مقالة في معنى إدانة الضحية الفلسطينية من فلسطيني آخر!
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
تعرّض الشعب الفلسطيني للإدانة وهو في وضع الضحية، منذ نكبة العام 1948 وإلى اليوم، وكانت تلك الإدانة تتقصّد جعل الفلسطيني في ظرف مستحيل تمتنع فيه الفاعلية الفلسطينية تماما، بما ينتهي أولا إلى تكريس المشروع الصهيوني، والإعفاء التام للعرب عن مسؤوليتهم التأسيسية في انتصار الصهاينة وفي استمرار المأساة الفلسطينية.
هذه الاتهامات تعني أنّه لا ينبغي للفلسطيني أن يفعل شيئا، فهو السبب في مأساته إن قاتل، والسبب فيها إن لم يقاتل، والسبب فيها إن اتجه للسلام مع العدوّ، والسبب فيها إن امتنع عن مسلك "السلام" هذا، وإذا كانت هذه الدعاية التي جرى استدعاؤها في بعض البلاد العربية أخيرا، مع توجّه بعض الدول العربية للاصطفاف النهائي في الخندق الإسرائيلي، باتت مألوفة ولم تعد مُستغربة على أصحابها لما بلغوه من سفول لم يكن ليخطر على قلب أكثر العرب سوداوية في أيّ يوم ماض، فإنّ ما ينبغي أن يكون مستغربا هو اتهام بعض الفلسطينيين اليوم مقاومة شعبهم بالمسؤولية عن مأساة شعبهم، هذا ما ينبغي -أي أن يكون مستغربا- لكنه للأسف لم يعد كذلك.
لو سلمنا بوجهات النظر كلّها التي من شأنها أن تناقش حماس في قرارها بخصوص عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولو تفهّمنا الخصومة معها بكلّ ما جرّته نحو إلغاء أولوية الصراع مع الاحتلال لدى بعض الفلسطينيين نحو أولوية الصراع مع حماس، فإنّه لا يمكن التسامح مع أيّ خطاب يأتي في مآلاته ومفهومه بالإدانة على الفلسطينيين كلّهم منذ مطلع قضيتهم وإلى اليوم، وبما ينتهي آخر الأمر بتبرئة المشروع الصهيوني وداعميه
لو سلمنا بوجهات النظر كلّها التي من شأنها أن تناقش حماس في قرارها بخصوص عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولو تفهّمنا الخصومة معها بكلّ ما جرّته نحو إلغاء أولوية الصراع مع الاحتلال لدى بعض الفلسطينيين نحو أولوية الصراع مع حماس، فإنّه لا يمكن التسامح مع أيّ خطاب يأتي في مآلاته ومفهومه بالإدانة على الفلسطينيين كلّهم منذ مطلع قضيتهم وإلى اليوم، وبما ينتهي آخر الأمر بتبرئة المشروع الصهيوني وداعميه من الجريمة التاريخية غير المسبوقة بتهجير الشعب الفلسطيني وإحلال غيره مكانه؛ في إهانة للضمير الإنساني والعقل الآدمي، إهانة لا مثيل لها في الفحش واحتقار البشر، ولا يمكن لأيّ عبارات احترازية أو استدراكية من قبيل "وبالرغم من أن الاحتلال لا يحتاج الذرائع.."؛ أن تغطّي على هذه الجريمة، جريمة إدانة الضحية، التي تطال الفلسطينيين كلّهم من مطلع قضيتهم وإلى اليوم!
وإذا كان الانشغال بنقد المقاومة الفلسطينية ساعة الحرب الطاحنة التي لا تمييز فيها بين فلسطيني وآخر في قطاع غزّة؛ غير مقبول لصرفه أولويات النقاش عن جريمة العدوّ وما ينبغي أن يقابلها من تدبير يرفع العدوان، إلى تنفيس غضب داخلي، أو تمركز حول الذات المهزومة؛ التي لا ترى في الفلسطيني إلا العجز الأبديّ وفي الإسرائيلي إلا القدرة المطلقة، وإذ يمكن إرجاء ذلك كلّه تاليا، لا سيما وأن أكثر أصحابه ممن عُرفت مواقفهم وآراؤهم لم يدخروا مساحة من قبل إلا وبثّوا فيها الأفكار ذاتها، فالعودة للإلحاح عليها ساعة الحرب لا معنى له إلا الجمود على الذات المتذلّلة بالهزيمة أو المتورّمة بالنرجسية، فإنه لا يمكن تصوّر أن يبلغ الأمر بفلسطيني إلى اتهام المقاوم الذي يقع عليه العدوان ويحمل على كتفه واجب صدّه؛ بالمسؤولية عن استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزّة! وفي هذا من الدلالة ما فيه على ما بلغته الحالة الفلسطينية، لا بسبب الاختلاف الداخلي، ولكن بسبب ما آل إليه مشروع التسوية، بتحويل جزء كبير من الحركة الوطنية الفلسطينية إلى جزء من النظام الإقليمي العربي، وبما يفرض عليه حتميات وضع سلطة في ظلّ الاحتلال.
