سودانايل:
2025-12-13@12:52:39 GMT

السودان: بعد سقوط الأقنعة لا للبكاء والعويل

تاريخ النشر: 9th, July 2024 GMT

د. عكاشة السيد عكاشة

يمر السودان الآن بمرحلة خطيرة من تاريخه تتمثل فى فقدان التوازن الذى يهدد البلاد بالإنهيار السياسى الكامل وكل الظواهر والأحداث حالياً تشيرإلى تفكك القيم الإجتماعية وإندثار الأعراف والتقاليد وسط أجواء حملة واسعة وشديدة وقوية لإنتشار خطاب الكراهية والتحريض على القتال وأصبحت هناك تحديات كثيرة تواجه البلاد وتضع أمامنا إفتراضات أكثر حدة فيما قد يحدث فى ظل إننا نواجه حالياً إنفراط عقد النظام العام والنسيج الإجتماعى مع إستمرار تنامى إرتفاع صيحات المتخرصون والمرجفون فى المدينة الذين يسعون بشتى الطرق إلى تأجيج نيران الصراع والحرب بكل الوسائل الممكنة لزيادة الإنشقاق والإنفراط المجتمعى .


سودان اليوم ليس كسودان الأمس بكل المقاييس فى كافة النواحى وإن عسكرة الحكم فى السودان لحقب طويلة أضرت بالتطور الطبيعى المنشود للمسيرة الديمقراطية وجعلت السودان فى حاجة ماسة للإصلاح الشامل فى كافة مناحى وأوجه الحياة FULL REFORM وإن ظاهرة بقاء الجيش كجزء أساسى فاعل فى الصراع السياسى الدائر فى البلاد منذ الإستقلال كانت نتيجته الطبيعية تنامى مظاهر العنف والعنف المضاد بصورة كبيرة كما أن وجود علاقة ملتبسة بين العسكر وبعض القوى السياسية قد ساهم وزاد فى سؤ الأحوال وتعقيداتها وإن عملية التهميش السياسى والإجتماعى والإقتصادى والإستعلاء العرقى من بعض الشرائح كانت نتيجته إندلاع وإشتعال نيران الحرب فى كافة أرجاء البلاد .
سلطة الأمر الواقع الحاكمة حالياً فى السودان تقرأ من نفس كتاب الإنقاذ الذى درجت فيه على عقد الحوارات والإتفاقيات لتجميل وجه النظام دون حصول تغيير جذرى فى بنية الدولة وسياساتها والإنقاذ كانت تقوم خلال إتفاقياتها بعملية إستيعاب فقط للمنحازين للسلام وكانت تعمل على بسط نفوذها وتفرض عليهم تنفيذ برنامجها فقط رغم توقيعهم على إتفاقيات السلام دون مراعاة لأى تفاهمات كانت قد تمت معهم بالتراضى الأمر الذى أفرغ تلك الإتفاقيات من كل محتواها وأهدافها المرجوة وأوقف كل الأمال والأحلام فى عملية تجديد الحياة السياسية فى البلاد وتقدمها للأمام والسلطة الحالية لم تستفيد من دروس الماضى ولم تتعظ من دروس التاريخ وبكل أسف هناك عدد من الإحزاب السياسية المتأكلة قد ساهمت وشاركت بشكل أو بأخر فى وأد عملية الإرتقاء الديمقراطى ومسيرة التحديث والتطور الطبيعى فى البلاد .
إن إقتلاع رواسب فترة حكم الإنقاذ وما صاحبها من أخطاء والوصول إلى بناء سودان جديد تبقى مهمة أساسية ذات أبعاد وأولوية قصوى لإنطلاق عملية إعادة البناء والتحديث وهذا لا يتم بالتمنى بدون النظر فى وضع أسس جديدة لإعادة البنية النفسية للمواطن السودانى أولاً وتأهيله وصياغته من جديد بعد كل الأهوال التى عاشها والقضاء على التشوهات التى حصلت فى مسيرته وإبعاده بصورة شاملة من ظاهرة التعصب العرقى والقبلى والجهوى ولن يصبح السودان بلداً أمناً ومستقراً إلا بإعادة تصميم وتشكيل هياكل جديدة له للبناء الوطنى فى أعقاب هذه الكارثة التى نعيشها وبعد أن مس شعبنا من ضراء كبيرة نتيجة هذه الحرب العبثية المدمرة وهذا يحتاج منا إلى تفكير عميق وإسلوب مبتكر وجهد مضاعف وأن نقوم بإبتداع هندسة دستورية متطورة ومتقدمة وجديدة تساهم وتساعد فى عملية الإصلاح .
الإنقاذ قامت بإفراغ الجيش من كوادره ذات الكفاءة والخبرة وأضعفت قدراته القتالية بصورة كبيرة وخلقت الدعم السريع كجيش موازى له إضافة لقيامها بجعل جهاز الأمن والمخابرات كجيش آخر يتمتع بقدرات قتالية وقامت بتأسيس عدة مليشيات أخرى عديدة كالدفاع الشعبى والمجاهدين ومجندى الخدمة الوطنية وغيره وهذا الوضع أصبح يعقد المشكلة الحالية وآليات الحلول السلمية لها ويصبح حل هذه المعضلة ومعالجتها يحتاج إلى وقفة متأنية ويتطلب التروى والمرونة فى التناول وبسط العدالة والتعامل بالحسنى وإبرازحسن النية لإزالة المخاوف والشكوك بين المجموعات ذات الأراء المتباينة والعمل بتأنى على زرع الطمأنينة والأمان وسط كافة المواطنين وضمان تمتعهم بالحد الأدنى من الأمن الجماعى لبسط السلام والإستقرار بالتدرج وهذا لن يتحقق إلا من خلال العدالة وحكم القانون وإحترام الحقوق الأساسية للمواطنين جميعاً وفق المواطنة كأساس للحقوق والواجبات .
