الهبوت بين الوظيفة الاجتماعية والصناعة الثقافية
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
تمثّل الأحداث والوقائع في المجتمع مادة خصبة للباحث في الدراسات الثقافية، من خلال رصد بعض التحولات الاجتماعية وتطورها من الحالة العابرة إلى الظاهرة التي تصبح عُرفا اجتماعيا لا يمكن التنازل عنه إلا باتباع ظاهرة أخرى تحل محل الأولى أو تتطور عنها، فخلال الأيام الماضية أقيمت مسابقة لشاعر الهبوت بتنظيم من مجلس ظفار الثقافي للتراث والإبداع (قيد الإشهار)، وقد حظيت المسابقة بمتابعة جماهيرية على نطاق واسع في محافظة ظفار، وامتد صيتها إلى محافظة المهرة في الجمهورية اليمنية الشقيقة نظرا لمشاركة متسابقين يمنيين في الفعالية.
يمثل فن الهبوت إعلان القبيلة لمشاركتها في المناسبات الاجتماعية كالأعراس وحفلات شفاء المرضى وعودة المسافرين، وفي السابق تقام لمناسبات الختان. تتضمن قصائد الهبوت الاعتزاز بالقبيلة ومنافسة القبائل الأخرى بذكر المناقب التي تميزها عن غيرها واجترار الأحداث التاريخية في المنطقة، بمعنى أن فن الهبوت فن قبلي بامتياز، ومناسبة لظهور شعراء ارتبط ظهورهم وشهرتهم بهذا الفن. أسهم فن الهبوت في الماضي في عقد المصالحات القبلية وتكوين الأحلاف وإشاعة التفاهم بين المكونات القبلية في المحافظة، وربما تضاف هذه القيمة إلى سجل الهبوت.
وقبل العودة إلى المسابقة المذكورة، أريد أن أستبق القارئ لأبيّن أنني لست بصدد تقييم المسابقة بقدر ما هي محاولة لدراسة الحالة وكيفية تطوير المفردات الثقافية وتحويلها إلى صناعة ثقافية، فقد جرت التحضيرات للمسابقة منذ شهر مايو الماضي، ووضعت اللجنة المنظمة شروط المسابقة، واختارت المحكمين من الشعراء في التصفيات الأولية، قبل أن تمنح الجمهور حق التصويت للمتسابقين عبر الرسائل النصية، إذ وفرت شركات الاتصالات العاملة في سلطنة عمان فرصة لمشتركيها في التصويت. هنا بالتحديد خرج التقييم من إطاره الفني في اكتشاف المواهب الشابة والاهتمام بفن الهبوت، إلى ساحات التواصل الاجتماعي، حيث ذهبت كل قبيلة تدعو إلى التصويت لأبنائها المشاركين في المسابقة، فتم التحشيد وإثارة الرأي العام عبر شراء الأصوات وتحميل المصوتين أعباء مالية استجابة لنداء (الفزعة) لمساندة أبناء قبائلهم.
كان بالإمكان إقامة المسابقة دون ضجيج أو ردود أفعال غير مرغوبة كما حدث لاحقا، لو أن لجنة التحكيم اتّبعت آلية ممنهجة ومُحكّمة بعيدا عن التصويت الجماهيري الذي يقلل عادة من موهبة الشاعر وإبداعه، نقول لو لم يشترك الجمهور في التصويت لما حدث الضجيج وردود الأفعال التي لا أجد داعيا لسردها هنا.
