عندما سئلت عن اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة، الذى كان شرارة البداية لثورة 30 يونيو: هل كنت تتوقع وقتها نجاح الاعتصام؟ وأنه سيكون له هذا الدور فى إشعال الثورة؟
عندئذ قفز إلى ذهنى على الفور قول صلاح عبدالصبور:
تسألنى رفيقتى: ما آخر الطريق؟
وهل عرفت أوله!
بكل تأكيد لم يكن لدى أحد من المثقفين الذين شاركوا فى البداية يقين فى مجرد نجاح الاعتصام ذاته، فما بالك بحلم أن يتحول إلى خطوة أولى فى طريق الثورة.
لكننى أقطع بيقين كامل أيضاً أننا كنا قد عقدنا العزم على اللاعودة، فإما أن نعيد إلى مصر هويتها التى يحاولون استبدالها، أو مرحباً بصحبة السجن بعيداً عن وطن أصبح غريباً عنا.
لكننا كنا فى كل يوم نكسب أرضاً جديدة: شركاء جدداً فى الاعتصام، تأييداً وزيارات من مثقفين وفنانين ورموز سياسية، ندوات وحفلات بالشارع تجذب جماهير أكثر فى كل يوم، انتقال ظاهرة الاعتصام إلى مقار وزارات أخرى أو دواوين محافظات.
ومع هذا الدعم الشعبى ارتفع سقف المطالب، فبعد أن كان مطلبنا هو إقالة وزير الثقافة، أصبح مطلبنا هو إقالة الحكومة بالكامل، ثم أصبح مطلبنا هو عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى.
كان الحراك فى الشارع المصرى قد بلغ منتهاه، صحيح أن البداية كانت من القوى الناعمة قائدة مسيرة التنوير، وحاملة المشاعل فى لحظات الظلام. لكن استجابة الشعب المصرى لم تكن بسبب هذا الاعتصام فقط، بل كانت نابعة من داخل كل مواطن مصرى بسيط يريد الحفاظ على هويته ولا يقبل التفريط فيها.
وكأن المثقف فى هذا الموقف لا يقود الجماهير، بقدر استشرافه لحلمهم ومساعدتهم فى تحقيقه.
إنها رغبة شعب، شجعه مثقفوه على الجهر بها، بعدما نزلوا من برجهم العاجى إلى ساحة المشاركة الحقيقية فى الفعل التنويرى.
فقد شعرت جماعة المثقفين بحتمية تجاوز دورها الفكرى أو الفنى الخالص إلى ساحة المواجهة الاجتماعية والسياسية الواجبة عليها فى اللحظات الحاسمة.
ولا أعتقد أن دوراً فاعلاً كهذا قد برز للمثقفين المصريين فى التاريخ الحديث، سوى فى استنهاض الوطن من هزيمة 1967، وصولاً إلى انتصار أكتوبر 1973.
وفى تلك اللحظات الحاسمة يظهر دور القائد السياسى، وقد تمثل هذا القائد فى الفريق السيسى وزير الدفاع الذى طلب تفويض الشعب له، فما كان من الشعب إلا أن خرج مبايعاً فى أضخم مظاهرة شعبية على الإطلاق.
كنت أرى بعينى طوفان البشر، وترن بأذنى أصداء قصيدة حجازى:
لكأنها الرؤية!
قيامتك المجيدة
ينهض النهر القديم بضفتيه واقفا
حتى نشاهد فى السماء مصبه
نافورة خضراء
والشلال يصعد من منابعه الخفية راعفا
متفجراً بحرارة الماء المضفر بالمعادن
حاملاً معه المدائن، والأهالى، والقرى،
والطير، والحيوان.
وهنا يقفز إلى الذهن سؤال: وهل كان الرئيس السيسى نفسه وقتها واثقاً تماماً من النصر؟
أعتقد أنه بكل تأكيد كان يضع رأسه فوق كفه، متوكلاً على الله، ومستعداً للتضحية بحياته من أجل وطن يستحق.
