دور الثقافة والفن في مواجهة الرأسمالية وإعادة فكرة المقاومة في العصر الحالي
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
نظّم النادي الثقافي مساء أمس في مقرِّه جلسة حوارية بعنوان: "الثقافة والمقاومة في عصر الرأسمالية"، شارك فيها كلا من: المكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية، والدكتور زكريا المحرمي، والشاعر عبدالله حبيب، بإدارة المحاور علوي المشهور، وبحضور جمع غفير من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي الراهن.
وسلّطت الجلسة الضوء على عدة محاور، أهمها: المقاومة الثقافية في ظل الأحداث السياسية الحالية، وتوغّل الرأسمالية في حياتنا اليومية بحيث أصبحت أدوات المقاومة أداة اقتصادية بإطار رأسمالي، وتناولت الجلسة موضوع المقاطعة والقيم وتراجع فكرة المقاومة، ودور الثقافة والفن في مواجهة الرأسمالية وإعادة فكرة المقاومة في العصر الحالي.
وتناول الكاتب عبدالله حبيب جذور الرأسمالية ونشأتها منذ منتصف القرن الثامن عشر، وذكر أن السياق الرأسمالي حاضر بقوة في جميع مراحل الحياة، والنقد الحقيقي للرأسمالية جاء من "الماركسية" بجميع أنواعها: المبكرة والمتأخرة، والشرقية والغربية، والذي لا يزال يُناقش ليومنا هذا هي مدرسة الماركسية الجديدة.
وتطرقت المكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية إلى دور الثقافة والفن في مواجهة فكرة الرأسمالية، حيث ذكرت أن الرأسمالية ظهرت منذ ثلاثة قرون بتسليع الأفكار الثقافية، والسياحة منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، بحيث ظهرت مكاتب السياحة التي تستخدم زيارة المتاحف والمعارض كغرض تجاري، وأضافت الدرمكية إن الصناعات الثقافية تعد ثالث مورد اقتصادي للدول العظمى، وفي الوقت الحالي كل فكرة ثقافية مُسلّعة مثل فرق الفنون الشعبية، والصناعات الحرفية؛ وذكرت أن الثقافة هي الوعاء الذي يُستفاد منه على المستويات السياسية والاقتصادية والتقنية.
كما ناقش الدكتور زكريا المحرمي الوضع السياسي الحالي في غزة وطهران واليمن وتداعيات الحرب بسبب النظام الصهيوني، بقوله على لسان الكاتب إدوارد سعيد إن "الصهيونية هي ابنة الاستعمار"، وذكر أن الرأسمالية حاضرة اليوم أمامنا ليست بفرض وجودها بالعنف وحسب، وإنما بطرائق أخرى وهي "الهيمنة"، وذكر مثالًا على ذلك احتلال الإمبراطورية البريطانية لثلاثة أرباع العالم بالحرب بالقوة ومن ضمنها عُمان قديمًا، وأن أول شكل من أشكال المقاومة الثقافية هو الإمام نور الدين السالمي الذي قاوم ثقافيًا بحيث استخدم لسان قومه ثقافيًا، وعلى المستوى الاجتماعي رفض دخول الغرب في المجتمع العماني كموضوع تأجير المنازل للبريطانيين، أو توظيفهم في بيت المال، وكذلك رفض العملة النقدية البريطانية.
وأضاف المحرمي: إن المجتمع العماني متنوع منذ القدم؛ فهو كـ"الفسيفساء" يضم الإثنيات المختلفة المتعايشة مع بعضها البعض، وأن الرأسمالية مرّت بأطوار عديدة متقلبة ولا يمكن اتهامها قطعيًا بأنها "الشر المطلق".
كما بيّن حبيب أن الرأسمالية أداة مفتوحة حالها كحال النظم الأخرى، وإذا كان لها حسنة واحدة فهي أفضل من العبودية والإقطاع، والشرط الأخلاقي هو الذي يُنجي الفرد من المناورات السياسية عن طريق المبدأ الثوري وهو شكل من أشكال المقاومة، وأضاف حلولًا لبقاء فكرة المقاومة هو رد الاعتبار للمقاومة الوطنية وتاريخها، والتصدي للهيمنة الرأسمالية، كذلك إنتاج خطاب معرفي جديد وراسخ عوضًا عن الاستهلاك، وإعادة المفاهيم الرئيسية التي صاغها النظام الغربي كالمساواة والعدالة، وإعادة الحركة للذاكرة الوطنية.
