جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-12@04:46:59 GMT

عُمان.. مذهب المذاهب!

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

عُمان.. مذهب المذاهب!

مُعاوية الرواحي

شعاراتُ الوحدة مهمة للغاية لأي مجتمع، ومع تعدد الأديان، والعرقيات، والهويات، والثقافات، والأعراق تكون هذه الشعارات أكثر أهمية، مع أنها في حقيقتها سخيفة منطقيا، وغير مقنعة لأحد، وبها عمومية شاطحة، ولا يُسند حقيقتها أي شيء سوى ذلك الشعور العمومي بالسلام الذي يدعو الجميع للتعايش. "كلنا واحد" وغيرها من هذه الشعارات تصبح نافعة، وتمارس التوكيد على العموم الكبير فقط بعد تحقق أركان المذهب الذي ما أن يتم التفريط به إلا وتستيقظ الفتن المذهبية وتنطلق من عقالها كالشياطين التي تمسك المشاعل في حقلٍ من القش الجاف!

تشكل لغة الشعارات العمومية مظلة أمان لا بأس بها للفرد المنتمي لمذهب ديني.

نعم نحن عندما نجتمعُ في الساحة العمومية، كلنا بشكل ما أو بآخر نرفع هذه الشعارات السطحية، والعمومية، وأصفها بهاتين الصفتين متعمداً، فهي الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يفرزَ وسيلة تفكير أساسها التعايش وقبول تعدد الآراء، ليس لأن الفرد يظن في نفسه أنه قد يكون مخطئا، وقد يكون غيره صوابا، ليس من هذه الناحية. إنها تقود إلى تقبل تعدد الصوابات، وأن الطريق لله بعدد أنفس الخلائق، وبعدد عقول المذاهب.

متى يشعر الإنسان حقا بالأمان المذهبي؟ وبالتالي يردد بملء فيه هذه الشعارات العاطفية؟ يشعر بالأمان المذهبي عندما يتقين أن مذهبه الديني ليس عرضة للهجوم أو للإلغاء، عندما يتأكد لديه أن ممارسته لحق الانتماء الديني والمذهبي لا يقوم بتحديدها إنسان آخر نيابةً عنه. عندما يشعرُ أنَّه ليس متهماً، وأن مذهبه لا يحدد انتماءه الوطني أو الاجتماعي، عندما يرى الجميع سواسية أمام القانون لا يفرق بينهم مذهب ديني، عندما يرى أن الروح الوطنية هي التي تسود في الزمان والمكان، هُنا يتحقق الأمان المذهبي، وتشتد قوة الأواصر الاجتماعية.

هذا هو مذهب المذاهب، لم أجد نحتا ملائما لوصف الحالة العُمانية سوى هذه الطريقة. لدينا في عُمان قناعة راسخة للغاية أن خطر الانقسام المذهبي هو أحد أشد الأخطار الاجتماعية ضرراً على عُمان، ليس أمرا يحب أحدٌ أن يخوض فيه، وليس مجالاً يستطيع أن يتصدى له الجاهلون. المذاهب تختلف، في الفقه، وفي بعض شؤون العقيدة، وتتفق في شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ما يجمعها أكبر من قدرتها على أن تتفرق، وما يفرقها أقل من قدرتها على أن تجتمع. ونعم، لا تخلو المذاهب من خلفيات تاريخية، ومن صدامات سياسية، ومن حركة قيام الدول واندثارها، لكنها في المشهد العُماني متمسكة بذلك المذهب الذي لا يجب أن نفرط فيه، مذهب المذاهب، أو يمكن أن نسميه، مذهب تعدد المذاهب.

هذه ليست حقيقة مفتعلة، وليست من شعارات التطبيل التي يلوكها البعض في الشدة والرخاء، هذه حقيقة عُمانية واضحة المعالم، وتستمد قوتها من الطمأنينة المذهبية، وشعور كل فرد أن مذهبه محمي بقانون عام يشمل الجميع، يتبع العلماء الذين يختارهم، ويحترم العلماء من المذاهب الأخرى، ونتيجة هذا الاحترام المتبادل نشأت ظاهرة التعايش المذهبي في عُمان في عالم عربي يزخر بالصراعات المذهبية، ويشتعل بحروب الإلغاء، هذا فضلا عن استخدام العامل المذهبي في حروب سياسة بعضها يكاد يتحول إلى حروب ميدانية تهلك الحرث والنسل!

