لماذا لا يعمل الرئيس الصيني على إصلاح اقتصاد بلاده المتدهور؟
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا سلطت الضوء فيه على التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الصيني تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ؛ حيث تراجعت معدلات النمو الاقتصادي وتفاقمت المشكلات الديموغرافية، ما أثر سلبا على الأهداف الاقتصادية للحزب الشيوعي الصيني.
وقالت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن أداء الاقتصاد الصيني كان مروعا، وكان انتعاش ما بعد الجائحة أقل بكثير مما توقعته الحكومة الصينية، ورغم تسجيل معدل نمو رسمي معتبر بنسبة 5.
ويقدر بعض المحللين أن النمو لم يتجاوز 1-2 بالمائة، وأظهرت بعض المؤشرات تحسنًا متواضعًا في الأشهر الأولى من سنة 2024، لكن يبدو أن الاقتصاد لا يزال متعثرًا؛ حيث يعتمد النمو الآن بشكل كبير على الصادرات.
وإلى جانب التباطؤ الاقتصادي، حدث انهيار في الثقة في نهج الصين داخليا وخارجيا؛ وتظهر البيانات انخفاضا مفاجئا في ثقة المستهلكين والمنتجين في ربيع سنة 2022 بعد إغلاق شنغهاي، ثم تحسنت توقعات المستهلكين لفترة وجيزة عندما انتهت سياسات الإغلاق في أواخر سنة 2022، لكنها ظلت تحوم في نطاق قياسي منخفض منذ ذلك الحين.
وتظهر مؤشرات مختلفة للأعمال التجارية المحلية انتعاشا متواضعا في الآونة الأخيرة، لكن الأرقام لا تزال بعيدة عن أعلى مستوياتها التاريخية.
وذكرت المجلة أنه ربما تقلل هذه البيانات من عمق واتساع نطاق الانزعاج الذي يشعر به المواطنون الصينيون بشأن حاضر البلاد ومستقبلها.
وأشارت فورين بوليسي إلى رصد شكاوى صريحة ليس بشأن الاقتصاد المتعثر فحسب، بل أيضا حول القضاء على فيروس كورونا والخروج الفوضوي، والهجوم الموسع على شركات التكنولوجيا الخاصة، والاهتمام المتزايد بالأيديولوجية، والسعي غير الواقعي للاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا، والتوترات المتزايدة مع الغرب.
وتترجم هذه المخاوف إلى ضعف الطلب الاستهلاكي، وتقييد الاستثمار التجاري، والجهود المبذولة لنقل الثروة والعائلة إلى الخارج.
أين الرئيس؟
وبحسب المجلة؛ فيبقى سؤال واحد يتكرر: لماذا لم تفعل القيادة المزيد لتعزيز الاقتصاد واستعادة الثقة؟
وقصد الكثيرون بالقيادة شخصا واحدا، وهو شي جين بينغ، فانتهاء فترة ولايته، ونقل الحكم إلى أجهزة الحزب الشيوعي الصيني الخاضعة لسيطرته، والاهتمام الكبير الذي يتلقاه في وسائل الإعلام الرسمية، يعطي الشعب الصيني والعالم انطباعا بأنه يتحمل المسؤولية بالكامل.
ولم تقف بكين ساكنة؛ فقد وسعت نطاق الائتمان، ووضعت خططا متعددة النقاط لطمأنة القطاع الخاص ومجتمع الأعمال الأجنبي، وخفضت القيود المفروضة على شراء منزل ثان، وخففت من حدة تبطائها، لكن جزء كبيرا من الأشخاص لم يعجبهم ذلك؛ حيث لا تغير هذه الخطوات سوى القليل جدا وبعد فوات الأوان.
وأفادت المجلة أن هناك أربع وجهات نظر تم طرحها حول سبب عدم اتخاذ شي وغيره من كبار القادة نهجا مختلفا، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "اللاءات الأربعة" في الأسلوب السياسي الصيني
الأول: "إنه لا يعلم"؛ حيث تكهن البعض بأن شي لا يعرف شيئا عن الحالة الاقتصادية السيئة من قبل الكوادر التي لا تنقل له أخبارا سيئة خوفا من إلقاء اللوم عليها، وهكذا، فإن التفكير يقول إنهم يزودونه فقط بتقارير إيجابية.
وبحسب أحد المصادر فإن المسؤولين على مستوى العمل في تشنغهاي طلبوا من الباحثين الخارجيين تقديم تقارير إيجابية فقط.