وأبدى الدكتور زكريا رأيه حول الرأسمالية الحالية في مجتمعنا، وهي "رأسمالية منصات التواصل الاجتماعي" التي أصبحت هي السوق، وللأسف تم دعمها من كل الجهات، وأدى هذا إلى "تشييع" العلاقات الاجتماعية، وصار المظهر هو الأساس، مما أدى إلى شعور الشباب بالاغتراب، فزادت حالات الاكتئاب والانتحار بين المراهقين، واقترح المحرمي حلولًا لتقليل هذه الظاهرة بالتعليم، وتعليم النشء على التفكير النقدي وتدريبهم على الصلابة الشخصية، وعلى مؤسسات المجتمع المدني تبنّي استراتيجيات مناسبة للارتقاء بمستوى المجتمع، كذلك نصح بالاتصال بالرموز والشخصيات الكبيرة التاريخية نظرًا لضرورتها القصوى في ترسيخ الهوية والمقاومة، وأن المقاومة الثقافية هي أقوى أشكال المقاومة لأنها تقود معركة الوعي.
وأضاف: "التراث العماني يجب أن يضعه الشباب موضع قوة، والاستعانة بالتراث واللحمة الوطنية والهوية الوطنية يمنح الشباب المقاومة".
وبيّنت المكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية وضع المقاومة في الأحداث الحالية التي تجري حاليًا في فلسطين، عندما أمر "ترامب" بترحيلهم لدول مجاورة، نهضت المقاومة وانتفض العالم يقاوم ككل لرفض فكرة القمع والقتل والتهجير، وتضامن مع الشعب الفلسطيني، وبالرغم من وقوف العالم مع المقاومة، إلا أن المواطنة العالمية "المنظمات الدولية وتقاريرها" غضّت الطرف في الانتهاكات التي تطال المجتمع العربي، كما أشارت إلى موضوع "الذكاء الاصطناعي" بوصفه كهدف رأسمالي مدمّر للعقل البشري إذا تم الاستعانة به بشكل كامل، وعلى المدى البعيد سيلغي دور البشرية والإبداع المتفرّد، لأن وظيفته فقط هي تفكيك وإعادة صياغة، وليس له علاقة بالإنتاج الإبداعي، مما يخلق تشابهًا كبيرًا في المخرجات الفنية.
واختتمت الجلسة الحوارية بفتح باب النقاش للحضور بمداخلات مُثرية منهم، تم التحدث فيها عن الثقافة بين جوهر المقاومة وثقافة التأريض، وجوهر المقاومة الثقافية يكمن في إنتاج الفن القادر على مساءلة السلطة، وكذلك تم نقاش موضوع الإسلاموفوبيا الناتج من الغرب وكيف يتم تصحيحه، وطُرح سؤال مهم حول كيفية تعزيز دور المثقف وسط زحمة برامج التواصل الاجتماعي، وعن تأثر الأنظمة التعليمية الحالية بالنظام الغربي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المقاومة الثقافیة فکرة المقاومة المقاومة فی
إقرأ أيضاً:
تأهيل الأراضي في المملكة.. من التصحّر إلى الاستدامة
حين تتحوّل الأرض القاحلة إلى مساحات خضراء نابضة بالحياة، تدرك أن هناك إرادة لا تعرف المستحيل، هكذا تعمل المملكة اليوم على إعادة الحياة لمئات الآلاف من الهكتارات التي فقدت غطاءها النباتي، بفعل العوامل الطبيعية والأنشطة البشرية؛ لتعيد للأرض نبضها الأخضر، وتحمي تنوعها الأحيائي من جديد.
تولي المملكة العربية السعودية ملف تأهيل الأراضي وحماية الغطاء النباتي اهتمامًا كبيرًا، بوصفه جزءًا أساسيًّا من التزاماتها البيئية، في ظل رئاسة المملكة للدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر COP16، وضمن إستراتيجيتها لتحقيق مستهدفات مبادرتي “الشرق الأوسط الأخضر”، و”السعودية الخضراء”، و”رؤية المملكة 2030″، وفي مقدمة هذه الجهود يقف البرنامج الوطني للتشجير، الذي يقوم بدور محوري في تعزيز استدامة الغطاء النباتي وزيادة المساحات الخضراء في المملكة، ويشمل هذا الدور قيادة إستراتيجية وطنية شاملة للتشجير واستعادة الأراضي المتدهورة، وتنسيق جهود التنفيذ على مستوى القطاعات والمناطق المختلفة، وتقديم الدعم الفني والموارد وأفضل الممارسات في مجال زراعة الأشجار والإدارة المستدامة للأراضي، إضافة إلى مراقبة التقدم المحرز في زراعة الأشجار، وإعادة تأهيل الأراضي، وقياس نسب استدامة الأشجار.