تنشأ شعارات الوحدة وتردد بصدق وحماسة في نهاية طريق التعايش المذهبي، بعد تحققه التام، بعد وجود الطمأنينة المذهبية لدى الجميع، ومن هنا يكتسب هذا الشعار حقيقته، ومع سخفه المنطقي، يقال بصدق، لأنه يُرى بوضوح، وتشعر به القلوب، وتشعر بصدقه، وما دمنا في عُمان نستشعر هذه الطمأنينة في قلوب كل الأفراد، لا توقع بعض الملاسنات الجانبية تلك الفتن النارية التي تعصف بمجتمعات أخرى. بالمنطق البسيط جدا، ما دام الفرد آمنا في مذهبه، سيساهم في تحقيق الأمان للمذاهب الأخرى!

يمارس البعض أدواراً لا نفع منها، ترسخ الشعور بالاختلاف بين المذاهب، بعضهم ضليع بما يفعل ويستثمر الاختلاف بين المذاهب لتعميق الانتماء إلى مذهبه، وبعضهم أحمق، وداعية فتنة، ومسبب شقاق، ينطلق من الكراهية والإلغاء، ولا يمانع حتى أن يستدعي السلطة لكي يوجهها ضد مذهب فلاني أو علَّاني، ولحسن الحظ السلطة في عُمان عاقلةٌ لكي لا تسمح لهذا الخطاب بالتفشي، وقد تتعامل مع هؤلاء الأفراد أحيانا ببعض الشدة، ولكن في المجمل، تتجنب السلطة في عُمان إثارة اللغط المذهبي وتسعى دائما إلى حل هذه المشكلات بطريقتها الأخرى المبنية على الاحتواء والإقناع ووأد المشكلات في مهدها. مقاربة يتمنى الجميع أن تستمر كما هي، وألا يوضع السيف موضع الندى.

السخيف منطقيا يصبح حقيقيا عندما يسنده واقع متحقق. الشعار، أي شعار في هذه الحياة سخيف منطقيا، كل إنسان يعرف أنه يختلف عن الآخر، ويجد الذي يشبهونه فيراهم يختلفون عن الآخرين، الذين أيضا لديهم مذهب آخر مغاير، فما الذي يصنع مشهد الوحدة في عُمان؟ تصنعه الطمأنينة، والعدالة بين المذاهب، والسعي المشترك بين علماء وعقلاء كل مذهب لإيقاف من يدعو للفتن والشقاق، تصنعه الثقافة الاجتماعية المتعايشة حتى بين غير المتدينين، يصنعه البناء المستمر للحصانة الثقافية، يصنعه الصدق في الاعتراف باختلافنا، يصنعه النقد الحصيف وتفنيد العلم المتراكم من بقايا الحروب السياسية، والاستخدام الغاشم للدين من قبل السلطة، وتحييد، أو تسطيح، أو قمع العلماء والفقهاء.

التعايش المذهبي في عُمان كبير، وواسع، وشاسع، وله سياقات وأسباب كثيرة، وبه تاريخ مفصل، ومن الصعب على أي فرد أن يحيط به علما، ومن المؤكد أن مقالا صغيراً مثل هذا لن يضع أكثر من بضع النقاط على ملايين الحروف، لذلك نلجأ أحيانا إلى لغة الشعارات، لأنها آمنة، وواضحة، وثمة واقع يسندها، قد لا نعرف لماذا نشعر بصدقها! لكننا نرى واقعا يؤكد لنا التعايش المذهبي في عُمان. مذهب المذاهب في عُمان! واحةٌ في صحراء الشقاق المذهبي العربي، ومنارة في المحيط الهائج للوحدة الإسلامية المهددة بالحروب، ثغر من ثغور التحقق التام للتصالح بين المسلم والمسلم، ومدنية تدير هذه المعادلة الصعبة باحتراف وبنجاح حتى هذه اللحظة. منجز من منجزات عُمان الحقيقية الذي إن تم التفريط به، فقد تم التفريط بسلامة المجتمع، والسلطة، والأجيال القادمة بضربة واحدة!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: هذه الشعارات المذهبی فی فی ع مان

إقرأ أيضاً:

القاتل "الفيتروفي"..الأمريكي!

