سواليف:
2025-10-16@08:55:15 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 13th, June 2024 GMT

#تأملات_قرآنية د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 51 من سورة غافر: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”.
صيغة التوكيد التي بدأ بها الله تعالى هذه الآية جاءت لطمأنة رسل الله ومن اتبعوهم أن الله معهم، وأنه لن يدع لمعادي منهج الله من سبيل للنيل منهم: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء:141]، وهذا وعد من الله وهو لا يخلف وعده إذ أن كل شيء بأمره ولا يمكن لأية قوة أن تحول دون تنفيذ ما أراده، لذلك ما على رسول الله إلا الصبر بانتظار تنفيذ مشيئة الله التي ستتحق حتما، لكن وفق أقدار قدرها في سابق علمه: “فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ” [غافر:55].


هذه قاعدة عامة لجميع الرسل ومن آمن لهم، لكن مجيء الخطاب لرسول الله (فاصبر) تفيد التخصيص، لذلك نفهم أن نصرة الله لرسله والمؤمنين سنة كونية شاملة، بيّنها الله في هذه الآية، ثم خصها لرسوله الكريم وللمؤمنين الذين اتبعوه، فما عليه وعليهم إلا الصبر.
قد يقول قائل: ألم يتعرض رسل الله جميعهم للأذى ومنهم من قتل .. فأين نصرة الله لهم، ولماذا لم يحمهم من الأذى والقتل؟.
نصرة الله للمؤمنين لا تكون فقط بحمايتهم الجسدية، بل بوسائل عديدة منها جعلهم الأعلى مكانة والأحسن ذكرا، وباعطائهم الحجة على مجادليهم، وبمنحهم السكينة والطمأنينة مقابل الضنك والضيق الذي يلم بمعاديهم، وبراحة نفوسهم أنهم على الحق وأن مصيرهم الجنة.
وأما النصرة الأعظم فهي يوم الحساب، حين يحاول المكذبون التهرب من سوء المصير بإنكار أنهم بُلّغوا، من قبل الرسل والأنبياء والعلماء، ولأن الله يعلم حقيقة الأمر، فهو ينجد رسله بدعمهم بشهادة الأشهاد الصادقين، وهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده أمته التي اتبعته، وشهادتهم ليست عن معاينة وحضور لدعوات أولئك الرسل لأقوامهم بل لأن الله أعلمهم بخبرهم في القرآن، ولأن كلام الله هو الصدق بعينه، فما علموه منه هو كأنهم شاهدوه وحضروه، لذلك يقبل الله شهادتهم، فينجي الصادقين ويسقط ادعاء الكاذبين.
إن الله حينما أراد الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص، وضع فيها كل المتضادات المتناقضة، من قوة وضعف، وغنى وفقر، ومرض وصحة، وألم وراحة ..الخ، ولعدالته وانصافه لكل البشر، جعل لحصول أحد النقيضين استحقاقات لإنفاذ أمر الله في منحها للبشر، ونظمها بشكل قوانين وقواعد (سنن كونية) لا يمكن تبديلها أو تعديلها، وصارمة تحكم كل البشر، فلا تحابي أحدا، وحتى لو كان المرء ممن أحبهم الله وأخلصهم واصطفاهم بالنبوة والرسالة.
لكنه تعالى ميّز بين من أطاعه ومن عصاه، فأعطى المؤمن فضيلة الصبر والجلد، فيتحمل الصعوبة والمشقة لأنه يعلم أنه من بعد عسر سينال يسرا، وفوق ذلك ينال حسنات تورثه حسن الجزاء.
بالمقابل أبقى للكافر والمكذب خصلة الجزع والهلع ان أصابه عسر وشده، فتضيق نفسه وتنكد معيشته، لأنه يعلم أنه لا فائدة من صبره إن صبر، ولا ينال نتيجة على جزعه ان تشكّى واغتم باله.
هنا يظهر الفارق بين المؤمن والكافر، وكم أن المؤمن رابح في حالتي السراء والضراء، تسعده النعمة ويفرحه نصر الله، ولو عانى كثيرا لأجل الحصول عليها، ولا تضيق نفسه بما أصابه بل تنشرح وتتحمل الى أن تنجلي الغمة، لأنه موعود من الله بزوالها في الدنيا، وبتغير الحال الى ما يفرحه، وببقاء سعادته ديمومة أبدية في الآخرة.
هكذا نفهم أن من قُتل مجاهدا في سبيل الله أو ظلما وعدوانا، لم يكن الموت عقوبة له، فهو سيناله عاجلا أو آجلا، بوسيلة أو بأخرى، وأن من قتله ليس منتصرا، فلا يفرح لأنه ومن قتله سيقفان وجها لوجه أمام قاضي السموات والأرض، وسينتصف للمظلوم من الظالم، وللمجاهد من المجرم، وعندما يرى المؤمن ما أعده الله من جزاء أبدي سيقول ما نالني في حياتي شقاء أبدا، وأما الكافر فسينال منه الجزع الأكبر ويقول ما نالني في حياتي من سعادة قط.
كل إنسان يرى الأيام تمر مسرعة، ولا يدوم حال على حاله، والعاقل هو من لا يغتر بنعيم زائل، ولا يقنطه شقاء عابر، لذا فالعاقبة للمتقين الذين يوقنون بنصر الله لهم في الدنيا والآخرة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية

إقرأ أيضاً:

كيفية سجود الشكر لله تعالى وما حكمه؟

سجود الشكر.. أوجب الله تعالى على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقَرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم حيث قال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].

