مليارات الدولارات دخلت الخزينة المصرية.. هل تكبح جماح الاقتراض الخارجي؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
جذبت مصر منذ فبراير الماضي، تمويلات وتعهدات استثمارية بقيمة هائلة تتجاوز 100 مليار دولار، ساعدت البلاد جزئيا، وفق خبراء، في الحد من أزمة نقص العملات الأجنبية المتفاقمة منذ أكثر من عام.
لكن يظل السؤال قائما بشأن ما إذا كانت هذه "التدفقات والتعهدات المليارية" ستكون كافية لكبح جماح الاقتراض الخارجي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عقد.
وأعلن البنك المركزي المصري، هذا الأسبوع، عن نمو وصفه بـ"هائل" في تدفقات النقد الأجنبي للسوق المحلية بزيادة نحو 200 بالمئة، متضمنة ارتفاعا بأكثر من 100 بالمئة في تحويلات المصريين بالخارج، مقارنة بمستوياتها قبل "توحيد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه".
كما كشف عن تراجع الدين الخارجي لمصر بنحو 14.17 مليار دولار، ليسجل 153.86 مليار دولار في نهاية مايو الماضي، وتسجيل احتياطي النقد الأجنبي أعلى مستوياته على الإطلاق عند 46.38 مليار دولار.
وقال البنك المركزي في بيان، وزعه على وسائل الإعلام، إن الصعود القوى لتدفقات العملة ساهم في القضاء على عجز الأصول الأجنبية للبنك المركزي لتسجيل فائض قدره 10.3 مليار دولار في يونيو 2024، مقارنة بعجز 11.4 مليار دولار في يناير 2024، كما تحسن أيضا صافي الأصول الأجنبية للبنوك ليسجل 4.6 مليار دولار.
وتباينت آراء خبراء الاقتصاد الذين تحدثوا مع موقع "الحرة" بشأن إمكانية أن تكون التدفقات والتعهدات الاستثمارية التي أعُلن عنها خلال الفترة الماضية، التي كشف البنك المركزي عن نتائجها هذا الأسبوع، كافية لكبح جماح الاقتراض الخارجي.
وقال الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبد المطلب، إنه من المستبعد استغناء الحكومة المصرية نهائيا، أو على الأقل أن تقلل اعتمادها على الاقتراض الخارجي، في ضوء الزيادة الأخيرة في التدفقات الدولارية إلى الاقتصاد المصري.
وأضاف عبدالمطلب لموقع "الحرة" أن "الحكومة المصرية لم تقدم أي وجهة نظر رسمية بخصوص خفض الاقتراض الخارجي"، مشيرا إلى "وجود وجهتي نظر متباينتين بشأن تأثير الاقتراض الخارجي على الاقتصاد المصري".
وتابع: "يجادل بعض خبراء السياسة النقدية، داخل مصر وخارجها، بأن زيادة الاقتراض تتيح فرصة لتعزيز التعاون مع الخارج. كما هو الحال مع الأموال الساخنة التي ينظرون إليها على أنها استثمارات، وأن قدرة الاقتصاد على جذب هذا النوع من التدفقات تشير إلى قوته، وتعطي رسالة إيجابية للمستثمرين".
ومع ذلك، هناك مخاطر مرتبطة بالاقتراض الخارجي يُنظر إليها باعتبارها "السبب الرئيسي في المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد المصري منذ عام 2017"، حسب عبدالمطلب، الذي شدد على "ضرورة اتخاذ الحكومة خطوات حاسمة لمعالجة مسألة الاقتراض الخارجي، سواء من خلال خفضه تدريجيا، أو استبداله بمصادر تمويل بديلة".
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أن "التدفقات الدولارية التي حصلت عليها مصر خلال الأشهر القليلة الماضية، يحيط بها بعض الغموض فيما يتعلق بعملية توظيفها داخل الاقتصاد المصري، أو الجدول الزمني لضخها في المشروعات".
وقال النحاس في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة": "الحكومة لم تقدم أي تفسير واضح بشأن ما يتعلق باستخدام هذه التدفقات التي قد تكون تجاوزت 100 مليار دولار، بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي حصلت عليها من مشروع تنمية رأس الحكمة، والتعهدات الأوروبية في مشروعات الطاقة النظيفة".
