صندوق النقد الدولي.. الاقتصاد العالمي في مأزق
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
أبوظبي (الاتحاد)
قال صندوق النقد الدولي إن توقعاته المحدثة لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر يوليو 2024 تشير إلى اتساق النمو العالمي مع توقعاته السابقة في عدد أبريل 2024، والتي توقعت تسجيل الاقتصاد العالمي نمواً بنسبة 3,2% في عام 2024 و3,3% في عام 2025.
وأشار الصندوق في تقريره الذي حمل عنوان«الاقتصاد العالمي في مأزق»، إلى عرقلة تضخم أسعار الخدمات التقدم المرجو نحو إبطاء معدلات التضخم، مما يصعب معه استعادة السياسات النقدية العادية.
الغيوم لم تنقشع بعد
وقال الصندوق إن المخاطر المحيطة بالآفاق لا تزال متوازنة بوجه عام، غير أن هناك بعض المخاطر قريبة المدى التي برزت على السطح، منها احتمالات تجاوز التضخم للتوقعات نتيجة عدم إحراز التقدم المرجو نحو إبطاء أسعار الخدمات، والضغوط السعرية الناشئة عن التوترات التجارية والجيوسياسية المتجددة.
آفاق متقلبة
تعكس توقعات خبراء الصندوق ارتفاع توقعات أسعار السلع الأولية، بخلاف الوقود بنسبة 5% في عام 2024، وبحسب التوقعات، تتراجع أسعار السلع الأولية من الطاقة بحوالي 4.6% في 2024، أي دون المتوقع في عدد أبريل، مما يعكس ارتفاع أسعار النفط نتيجة تخفيضات الإنتاج الحادة التي أقرتها بلدان أوبك+، والضغوط السعرية التي رغم تراجعها لا تزال قائمة بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط، ولا يزال من المتوقع تراجع أسعار السياسة النقدية في البنوك المركزية الرئيسية خلال النصف الثاني من 2024، مع اختلاف وتيرة عودة السياسات العادية بسبب تفاوت أوضاع التضخم.
التضخم
ووفقاً لأحدث توقعاته قام الصندوق بتعديل توقعات نمو الاقتصاد الأميركي نزولاً إلى 2.6% في عام 2024 (أقل بمقدار 0.1 نقطة مئوية من توقعات أبريل)، ما يعكس البداية الأبطأ من المتوقع للاقتصاد. كما توقع الصندوق أن يتباطأ النمو إلى 1.9% في 2025 مع تباطؤ سوق العمل واعتدال الاستهلاك، ومع بدء تشديد سياسة المالية العامة تدريجياً. وبحلول نهاية عام 2025، من المتوقع أن يتناقص النمو إلى أقصى إمكاناته، ما يسد فجوة الناتج الإيجابية.
الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لا يزال إنتاج النفط والصراعات الإقليمية تلقي بظلالها على الآفاق المستقبلية. وتم تعديل توقعات النمو لعام 2024 في المملكة العربية السعودية بالخفض بمقدار 0.9 نقطة مئوية إلى 1.7% في 2024، ويعكس التعديل بشكل أساسي تمديد تخفيضات إنتاج النفط. وتوقع الصندوق نمو اقتصاد السعودية 4.7% في 2025.
وتوقع الصندوق أن ينمو اقتصاد مصر بنسبة 2.7% خلال العام الجاري، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 0.3% عن توقعاته السابقة في أبريل الماضي. وبالنسبة لعام 2025، توقع الصندوق أن يبلغ معدل النمو 4.1%، أيضاً بانخفاض 0.3% عن توقعاته السابقة.
منطقة اليورو
وفي منطقة اليورو، يبدو أن النشاط قد وصل إلى أدنى مستوياته، وتماشياً مع توقعات أبريل 2024، هناك ارتفاع متواضع إلى 0.9% في عام 2024 (تعديل بالزيادة بنسبة 0.1 نقطة مئوية عن توقعات أبريل)، مدفوعاً بالزخم الأقوى في الخدمات وصافي الصادرات الأعلى من المتوقع في النصف الأول من العام، ومن المتوقع أن يرتفع النمو إلى 1.5% عام 2025. ويدعم ذلك زيادة الاستهلاك على خلفية ارتفاع الأجور الحقيقية، فضلاً عن زيادة الاستثمار نتيجة لتخفيف شروط التمويل وسط تخفيف تدريجي للسياسة النقدية هذا العام.
