اتفاق سلام جوبا: التمادي في استحالة العهود
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
(ملخص الورقة التي قدمتها اليوم لمؤتمر " قضايا السودان الانتقالية: تحديات في طريق تحقيق السلام المستدام والذي ينظمه مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني على مدار ثلاثة أيام من 6 إلى 8 يوليو 2024 في الدوحة – قطر.)
أريد لورقتي أن تنبني على مقالاتي الصحفية الراتبة التي نظرت فيما يشبه اليوميات في اتفاقية السلام الموقعة في جوبا في أغسطس 2020 بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية التي ضمت حركات مسلحة من إقليمي دارفور والنيل الأزرق.
ترى الورقة أن الاتفاقية بعامة لم تخرج عن سنخ الاتفاقات المكرورة التي سبق أن عقدتها حركات مسلحة مع نظم عسكرية حاكمة في الماضي. ففي بحث أولئك العسكريين في يومنا عن قاعدة سياسية يقوون بها مركزهم حيال قوى الحرية والتغيير خرجوا باتفاقية جوبا التي هي صفقة سياسية، لا اتفاقية، تمت من وراء الحكومة الانتقالية بقصد إزاحتها عن المشهد السياسي في ملابسات وتفاهمات وبإجراءات توفيها الورقة عرضاً.
واتفاقية جوبا كغيرها من الاتفاقيات من جنسها مع العسكريين الحكام غلّبت إحلال السلام في مناطق الحركات المسلحة على إحلاله في شرط الديمقراطية لسائر القطر. واقتصت الديمقراطية المغيبة منها بنقض الديكتاتوريين للميثاق (أديس ابابا 1972) أو تهافته نتيجة الفتنة حول ثماره بين الحركات المسلحة الموقعة عليه (اتفاق الشرق 2006، واتفاق سلام دارفور 2011).
وستنظر الورقة بشكل أخص في شذوذ هذه الاتفاقية عن سلفها. فالاتفاقيات السلف قاربت أزمة الحكم في السودان، التي تجسدت في القسط في توزيع السلطة والثروة، بمصطلح عرقي بحت بدا معه، في قول أحدهم، كأنهم يريدون تغيير التركيبة العرقية للثروة والسلطة لا بديمقراطية اقتسامهما على السوية. وهذا مظهر عصيب في غياب الحس "عما يواثق بيننا كمواطنين وما يربطنا حزمة كأمة" في قول الفيلسوف الأمريكي رتشارد روتري. فتغليب الهوية الجهوية والعرقية حيال التنمية هو، في قول الأكاديمي الأمريكي مارك ليلا "تراجع إلى كهوف كانوا حفروها لأنفسهم فيما كان جبلاً عظيماً"، أي في أمة كبيرة.
اتفقت اتفاقية سلام جوبا مع سابقاتها في مقاربة أزمة الحكم بمصطلح عرقي جهوي فاحتل تدارك بؤس التنمية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق مكاناً مقدماً فيها. ولكن جاء شذوذها عنها في اختلاقها ما عرف ب"المسارات" وهو ترتيب رفع مظالم أقاليم أخرى في السودان في غير دارفور والمنطقتين لم تكن تشهر السلاح ضد الحكومة لدى عقد مفاوضات جوبا. ولم تأت تلك الأقاليم غير المحاربة بممثلين بتوافق سائر أهلها، بل بمن تصادف أن كان حليفاً للجبهة الثورية خلال نضالها لإسقاط البشير. وكانت تلك عاهة في الاتفاق نجلاء أغبنت جماعات من تلك الأقاليم مثل جماعات في شرق السودان استنكرت الاتفاق بقوة وبالقوة لأنها لم تفوض من انتخبتهم الجبهة الثورية لتمثيلها في التفاوض نيابة عنها. وتخلقت بالنتيجة ما عرف ب"مشكلة شرق السودان" التي ايقظت فتناً نائمة، وضرجت الشرق بالخلاف والدم والإهانة.
وتسأل الورقة عن مصير هذه الاتفاق الصفقة (قبل الحرب). ولم تتفق مع من نادوا بشطبه بجرة قلم لأنها سآمة اشتهر بها الجيل السياسي الذي لا يكابد السهر على النصوص وتحريرها ويتخلص من مثل اتفاق جوبا بتلويحه يد. خلافاً لذلك ترى الورقة أن يخضع الاتفاق لتحرير جذري قبل أن يعرض كمسودة للحركات المسلحة غير الموقعة من ذوات الخطر ليستحق الاتفاق بوصف الشمول.
وبغير النهوض بمسؤولية الحفاظ على الاتفاق بمسؤولية تهد الحيل سينتهي إلى واحدة من تلك التي استحالت وتمادت في الاستحالة فنقضت غزلها بنفسها.
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بسبب سوء التغذية.. وفاة 13 طفلاً سودانياً في مخيم للنازحين بولاية دارفور
أعلنت مجموعة أطباء سودانية الثلاثاء عن وفاة 13 طفلاً لأسباب تتعلق بسوء التغذية الشهر الماضي في مخيم للنازحين في إقليم دارفور بالسودان، حيث تسببت الحرب الأهلية في أسوأ أزمة إنسانية في العالم. اعلان
تُعدّ الوفيات في مخيم لقاوة بشرق دارفور أحدث مأساة في السودان، الذي دخل في حالة من الفوضى في أبريل/ نيسان 2023 عندما اندلعت التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وانتشرت بسرعة إلى باقي مناطق البلاد.
