يأتي القطاع الصحي في قائمة القطاعات التي تأثرّت بشكل مباشر جرّاء الأزمة المالية والاقتصادية، وبفعل انهيار الليرة عجزت كل الصناديق الضامنة عن تأمين الرعاية الصحّية الكافية، وتراجعت التغطية الفعلية التي تؤمّنها هذه الصناديق لتصبح شبه معدومة خلال سنوات الأزمة، قبل أن تُعّدل التعريفات مؤخرًا، وترفع الجهات الضامنة نسبة التغطيّة الإستشفائيّة بشكل تدريجي، ولكنّها لم تصل إلى النسبة نفسها قبل الأزمة، باستثناء تعاونية موظفي الدولة، التي رفعت تغطية الاستشفاء إلى سابق عهدها في معظم المستشفيات.


أكثر من 50% بلا تغطية صحيّة
تكمن الأزمة في عدم قدرة المنتسبين إلى الصناديق الضامنة، على تسديد فروقات الفاتورة الإستشفائية، التي تترتّب عليهم. والمعضلة الأكبر هي لدى الفئات غير المشمولة في أيّ من الجهات الضامنة، وغير القادرة على الاستفادة من خدمات شركات التأمين بفعل أسعارها المكلفة جدًا، إذ يتراوح معدّل سعر البوليصة 1200 دولار أي ما يقارب 120 مليون ليرة، وهو مبلغ كبير نسبةً إلى معدّل دخل الفرد. وفق احصاءات المركز اللبناني للدراسات LCPS، أكثر من نصف سكان لبنان لا يستفيد حاليًا من أيِّ شكلٍ من أشكال تغطية الرعاية الصحّية، ما يزيد من الإنفاق الشخصي على الصحّة إلى ما يفوق نسبة الـ85% من إجمالي دخل الأسرة. أرقام مشابهة وردت في دراسة للجامعة الأميركية، أنجزتها حول اقتراح القانون الرامي إلى إنشاء "نظام الرعاية الصحية الأولية الشاملة الإلزامية" وأشارت الدراسة إلى أنّ 51% من الشعب اللبناني خارج أيّ تغطيّة صحية، كما أنّه قبل الأزمة بلغ إنفاق الأسر على الصحة 33% من إنفاقها الشخصي، أي أعلى من الحدّ المعياري الذي تبلغ نسبته 15% وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. بالموازاة، كشف تقييم سريع أجرته اليونيسف في شهر تشرين الثاني 2023 انخفاض الإنفاق على العلاج الصحي لدى 8 من كلّ 10 أسر "حيث يعجز أكثر من 81%  من اللبنانيين عن تأمين الانفاق الصحي، بعدما كانت النسبة لا تتعدى 75% في أيار العام 2023".  
رفع موازنة وزارة الصحة ولكن
وفق أرقام الإحصاء المركزي، تغطي الجهات الضامنة ما نسبته 55.6% من المقيمين في لبنان، يشكّل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (NSSF) المصدر الرئيسي للتغطية الصحية حيث يغطي 45.5% ، تليه صناديق المؤسّسات العسكرية تغطي 20.1%، و11.5% تحت تغطية مؤسسات الأمم المتحدة، فيما 5.9% على عاتق تعاونية موظفي الدولة، و15.3% كانوا يحصلون على خدماتهم الصحية من شركات التأمين الخاصّة، قبل الأزمة. أما الذين كانوا لا يتمتعون بتغطية صحيّة، فكانت وزارة الصحّة العامة تتكفّل بتمويل استشفائهم، لكن الانهيار المالي ضرب خدمات وزارة الصحة، حيث تراجع التمويل المخصص للوزارة بنسبة 90%، كما أكدّ وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض، إلى أن رفعت موازنة 2024 من حجم موازنة وزارة الصحّة الإستشفائية الى 22 ألف مليار ليرة، علماً أن موازنة الوزارة سابقاً كانت 350 مليون دولار، انخفضت بظل الأزمة المالية الى 20 مليون دولار. ورغم الزيادات لا زال التمويل الحالي المخصص لوزارة الصحة العامة يشكّل نسبة 50% من التمويل الذي كان مؤمنا قبل الأزمة، ولا زالت الوزارة عاجزة عن تأمن التغطيةالاستشفائيّة للمرضى غير المشمولين بالجهات الضامنة الأخرى.