الأسواق الناشئة
وقام الصندوق بتعديل توقعات النمو في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية صعوداً، وترجع هذه الزيادة المتوقعة إلى نشاط أقوى في آسيا، وخاصة الصين والهند. وبالنسبة للصين، تم تعديل توقعات النمو صعوداً إلى 5% في عام 2024، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انتعاش الاستهلاك الخاص والصادرات القوية في الربع الأول. وفي عام 2025، من المتوقع أن يتباطأ الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5%، وأن يستمر في التباطؤ على المدى المتوسط إلى 3.3% بحلول عام 2029، بسبب الرياح المعاكسة الناجمة عن الشيخوخة وتباطؤ نمو الإنتاجية. كما تم تعديل توقعات النمو في الهند صعوداً إلى 7% هذا العام، ويعكس التغيير تحسين آفاق الاستهلاك الخاص، لا سيما في المناطق الريفية.
التجارة العالمية
وتوقع الصندوق ارتفاع نمو التجارة العالمية إلى نحو 3.5% سنوياً في الفترة 2024-2025 (من شبه الركود في عام 2023) وأن يتماشى مع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي مرة أخرى. ومن المتوقع أن يكون الارتفاع في الربع الأول من هذا العام معتدلاً مع بقاء التصنيع ضعيفًا. وعلى الرغم من تزايد القيود التجارية عبر الحدود، ما أضر بالتجارة بين الكتل المتباعدة جيوسياسياً، فمن المتوقع أن تظل نسبة التجارة العالمية إلى الناتج المحلي الإجمالي مستقرة في التوقعات.
وتوقع الصندوق أن يستمر التضخم العالمي في الانخفاض، فيما تشير التوقعات المعدلة في الاقتصادات المتقدمة، إلى تباطؤ وتيرة تراجع التضخم في عامي 2024 و2025. وذلك لأنه من المتوقع الآن أن يكون التضخم في أسعار الخدمات أكثر ثباتاً وأن ترتفع أسعار السلع الأساسية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
بين كلفة الدين العالمي وتحديات الفائدة وملامح تباطؤ الاقتصاد الدولي 2025-2026: لبنان إلى أين؟
من الواضح للعيان بعد جملة تقارير دولية أن العالم يقف اليوم أمام مرحلة دقيقة من التحول الاقتصادي، حيث لم تعد السياسات التقليدية القائمة على الإنفاق والاقتراض كافية لضمان التعافي. ويبدو أن المَخرج الوحيد يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين الانضباط المالي وتحفيز الإنتاج، وبين الواقعية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، حتى لا يتحول تباطؤ النمو في عامي 2025 و2026 إلى أزمة طويلة الأمد تطال أسس النظام المالي الدولي بأسره.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي في تقاريره الأخيرة إلى أن الاقتصاد العالمي مقبل على مرحلة تباطؤ خلال عامي 2025 و2026، مع تسجيل معدلات نمو متدنية مقارنة بالسنوات السابقة. فوفق تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في نيسان/ أبريل 2025، يتوقع الصندوق أن يبلغ معدل النمو العالمي نحو 3 في المئة في عام 2025 و3.1 في المئة في عام 2026، وهي نسب تعكس حالة من الانكماش النسبي في النشاط الاقتصادي بعد سنوات من الاضطراب والتقلبات المتلاحقة.
وببساطة مطلقة ما يعنيه التباطؤ في النمو الاقتصادي يشي بأن العالم لا يتجه إلى الانكماش الكامل أو الكساد، بل إلى مرحلة من ضعف النشاط الإنتاجي والاستهلاكي والاستثماري، حيث تتراجع حركة التجارة العالمية وتقل وتيرة الاستثمار الخاص والعام على حد سواء. ويرتبط هذا التراجع بعدة عوامل، في مقدمتها استمرار السياسات النقدية المتشددة التي اعتمدتها البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لمواجهة التضخم الذي بقي فوق المستويات المستهدفة. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى إبطاء الاستثمار والإقراض وإضعاف حركة الأسواق المالية، إضافة إلى ما ساهمت التوترات الجيوسياسية به، لا سيما في أوكرانيا والشرق الأوسط، لجهة تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة كلفة الطاقة والغذاء، مما انعكس على الأسعار العالمية وعمّق أزمة التضخم.