وقال آخر إن كبار المسؤولين الذين يتحكمون في تدفق الورق إلى شي متحالفون مع الأجهزة الأمنية والدعائية، لذا فإن قراءاته تعكس تحيزاتهم، لكن آخرين اختلفوا مع الرأي القائل بأن شي وغيره من القادة ليسوا على اطلاع جيد.
وقال أحد الخبراء الذي قدم بحثًا إلى الدولة الحزبية إنه طُلب منهم تقديم تحليلات صريحة لأن القيادة تريد تلقي وجهات النظر المتعارضة.
وأضافت المجلة الأمريكية أن الفكرة الثانية هي أنه "لا يعرف ماذا يفعل"، وتستند إلى فرضية مفادها أن شي وغيره من كبار القادة على اطلاع جيد ولكنهم يواجهون مجموعة متنوعة من المشاكل التي ليس من السهل إصلاحها.
علاوة على ذلك، تتألف القيادة الآن من "الفريق ب"، والذي يشمل العديد من ذوي الخبرة المحدودة في الحكومة المركزية.
وأصبحت عملية صنع السياسات مركزية للغاية في الحزب الشيوعي الصيني، حتى أن التنسيق عبر البيروقراطية وبين بكين والمحليات أصبح أكثر صعوبة وليس أسهل.
وقال العديد من المقربين أن القيادة أجرت مناقشات طويلة في بعض القضايا حول كيفية حل المشكلات، وتأخير القرارات وطرح سياسات جديدة.
وعلى سبيل المثال، حددت القيادة ضعف سوق الأوراق المالية كمشكلة في صيف سنة 2023، ولكن لم يتم تنفيذ خطوات جديدة حتى أوائل سنة 2024، عندما تم استبدال رئيس هيئة تنظيم الأوراق المالية في الصين، والأمر الأكثر صعوبة هو اكتشاف طرق لمعالجة مشكلة واحدة لا تؤدي إلى تفاقم المشكلات الأخرى أو التوصل إلى خطة شاملة ذات نهج متوازن.
ولفتت المجلة إلى أنه قد يكون حل الفوضى العقارية مثال جوهري على ذلك؛ حيث إنه من الواضح مدى صعوبة إيجاد مسار سياسي يتنقل بفعالية بين المصالح المتضاربة بين جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومة المركزية، والحكومات المحلية والمطورين وأصحاب المنازل والمؤسسات المالية والقطاعات الاقتصادية الأخرى.
وقد شددت بعض المصادر على انخفاض كفاءة كبار المسؤولين، وقارنت بشكل سلبي رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ بسلفه لي كه تشيانغ، الذي توفي فجأة في الخريف الماضي، ويُنظر إلى نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الاقتصاد، هي ليفنغ، على أنه أقل كفاءة من سلفه ليو هي.
وتابعت المجلة قائلة أن الخيار الثالث هو "إنه لا يهتم"، وترجع جذوره إلى فرضية مفادها أن الأولوية القصوى لدى شي تتلخص في تعزيز قبضة الحزب الشيوعي الصيني الاحتكارية على السلطة وهيمنته السياسية الشخصية، ورغم أن وسائل الإعلام تظهره وهو يزور المصانع ويعقد جلسات نقاش حول مختلف التحديات الاقتصادية، إلا أن جدول أعماله اليومي قد يهيمن عليه إدارة القضايا الأمنية والسياسية، وليس الاقتصادية.
وذكرت المجلة أن هذا كان إلى حد بعيد الخيار الأقل شعبية بين المحاورين الصينيين، ولكن أولئك الذين تمسكوا به آمنوا به بشغف.
وكان انطباعهم الأساسي هو أن شي يبدو مستعدا للتضحية بالاقتصاد من أجل القومية وهيمنة الحزب الشيوعي الصيني.
وعلاوة على ذلك، فإن شي ليس وحده؛ فقد تم اختياره كبديل لهو جينتاو، كما قال أحدهم، "لكي لا يكون ميخائيل غورباتشوف"، وليس لتعزيز النمو السريع.
رفض الانتقادات
وبحسب المجلة فإن الإجابة الأخيرة هي "إنه لا يوافق"، فتشير إلى أن المشكلة لا تكمن في عدم قدرة شي على الوصول إلى المعلومات أو عدم الحسم وعدم الكفاءة أو عدم الاهتمام، بل في عدم موافقته هو ومساعديه على الانتقادات التي تقول إن خط السياسة الحالية غير صحيح ولا يرقى إلى مستوى التحدي.