سجود الشكر لله تعالى:

 ووعد الله تعالى بنجاة الشاكرين من المؤمنين وجزائهم خير الجزاء حيث قال: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147]، وقال تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 145]، وقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].

مشروعية سجدة الشكر:

وشرعت سجدة الشكر لوجوب شكر نعمة الله تعالى على عباده عند حدوث نعمةٍ أو دفعِ بليةٍ، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أنَّه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء الشيء يُسَرُّ به خَرَّ ساجدًا شُكْرًا لله تعالى» رواه أبو داود، والترمذي -واللفظ له-، وابن ماجه في "سننهم".

كيفية سجود الشكر :

وسجود الشكر يصلى سجدة واحدة يؤديها المسلم عند حصول نعمةٍ له ونزولها به، أو بأحد المسلمين، أو عند اندفاع نقمةٍ وانكشافها عنه أو عن غيره من المسلمين؛ حمدًا لله تعالى وشكرًا وثناء وتَعبُّدًا، وهي مشروعة من حيث كونها قُرْبةً.


سجود الشكر 
وروى الإمام أحمد في "المسند" بسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوجَّه نحو صدقته، فدخل فاستقبل القبلة، فخرَّ ساجدًا فأطال السجود، حتى ظننت أن الله عز وجل قد قَبض نفسَه فيها، فدنوتُ منه فجلستُ، فرفع رأسه، فقال: «من هَذا؟»، قلت: عبد الرحمن، قال: «ما شأنك؟»، قلت: يا رسول الله، 
سجدتَ سجدةً خشيتُ أن يكون الله عز وجل قد قَبض نفسك فيها، فقال: «إنَّ جبريل عليه السلام أتاني فبشرني فقال: إن الله عز وجل يقول: مَن صَلَّى عليك صليتُ عليه، ومَن سَلَّم عليك سلمتُ عليه، فسجدت لله عزَّ وجل شكرًا».

وروى أبو داود بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من عَرْوَزا -بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الواو، هضبة الجحفة عليها الطريق بين مكة والمدينة- نزل فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلًا، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه قال: «إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجدًا لربي».

حكم سجود الشكر والفرق بينه وبين صلاة الشكر

ذهب الشافعية والحنابلة ومحمد وأبو يوسف من الحنفية -وعلى قولهما الفتوى في مذهب الحنفية- إلى أَنَّ سجدة الشكر من السُّنَن المستحبة، على خلافٍ بينهم وبين المالكية القائلين بالكراهة -في المشهور عندهم. ينظر: "رد المحتار" لابن عابدين (2/ 119، ط. دار الفكر)، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 308، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 447، و"الإنصاف" للمرداوي (2/ 200، ط. دار إحياء التراث العربي).

وسبب الخلاف بينهم نظرتهم لسجدة الشكر هل هي عبادة مقصودة أم لا؟ فمَن ذهب إلى قَصْديتها وكونها قُرْبة قال بسُنِّيَّتها، ومن نَظَر إلى عدم قَصْديتها وعدم كونها قُرْبة نَفَى السُّنِّيَّة، أو نَفَى المشروعية مطلقًا. وأيًّا يكن الخلاف: فإنَّ سجدة الشكر لا تخرج عن كونها مشروعةً، فالكراهة -عند مَن قال بها- وإن كان فيها اللومُ على الفعل والحَثُّ على عدم الإقدام عليه، إلَّا أنَّ الأصوليين نَصُّوا على أنَّها لا تخرج عن دائرة المشروعية، بمعنى عدم تَرتُّب الإثم الأخروي، والمعنى مِن ذلك أنَّ المسلم لا يَلْحقه الإثم في فِعْلها.

وزاد ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (2/ 217، ط. المكتبة التجارية) على هذا المعنى أنَّه: [لو ضَمَّ للسجود صدقةً أو صلاةً كان أولى، أو أقامهما مقامه فحَسَنٌ] اهـ.

قال الشِّرْواني مُحَشِّيًا: [قد يوهم أنَّه ينوي بالصلاة الشكر، لكن في "ع ش" -حاشية الإمام الشبراملسي على نهاية المحتاج- خلافه، عبارته قوله: "أو صلاة"، أي: بنية التطوع، لا بنية الشكر؛ أخذًا مما ذَكَره في الاستسقاء من أنَّه ليس لنا صلاة سببها الشكر] اهـ.

مقالات مشابهة

  • في ذمة الله
  • أهمية كلمة الله في حياة المؤمن.. البابا تواضروس يحلل المزمور التاسع عشر في عظة الأربعاء
  • علي جمعة: أثنى الله تعالى على النبي ﷺ ومدح ما يتعلق به
  • حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
  • أذكار الصباح اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025
  • هل يجوز قول: «اللهم كما جعلت سورة الرحمن عروس القرآن عجّل بزواجي»؟
  • هل الكلام على الآخرين ينقض الوضوء؟.. الإفتاء ترد
  • كيفية سجود الشكر لله تعالى وما حكمه؟
  • علي جمعة يكشف عن أثر العفو فى الدنيا والآخرة
  • تعرف على فيديو.. الدنيا عقد مؤقت والمالك هو الله