وهذه القضية في درجة من الوضوح الأخلاقي والبداهة العقلية بما ينبغي ألا تحوج إلى الاستدلال لها. إذ كيف يمكن اتهام الضحية بالمسؤولية عن عدوان أوّلي تأسيسي، قام أصلا على التطهير العرقي؟! إلا أنّ الخطير في مثل هذه الاتهامات، ليس فقط في الدعاية الآنية المضادة للمقاومة والخادمة بالضرورة لحرب العدوّ ودعايته، ولكن أيضا في الإتيان الرجعي الكامل بالإدانة على الشعب الفلسطيني، فإنّ كانت المقاومة في غزّة اليوم مسؤولة عن مأساة الشعب هناك، أو على الأقل عن استمرار الحرب إلى اليوم، أو عن توفير الذرائع للعدوّ لقصف خيام النازحين.
فقد كان شعبنا طول تاريخه مسؤولا، بحسب هذا المفهوم، عن مأساته التي أخذت شكل التطهير العرقي والتشريد والمجازر والمذابح! وينبغي اليوم على الفلسطيني صاحب هذه الدعاية المضادّة للمقاومة في غزّة أن يعتذر عن تاريخه إن كان له تاريخ مقاوم، فما من مقاومة فلسطينية تأسست على الموقف من الاحتلال القَبْلي إلا وتبعها عنف فاحش من الاحتلال، فإن كان البعض قد وصل إلى قناعة بكون المقاومة تسويغا لجرائم الاحتلال، فليس له أن يتغنّى برصاصه السابق لأنّ المستفاد منه، بحسب مفهومه اليوم، لم يكن إلا استدعاء عنف الاحتلال وتسويغه وتدفيع الآمنين الفلسطينيين الثمن!
النقد غير المسؤول للضحية ومن يقاوم الاستعمار ساعة الحرب، أو النقد المستطيل في الخصومة على حساب الأولوية الأخلاقية والوطنية والنضالية، خادم بالضرورة لأغراض سياسة العنف الاستعماري، فإنّ مثل هذا النقد، لا سيما ذلك الصريح في تحميل الضحية المسؤولية، يطمس الطبيعة الاستعمارية الصهيونية، التي تقوم على مبدأ التعارض الوجودي الفيزيائي بين الفلسطيني والإسرائيلي
وبالرغم من أنّ سياسة العنف الاستعماري، تاريخيّا، لا تهدف إلا إلى البلوغ بالشعوب التي تعاني الاستعمار إلى القناعة باستحالة أيّ شيء، بل خطيئة أيّ فعل مضاد للاستعمار، مما يعني أنّ النقد غير المسؤول للضحية ومن يقاوم الاستعمار ساعة الحرب، أو النقد المستطيل في الخصومة على حساب الأولوية الأخلاقية والوطنية والنضالية، خادم بالضرورة لأغراض سياسة العنف الاستعماري، فإنّ مثل هذا النقد، لا سيما ذلك الصريح في تحميل الضحية المسؤولية، يطمس الطبيعة الاستعمارية الصهيونية، التي تقوم على مبدأ التعارض الوجودي الفيزيائي بين الفلسطيني والإسرائيلي، لأنّ منطق الوجود الإسرائيلي هو النفي؛ النفي المادي للفلسطينيين، كما حصل في حرب التطهير العرقي التي فرضت عليهم في النكبة، وكما يحصل في حرب الإبادة الجماعية في غزة الآن، وكما يحصل في إعدام المجال الحيوي للفلسطينيين بالضفة بفعل الاستيطان وسياسات الإطباق الأمني والعسكري وتنظيم هجمات الترويع من المستوطنين على بلدات الفلسطينيين، والنفي المعنوي بإلغاء الكيانية السياسية للفلسطينيين، كما اتضح يقينا في المآل النهائي لمسار التسوية الذي كانت صورته فيما يسمى خطة ترامب!
وبالرغم من مئات الأمثلة التي ينبغي أن تكون معروفة لكلّ فلسطيني عن كون الإسرائيلي في جرائمه لا ينطلق من ذريعة ولا يحتاج للتغطي بالذريعة، إذ لا ذريعة أصلا في احتلاله التأسيسي وتهجيره شعبنا سوى ذلك الاحتقار سابق الذكر للضمير الإنساني، فإنّ أيديولوجيا "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب"، و"الفلسطيني الجيد الفلسطيني الميت"، هي الرافعة المؤسسة للفكر الصهيوني، وللسياسات الإسرائيلية، بما في ذلك الإبادة الجماعية. ومهما كان الخلاف مع الضحية، أو مع أيّ تشكيل للمقاومة الفلسطينية، فإنّ البلوغ به درجة تحميله المسؤولية عن مأساته؛ يعني طمس الأيديولوجيا الصهيونية العنصرية، وغسل "إسرائيل" من جرائمها، بما لا تسعى إليه هي نفسها، وهذا من أغرب ما يمكن أن يطرأ على الوجود البشري من مفارقات!