في الواقع، قد تكون وجهة نظرهم أنه بالنظر إلى فقدان الوصول الموثوق إلى التكنولوجيا والأسواق والتمويل الغربي، فإن الصين ليس لديها خيار سوى إعطاء الأولوية لتطوير التكنولوجيات المحلية واكتساب أكبر قدر ممكن من النفوذ على سلاسل التوريد العالمية.
وقالت المجلة في تقريرها إن القادة الصينيين يمكنهم أن يشيروا إلى بعض الأدلة على نجاح خطتهم؛ مثل الهيمنة في مجال السيارات الكهربائية والبطاريات، وأطول نظام سكك حديدية عالية السرعة في العالم، وطائرة سي 919 التجارية ذات الممر الواحد، وسلسلة من منصات الإنترنت التي تحظى بشعبية كبيرة، ونظام الأقمار الصناعية بي دو، وغيرها.
وبينت أن عددا كبيرا من المحاورين اختار هذا الخيار الأخير، فهم يعتقدون أن شي لديه آراء قوية حول مركزية السيطرة على التكنولوجيات المتقدمة لاحتياجات الصين الاقتصادية والإستراتيجية على حد سواء، وهو يطبق هذه الرؤية بشكل مكثف.
ومن ثم، فإن التحول في الاستثمار من العقارات إلى التصنيع المتقدم ودعم الدولة الحزبية المكثف للتكنولوجيات الناشئة التي يمكن أن تغذي النمو وتعزز أمن البلاد. فبينما يرى الآخرون الجهل أو عدم الكفاءة أو عدم الاهتمام، يرون وضوح الهدف والحسم.
خطأ إستراتيجي
وأفاد تقرير المجلة أن معظم الذين يختارون هذا الخيار يرون أن القيادة الصينية ارتكبت خطأً إستراتيجيا عندما تحركت في اتجاه الدولة من خلال سياسة صناعية ضخمة والرهان الكبير على السيطرة على تكنولوجيات المستقبل.
ومن وجهة النظر هذه فإن التحول عن التحرير وعدم الاهتمام بالأسر والاستهلاك يعني انخفاض الإنتاجية، وارتفاع الديون، وتباطؤ النمو، فضلا عن المزيد من التوترات مع الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
وأضافت المجلة أن هناك من لديهم رد فعل معاكس، وهم في الواقع يتفقون مع نهج القيادة الصينية ويعتقدون أن المنتقدين هم أيديولوجيون نيوليبراليون يعارضون بشكل غريزي الدولة النشطة ويرفضون بشكل غير عادل العلامات الرئيسية للتقدم التكنولوجي.
وترى المجلة أن المسار الحالي هو نتاج أخطاء غير مقصودة، وكل ما هو مطلوب لإحداث التغيير هو تزويد القيادة بمعلومات أفضل وخطط أكثر فعالية لمعالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد.
وبينت أن الكيفية التي يرى بها من هم خارج الصين هذا الأمر تحدد أيضًا الكيفية التي ينبغي بها التعامل مع الصين فيما يتصل بقضايا أخرى.
وسيدعم الفكرة التي يتبناها بعض المسؤولين في واشنطن بأنه من المهم أن يجري الرئيس جو بايدن محادثات مباشرة مع شي لضمان أن لديه فهمًا دقيقًا للسياسة الخارجية الأمريكية بشأن قضايا مثل أوكرانيا وتايوان.
سبل التغيير
ولفتت إلى أنه يوجد هناك مصدران محتملان للتغيير؛ الأول سيكون أزمة اقتصادية كبرى من شأنها أن تخلق حسابا سياسيا، فيمكن للقيادة الحالية أن تعترف بأخطائها وتغير توجهاتها، أو يمكن لفصيل آخر من النخبة أن يبلور الفريق الحالي ويحل محله، أو، على الأقل احتمالًا، يمكن أن ينهض الجمهور احتجاجا يحاول الإطاحة بالحزب الشيوعي الصيني بالكامل.
في حين أنه قد يكون هناك المزيد من الأمور التي تختمر تحت السطح أكثر مما يمكن أن يراه الغرباء، إلا أن أيا من هذه السيناريوهات لا يبدو معقولا على المدى القصير إلى المتوسط.
واستطردت المجلة موضحة أن المصدر الثاني للتغيير يتمثل في أن تُقدَّم للقيادة الصينية بيئة دولية تعطي فيها الولايات المتحدة والغرب بشكل عام تطمينات موثوقة بأن تعود الولايات المتحدة والغرب بشكل عام إلى كونها موردا موثوقا للتكنولوجيا والأسواق والتمويل، وتعترف دون شروط بالنظام الاستبدادي للحزب الشيوعي الصيني باعتباره نظاما شرعيا
وتقبل مطالبات بكين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي وتايوان، لكن احتمالات حدوث هذا التحول أقل من أي من السيناريوهات ذات الدوافع المحلية.