إذن ما العلاقة بين مسابقة فن الهبوت وبين صناعة الثقافة؟ تحضر الإجابة في كتاب «النظرية الثقافية والثقافة الشعبية» للكاتب البريطاني جون ستوري (74 عاما) بترجمة صالح أبو أصبع وفاروق منصور، وصدرت الترجمة العربية للكتاب سنة 2014 عن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، حيث يخبرنا ستوري بأن مصطلح صناعة الثقافة قد وُلِد في مدرسة فرانكفورت سنة 1944 على يدي ثيودور أدورنو (1903-1969) وماكس هوركهايمر (1895-1973) «للتعبير عن منتجات الثقافة الجماهيرية وعملياتها»، وبما أنها كذلك فإنها «لا تشجع الجماهير على التفكير فيما وراء حدود الحاضر»، بل إن صناعة الثقافة تحاول تسطيح الأدب والفن والذوق عبر التقليل من قيمة الثقافة الرفيعة لأنها تشكّل بُعدا آخر للواقع، وتسعى إلى تحقيق القيمة المالية على حساب الثقافة الأصلية وتحرمها من وظيفتها النقدية، إذ يطغى تسليع الثقافة والمتاجرة بها، كما يقول مؤلف كتاب النظرية الثقافية، وهذا ما يمكن إسقاطه على المسابقات التي تعتمد على العناصر الثقافية في صناعة محتواها ثم يتم تسويق المنتج بواسطة شركات الاتصالات التي يمثل لها التصويت والمنافسة سواء على مستوى المكونات الاجتماعية القبلية، أو عن طريق التنافس بين الدول، كما شاهدنا ذلك في الكثير من المسابقات التي تربح أكثر من الجوائز التي تمنحها للفائز.
إن مسابقة شاعر الهبوت تُعلمنا أن الثقافة منجم لكل صناعة محتوى، ويمكن الاعتماد عليها في ابتكار أساليب حديثة بغية الاهتمام بالعناصر الثقافية ونقلها إلى الأجيال القادمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صناعة الثقافة
إقرأ أيضاً:
إطلاق الجائزة الوطنية للإبتكار المدرسي
أعلنت وزارة التربية الوطنية، عن إطلاق المسابقة الوطنية “الجائزة الوطنية للابتكار المدرسي”، ابتداءً من الدخول المدرسي 2025-2026.
وحسب بيان للوزارة، تخصص المسابقة، في طبعتها الأولى لموضوع الابتكار في مجال الروبوتيك.
وتنطلق المسابقة أول أكتوبر 2025 عبر كامل التراب الوطني، على أن يكون آخر أجل لتسليم التلاميذ لمشاريعهم داخل مؤسساتهم التعليمية هو 25 جانفي 2026.
فيما سينظم حفل تكريمي وطني للفائزين الأوائل وطنيا يوم 16 أفريل 2026، تزامنا مع إحياء يوم العلم.
وتفتح هذه المسابقة أمام تلميذات وتلاميذ جميع المستويات التعليمية في مؤسسات التربية والتعليم العمومية والخاصة، قصد تشجيعهم على تجسيد أفكارهم المبتكرة من خلال مشاريع تقنية تطبيقية. تبرز مهاراتهم وتعزز ميولهم نحو البحث والتجريب، ضمن بيئة مدرسية محفزة.
كما يمكن المشاركة في المسابقة بصفة فردية أو جماعية، على أن يتراوح عدد أعضاء كل مجموعة بين تلميذين و6 تلاميذ. مع ضرورة إنجاز المشروع داخل المؤسسة التعليمية. وألا يكون قد شارك مسبقا بنفس المشروع في مسابقات أخرى.
وتندرج هذه المسابقة ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى: اكتشاف وتثمين القدرات الابتكارية لدى التلاميذ تطوير التفكير العلمي وتعزيز المقاربة التشاركية في التعلم. كما تحفز التلاميذ على توظيف المعارف النظرية في مشاريع ملموسة غرس قيم التعاون التحليل. والتفكير المنطقي ودعم توجه المدرسة الجزائرية نحو الرقمنة واقتصاد المعرفة.
كما يتم الترشح للمسابقة من خلال تقديم ملف يتضمن استمارة مشاركة تسحب من المؤسسة التعليمية. مرفقة بعرض تقديمي حول المشروع. وفيديو توضيحي قصير لا تتجاوز مدته ثلاث (03) دقائق. كما يُدرج على قرص مضغوط (CD). وذلك وفق الشروط المبينة في المنشور الوزاري المنظم للمسابقة.
وجددت وزارة التربية الوطنية دعوتها لجميع التلميذات والتلاميذ عبر المستويات التعليمية إلى خوض غمار هذه المسابقة الوطنية. التي تفتح أمامهم آفاقا واسعة للتعبير عن قدراتهم الابتكارية وتجسيد طموحاتهم العلمية في مشاريع ملموسة.
كما تمثل هذه المبادرة، خطوة جديدة نحو مدرسة جزائرية خلاقة، تراهن على ذكاء أبنائها لإعادة تشكيل ملامح المستقبل.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور