ميسان.. أرض التاريخ وعسل الجبال
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
البلاد ــ الطائف
تحمل مقاري النحل في محافظة ميسان جنوب الطائف؛ الواقعة على سلسلة جبال السروات مشاهد أثرية جاذبة لأهم التشكيلات الهندسية البيئية الرائعة، التي تضم قرابة 1200 خلية نحل كانت مصدرًا رئيسًا للآباء والأجداد في قوت يومهم.
وأضحت مناحل العسل في محافظة ميسان مصدرًا أوليًا لإنتاج وبيع العسل السعودي المتجذر بعمق في الثقافة والتجارة في المملكة؛ حيث ضربت هذه المقاري في جذور التاريخ القديم و تدل على أن اهتمام المجتمع في ميسان بالعسل قديم جدًا.
وأكد المهتم في التاريخ عبدالوهاب الخديدي أن مقاري النحل (مقرى الخرفي) يقع بين السراة وتهامة والتي يذكر أن لها أكثر من 1000 عام على بنائها، وهي عبارة عن بناء هندسي جميل بمواصفات تصميم رائعة جدًا لإنتاج العسل، رصفت بالحجارة بطريقة هندسية جميلة، وعلى مستويات تصل إلى 4 أدوار، وفي موقع يصعب الوصول إليه إلا من خلال مكان مخصص ولشخص خبير، يمكنه الدخول إلى هذا المكان العجي؛ حيث جهز مقرى العسل بالحجارة الصلبة وأعمدة لإسناد الأدوار من الحجارة الضخمة وبشكل متوازن وأشكال قريبة من بعضها بعضًا.
وأشار إلى أن مقاري النحل الأثرية في قرى ميسان، بني الحارث، مصممة بطريقة هندسية متقنة، وعلى مستويات وطوابق متعددة؛ بين الجبال الصماء شديدة الانحدار؛ إذ تعود هذه المقاري إلى قرابة 10 أجيال، وهي أحد الشواهد على عراقة المكان وتاريخه المتأصل، حيث الجبال المشهورة التي تعد مصيفًا لزوار وأهالي المحافظة وإرثًا تاريخيًا تدونه أشعارهم، فضلًا عن ما تحيط هذه المقاري من حصون وقلاع شامخة شاهدة على أهمية تاريخ المقاري بالجبل وما قدمه الآباء والأجداد من مهنة نادرة في ذلك الوقت في تربية النحل واستخراج عسله الذي يتمتع بأنواع عدة من السمرة والسدرة والصيف؛ والسيالة وغيره من أجود أنواع العسل؛ مبينًا أن هذه المقاري اختار الأولين موقعها بعناية بين صدور الجبال لما تحمله هذه المواقع من تنوع جلي في النباتات العطرية المحلية والتي تزيد عن أكثر من ٥٠ نوعًا عطريًا من بينها الشذاب والرياحين والدوش والحبق والضرم، وأنواع أخرى من الزهور البرية النادرة.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
انتهى زمن الحرب الخاطفة.. أخبروا من لم يقرأ التاريخ
في كل مرة تُشعل فيها إسرائيل فتيل حرب في المنطقة تغرق في وهم استراتيجي قديم يعتقد أن الحروب الخاطفة لا تزال قادرة على إعادة تشكيل المعادلات الجيوسياسية. لكنّ الأيام الثلاثة الماضية أثبتت لإسرائيل، وللعالم، أن هذا التصور لم يعد له مكان في زمن التوازنات الدقيقة والردع المتبادل. اعتقد المخططون في تل أبيب أن الضربة العدوانية التي وجهت إلى إيران صباح الجمعة الماضية كانت ضربة حاسمة لن تستطيع إيران استيعابها سريعا، لكنّ الأمر تحول إلى ما يمكن أن يكون شرارة في طريقها لإشعال المنطقة برمتها وإدخال أطراف جديدة في الحرب في منطقة كانت على الدوام تعيش فوق برميل بارود يحاول الجميع إشعال فتيله في أي وقت.