ووفق "فورين بوليسي"؛ فإن أحد الأسباب التي تجعل من غير المرجح أن يصبح الغرب أكثر استيعابا لذلك هو أن رجال الأعمال والمسؤولين الأجانب، عندما يتم استطلاع آرائهم داخل الصين وخارجها، عادة ما يختارون "إن شي لا يوافق".
ومن وجهة نظر مجالس الإدارة والعواصم في الخارج، يبدو شي متمتعًا بسيطرة سياسية كاملة وعازم على المضي قدمًا في هذه الإستراتيجية، مع أن أي تعديلات تمثل تحولات تكتيكية طفيفة لاسترضاء المنتقدين المحليين والدوليين. ونتيجة لذلك؛ فإنهم يعتقدون أنهم يجب أن يكونوا أكثر تصميمًا، وليس أقل، في الثبات على موقفهم.
واختتمت المجلة تقريرها قائلة إنه على الرغم من أن هذا الاستطلاع غير الرسمي بعيد كل البعد عن العلمية، إلا أنه يشير إلى تصلب الانقسامات بين أجزاء من المجتمع الصيني وقادته وكذلك بين بكين والعواصم الأخرى.
وهذا يعني أن هناك فرصة ضئيلة لاتخاذ إجراءات جديدة وجريئة، ولكن التناقضات بين القيادة ووجهات النظر المحلية والدولية المتعارضة تنذر بمزيد من التوترات والصراع في المستقبل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي الاقتصاد الصيني الرئيس الاستثمار اقتصاد الصين استثمار أزمات الرئيس المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحزب الشیوعی الصینی المجلة أن یمکن أن أو عدم
إقرأ أيضاً:
مركبات الغاز في اليمن.. اقتصاد البقاء أم وقود للخطر؟
عدن- تغيرت وتيرة حياة سائق الأجرة اليمني محمد عارف، فأسعار البنزين التهمت دخله اليومي، مما دفعه إلى تحويل مركبته للعمل بالغاز، متخذا خيارا اقتصاديا يخفف أعباء المعيشة في بلد أثقلته الأزمات المتلاحقة.
وللوهلة الأولى، يبدو هذا الخيار طوق نجاة، إذ خفض التكاليف إلى النصف، لكنه لم يخلُ من الأخطار، فمع كل تشغيل للمحرك، يتجدد القلق من تسرب غازي غير مرئي أو شرارة طائشة قد تؤدي إلى كارثة، الأمر الذي وقع في عدة حوادث.
ولا يمثل محمد -الذي يعمل في نقل الركاب بين المحافظات- حالة فردية، بل يعكس واقع شريحة واسعة من السائقين اليمنيين الذين اضطرهم الوضع الاقتصادي إلى تبني هذا الحل، رغم المخاوف المتزايدة من احتمالات حدوث انفجارات.
تزايد ملحوظورغم غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة حول حجم الظاهرة، تشير مصادر محلية -للجزيرة نت- إلى تزايد واضح في أعداد المركبات العاملة بالغاز المسال، بالتزامن مع ارتفاع معدلات الحوادث المرتبطة بهذا التحول.
وفي محافظة تعز، يقول مدير الدفاع المدني العقيد فؤاد المصباحي إن المحافظة سجلت أكثر من 22 حالة احتراق لمركبات تعمل بالغاز منذ منتصف عام 2024، ويُقدّر أن نحو 35% من وسائل النقل أصبحت تعمل بهذا النوع من الوقود.
إعلانأما في مدينة عدن، فيشير علي العقربي -أحد العاملين في محطة لتعبئة الغاز الطبيعي- إلى أن الإقبال على تحويل المركبات للعمل بالغاز شهد ارتفاعا كبيرا خلال العام الماضي، موضحا أن ما يقرب من 70% من هذا الإقبال يأتي من سائقي سيارات الأجرة داخل المدينة.
ويضيف العقربي -للجزيرة نت- أن المحطة التي يعمل بها تستقبل يوميا أكثر من 200 مركبة، وهو رقم آخذ في الارتفاع، مما يعكس توسعا لافتا في الظاهرة.
جذور الظاهرةوبدأت موجة تحويل المركبات للعمل بالغاز منذ عام 2014، عقب قرار حكومي برفع أسعار البنزين بنسبة 60%، بينما بقي سعر الغاز المنزلي ثابتا. ومع تزايد الإقبال مؤخرا، انتشرت ورش التحويل بشكل عشوائي، وغالبا من دون مراعاة لشروط السلامة.