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني حماس الاحتلال المقاومة غزة جرائمه فلسطين حماس غزة الاحتلال جرائم مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الفلسطینی بالمسؤولیة عن ساعة الحرب وإلى الیوم إلى الیوم ما ینبغی لا یمکن
إقرأ أيضاً:
استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين باقتحامات وعمليات دهم في الضفة (شاهد)
استشهد فتى فلسطيني وأصيب آخر برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي التي اعتقلت عدة فلسطينيين خلال اقتحامات لعدد من مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن الفتى محمد عباهرة (16 عاما) استُشهد برصاص الاحتلال قرب بلدة السيلة الحارثية بمحافظة جنين شمالي الضفة الغربية، وإن قوات الاحتلال تحتجز جثمانه.
في المقابل، قال جيش الاحتلال إن قواته قتلت "فلسطينيا مسلحا" بزعم إلقائه عبوة ناسفة تجاه الجنود دون وقوع إصابات.
#صورة | الشهيد الفتى محمد إياد محمد عباهرة (16 عاماً) من بلدة اليامون، الذي ارتقى برصاص الاحتلال في بلدة السيلة الحارثية غرب جنين، واحتُجز جثمانه. pic.twitter.com/DrXgEFax8k — المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) December 13, 2025
وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إن طاقمه في بلدة الرام شمال القدس نقل إلى المستشفى شابا مصابا بالرصاص الحي في الرِجل، بعد مواجهات عنيفة بين شبان فلسطينيين وجيش الاحتلال.
كما اقتحم الاحتلال قرية عبوين شمالي مدينة رام الله، وأطلق قنابل الصوت والغاز، وداهم عددا من المنازل واتخذ من بعضها نقاطا لانتشار القناصة، فيما أغلق جيش الاحتلال جميع مداخل القرية ومنع السكان من الدخول أو الخروج.
وشملت اقتحامات جيش الاحتلال في رام الله أيضا بلدات وسنجل وعارورة وكفر مالك.
وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) إن جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحم بلدة بيتا جنوبي مدينة نابلس شمال الضفة، واعتقل الطفل تيم رائد حمايل (14 عاما).
ومساء السبت أصيب، فلسطينيان برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي وسط وشمالي الضفة الغربية.
وبحسب بيان صادر عن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، فإن طواقهما نقلت إلى المستشفى إصابة لشاب (30 عاما) برصاص حي في الرِجل في بلدة الرام شمال القدس (وسط)، دون تفاصيل أخرى حول الملابسات أو حالة الشاب.
وشمالي الضفة، قالت إذاعة صوت فلسطين، إن فلسطينيا أصيب برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات شهدتها بلدة سيلة الحارثية، غرب مدينة جنين.
وأضافت أن البلدة شهدت “مواجهات عنيفة بين شبان فلسطينيين وجيش الاحتلال”.
قوات الاحتلال تواصل اقتحام بلدة سيلة الحارثية، غرب جنين. pic.twitter.com/lEu0w2zPMf — شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) December 13, 2025
وفي وقت سابق، نقلت شبكة "بي بي سي" عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن الاحتلال يتبنّى في الوقت الحاضر "استراتيجية جديدة" في الضفة الغربية كما وصفها، تقوم على استهداف قدرات المسلحين الفلسطينيين الموجودين هناك، قبل أن تتشكّل لديهم نية لتنفيذ هجمات، بحسب تعبيره.
ويأتي ذلك في ظل ارتفاع ملحوظ في وتيرة التحركات الأمنية والعسكرية لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة خلال الأسابيع والأشهر الماضية، والتي يُرجّح أن تستمر، ولا سيما مع مزاعم اكتشاف الجيش أسلحة في مناطق مختلفة هناك بشكل شبه يومي، على حد قوله.
المسؤول العسكري قال إن مناطق مثل طوباس وطولكرم وجنين تُشكل، وفق تقييمه، تعد "بؤراً مركزية" للنشاط المسلح ، وهو ما يبرر شن عمليات بشكل "استباقي"، مشيرًا إلى اعتقال أعداد كبيرة ممن وصفهم بالمطلوبين، إلى جانب فرار آخرين باتجاه ما سمّاها المناطق المفتوحة "بعد انهيار مراكز نفوذهم داخل المخيمات"، وتابع المسؤول الإسرائيلي الذي رفض الكشف عن اسمه في إحاطة مع الـ"بي بي سي" نيوز عربي بالقول إن الجيش "غير مستعد لإنهاء العمليات قريبًا.
وخلال عامي الإبادة الجماعية التي بدأتها تل أبيب في غزة في الثامن تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشهد الضفة الغربية تصعيدا غير مسبوق في هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين ضد الفلسطينيين أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 1092 فلسطينيا، وإصابة قرابة 11 ألفا، إلى جانب اعتقال ما يفوق 21 ألفا، وفق معطيات رسمية.
بينما خلّفت حرب الإبادة أكثر من 70 ألف شهيد فلسطيني ونحو 171 ألف جريح في غزة، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا مع كلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.