وإلى جانب ذلك، تراجعت معدلات الطلب في الصين التي كانت محركا رئيسيا للنمو العالمي، وهو ما أثر سلبا في التجارة الدولية وأسواق السلع. ومع هذه التطورات، تجاوز الدين العام العالمي 95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفق صندوق النقد الدولي! في حين بلغت الديون العامة والخاصة مجتمعة أكثر من 235 في المئة من الناتج العالمي! وهو مستوى غير مسبوق في التاريخ الحديث! فهل من يدرك أن هذه الأرقام قد تكون مدخلا للحروب العالمية القادمة؟!
وفي قراءة سريعة تبدو الدول النامية الأكثر تأثرا بهذه البيئة المعقدة، إذ تواجه عبئا مزدوجا يتمثل في ارتفاع كلفة التمويل الخارجي من جهة، وتراجع تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات من جهة أخرى. فكلما رفعت الدول المتقدمة أسعار الفائدة، انجذب رأس المال نحوها بحثا عن العوائد الأعلى والأمان المالي، مما يحرم الأسواق الناشئة من التمويل الضروري لمشاريعها التنموية.
وإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع الفائدة العالمية يزيد كلفة خدمة الدين العام في هذه الدول التي تعتمد على الاقتراض الخارجي، ما يضع موازناتها تحت ضغوط مالية حادة ويحد من قدرتها على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري. وفي هذا الإطار، يبرز خطر أساسي يتمثل في أن استمرار معدلات الفائدة المرتفعة حتى عام 2026 قد يدفع بعض الاقتصادات النامية إلى حافة التعثر أو العجز عن السداد، خاصة تلك التي تشهد هشاشة مالية وتضخما مزمنا.
وهنا تزداد الحاجة إلى حلول دولية متوازنة تجمع بين الانضباط المالي والسياسات الداعمة للنمو. ومن بين المقترحات الواقعية إعادة جدولة الديون للدول الأكثر ضعفا، وتوسيع برامج التمويل الميسر التي يشرف عليها صندوق النقد والبنك الدولي، إلى جانب تحفيز الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة والبنى التحتية والتعليم، وهي قطاعات قادرة على خلق نمو مستدام دون زيادة المديونية.
أما على المستوى الوطني، فالمطلوب من الدول النامية تحسين إدارة مواردها العامة وضبط العجز المالي من دون خنق النشاط الاقتصادي. ويتعين تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتحسين كفاءة الجباية الضريبية، بما يسمح بزيادة الإيرادات من دون رفع الضرائب على الفئات المنتجة. كما أن تنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي يقللان من الاعتماد على الاستيراد ويخففان الضغط على العملات الوطنية في مواجهة الدولار.
ويُعد لبنان نموذجا بارزا لتأثير هذه الأزمات في الدول ذات المديونية المرتفعة. فوفق تقديرات صندوق النقد والبنك الدولي، تجاوز الدين العام اللبناني 160 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، فيما يعيش الاقتصاد حالة انكماش حاد وتراجع في الإيرادات العامة وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة. وقد أدى الانهيار المالي منذ عام 2019 إلى فقدان الثقة في النظام المصرفي، وتدهور سعر العملة المحلية، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
ومع استمرار ارتفاع الفائدة العالمية، فإن خدمة الدين الخارجي ستصبح عبئا إضافيا على المالية العامة في لبنان، مما يجعل أي تأخير في الإصلاحات الاقتصادية والمصرفية خطرا على الاستقرار النقدي والاجتماعي في السنوات المقبلة.
وعليه، فإن استمرار الأوضاع الحالية من دون إصلاحات جذرية في الدول النامية، وفي لبنان على وجه الخصوص، قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في النمو وإلى تفاقم الفوارق الاجتماعية وازدياد هشاشة الاقتصادات المحلية، فهل من يتعظ قبل فوات الأوان؟