سودانايل:
2025-11-05@13:48:37 GMT

اتفاق سلام جوبا: التمادي في استحالة العهود

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم

(ملخص الورقة التي قدمتها اليوم لمؤتمر " قضايا السودان الانتقالية: تحديات في طريق تحقيق السلام المستدام والذي ينظمه مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني على مدار ثلاثة أيام من 6 إلى 8 يوليو 2024 في الدوحة – قطر.)

أريد لورقتي أن تنبني على مقالاتي الصحفية الراتبة التي نظرت فيما يشبه اليوميات في اتفاقية السلام الموقعة في جوبا في أغسطس 2020 بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية التي ضمت حركات مسلحة من إقليمي دارفور والنيل الأزرق.

وهي مقالات نقدية للسياسة التي من وراء الاتفاقية، ولنصها، ولآثارها الفادحة على أنحاء بالوطن الذي قضت الحكومة الانتقالية نفسها في براثنها بانقلاب 25 أكتوبر 2022. كما ستنظر الورقة في الخطاب العاقب الذي تعرض لمصير الاتفاقية بين البقاء والإلغاء.
ترى الورقة أن الاتفاقية بعامة لم تخرج عن سنخ الاتفاقات المكرورة التي سبق أن عقدتها حركات مسلحة مع نظم عسكرية حاكمة في الماضي. ففي بحث أولئك العسكريين في يومنا عن قاعدة سياسية يقوون بها مركزهم حيال قوى الحرية والتغيير خرجوا باتفاقية جوبا التي هي صفقة سياسية، لا اتفاقية، تمت من وراء الحكومة الانتقالية بقصد إزاحتها عن المشهد السياسي في ملابسات وتفاهمات وبإجراءات توفيها الورقة عرضاً.
واتفاقية جوبا كغيرها من الاتفاقيات من جنسها مع العسكريين الحكام غلّبت إحلال السلام في مناطق الحركات المسلحة على إحلاله في شرط الديمقراطية لسائر القطر. واقتصت الديمقراطية المغيبة منها بنقض الديكتاتوريين للميثاق (أديس ابابا 1972) أو تهافته نتيجة الفتنة حول ثماره بين الحركات المسلحة الموقعة عليه (اتفاق الشرق 2006، واتفاق سلام دارفور 2011).
وستنظر الورقة بشكل أخص في شذوذ هذه الاتفاقية عن سلفها. فالاتفاقيات السلف قاربت أزمة الحكم في السودان، التي تجسدت في القسط في توزيع السلطة والثروة، بمصطلح عرقي بحت بدا معه، في قول أحدهم، كأنهم يريدون تغيير التركيبة العرقية للثروة والسلطة لا بديمقراطية اقتسامهما على السوية. وهذا مظهر عصيب في غياب الحس "عما يواثق بيننا كمواطنين وما يربطنا حزمة كأمة" في قول الفيلسوف الأمريكي رتشارد روتري. فتغليب الهوية الجهوية والعرقية حيال التنمية هو، في قول الأكاديمي الأمريكي مارك ليلا "تراجع إلى كهوف كانوا حفروها لأنفسهم فيما كان جبلاً عظيماً"، أي في أمة كبيرة.
اتفقت اتفاقية سلام جوبا مع سابقاتها في مقاربة أزمة الحكم بمصطلح عرقي جهوي فاحتل تدارك بؤس التنمية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق مكاناً مقدماً فيها. ولكن جاء شذوذها عنها في اختلاقها ما عرف ب"المسارات" وهو ترتيب رفع مظالم أقاليم أخرى في السودان في غير دارفور والمنطقتين لم تكن تشهر السلاح ضد الحكومة لدى عقد مفاوضات جوبا. ولم تأت تلك الأقاليم غير المحاربة بممثلين بتوافق سائر أهلها، بل بمن تصادف أن كان حليفاً للجبهة الثورية خلال نضالها لإسقاط البشير. وكانت تلك عاهة في الاتفاق نجلاء أغبنت جماعات من تلك الأقاليم مثل جماعات في شرق السودان استنكرت الاتفاق بقوة وبالقوة لأنها لم تفوض من انتخبتهم الجبهة الثورية لتمثيلها في التفاوض نيابة عنها. وتخلقت بالنتيجة ما عرف ب"مشكلة شرق السودان" التي ايقظت فتناً نائمة، وضرجت الشرق بالخلاف والدم والإهانة.
وتسأل الورقة عن مصير هذه الاتفاق الصفقة (قبل الحرب). ولم تتفق مع من نادوا بشطبه بجرة قلم لأنها سآمة اشتهر بها الجيل السياسي الذي لا يكابد السهر على النصوص وتحريرها ويتخلص من مثل اتفاق جوبا بتلويحه يد. خلافاً لذلك ترى الورقة أن يخضع الاتفاق لتحرير جذري قبل أن يعرض كمسودة للحركات المسلحة غير الموقعة من ذوات الخطر ليستحق الاتفاق بوصف الشمول.
وبغير النهوض بمسؤولية الحفاظ على الاتفاق بمسؤولية تهد الحيل سينتهي إلى واحدة من تلك التي استحالت وتمادت في الاستحالة فنقضت غزلها بنفسها.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

غارديان: الدم المسفوك في السودان يُرى من الفضاء

في مقال مؤلم ومشحون بالحقائق الميدانية، وضعت الكاتبة نسرين مالك القارئ أمام مأساة مدينة الفاشر في إقليم دارفور بالسودان، التي سقطت مؤخرا في يد قوات الدعم السريع بعد حصار دام أكثر من عام ونصف.