إن التحول الديمقراطى مسؤولية كبيرة ومهمة تهم جميع السودانين بكل أطيافهم كافة من أجل الخروج الآمن من هذا النفق المظلم و التحول الديمقراطى الذى نسعى إليه جميعاً كهدف منشود ولكن لن تنطلق مسيرته بقوة إلا إذا كنا نملك الإرادة والصدق فى المسعى لجعل الحلم حقيقة وذلك عبر بسط المصالحة الوطنية الشاملة وإفشاء روح التسامح كركيزة للتفاهم والإتفاق والتحول الديمقراطى ليس حكراً على حزب أو مجموعة أو فئة بل مسؤولية الجميع ولذلك يجب أن تتضافر وتبذل من أجله جهود جماعية قوية وأن تنبنى مسيرته وفق الوضوح التام والمصداقية فى التناول وبسط المعرفة وسط الجماهير بالواقع المعاش والتطورات الجارية خلف كواليس السياسة واللقاءات التى تتم فى ظل التعتيم الذى تفرضه بعض الأقلام التى فرضت نفسها على الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وهم يبيعون يومياً الكذب والوهم للجمهور بلا خجل ويتصدون بالإساءة وبكل ما جاء من كلمات جارحة لكل فرد ينادى بلا للحرب ويوقدون نيران الفرقة والتحريض والكراهية بين الناس دون أن يرمش لهم جفن ( الإختشو ماتوا ) .
الرئيس الأوغندى يورى موسيفنى بإستلامه ملف السلام السودانى يبقى هو الأمل الوحيد المتبقى لجلب الأمن والسلام للشعب السودانى وإسكات صوت البندقية وهوزعيم مؤهل لذلك لما يملك من مؤهلات عسكرية وخبرات سياسية كبيرة وهو لاعب أساسى على المستوى الأقليمى فى مجموعة دول إتحاد شرق أفريقيا والبحيرات العظمى منذ فترة طويلة وله نفوذ قوى على مستوى القارة الأفريقية ولكنه سوف يصتدم فى جهوده المقدرة لإحلال السلام بضبابية المواقف التى تتمثل فى إن الدعم السريع أبدى موافقته وإستعداده فى الجلوس للحوار والسلام بينما قادة الجيش ما زالوا يرفضون الحوار ويصرون بشدة على الحرب ويصرحون فى وسائل الإعلام المختلفة بأنهم سيقاتلون حتى أخر جندى رغم إنهم يعلمون تماماً بخطأ موقفهم هذا وإن كل الحروب إنتهت على طاولة التفاوض وأن ليس هناك بديل للحوار إلا الحوار إذا كان فى جدة أو كمبالا أو أى مكان فى العالم .
إن الحرب الدائرة فى السودان بكل قسوتها وتداعياتها أزاحت الستار عن المخبى وكشفت كافة الأجندة التى كانت مخفية وأسقطت كل الأقنعة التى كانت تخفى وجوه الشر وما يكنه البعض من بغض وكراهية لهذا الشعب السودانى الكريم وعدم إحترامهم لإرادته وأحلامه وطموحاته المشروعة فى الحياة الكريمة والتقدم وأظهرت زيف الشعارات التى كانوا يتخفون ورائها كذباً وما إطلاقهم لصيحات الحرب الآن من وراء نوبات من البكاء والعويل المتواصل إلا شاهد على فقدانهم تماماً لكل شىء حتى حلم العودة التى أصبحت مستحيلة .
إن وقف إطلاق النار ضرورة ملحة وتصبح هى نقطة الإنطلاق الأولى نحو إرساء قواعد الأمن والسلام و هذا يتطلب رضينا أو أبينا تدخل قوات أفريقية أو دولية كقوة محايدة لفك الأرتباط والفصل بين طرفى الصراع المتقاتلين فى خطوط الإلتماس العسكرى وجميع القوى المدنية المؤمنة بشعار لا للحرب تعلم تماماً إن السلام مسألة حتمية لإستعادة الدولة السودانية مهما طال الوقت أو قصر وسوف تعمل القوى المدنية المؤمنة بالسلام على إستمرار النضال اليومى بكل السبل حتى تتم هزيمة دعاة الحرب والدمار وقارعى طبوله ومهما طال أمد الحرب وإستمر إشتعال لهيب نيرانها ستكون هناك نهاية دون شك فى ذلك وتجارب الأمم والتاريخ تؤكد هذه الحتمية ( إذا لم تجد من يفهمك لا تتعلق بالعابرين ) .
[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تناسل الحروب