مأساة المخيم
وأفادت شبكة أطباء السودان، وهي مجموعة من المهنيين الطبيين السودانيين في جميع أنحاء البلاد الواقعة في شمال شرق أفريقيا، بوفاة الأطفال في بيان. وقالت إن المخيم، الذي يستضيف أكثر من 7000 نازح، معظمهم من النساء والأطفال، يعاني من نقص حاد في الغذاء.
وحثت المجموعة المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة على زيادة المساعدات الإنسانية للمخيم في ظل تزايد معدلات سوء التغذية، وخاصة بين الأطفال. لكن منظمات الإغاثة ناشدت الأطراف المتحاربة السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية.
انتشار سوء التغذية وأمراض أخرى
أفادت اليونيسف في وقت سابق من هذا الشهر بارتفاع بنسبة 46% في عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد الوخيم - وهو أخطر أشكال سوء التغذية - في جميع أنحاء دارفور بين يناير/ كانون الثاني ومايو/ أيار، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأضافت الوكالة الأممية أن أكثر من 40 ألف طفل أُدخلوا لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد الوخيم في ولاية شمال دارفور، وهو ضعف العدد المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي.
وُجدت مجاعة في مناطق متعددة في دارفور ومنطقة كردفان الجنوبية.
كشفت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في دارفور، الثلاثاء، عن تسجيل 2145 حالة إصابة بالكوليرا في منطقة الطويلة وحدها، إلى جانب 40 حالة وفاة، ووجود 207 مصابين في مراكز العزل، مع تسجيل معدل إصابة يومي يتراوح بين 100 و208 حالات.
Related مقتل 14 مدنياً في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم نازحين بدارفورالنازحون في دارفور يصارعون الجوع وسط صراع مستمر وغياب للمساعداتالسودان: خمسة قتلى وعدد من الجرحى في الهجوم على قافلة إغاثة أممية في دارفورتشكيل حكومة موازية
على صعيد تعميق الأزمة السياسية في البلاد، أعلنت قوات الدعم السريع، السبت، عن تشكيل حكومة موازية في السودان، في خطوة يرفضها الجيش، وحذرت الأمم المتحدة سابقا من مخاطرها على وحدة السودان.
وسيرأس قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المجلس الرئاسي في الحكومة الموازية، فيما سيكون قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عبد العزيز الحلو، نائبا له في المجلس المكون من 15 عضوا.
وخلال مؤتمر صحفي في نيالا، كبرى مدن إقليم دارفور، أعلن المتحدث باسم التحالف علاء الدين نقد، أنه جرى تعيين محمد حسن التعايشي رئيسا للوزراء في حكومة الدعم السريع، إلى جانب الإعلان عن حكام للأقاليم.
ووقّع أكثر من 20 كياناً سياسياً وفصيلاً مسلحاً في نهاية فبراير/ شباط الماضي في العاصمة الكينية نيروبي على الوثيقة السياسية التي شكّلت الأساس الذي ستقوم عليه الحكومة التي كُشف عنها.
سارعت وزارة الخارجية السودانية إلى شجب خطوة تشكيل الحكومة الموازية، ووصفتها، في بيان، بالحكومة بالوهمية والتي تسعي فيها قوات الدعم السريع إلى توزيع مناصب حكومية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة فيها تغافل تام عن معاناة الشعب السوداني، على حد تعبير البيان.
وأدانت الخارجية السودانية موقف الحكومة الكينية التي استضافت الاجتماعات التحضيرية الخاصة بتشكيل الحكومة واعتبرتها انتهاكاً للسيادة السودانية.
وطالبت الحكومة السودانية كل المنظمات الدولية والحكومات بإدانة خطوة تشكيل الحكومة الموازية وعدم الاعتراف بها. وقالت إن أي تعامل مع حكومة الدعم السريع يُعتبر تعدياً على حكومة السودان وسيادتها على أراضيها.
كما وصف الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، خطوة تشكيل حكومة موازية بواسطة قوات الدعم السريع وفصائل موالية لها بالتمثيلية السمجة، على حد وصفه.
النظام الصحي يدفع ثمن الصراع
دمرت الحرب الأهلية النظام الصحي في السودان، مما أوجد بيئة خصبة للأمراض، وأثّر على صحة الملايين، بما في ذلك المجتمعات الضعيفة أصلاً. وتعاني البلاد من تفشي الكوليرا والحصبة والملاريا.
وقال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان: "هذه لحظة فارقة؛ فحياة الأطفال تعتمد على ما إذا كان العالم سيختار التحرك أم تجاهل الأمر".
أودت الحرب بحياة آلاف الأشخاص وشردت نحو 13 مليونًا من ديارهم، منهم 4 ملايين عبروا الحدود إلى الدول المجاورة.
كما اتسم القتال بفظائع، منها اغتصاب جماعي وقتل بدوافع عرقية، ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا سيما في دارفور، وفقًا للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة