة، حيث أشار 61% من المشاركين من الدنمارك و58% من المملكة المتحدة إلى أنهم على علم به.
ومع ذلك، فإن الأدوات المماثلة مثل Google Gemini وMicrosoft Copilot أقل شهرة، حيث لا يعرفها سوى حوالي 15 إلى 25% من الأشخاص.
ووجد الاستطلاع أيضًا أن أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر تخصصًا، مثل Midjourney وPerplexity، لا تحظى بتقدير كبير بين عامة الناس.
كما لم يكن من المرجح أن يكون الناس على دراية بمنتجات الذكاء الاصطناعي التي تنشأ في بلدانهم مقارنة بالأدوات المشهورة عالميًا مثل ChatGPT.
على سبيل المثال، أفاد ثلاثة في المائة فقط من المشاركين في فرنسا أنهم على علم بشركة ميسترال، وهي شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي ومقرها فرنسا.
ووجد الاستطلاع أنه في حين أن أغلبية كبيرة من الناس قد سمعوا عن أدوات الذكاء الاصطناعي التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق، إلا أن عددًا أقل من الأشخاص أبلغوا عن استخدامها فعليًا، ويظل الاستخدام المنتظم نادرًا.
كيف يستخدم الناس أدوات الذكاء الاصطناعي؟
ChatGPT هي أداة الذكاء الاصطناعي الأكثر استخدامًا على نطاق واسع بين الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في ستة بلدان، وهي أكثر انتشارًا مرتين أو ثلاث مرات من نماذج اللغات الكبيرة الأخرى (LLMs) مثل Gemini من Google وMicrosoft Copilot.
ومع ذلك، فإن وتيرة الاستخدام ليست عالية بشكل خاص.
في فرنسا والمملكة المتحدة، أفاد 2% فقط من المشاركين أنهم يستخدمون ChatGPT يوميًا، مع استخدام عدد أقل لأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى؛ في الواقع، لم يبلغ أحد في المملكة المتحدة عن استخدام Google Gemini يوميًا.
ذكر معظم المشاركين الذين جربوا أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية أنهم استخدموها مرة أو مرتين فقط منذ إطلاقها.
وفي الوقت نفسه، تظهر الولايات المتحدة معدلات استخدام أعلى لبرامج الماجستير في القانون، حيث يستخدم سبعة في المائة من الأشخاص ChatGPT يوميًا و11 في المائة أسبوعيًا.
وكشفت الدراسة أن الاختلاف الأكثر أهمية في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي قد لوحظ بين مختلف الفئات العمرية.
كان الأفراد الأصغر سنًا أكثر عرضة لاعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي واستخدامها بشكل متكرر.
وفي البلدان الستة التي شملتها الدراسة، أفاد 56% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا و43% ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا أنهم استخدموا الذكاء الاصطناعي التوليدي مرة واحدة على الأقل.
وفي المقابل، استخدم حوالي 16% فقط من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 55 عامًا أو أكثر هذه الأدوات.
وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الوعي والاستخدام بين السكان الأصغر سنا، فإن معدل الاستخدام الإجمالي لا يزال منخفضا.
في حين أفاد معظم المشاركين في الاستطلاع أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي في حياتهم الشخصية وليس لأغراض العمل أو الأكاديمية، إلا أن الاستخدامات المحددة للذكاء الاصطناعي تباينت.
وفي جميع البلدان التي شملها الاستطلاع، استخدم 24% من المشاركين الذكاء الاصطناعي التوليدي لجمع المعلومات، بينما استخدمه 28% لإنشاء وسائل الإعلام.
بالنسبة لأولئك الذين يستخدمونها للحصول على المعلومات، تشمل الاستخدامات الأكثر شيوعًا الإجابة على الأسئلة الواقعية (11 في المائة)، وطلب المشورة (10 في المائة)، وتوليد الأفكار (9 في المائة).
تشمل الاستخدامات الأخرى للحصول على المعلومات تلخيص النص وخدمات الدعم والترجمات والوصول إلى آخر الأخبار.
من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء الوسائط غالبًا ما يستخدمونه في مهام مثل كتابة رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل (تسعة بالمائة)، وإنشاء الصور (تسعة بالمائة)، وإنشاء مقاطع الفيديو (أربعة بالمائة)، والتشفير (خمسة بالمائة).
ومع ذلك، أفاد غالبية المشاركين في إنشاء الوسائط باستخدام الذكاء الاصطناعي الإنتاجي أنهم يقومون في المقام الأول بالتجربة أو التلاعب (11%).
التأثير المتوقع للذكاء الاصطناعي التوليدي
قال معظم الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أنهم يتوقعون أن يؤثر الذكاء الاصطناعي الإنتاجي بشكل كبير على كل قطاعات المجتمع تقريبًا خلال السنوات الخمس المقبلة.
ووفقاً للتقرير، يتوقع 72% من المشاركين في المتوسط أن يكون للذكاء الاصطناعي التوليدي تأثير كبير على شركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، يتوقع 66% أن يؤثر ذلك بشكل كبير على وسائل الإعلام الإخبارية، وتعتقد نسبة مماثلة أنه سيؤثر بشكل كبير على عمل العلماء.
في المتوسط، يتوقع معظم المشاركين أن يؤدي الذكاء الاصطناعي الإنتاجي إلى تحسين حياتهم إلى حد ما، على الرغم من أن عدداً أعلى قليلاً يتوقع تأثيراً سلبياً على المجتمع بشكل عام.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.