تتجه صناعة السينما في الوقت الحالي لاستخدام كل تقنيات التكنولوجيا المتاحة من المؤثرات البصرية بالكمبيوتر، بل وحتى الذكاء الاصطناعي، في وقت تتصاعد فيه اعتراضات البعض على هذا الاتجاه، منادين بضرورة الحفاظ على الأصالة المرتبطة بالمجهود البشري.

وقد بدا الخلاف واضحا خلال الإضراب الذي نفذته نقابة ممثلي الشاشة الأميركية لفناني التلفزيون والراديو، العام الماضي، والتي عارضت استخدام الذكاء الاصطناعي في الترفيه.

وفي الوقت الحالي، يُعرض بدور السينما فيلم يمثل صوت الفنانين المعارضين لاستبدالهم بالتكنولوجيا الحديثة تحت عنوان "كبش فداء" (The Fall Guy)، والذي سبق عرضه التجاري العرض خلال فعاليات مهرجان "ساوث باي ساوث ويست"، وأخرجه ديفيد ليتش، وهو من بطولة رايان غوسلينغ وإيميلي بلانت.

حيوي وذكي.. لكن يفتقد الترابط

بدأت مسيرة المخرج "ديفيد ليتش" كدوبلير، أي مؤدٍّ للمشاهد الخطرة بديلا عن الممثلين، على غرار مخرج أفلام "جون ويك" (John Wick) تشاد ستاهلسكي، وقد تعاونا بالفعل في أفلام السلسلة قبل أن ينفصلا.

وبعد الانفصال، قدم ليتش عدة أفلام أكشن متوسطة النجاح، آخرها "كبش فداء" الذي كرسه للاحتفاء بمهنته السابقة، ودورها في صناعة الأفلام السينمائية.

يتمتع بطل الفيلم الدوبلير كولت سيفرز (رايان غوسلينغ) بمسيرة مهنية ناجحة بالعمل مع أحد أشهر نجوم هوليود توم رايدر (آرون تايلور جونسون)، كما تجمعه علاقة عاطفية بزميلته في العمل المصورة جودي مونرو (إيميلي بلانت)، غير أن حياته تنهار عندما يسقط خلال تأديته أحد المشاهد الخطرة، فيصاب بشدة، ويقرر اعتزال العالم، بما يعنيه ذلك من الابتعاد عن مهنته وصديقته في آن واحد.

يخرج كولت من هذه العزلة الاختيارية لدى تلقيه مكالمة من المنتجه غايل (هانا وادينغهام)، تخبره أن جودي تخرج أول أفلامها، وأنها بحاجة ماسة إليه خلال التصوير في سيدني، وما إن يصل حتى يكتشف أن تلك خدعة منها، فجودي لا تعلم بهذا الطلب، بل تغضب لحضوره بعد طول غياب، ويكتشف أن غايل استدعته لتوريطه في البحث عن الممثل توم رايدر، الأمر الذي قد يوقف إنتاج الفيلم وينهي مسيرة مونرو كمخرجة قبل بدايتها.

يخوض البطل مغامرتين في آن واحد، تتمثل الأولى في البحث عن الممثل المختفي، والثانية استعادة صديقته التي في سبيلها يقوم بدور البطولة في الفيلم مع استخدام التكنولوجيا لاستبدال ملامح وجهه بملامح البطل الحقيقي، ويمزج مخرج الفيلم هنا بين الكوميديا والأكشن والرومانسية في توازن هو الأفضل في أعماله حتى الآن.

يقدم "كبش فداء" تتابع مشاهد ذكيا وحيويا، يستند إلى حد كبير إلى أداء البطل والبطلة الممتاز والإخراج والتصوير، لكن عند النظر للعمل ببعض التركيز نجد السيناريو فوضويا، ولا توجد دوافع قوية للحبكة، ويغيب المنطق عن أجزاء منها.

فعلى سبيل المثال، يبدو الفيلم من ناحية كما لو أنه يحمل خطابا نسويا، مقدما مخرجة امرأة ماهرة في عملها، لا تحصل على فرصة العمل بسهولة نتيجة لتحيز هوليود ضد النساء، وعلى الجانب الآخر يضع المنتجة غايل في قالب كاريكتيري للمرأة التي تستغل الخطاب النسوي لمصالحها الخاصة، فيبدو الفيلم مرتبكا حتى في قضية تعتبر مركزية بالسينما العالمية حاليا.