وأثمرت جهود البرنامج بالتعاون مع الشركاء من كافة القطاعات عن إعادة تأهيل أكثر من 500 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة في مناطق متنوعة من المملكة، باستخدام أفضل الممارسات والتقنيات الحديثة مثل نثر البذور بالطائرات بدون طيار “الدرون”؛ للوصول إلى المناطق الوعرة، واستزراع النباتات المحلية الملائمة للبيئة لضمان الاستدامة، إضافة إلى تطبيق أنظمة الري الحديثة، ومشاريع حصاد مياه الأمطار وتخزينها لدعم استدامة الموارد المائية.
واستند البرنامج -في سبيل تحقيق أهدافه- إلى دراسات بيئية وعلمية شاملة لتطوير خطة رئيسة للتشجير، تتضمن تحليلًا دقيقًا لتحديد المواقع المناسبة للتشجير في جميع أنحاء المملكة، بناءً على مسوحات ميدانية شاملة، وتشمل الخطة نطاقات متنوعة مثل النطاق البيئي، والزراعي، والحضري والمواصلات، مما يعزز زيادة الغطاء النباتي على مستوى المملكة ولا يقتصر دور البرنامج على زراعة الأشجار فقط، بل يركز أيضًا على استعادة الأنظمة البيئية الطبيعية، والحلول القائمة على الطبيعة، وتحدد الخطة الرئيسة للبرنامج أهدافًا طموحة لزراعة 10 مليارات شجرة وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي على ثلاث مراحل بدءًا بزراعة 215 مليون شجرة وإعادة تأهيل 2.5 مليون هكتار بحلول عام 2030.
ومن أجل تحقيق الأهداف الوطنية للتشجير وإعادة تأهيل الأراضي، تم وضع حوكمة شاملة ومفصلة، تتضمن تفعيل البرنامج الوطني للتشجير جهةً محوريةً؛ للإشراف على تنفيذ الخطة الرئيسة للتشجير وإعادة تأهيل الأراضي، وضمان توحيد الجهود بين مختلف القطاعات والجهات المعنية، مع توفير الدعم اللازم؛ لتحقيق مستهدفات البرنامج الطموحة بطريقة مستدامة ومتكاملة، معتمدًا في ذلك على تكامل الجهود بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية، إضافة إلى دور المتطوعين والمجتمعات المحلية التي تشكل شريكًا أساسيًا في حماية المناطق المستعادة وضمان استدامتها، وهي شراكات نوعية تجسد التزام المملكة بتفعيل دور كافة القطاعات في العمل البيئي.
وتتنوع مشاريع التأهيل التي ينفذها البرنامج بحسب طبيعة المواقع ودرجة تدهورها، وتشمل جميع مواقع الغطاء النباتي، وتُنفذ هذه المشاريع وفق دراسات ميدانية دقيقة ومسوح شاملة لحالة التربة والغطاء النباتي؛ لضمان اختيار أنسب الحلول لكل موقع.
اقرأ أيضاًتقارير“بي بي سي”: قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية يعد تغيّراً في السياسة البريطانية
ويعتمد العديد من المشاريع على توظيف أحدث التقنيات، مثل استخدام الطائرات بدون طيار “الدرون” لنثر البذور في المناطق الوعرة، ما يتيح تغطية مساحات واسعة في وقت قصير وكفاءة عالية، وكذلك زراعة الشتلات الملائمة للبيئة المحلية بعناية، مع متابعة عمليات الري والتسميد؛ لضمان بقاء النباتات ونموها بشكل صحي ومستدام.
ويعمل البرنامج الوطني للتشجير مع الشركاء على إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة عبر خطوات أساسية وفق معايير عالمية، تبدأ برصد المناطق المستهدفة، وتحديد أولويات التدخل عبر التحليل الميداني والاستشعار عن بُعد، يلي ذلك إعداد خطة عمل تشمل تنظيم الرعي وحماية المواقع من التعديات، وتركيب اللوحات الإرشادية، وتسييج المناطق الحساسة عند الحاجة، ثم تُنفذ عمليات نثر البذور واستزراع النباتات المحلية الملائمة للمناخ والتربة، مع تطبيق تقنيات الري الحديثة مثل حصاد المياه.
ركائز التشجير وإعادة تأهيل الأراضي ويتطلب تحقيق أهداف البرنامج تفعيل مجموعة واسعة من الممكنات، مثل وضع الأطر التنظيمية الداعمة لأنشطة التشجير وإعادة تأهيل الأراضي، وتعزيز الابتكار لتطوير أدوات التنفيذ ورفع كفاءتها، ودعم التنفيذ، والاعتماد على أحدث التقنيات، كما تشكل الإدارة المتكاملة للموارد المائية ركيزة أساسية؛ لضمان استدامة مشاريع التشجير وتأهيل الأراضي، إلى جانب بناء القدرات الوطنية في مختلف المستويات الفنية والإدارية، وإعداد خطط تنفيذية واقعية مدعومة بآليات لمتابعة الأداء وتقييم الأثر.