وأضاف: "بالتالي كل هذا يضيف المزيد من عدم الوضوح بشأن ما إذا كانت الحكومة تخطط لتخفيض الاقتراض الخارجي في المستقبل، الذي من المتوقع أن يستمر على نفس الوتيرة في كل الأحوال".
وشهد الدين الخارجي لمصر زيادات كبيرة خلال الـ14 عاما الماضية، مع اتجاه البلاد إلى الاقتراض خلال الاضطرابات الاقتصادية التي كانت تعيشها، مع انخفاض احتياطي النقد الأجنبي وتراجع قيمة العملة المحلية، إذ كانت هناك حاجة إلى سيولة لدعم المشروعات الإنشائية الكبرى التي شرعت في بنائها.
على النقيض، قال الخبير الاقتصادي، خالد الشافعي، لموقع "الحرة" إن القاهرة أمامها فرصة واعدة لتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي خلال السنوات المقبلة، بدعم من "شهادة ثقة حصلت عليها خلال الأشهر القليلة الماضية مع تحسن الاستثمارات الأجنبية المباشرة واتفاق مؤسسات التمويل الدولية على دعم الاقتصاد المصري".
واتفقت مصر في فبراير الماضي، مع شركة القابضة (إيه.دي.كيو) -وهي صندوق سيادي تابع لحكومة أبوظبي- على ضخ نحو 35 مليار دولار، لتنمية منطقة "رأس الحكمة" على البحر المتوسط، وتلا ذلك الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على استئناف برنامج التمويل، المعلق منذ أكثر من عام، وزيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار من 3 مليارات.
وحصلت مصر على تعهدات جديدة من البنك الدولي لتوفير تمويل بقيمة 6 مليارات دولار ضمن برنامج مدته 3 سنوات، ومن الاتحاد الأوروبي نحو 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار) على مدار 4 سنوات، تشمل قروضا ومساعدات واستثمارات في قطاعات مختلفة.
كما أنه في مطلع يوليو الجاري، أعلن مجلس الوزراء المصري، عن توقيع الصندوق السيادي 4 اتفاقيات في مجال الأمونيا الخضراء مع عدد من المطورين الأوروبيين، بتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 33 مليار دولار.
ومع ذلك، قال النحاس، خلال حديثه، إنه "لا يعتقد أن الدين الخارجي سيستمر في التباطؤ. على العكس، من المحتمل أن يزيد خلال السنوات المقبلة، خصوصا أن مشروعات مثل مصانع الأمونيا التي أعُلن عنها تحتاج إلى سنوات لتكون جاهزة، كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العادة يتم ضخها على مدار المشروع وليست مرة واحدة".
وأضاف: "لا أرى أي تأثيرات إيجابية لكل هذه التدفقات تنعكس على الاقتصاد والشارع المصري"، معتبرا أن "تعويم الجنيه الذي سبق أو رافق كل هذه الأموال لم يحقق الهدف المطلوب منه في توفير السيولة للمواطنين، إذ لا توجد وفرة في العملة الأجنبية، والمصريون يقفون في طوابير طويلة أمام محال الصرافة للحصول على مبالغ زهيدة بين 100 و500 دولار".
وفي السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي طالما طالب به صندوق النقد الدولي، ليصل سعر صرف الدولار إلى 50 جنيها، قبل أن ترتفع العملة المحلية طفيفا إلى 48.4 جنيه للدولار.
وتواجه مصر استحقاقات خارجية ضخمة خلال السنوات الثلاث المقبلة، إذ يتوقع البنك المركزي سداد أكثر من 60 مليار دولار خلال الفترة من 2025 إلى 2027، على ما أظهر تقرير "الموقف الخارجي للاقتصاد المصري"، الذي أشار أيضا إلى أن مصر ستسدد آخر دفعة من الديون الخارجية المتوسطة وطويلة الأجل في النصف الثاني من عام 2071، حال عدم الحصول على قروض جديدة خلال السنوات القليلة المقبلة.
لذلك هناك ضرورة للبحث عن البدائل من أجل إبطاء وتيرة الاقتراض الخارجي والقدرة على الوفاء بالالتزامات المستقبلية، وفق عبد المطلب، الذي أكد خلال حديثه على أن تعبئة الموارد المحلية وزيادة التصنيع، ورفع كفاءة هيكل الإنتاج المصري، كلها بدائل معروفة.