هوليود بين عصر النجوم والـ"سي جي آي"

رسخت هوليوود في بداياتها ما يطلق عليه "نظام النجوم"، وهي أفلام مدفوعة بنجومية أبطالها الذين يتابعهم المشاهدون من عمل إلى آخر، دون وضع النوع السينمائي أو القصة التي يدور حولها الفيلم والمخرج في الاعتبار، فالممثل هو الجاذب الأهم، لذلك قامت الأستوديوهات الكبرى بتكبيلهم بعقود تحتكر جهودهم لسنين مقبلة.

تم إجبار هوليود لاحقا على التخلي عن نظام النجوم، عندما رفضت الأجيال الجديدة من الممثلين العمل بالشروط ذاتها، وأصبحوا ينتقلون بحرية من أستوديو لآخر، وتصدر المشهد المخرج صاحب المشروع، أو النوع السينمائي نفسه مثل أفلام الأكشن في التسعينيات والأبطال الخارقين في العشرين عاما الأولى من القرن الواحد والعشرين.

يقدم "كبش فداء" قصة سقوط نظام النجوم، بالإضافة إلى سرديته المضادة للاستخدام المفرط للتكنولوجيا، فهو يبدأ بالتركيز على أهمية الممثل توم رايدر بسبب نجاحاته المتتالية، فتحول إلى شخص مغرور يغار حتى من الدوبلير الخاص به، ولا يهتم بهوية مخرج أفلامه، فوجهه كافٍ كضمانة للنجاح، فيعطي نتيجة لذلك الفرصة للمصورة جودي لتصبح مخرجة لأول مرة، لكن الأخيرة تقصيه عن فيلمه عندما تكتشف بالصدفة وجود عوامل أخرى أكثر أهمية، وتستطيع استبداله بسهولة بداية بكولت ثم بممثل آخر، فهي بقدراتها الإبداعية الضمانة الحقيقية لنجاح العمل.

ويركّز الفيلم في الوقت ذاته على مخاطر الاعتماد الكبير على المؤثرات البصرية والـ"سي جي آي" (صور منشأة بالحاسوب)، فهي الطريقة التي يستغل فيها رايدر التشابه الجسدي بينه وبين كولت، فيزوّر فيديو يظهر الأخير كما لو أنه يرتكب جريمة قتل، بينما تم تخصيص ربع الساعة الأخير من الفيلم لفريق الممثلين البدلاء في مشهد أكشن مصمم بدقة لتوضيح المخاطرات التي يقومون بها حتى تظهر المشاهد بهذا الشكل المثير.

ومن أشهر رواد هذا الاتجاه المُعادي لاستخدام المؤثرات البصرية المحوسبة الممثل توم كروز، الذي يقوم بالمشاهد الخطرة في أفلامه بنفسه وبصورة تقليدية.

وبعد التترات في الفيلم يظهر الممثل البديل أو دوبلير ريان غوسلينغ، الذي قام بدلا عنه بكل هذه المشاهد الخطرة، في تحية أخيرة لهذه المهنة التي باتت على وشك الاندثار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات کبش فداء

إقرأ أيضاً:

هبوط مؤقّت: حين يتكثف العالم في جسد ممثل واحد

هبوط مؤقّت: حين يتكثف #العالم في #جسد #ممثل_واحد

بقلم: د. مي خالد بكليزي

في تمام الساعة الثامنة وخمسٍ وعشرين دقيقة مساءً، وعلى خشبة مسرح الحسين الثقافي في قلب عمّان، كنا نحن الجمهور لا نزال نقف خارج القاعة. منعتنا التعليمات الصارمة التي ينفذها الشاب “إبراهيم” من الدخول، رغم توسلات البعض ومراوغاتهم، حتى بدا وكأن شيئًا جللًا ينتظرنا خلف ذلك الباب المغلق.

تساءلت، بشيء من الفضول: ما الذي يستحق كل هذا الالتزام والانضباط؟ وهل نحن مقبلون على عرض مسرحي استثنائي بالفعل؟

مقالات ذات صلة سمر الشهوان: المواطَنة الصّلبة والحداثة السائلة! 2025/07/27

دخلنا أخيرًا، نحن المتأخرون، تباعًا وبهدوء إلى القاعة ذات المقاعد الحمراء المخملية، التي يغلفها السواد من السقف إلى الخشبة. كان الانطباع الأول عن المكان يوحي بالفخامة، ولكن ما حدث بعد ذلك تجاوز حدود الفخامة إلى تجربة شعورية كاملة.