تناسل الحروب

التقي البشير الماحي

قامت الإدارة الأمريكية ممثلة في وزارة الخزانة بفرض عقوبات على أفراد وشركات كولومبية لمشاركتها في القتال الدائر في السودان عن طريق مده بمرتزقة ومقاتلين، هذه الخطوة في ظني لا تأثير لها على مجريات الحرب في السودان فدوماً ما كانت هناك جهات داعمة اليوم كولمبية وأمس كوبية وغداً دولة جديدة.

السودان ظل لعقود طويلة مسرحًا للقتال بين أبناء الوطن الواحد وتناسلت فيه الحركات المسلحة بأسماء يصعب حتى حصرها. لم تشكُ حركةٌ فيه من قلة التمويل، وهذه حقيقة يعلمها قادة الحركات المصطفّون اليوم إلى جانب القوات المسلحة في قتالها ضد الدعم السريع أو تلك التي تقاتل إلى جانب الدعم السريع.

عندما تتوفر البيئة المناسبة لتوالد الناموس لا يمكنك أن تسأل عن المصادر التي يتغذى منها هذا الناموس ليعود ويمارس عليك ما برع فيه. فالشركات التي تصنع الذخيرة ووسائل القتل مستعدة دائمًا لتمويل كل من يريد استخدام منتجاتها بوسائل وطرق دفع أكثر راحة وهي فرصة للتخلص من كلفة تخزينها والعمل على تطوير منتجاتها من خلال التجربة الحقيقية على أجساد الغلابة والمستضعفين في دول العالم الثالث.

قد تصلح العقوبات وسيلة للضغط وجرّ الأطراف إلى التفاوض وتحكيم صوت العقل، ومعرفة أن هذه الحرب لا منتصر فيها على الإطلاق بعد مضي قرابة ثلاثة أعوام. الدعم السريع غير مؤهل حتى للبقاء كجسم دعك من أن يكون طرفًا في الحكم، وذلك بسبب ما حدث منه طيلة فترة الحرب وقبلها، فلم يقدم ما يشفع له صبيحة يوم إيقاف الحرب، وإلقاء اللوم دومًا على جهة أخرى حيلة لا تنطلي حتى على غافل.

قيادات الجيش السوداني غير مؤتمنة على أرواح الناس وحمايتهم وهم أكثر من فرّط في حماية الناس والأمن القومي، والجميع ينبه إلى خطورة ما يمكن أن يحدث وظلّوا هم المغذّين والقائمين على ما حدث، ورعوا ذلك حتى صبيحة الخامس عشر من أبريل محدثين أكبر شرخ مرّ على تاريخ السودان وظلّوا طيلة فترة الحرب يعيدون استخدام أسطوانة مشروخة معلومة للجميع حتى قبل قيام الحرب.

اليوم أصبح بعض قادة القوات المسلحة أكثر جرأة، وهم يطلقون مصطلح “جنجويد” وهو اسم ظلّ لفظًا يطلقه الثوار في كل محطات تبديل وتغيير هذا الاسم منذ أن سُمي بحرس الحدود وغيرها من الأسماء في محاولة لتبديل جلده حتى غدا الدعم السريع ولكن ظلّوا هم الجنجويد ماركة مسجلة باسم الحركة الإسلامية التي برعت في تغيير جلدها كالحرباء.

آخر ما توصلوا إليه تصريح أحد قياداتهم أنهم ليسوا بإخوان مسلمين ولكنهم مؤتمر وطني وكأن من علمهم الأب فليو ثاوس فرج وليس حسن البنا.

الوسومالأمن القومي الإدارة الأمريكية التقي البشير الماحي الجنجويد الجيش السوداني الحركات المسلحة القوات المسلحة المرتزقة الكولومبيين ثورة ديسمبر كوبية كولومبيا مليشيا الدعم السريع وزارة الخزانة الأمريكية

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء العراق: نجحنا في تجنيب البلاد تداعيات الصراعات بالمنطقة
  • المركزي يؤكد: السيولة متوفرة في كافة المصارف التجارية
  • «فخ» كأس العرب
  • ضرورة الحل الشامل للأزمة في السودان
  • السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
  • تناسل الحروب
  • تحطم طائرة شحن عسكرية في السودان يفاقم الأزمة الإنسانية
  • فرار جنود سودانيين إلى جنوب السودان بعد سقوط حقل هجليج
  • سقوط أمطار غزيرة ورفع حالة الطوارئ في مراكز المنوفية