وخلال الأشهر الماضية، سُجلت عشرات الحوادث المروعة في عدد من المحافظات، كانت آخرها في عدن منتصف الشهر الماضي، عندما انفجرت أسطوانة غاز داخل سيارة أجرة متوقفة، مما أدى إلى اشتعالها بالكامل خلال ثوانٍ.
وللحد من تفاقم هذه الحوادث، أصدرت الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة في عدن تعميما، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يقضي بمنع دخول أسطوانات الغاز الخاصة بالمركبات دون ترخيص مسبق من شركة الغاز، كما يُلزم الورش بالحصول على تصاريح رسمية لمزاولة النشاط.
ويحذر العقيد المصباحي من أن الخطر الحقيقي لا يكمن في المركبات المصممة أصلا للعمل بالغاز، بل في عمليات التحويل غير النظامية التي تتم داخل ورش تفتقر لأدنى معايير السلامة، حيث تُستخدم منظومات مستعملة أو منتهية الصلاحية، وغالبا لا تطابق المواصفات الفنية.
ويشير المصباحي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن بعض هذه المنظومات تتضمن أسطوانات أكسجين أو أنظمة هواء مضغوط مخصصة لتعبئة إطارات السيارات، مما يزيد من احتمالات الحوادث بشكل كبير.
خفض تكاليف التشغيلمع ذلك، يبقى الحافز الاقتصادي عاملا حاسما في انتشار هذه الظاهرة، إذ يُقدّر السائقون أن استخدام الغاز يوفر نحو 60% من تكاليف التشغيل. فأسطوانة الغاز (20 لترا) تُباع بنحو 8 آلاف ريال (نحو 15 دولارا)، مقارنة بـ34 ألف ريال (نحو 63.6 دولارا) للكمية نفسها من البنزين.
إعلانيقول محمد عارف للجزيرة نت: "كنت أقطع 500 كيلومتر من عدن إلى المكلا، وأستهلك في حدود 120 لترا من البنزين في الرحلة، بتكلفة تزيد على 200 ألف ريال يمني (نحو 373 دولارا)، وهذا غير مجدٍ إطلاقا".
أما بعد التحول إلى الغاز، فأصبح يدفع أقل من نصف هذه الكلفة في كل رحلة. ورغم اعترافه بأن أداء المركبة بالغاز أضعف، خصوصا في الطرق الجبلية، فإن انخفاض التكاليف يعوّض ضعف الأداء.
أخطار محتملةمن جانبه، يشرح المهندس عبد العزيز الرميش، المختص في تحويل المركبات، أن العملية تتضمن تركيب أنابيب وصمامات ومفتاح تبديل بين الوقودين، بالإضافة إلى خزان غاز يُثبت غالبا في مؤخرة المركبة، من دون الحاجة لتعديل المحرك نفسه.
ويضيف للجزيرة نت أن تكلفة التحويل تبلغ نحو 346 دولارا، وبعدها تصبح المركبة قادرة على العمل بنظام مزدوج، حيث يُخزن الغاز والبنزين في خزانين منفصلين.
لكن الخطورة، حسب المهندس حديد مثنى الماس المدير التنفيذي لهيئة المواصفات والمقاييس، تنبع من تنفيذ هذه التحويلات في ورش غير مرخصة، وبأسطوانات غير مخصصة للسيارات، تُركب بطريقة عشوائية تشكل تهديدا حقيقيا على الأرواح.
وأوضح للجزيرة نت أن بعض المركبات تُجهز بأسطوانات غاز منزلي أو مستوردة تُوضع خلف السائق أو فوق رأسه، مع تمديدات تمر تحت أقدام الركاب أو في الأسقف، مما يزيد من احتمالات الحوادث المميتة.
وأكد أن المواصفات اليمنية تشترط أن تكون المركبة مصممة من بلد المنشأ للعمل بالغاز، ولا تسمح بالتعديلات المحلية، مشيرا إلى أن هذا النوع من التحويل محظور أيضا في الدول المصنعة ودول الخليج، حيث تتحمل الشركة المنتجة وحدها مسؤولية سلامة المركبة.
وفي ظل غياب رقابة فعالة على الورش والأسطوانات، واستمرار أزمة الوقود، يجد كثير من سائقي الأجرة في اليمن أنفسهم أمام خيار لا بديل له.
إعلانوبين الضغوط الاقتصادية اليومية والمخاوف الأمنية الحاضرة، تبقى الحاجة ملحة لتدخل رسمي يوازن بين متطلبات المعيشة وأمن وسلامة المواطنين.