انطفأت الأضواء، سكن الصمت، وخرج فجأة من بين المقاعد فتى يرتدي السواد، كأنه خرج من عتمة الذاكرة أو من قاع الحكاية. صرخته الأولى لم تكن مجرد صوت؛ كانت إعلانًا عن بداية المونودراما.

“أين أنا؟ وأي مكان هذا؟”

كانت هذه الجملة مفتاح الدخول إلى عالم “ياسر”، البطل الذي سُمِّي على اسم عمه الشهيد، والذي يجسد وحده، بجسده وصوته وتعبيره، كل ما يمكن أن تقوله الشخصيات الأخرى دون أن تظهر.

في هذا العرض، لم يكن الممثل يتكلم بلسانه فقط. جسده كله كان ينطق:
تعابير وجهه، وقع خطواته على الأرض، تقطّع أنفاسه، وحتى ارتجاف يديه. كل تفصيلة جسدية كانت تؤدي وظيفتها التعبيرية في سرد حكاية طويلة ومكثفة عن الوطن، الأم، الأبناء، الاعتقال، الحلم، الانكسار، والاشتباك اليومي مع الاحتلال والذاكرة.

لقد تقمّص الممثل أدوارًا عدة، بلا تغيير ملابس أو استراحة أو أدوات.
كان مرةً الأم التي تُزوّج ابنها، ومرةً الأب الحنون، ومرةً الثائر، ثم الأسير، ثم السجين في مواجهة سجّانه، ثم الإنسان الذي ينهار ويقوم، يضعف ويشتد، يغني ويصرخ، ويقاوم.

إنه عرض يستحق أن يُقال عنه:
مونودراما مكتملة العناصر النفسية والبصرية والصوتية.
سحر الانتقال بين المونولوج الداخلي والحوار المتخيل، بين الصوت والسكوت، بين الحضور والغياب.

والأهم من كل ذلك:
ساعة كاملة، لم يهدأ فيها الممثل، ولم يتململ الجمهور. حتى الأطفال في القاعة ظلوا مشدودين تمامًا أمام المشاهد المتتابعة، التي تخللتها أغانٍ ثورية وإضاءة مركّزة ولغة جسدية عالية التوتر والانفعال.

في هذا العرض، لم يكن المسرح مجرد منصة، بل وطنٌ صغيرٌ تدور فيه الحياة كلها.
وكان الممثل الواحد شعبًا كاملًا من الأصوات والأدوار والنداءات.

المونودراما: اختبار القدرة والصمود

هذا العرض يذكّرنا بأن المونودراما ليست فقط اختبارًا لمرونة الممثل، بل اختبار لقدرة الجمهور على الإنصات، على التقمّص، وعلى الصمود ساعة كاملة أمام فيض من المشاعر المتلاحقة.

إنها تجربة تتجاوز الفرجة، لتصبح مشاركة وجدانية وجمالية في آن، تجعلنا نرى أنفسنا في كل صرخة، ونراجع قصصنا في كل مشهد.

مقالات مشابهة

  • ليام نيسون يقود عودة سلسلة أفلام The Naked Gun في سينمات مصر بداية من 30 يوليو
  • الجبهة الوطنية: الدول التي تسقط لا تنهض مجددا وتجربة مصر العمرانية هي الأنجح
  • كثرة النجوم.. نجم الأهلي السابق يكشف عن أزمة ستضرب القلعة الحمراء
  • عرض أفلام تسجيلية وندوة ثقافية بنادي سينما أوبرا دمنهور ضمن فعاليات «تراثك ميراثك»
  • شوبير يطالب بدعم النجوم الرياضيين القدامى وتوفير الرعاية لهم
  • البنك الوطني العُماني يقدم حلول دفع متكاملة لأصحاب الأعمال التجارية
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • العامة للمرافق: المزايدة على دور مصر تجاه فلسطين تفتقد للشرف
  • هبوط مؤقّت: حين يتكثف العالم في جسد ممثل واحد
  • تعلن سوسن حميد الجلهم عن فقدان ترخيص مزاولة مهنة قبالة