ففى اللحظات المفصلية الحاسمة من التاريخ: احرص على الموت توهب لك الحياة، إما بجسدك فى دنيا ترضاها، أو بسيرتك من أجل رسالة تؤمن بها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: ثورة 30 يونيو وزارة الثقافة اعتصام المثقفين
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: العفو خلق عال يدل على إعراض المتخلق به عن شهوات النفس الدنيئة
قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن العفو خلق إسلامي عالي ورفيع، يدل على إعراض المتخلق به عن أعراض الدنيا، وشهوات النفس الدنيئة، ولقد أمر الله به المسلمين في شخص صفوة خلقه وخليله سيدنا محمد في أكثر من موضع، وكذلك أمر سبحانه به الأمة مباشرة؛ تأكيدا على أهميته وفضله في هذا الدين الحنيف. وكذلك أمر الله به سبحانه وتعالى على لسانه الحبيب المجتبى في كتب السنة.
واوضح عبر صفحته الرسمية على فيس بوك أن العفو في اللغة : الإسقاط, والذهاب والطمس والمحو ومنه : {عفا الله عنك } أي محا ذنوبك , وترك عقوبتك على اقترافها، ومن معاني العفو في اللغة أيضا : الكثرة، ومنه قوله تعالى : { حتى عفوا } . أي : كثروا. وكذلك من معانيه الإعطاء , ومنه قول لبيد : عفت الديار , قال ابن الأعرابي : عفا يعفو إذا أعطى , وقيل : العفو ما أتى بغير مسألة .
وفي اصطلاح الشرع : فيستعمل الفقهاء العفو غالبا بمعنى الإسقاط والتجاوز، ويختلف العفو عن الصلح في كون الأول إنما يقع ويصدر من طرف واحد , بينما الصلح إنما يكون بين طرفين. ومن جهة أخرى : فالعفو والصلح قد يجتمعان كما في حالة العفو عن القصاص إلى مال.
اشار الى ان من نصوص القرآن التي تحث على العفو ما حثه به الأمة في شخص المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالعفو، وكذلك بالصفح الجميل فقال سبحانه : { خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ } [سورة الأعراف : 199]. وقوله تعالى : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [سورة الحجر : 85].
وتابع: وأخبر سبحانه بأن العفو هو خير ما ينفقه العبد فقال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [سورة البقرة : 219].
الحلم والأناة
قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الأناة فهي التروي قبل الفعل، والنظر في العواقب، وهي قرينة الحلم. وهي سبيل الفكر المستقيم الذي فقده كثيرون في عصر السرعة. ولذا جاء في القرآن الكريم الحثّ على التدبر والتعقل، فقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82].
ونوه عبر صفحته الرسمية على فيس بوك أن غياب الأناة جعل الناس يسلكون مسالك التهور، ويقعون في الخصومات، وتكثر النزاعات والجرائم. ولذا قال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]. فإحياء النفس يكون بالرعاية والرحمة والحماية، لا بالاعتداء وسفك الدماء.
وأشار الى أن الحلم يعلّمك التوكل على الله، وضبط النفس. والأناة تعلّمك التفكر والتدبر والتأمل، فلا تتسرع في القول أو الفعل.
وذكر أن « الحلم والأناة» إذا التزم بهما المؤمن شعر بلذة في قلبه، ورضا من الله، وأثر فيمن حوله، وكان عبدًا صالحًا إذا رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب، يا رب، استجاب الله دعاءه.
ولفت الى أن الحلم والأناة هما دليل النضج والإيمان، وسبيل إلى مجتمعٍ آمنٍ تسوده الطمأنينة والسكينة. فلنجعل الحلم والأناة زادًا لنا في حياتنا، ولنُدرّب أنفسنا عليهما، فبهما نكون أقرب إلى رحمة الله، وأقرب إلى نبيه ﷺ الذي بُعث رحمةً للعالمين.