ووصفت الكاتبة -في زاويتها بصحيفة غارديان- ما حدث عقب سقوط المدينة بأنه كارثة إنسانية وجريمة إبادة جماعية جديدة ترتكب على مرأى من العالم، إذ تشير التقارير إلى وقوع مجازر مروعة بحق المدنيين شملت حتى المستشفيات، مع حديث شهود عيان عن إعدامات ميدانية وعمليات تطهير عرقي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عقوبات أميركية غير مسبوقة على قاض فرنسي وزوجته ممنوعة من التعامل معهlist 2 of 2صحف عالمية: حظوظ السلام تتزايد لدى الإسرائيليين ومخاوف من تقسيم السودانend of list

وأوضحت نسرين مالك أن صور الأقمار الاصطناعية أظهرت بقع الدم على الأرض نتيجة كثافة القتل، في مشهد يذكر ببدايات الإبادة الرواندية، مؤكدة أن ما يحدث لم يكن مفاجئا بل كان متوقعا منذ شهور.

تظهر الصورة التي نشرها المجلس النرويجي للاجئين عائلات نازحة من الفاشر (أسوشيتد برس)

وكانت الفاشر تضم أكثر من مليون نازح فروا من مناطق أخرى من دارفور، ليجدوا أنفسهم محاصرين مجددا في ظروف مأساوية تجمع بين الجوع والخوف والموت، كما تقول الكاتبة.

وترى الكاتبة أن سقوط الفاشر يمثل نقطة تحول خطيرة في حرب السودان المستمرة منذ أكثر من عامين بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهي حرب تعود جذورها إلى انهيار الشراكة الهشة بين العسكريين والمدنيين بعد ثورة 2019 التي أطاحت بالرئيس عمر حسن البشير.

ونبهت نسرين مالك إلى أن الحرب لم تعد بين جيش نظامي ومليشيا خارجة عن السيطرة كما بدأت، بل بين جيشين متكافئين في القوة والسلاح والتمويل الخارجي، مما جعل الصراع أكثر دموية واستعصاء على الحسم.

ومنذ ذلك الحين نزح الملايين، وقتل نحو 150 ألف شخص، وأصبح أكثر من 30 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مع أن هذه الأرقام لا تعكس عمق مأساة السودان ولا سرعة انهياره ولا القسوة المفرطة التي مارست بها قوات الدعم السريع حملتها في دارفور، كما تقول الكاتبة.

دعوة للتحرك

وحملت الكاتبة جزءا كبيرا من المسؤولية لإحدى الدول الإقليمية، التي وصفتها بأنها الراعي الأساسي لقوات الدعم السريع، من خلال تمويل وتسليح المليشيا التي سبق أن استعانت بها في حرب اليمن.

المأساة السودانية ليست منسية بل مهملة عمدا، مما يعكس تحول السياسة الخارجية العالمية من الدبلوماسية الأخلاقية إلى البراغماتية العارية التي تحكمها المصالح الاقتصادية والسياسية فقط

وقد مكن هذا الدعم -كما تقول الكاتبة- قوات الدعم السريع من مواصلة جرائمها، ومنح تلك الدولة في المقابل نفوذا اقتصاديا وسياسيا في السودان، لا سيما عبر السيطرة على ذهب دارفور ومناطق التعدين في الغرب.

إعلان

وتتهم الكاتبة المجتمع الدولي، وعلى رأسه بريطانيا والولايات المتحدة، بالتواطؤ بالصمت، لتغاضيهما عما يحدث حفاظا على مصالحهما وعلاقاتهما الدولية.

وخلصت نسرين مالك إلى أن العالم لا يمكنه الادعاء بعدم المعرفة بما يجري، لأن الجرائم باتت مرئية من الفضاء البعيد، مشيرة إلى أن المأساة السودانية ليست "منسية" بل مهملة عمدا، مما يعكس تحول السياسة الخارجية العالمية من الدبلوماسية الأخلاقية إلى البراغماتية العارية التي تحكمها المصالح الاقتصادية والسياسية فقط.

وختمت الكاتبة مقالها بدعوة صريحة إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي، محذرة من أن سكان الفاشر محاصرون في ساحة قتل، وأن كل دقيقة تأخير في التدخل تعني مزيدا من الدماء.

مقالات مشابهة

  • هذه أبرز ملامح المقترح الأمريكي لإبرام هدنة إنسانية في السودان
  • من غزة إلى دارفور.. مصر بين نيران التفكيك الجيوسياسي
  • مخاوف العرقية وتوسيع الرباعية
  • الصحة العالمية بالسودان: 18 ألف إصابة بالكوليرا في دارفور
  • السودان.. اجتماع مجلس الأمن والدفاع ينتهي دون الاتفاق على هدنة
  • غارديان: الدم المسفوك في السودان يُرى من الفضاء
  • الإطار يشكر نفسه على قيادة العراق والنجاحات الساحقة التي قدمها للبلد!!!
  • لماذا وصف ترامب اتفاق وقف إطلاق النار بغزة بـالمتين للغاية؟
  • هل يصمد اتفاق غزة أمام ملف مقاتلي حماس العالقين بالأنفاق؟
  • تركيا تسيطر على مياه العراق لخمس سنوات: اتفاق تاريخي أم تنازل خطير؟