لكن رغم ذلك، فإن حالة "عدم اليقين وعدم الثقة بين رجال المال والصناعة في مصر والحكومة تمثل العائق الرئيسي أمام كل هذه البدائل"، حسب ما قال عبدالمطلب، الذي أضاف أيضا أنها بالتبعية تمنع تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى مصر بالشكل الذي تسعى إليه الحكومة.
وتابع: " لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، يجب أولا تشجيع الاستثمار المحلي. إذ أن توفير فرصة مناسبة للمستثمرين المحللين للمنافسة وتحقيق الأرباح، يضمن جذب الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية".
بدوره، قال الشافعي إن الحكومة في حاجة إلى تبني سياسات مختلفة عما كان في السابق، من أجل استغلال الإمكانيات والثروات الطبيعية المتاحة، وتنميتها لتحقيق معدلات نمو مرتفعة تعزز من إمكانية تقليل الاقتراض الخارجي.
في المقابل، اعتبر النحاس أن الحديث عن جذب استثمارات أجنبية مباشرة على حساب الاستثمارات المحلية في مصر، لا يعتبر حلا في الوقت الراهن "طالما لم تتغير السياسيات ولا توجد خطط واضحة للتعامل مع التحديات الاقتصادية والنظر بواقعية إليها أكثر".
وقال النحاس إن "الوضع يستدعي التفكير الجدي في الاستثمار المحلي المستدام، وعدم الاعتماد الكلي على الاستثمارات الأجنبية، التي قد لا تحقق الفائدة المرجوة إلا على المدى البعيد".
وأضاف: "التعهدات الحكومية الخاصة بتسهيل أنشطة الأعمال المحلية التي لم تتحقق، تجعل الوضع أكثر صعوبة في المستقبل، وستجعل الأزمات الاقتصادية مستمرة، وبالتبعية سنواصل الاقتراض الخارجي عند نفس المستويات".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الاستثمارات الأجنبیة المباشرة الاقتراض الخارجی الاقتصاد المصری البنک المرکزی الدین الخارجی خلال السنوات الخارجی لمصر صندوق النقد ملیار دولار أکثر من
إقرأ أيضاً:
وزيرة البيئة: نحتاج 300 مليار دولار لمواجهة تغير المناخ.. والقطاع الخاص شريك رئيسى
أجرت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، حوارًا مفتوحًا مع أعضاء لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، عقب استعراضها، لجهود الوزارة في دعم مسار التنمية المستدامة وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وذلك في إطار استراتيجية الحكومة (2024 – 2027)، حيث استمعت الوزيرة إلى تساؤلات النواب، موضحة أن خطة المساهمات الوطنية 2030 تتطلب تمويلًا يفوق 300 مليار دولار لمواجهة آثار تغير المناخ، بشقيها التخفيف والتكيف، وهو ما يستدعي توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في هذا المجال.
وأشارت وزيرة البيئة إلى أهمية تعزيز دور القطاع الخاص، لا سيما في ملفات الأمن الغذائي والزراعة، وإجراءات التكيف مع آثار تغير المناخ على المحاصيل، والحاجة إلى استنباط أنواع جديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، مشددة على أهمية التعاون مع البنوك التنموية الدولية لدعم القطاع الخاص، مما يحقق الربح ويعزز مشاركته، على غرار ما تم في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة. موضحة أنه، تم توفير تمويل يقارب 500 مليون دولار لتقليل مخاطر استثمارات القطاع الخاص، مما ساهم في دخول الشركات الخاصة بقوة مع توافر التكنولوجيا الحديثة بأسعار أقل.
وردًا على تساؤلات اللجنة بشأن ربط ملف المناخ بالطاقة الجديدة والمتجددة والمياه والغذاء، أشارت د. ياسمين فؤاد إلى برنامج "نوفي"، الذي يركز على زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، واستخدامها في تحلية المياه والزراعة باعتبارها مشروعات للتكيف، مما يفتح المجال لمشاركة أكبر من القطاع الخاص والقطاع البنكى في تمويل هذه المشروعات وتقليل المخاطر المرتبطة بها. موضحة أنه خلال الفترة من 2021 حتى الآن، تم تقديم قروض ومنح لدعم القطاع الخاص بقيمة نحو 15 مليون دولار، في حين بلغ ما قدم لوزارة البيئة وحدها في هذا الشأن منذ 2018 وحتى الآن ما يقرب من 380 مليون دولار، منها 100 مليون دولار كقروض ومنح.