وليست مغامرة إسرائيل معزولة عن السياق.. لقد سقطت من قبل رهانات عسكرية مماثلة في بيروت وغزة وبغداد وكابول. كان على إسرائيل أن تتعلم من تجاربها وتجارب التاريخ أن العدوان على دول ذات عمق حضاري واستراتيجي لا يولّد الخضوع، بل يستنفر كل أدوات الرد. في المقابل فإن الرد الإيراني الذي ما زال مستمرا يؤكد أن كلفة الحرب باتت خارج نطاق السيطرة ليس على إيران وحدها، بل حتى على من بدأ هذه الحرب أو يراهن عليها، ويبدو هذا الأمر واضحا للجميع، بما في ذلك حلفاء إسرائيل من دول الاتحاد الأوروبي.
وفي ظل هذا الانسداد العسكري والسياسي، لا تعود القوة إلى مَن يملك القذائف، بل إلى من يمتلك أدوات احتواء النار قبل أن تتحول إلى حريق إقليمي شامل.. وفي خضم هذا المشهد المتسع، ومع تفاقم أثمانه الجسيمة، تتمسك سلطنة عُمان بدورها كوسيط عقلاني، يرفض منطق الفراغ بين الانفجار والانكسار، تعمل على إعادة ترميم المساحات الرمادية بالدبلوماسية الأخلاقية، وتفتح النوافذ حين تُغلق الأبواب. ورغم أن بداية الحروب تميل عادة إلى استبعاد المنطق، تظل عُمان مؤمنة بأن الإنصات لا يزال ممكنا، وأن اللغة الهادئة لا تفقد تأثيرها إذا صيغت من موقع الأخلاق والمسؤولية.
تقود مسقط جهودا دبلوماسية نشطة لا تنقطع، مدفوعة بإيمان بأن كل نافذة تُفتح أمام الحوار، هي نافذة محتملة للسلام. وتتجه أنظار الجميع في العالم إلى مسقط على اعتبار أن لديها مسارات موثوقة من شأنها أن تقود إلى لحظة سلام ينتظرها الجميع.
لم يعد يُنظر إلى الدور العماني باعتباره تدخلا ثانويا، ولكنه تجسيد حي لفلسفة سياسية راسخة: السلام ليس حالة خمول، بل فعل مستمر بين المتخاصمين، يُراكم الممكن حين يبدو المستحيل هو اللغة الوحيدة السائدة.. ومن يراقب المسار العُماني، سيدرك أنه لا يقوم على مقايضات، بل على قناعة بأن أمن المنطقة لا يُبنى إلا على فهم أعمق لتوازنات المصالح، واحترام الأطراف لا تحجيمها.
وإذا كان هدف إسرائيل والغرب هو منع إيران من تطوير سلاح نووي، فإن الحرب لن تحقق ذلك.. بل إن ما جرى سيجعل إيران تتمسك بحقها في تطوير قدراتها النووية بحجة حماية نفسها من تكالب الجميع عليها. وإذا كانت إسرائيل تعتقد أن إضعاف إيران يمر عبر القصف، فإن ردّ طهران يقول عكس ذلك. أما الثمن، فيدفعه الجميع: من المدنيين في العمق الإيراني إلى المنشآت الحيوية في إسرائيل، ومن استقرار الخليج إلى خطوط الطاقة التي لا تتحمل مغامرات من هذا النوع.
وفي حين تزداد دعوات بعض الدوائر الأوروبية للتهدئة، لا بد من الاعتراف بأن سياسة الانحياز الأعمى ـ التي تمارسها بعض القوى الكبرى ـ لا تعزز الردع، بل تطيل أمد النزاع. فالمنطقة لا تحتاج إلى رعاة حرب، بل إلى رعاة عقل.
بهذا المعنى، فإن الخيار الوحيد الذي يمتلك منطقا وشرعية في هذه اللحظة، هو وقف فوري لإطلاق النار، وعودة متأنية إلى طاولة الحوار. والعقلانية التي يُنظر إليها أحيانا كضعف، هي في هذه اللحظة بالذات الشكل الأذكى من أشكال القوة.