التغطية الصحية الموعودة
في المجلس النيابي اقتراح قانون حول التغطية الصحية الشاملة، مقدم من "اللقاء الديمقراطي"، تمّ تحويله إلى اللجان النيابية المشتركة، وشكّلت لجنة لدراسته برئاسة رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور بلال عبد الله. تتمثّل فيها معظم الكتل النيابية. تعمل اللجنة على إعداد الصياغة الأخيرة للاقتراح قبل تحويله إلى الهيئة العامة. يشارك في اجتماعاتها النائب غسان حاصباني،الذي تابع مع اللجان النيابية اقتراح قانون البطاقة الصحيّة عندما كان وزيرًا للصحة.
أين أصبح الاقتراح؟
النظام الصحي الموعود بعنوان "التغطية الصحية الشاملة" موجّه بالدرجة الأولى إلى الفئة غير المدرجة  في أيّ تغطية صحيّة من قبل الصناديق والجهات الضامنة، وفق النائب عبدالله، أي أنّه يستهدف ما يقارب نصف الشعب اللبناني، كما أنّه يؤمّن الرعاية الصحية الأوليّة للجميع. قبل حوالي أسبوعين، أنجزت اللجنة المكلّفة دراسة المواد المتعلّقة بمهام النظام والصيغة الادارية، ويتركز النقاش حاليًّا على آلية عمل اللجنة، وصلاحياتها، واستقلاليتها المالية والإدارية، كي لا تكون هناك ازدواجية في الصلاحيات.
عقبة التمويل
مصادر التمويل ستكون مدار نقاش في الأسابيع المقبلة، ولأنّ التمويل من قبل الدولة لن يكون كافيًا لاستمرارية النظام، ستحاول اللجنة البحث عن مصادر تمويل إضافيّة. النظام بصيغته المقدّمة، يقترح تمويل التغطية الصحية من مصادر عدّة، منها الضريبة على الثروة التي تفرض على الأشخاص والشركات المقيمة في لبنان، وتراوح نسبتها من 0.25% حتى 1%، وفقًا لحجم الثروة. رسم على عقود التأمين الإلزامية لمصلحة نظام الرعاية الصحية الشاملة. إضافة رسم على منتجات التبغ والتنباك ومشروبات الطاقة والمشروبات الروحية ومستحضرات التجميل، فرض رسم نسبته 5% على أرباح مؤسسات تحويل الأموال، ورسم نسبته 1% من قيمة كل صفقة من صفقات اللوازم والأشغال والخدمات المبرمة ما بين الدولة وأيّ شخص آخر، لمصلحة تأمين نظام التغطية الصحية الشاملة.  
يشكّل القانون إذا ما سلك طريقه نحو الإقرار ثم التنفيذ، خطوة أولى على طريق توفير الأمن الصحي، لكنّه سيبقى تشريعًا منقوصًا، في حال لم يُستببع بمشروع صحي متكامل، يؤسّس نظاما صحيًا موحّدًا، ويمنح كلّ فئات الشعب اللبناني خدمات صحيّة موحّدة.






المصدر: لبنان 24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: التغطیة الصحیة الصحیة الشاملة الشعب اللبنانی وزارة الصح قبل الأزمة

إقرأ أيضاً:

وزير الصحة يبحث مع نظيره الموريتاني سبل تعزيز التعاون في القطاع الصحي

عقد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، اجتماعًا، مع الدكتور عبدالله وديه، وزير صحة دولة موريتانيا، والوفد المرافق له، لبحث سبل تعزيز التعاون في القطاع الصحي بين البلدين.

وزير الصحة : ملتزمون بتوفير بيئة محفزة للاستثمار الطبيوزير الصحة يفتتح النسخة الرابعة من المؤتمر والمعرض الطبي الإفريقيوزير الصحة يُكرم وكيل "صحة الغربية" وعددًا من قيادات المبادرات الرئاسية لتميزهم في حملة "من بدري أمان"وزير الصحة: مصر حريصة على ترسيخ شراكات أفريقية مستدامة في المجال الطبي

وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن الوزير استهل الاجتماع بالترحيب بالدكتور عبدالله وديه والوفد المرافق له، مؤكدًا قوة ومتانة العلاقات بين البلدين، القائمة على الأخوّة والتعاون المشترك، والرغبة الصادقة في تعزيز الشراكة في القطاع الصحي بما يخدم مصالح الشعبين.

التعاون في مجال التصنيع الدوائي وتوطين الصناعات

وقال «عبدالغفار» إن الاجتماع بحث إمكانية التعاون في مجال التصنيع الدوائي وتوطين الصناعات الدوائية، والشراكة في مجال تسجيل الأدوية وفق المعايير الرقابية، إلى جانب التنسيق في مجال السياحة العلاجية بين البلدين، ووجه الوزير بتقديم التيسيرات اللازمة لتسهيل الإجراءات اللوجستية والإدارية المرتبطة بذلك،  كما ناقش الجانبان إمكانية إبرام اتفاقيات تعاون جديدة في المجال الصحي بما يحقق المصالح المشتركة، إلى جانب مراجعة الاتفاقيات السابقة وتحديثها بما يتماشى مع المتغيرات والاحتياجات الراهنة.