وفيما يخص الحفاظ على البيئة البحرية في البحر الأحمر، أوضحت الوزيرة أن الحكومة المصرية تعمل على إعلان ساحل البحر الأحمر كاملا محمية طبيعية، حيث تم حتى الآن إعلان 50% من الشعاب المرجانية محمية،، مشيرة أنه سيتم خلال الفترة المقبلة العمل على إعلان محميات في البحر المتوسط، ووضع خطط لإدارتها بالشراكة مع القطاع الخاص، واجراءالتقييم والرصد، كما يتم وضع خطة لكل محمية تسمى خطة،"تمنطق" يتم تحدثيها كل ثلاث سنوات ويعتمدها مجلس إدارة جهاز شؤون البيئة.
كما اشارت سيادتها إلى إنه يتم حاليا إعداد استراتيجية وطنية للاقتصاد الدائري بالتعاون مع الجانب الألماني والاتحاد الأوروبي، والتي سيتم الانتهاء منها بنهاية العام الجاري. مؤكدة ان هناك ملفات بيئية هامة على طاولة البرلمان خلال الفترة القادمة منها ملف تغير المناخ، خاصة فى ظل الإعداد لمؤتمر المناخ بالبرازيل.
وايضا ملف التلوث البلاستيكى، حيث أشارت وزيرة البيئة إلى أنه من المقرر إقرار صك دولي ملزم قانونًا في أغسطس المقبل للحد من التلوث البلاستيكي، مؤكدة أن مصر يجب أن تكون لاعبًا قويًا في هذا الملف لما له من أهمية بيئية وصحية، بالإضافة إلى ارتباطه بالتحول التكنولوجي وتحقيق القيمة الإقتصادية للقطاع الخاص.
ولفتت وزيرة البيئة إلى إنشاء وحدة الاستثمار البيئي والمناخي بوزارة البيئة عام 2023، وإطلاق أول مؤتمر للاستثمار البيئي والمناخي، حيث تم توفير 65 فرصة استثمارية مختلفة، بجانب العمل على إطلاق دليل المشروعات الصغيرة والمتوسطة الخضراء، والآلية الرقمية للتقييم الذاتي للأداء البيئي، والتي تم إعدادها بالتعاون مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO).
وأكدت د. ياسمين فؤاد أن ملف الصناعة الخضراء سيكون له شأن كبير خلال الفترة المقبلة، بالتعاون مع وزارة الصناعة، ضمن المرحلة الرابعة من برنامج التحكم في التلوث الصناعي تحت اسم "الصناعة الخضراء"، بد عم من الاتحاد الأوروبي بقيمة 251 مليون يورو، على أن يبدأ التنفيذ في يناير القادم، ما سيساعد الشركات على الالتزام باتفاقية CBAM وتعزيز فرص التصدير.
كما أشارت وزيرة البيئة إنه تم اشراك القطاع الخاص بقوة في مشروعات الحفاظ على الموارد الطبيعية بالبحر الأحمر، والشعاب المرجانية والسياحة البيئية، من خلال مشروع كبير سيتم تنفيذه بتمويل قدره 15 مليون دولار بدءًا من يوليو القادم، بالإضافة إلى مشروع "شرم خضراء والغردقة خضراء"، الذي يهدف إلى تحفيز القطاع الخاص للدخول بقوة في الإستثمار بالمحميات الطبيعية.
وحول مبادرة "قللها"، أشارت الوزيرة إلى إطلاق الحملة الوطنية للتوعية بمخاطر الاستخدام المفرط للأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، كخطوة أولى في سلسلة من الأنشطة التوعوية التي تهدف إلى تعزيز التحول نحو بدائل أكثر استدامة. وفيما يتعلق بخطط الوزارة المستقبلية، أوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد أنه تم وضع أسس قوية خلال السنوات الماضية، حيث تم إنشاء نظام أرشفة داخلي شامل داخل الوزارة لكافة الملفات البيئية والإجراءات التى مرت بها والإجراءات المستقبلية، وتشكيل فرق عمل مشتركة مع الوزارات المعنية لكل ملف بيئي.
واختتمت الدكتورة ياسمين فؤاد حديثها بالتأكيد على أن الحكومة تولي أهمية كبيرة لمؤشرات الأداء البيئي ضمن برنامج الحكومة المعتمد من مجلس النواب، معربة عن ثقتها في جميع المعنيين بالشأن البيئي، ومشددة على أهمية تكامل الجهود لضمان نجاح السياسات البيئية على كافة المستويات.