عيد الاضحى وامتحان الارادة /د.نبيل الكوفحي
تاريخ النشر: 17th, June 2024 GMT
عيد الاضحى وامتحان الارادة
د نبيل الكوفحي
…
كل عام يمر علينا عيد الاضحى المبارك مرور الكرام دون أن نتوقف عميقا على دلالات هذا العيد، والذي ارتبط بتوقيته بركن من اركان الاسلام وهو الحج.
فاذا كان عيد الفطر قد ارتبط بصيام رمضان وهو من اركان الاسلام، وحق للمسلمين الصائمين ان يفرحوا بتمام صيام شهر رمضان، فكيف لنا ان نحتفل بعيد يرتبط بمناسبة الحج ، وقلة منا يكونون في الحج ربما لا يصلوا الى اثنين بالالف من تعداد المسلمين!.
ان ارتباط عيد الاضحى بالحج هو ارتباط مكان وزمان، وهو ارتباط لامتحان كبير، بل وكبير جدا تعرض له سيدنا ابراهيم عليه السلام. ان معظم شعائر الحج ترتبط بقصة سيدنا ابراهيم عليه السلام؛ فاولها المكان مكة، حيث أمر عليه السلام بالهجرة لمكة وبناء البيت، قال تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة )، وقال ايضا (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وقصة سعي ام اسماعيل هاجر عليه السلام وتفجر ماء زمزم ، وقصة رمي ابليس بالجمرات ومحاولته تخذيل النبي إبراهيم عن انفاذ امر الله ثلاث مرات ورميه بالحصى في منى. ومنها الاضحية التي سمي العيد باسمها.
اول امتحان وبلاء تعرض له سيدنا ابراهيم واسماعيل عليهما السلام ما جاء في القران الكريم (( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ). نعم رؤيا ان تذبح ولدك فلا تردد، وانصياع تام من الولد لامر الوالد بلا خوف ولا وجل، هذا هو الامتحان الكبير للارادة والذي نجح فيه كلاهما الوالد والولد عليهما السلام، وكانت سنة الاضحية شعيرة للمسلمين الى يوم الدين.
ان العدوان الاخير على غزة يؤكد على ان المعركة في غزة هي معركة ارادة، فاما ارادة العدو ومعه معظم اهل الظلم والعدوان غالبة ، واما ان المجاهدين على ضعف عتادهم وقلة نصيرهم وضخامة جراحهم وماساتهم هي الغالبة. وما هذا الصبر لتسعة من الشهور الا انه يوكد هذا المعنى.
في ظلال هذا العيد المبارك، كم نحن بحاجة ان نثبت ان ارادتنا مرهونة لامر الله، لا تبنى على هوى نفس او وسوسة شيطان او قرار لعدو لله. هذه الارادة هي اساس النجاح والتفوق والنصر، هذه الارادة هي التي جعلت اقواما ودولا في الاعالي، وفي غيابها جعلتهم في الحضيض. يقول تعالى موجها لنبيه (… فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين).
مقالات ذات صلةالمصدر: سواليف
كلمات دلالية: علیه السلام عید الاضحى
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة الأزهر: مشهد الوقوف بعرفات في القرآن صورة رمزية للحشر
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن القرآن الكريم عبّر عن الركن الأعظم في الحج، وهو الوقوف بعرفات، ببلاغة مدهشة واختزال معجز فى قوله تعالى: "فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام"، مشيرًا إلى أن هذه الآية الكريمة لم تذكر مشهد الصعود إلى عرفات، ولا الذكر والدعاء هناك، رغم عظمته، لكنها ركّزت فقط على لحظة الإفاضة، وهي الرجوع، لأن هذه الكلمة الواحدة تختزن كل المشهد، وتمثل ذروة التعبير البياني في كتاب الله.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر الشريف، خلال تصريح تليفزيوني، أن كلمة "أفضتم" لا تعني مجرد الانصراف، بل تعكس حركة جماعية تشبه الفيضان، وهو تصوير دقيق ومُعبر عن مشهد الحجيج وهم ينحدرون من عرفات على اختلاف منازلهم وطرقاتهم، في مشهد يذكّرنا بيوم الحشر حين يُبعث الناس من قبورهم، وهذا من أبلغ صور التذكير بالآخرة في رحلة الحج.
وأضاف أن ترك الذكر والدعاء في عرفات دون ذكر في النص القرآني كان مقصودًا، لأن الناس لا يغفلون عنه هناك، بينما يحتاجون للتذكير بالذكر في المشعر الحرام حيث يغلب عليهم التعب وقد تفتر الهمم، فجاء الأمر الإلهي ليحفز القلوب حتى في لحظات الفتور.
وأشار إلى أن لباس الإحرام نفسه يحمل رمزية عظيمة، فهو تذكير للمؤمن بتجرده من الدنيا كما ولد أول مرة، وأنه سيُكفّن كذلك في ثوبين أبيضين، تمامًا كما وقف بين يدي الله في هذه الرحلة، مجردًا من كل شيء سوى قلبه وأعماله.
وتابع: "الحج ليس مجرد طواف وسعي ووقوف، بل هو رحلة إلى الله، يتذكر فيها الإنسان المبتدأ والمنتهى، فيتجدد الإيمان وتلين القلوب وتسمو الأرواح، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»، فهو لحظة تجردٍ تام بين يدي الله، تذيب الفوارق وتستنهض الوجدان نحو الآخرة، فيرجع الحاج كيوم ولدته أمه".