وأضاف «عبدالغفار» أن الاجتماع تناول مناقشة تعزيز التعاون في مجالات الطب الوقائي ومكافحة الأمراض المتوطنة، مثل مكافحة مرض الملاريا، إلى جانب مناقشة تعزيز التعاون في مجال التحول الرقمي الصحي، كما تطرق الاجتماع إلى مناقشة ضرورة عقد اتفاقية تعاون ثنائية بين هيئة الشراء الموحد، والجانب الموريتاني خاصة بتوفير الأدوية واللقاحات، وتيسير عملية التسجيل.

وخلال الاجتماع دعا الدكتور خالد عبدالغفار، الوزير الموريتاني، لزيارة مستشفى 57357، للاطلاع على إمكاناتها وبحث فرص التعاون في مجالات التدريب وتبادل الخبرات والبروتوكولات العلاجية، إلى جانب تنظيم زيارة للجانب الموريتاني لعدد من شركات الأدوية المصرية، بهدف بحث آفاق التعاون بين الجانبين، وإمكانية توسيع مجالات الشراكة في عدة مجالات على رأسها التصنيع المشترك، ونقل التكنوجيا الهندسية، بالإضافة إلى تدريب الكوادر وتبادل الخبرات.

من جانبه، أعرب الدكتور عبدالله وديه، وزير الصحة الموريتاني، عن شكره وتقديره لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مشيدًا بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين مصر وموريتانيا، وأكد تطلعه إلى تعزيز أوجه التعاون بين البلدين، لا سيّما في القطاع الصحي، مشيرًا إلى أهمية الشراكة مع مصر للاطلاع على تجاربها الرائدة، خاصة في مجالات مكافحة الملاريا وفيروس (بي وسي)، وبرنامج التأمين الصحي، كما أثنى على مستوى الخدمات المقدمة في المستشفيات المصرية، معربًا عن اهتمامه بتعزيز التعاون في عدة مجالات، يأتي في مقدمتها المستلزمات الطبية، وصناعة الأدوية واللقاحات.

حضر الاجتماع الدكتور بيتر وجيه، مساعد الوزير لشؤون الطب العلاجي، والدكتور حاتم عامر، معاون الوزير للعلاقات الدولية ، والدكتور محمد جاد، مستشار الوزير للعلاقات الصحية الخارجية، والدكتورة سوزان الزناتي، مدير الإدارة العامة للعلاقات الدولية والاتفاقيات، والدكتور حسين أحمد، عضو الإدارة العامة للعلاقات الصحية، ومن الجانب الموريتاني السفير الحسين ودية، سفير دولة موريتانيا لدى مصر، والشيخ باي امخيطرات، المستشار الرئيسي، والدكتور محمد محمود الذهبي، مدير عام الصندوق الوطني للتأمين الصحي، الدكتور حماه الله الشيخ، مدير عام المركزية  الوطنية لشراء الأدوية والتجهيزات الطبية، والدكتور أحمد مكي، مدير في الصندوق الوطني للضمان الصحي، السيد أعمر، رجل أعمال في مجال الأدوية، الشيخ العافية، رجل أعمال في مجال الأدوية.

طباعة شارك رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة وزير الصحة والسكان موريتانيا القطاع الصحي

مقالات مشابهة

  • الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي
  • الصحة: نستهدف تغطية 68 مليون مواطن بالتأمين الصحي خلال الفترة المقبلة
  • هيئة التأمين الصحي الشامل تطلق جلسة لرقمنة التغطية الصحية بالذكاء الاصطناعي
  • صحة غزة تتحدث بشأن آخر مستجدات الوضع الصحي في القطاع
  • إيمان الطريقي: وثيقة الضمان الصحي الإلزامية توفر تغطية للعلاج النفسي وحالات الإدمان
  • تحسين الخدمات الصحية وتوسيع التخصصات الطبية في البحر الأحمر..اجتماع دوري لمتابعة أداء التأمين الصحي وتطوير المنظومة
  • وزير الصحة يبحث مع نظيره الموريتاني سبل تعزيز التعاون في القطاع الصحي
  • المجلس الصحي: 3 طرق للوقاية من التخثر الوريدي أثناء الحمل
  • سويري: جلسة مجلس الأمن القادمة لن تغيّر شيئًا
  • الصحة: جاهزية تامة للمنظومة الصحية وفق خطط استجابة مدروسة