 

 

محمد بن رضا اللواتي

أدين بالاعتذار إلى "دافينشي"! لأنَّ رَجُلَهُ "الفيتروفي" بريءٌ تمامًا من تجوال "الصهيو-أمريكية" بالفساد في كل ركن من أركان هذا العالم. أما في غزة وغيرها من بؤر النضال الشريف ضد الاستكبار فحدِّث ولا حرج، فهناك يشهد العالم أشد أشكال الوحشية، تُمارس لأجل إبادة شعب بأكمله وتجويعه.

حدث هذا عندما عثر "نيتشه" على جثة الإله – المسيحي – مخنوقا، فتسارعت وتيرة الأحداث، وانتهت بأن أجلست تيارات العدمية والعبثية والمادية والإلحاد والرأسمالية المتوحشة التي أغرقت الحضارة الغربية نفسها فيها، أجلست الولايات المتحدة على كرسيه طالما أنَّ القوة المطردة تجري تحت قدميها.

"نيتشه" الذي عثر على جثة الإله الغربي مخنوقاً هتف يقول بأنَّ الكسل الأخلاقي المتغلغل والمؤدي إلى وجود عبثي وخيبة أمل وغياب الهدف بغياب المعنى وظهور التشاؤم والكفر الميتافيزيقي، إذن: البربرية قادمة!

وها نحن نعيشها اليوم، فهل من بربرية تفوق قتل الأطفال والنساء والعجزة وهدم المستشفيات والمدارس ومنازل الأبرياء؟

ولكن لماذا ينبغي أن يقتل الناس الإله؟ لماذا ينبغي ألا تسمح حكومات الولايات المتحدة له بأن يكون حاضرا في أفق الإنسان؟

"كارل يسابرز" يجيب: "لأنَّ الله يرى أعماق الإنسان، والإنسان لا يتحمل أن يبقى حيَّاً شاهدا من هذا النوع". كل المصلحين والأنبياء والأئمة لو عاشوا في هذه الحضارة لقاتلتهم الحكومات الأمريكية التي تريد عالمًا يخلو من ذكر المصلحين، وتعمل ليل نهار على طمس سيرتهم وتشويهها وتقليبها رأسا على عقب.

عندما نعود إلى "الإنسان الفيتروفي" الذي صممه "دافينشي"، - يستمد اسمه من المهندس المعماري الشهير "ماركو فيتروفيوس" من القرن الأول قبل الميلاد – نجد له تحليلات عديدة، ومن تلك التحليلات أنه أراد بذلك أن يُعبر عن مُعتقده في التناغم بين الفن وبين العلوم من جهة، وبين الإنسان وبين الطبيعة من جهة ثانية، وبين قوى الإنسان وبين الكون من جهة ثالثة، فالكون يستجيب لنداء وطلبات الإنسان ويتماهى معه.

مربع ودائرة متداخلان في بعضهما البعض، وفي كل منهما رجل، والأدق أنه رجل واحد ولكن يبدو لنا وكأنه اثنان وليسا واحدا، وبأربعة أذرع وأربعة أرجل! وسرُّ ذلك أنَّ الجسد المادي قد جعله "دافينشي" في إطار "المربع"، بينما جعل روحه في الإطار الذي هو على هيئة "الدائرة"، ذلك لأن الدائرة عند "فيتروفيوس" هي التي تمثل الكمال والقداسة، وكانت الكنائس القديمة تحاكي فلسفته، لذا روعي في تصميها الأشكال الدائرية التي ترمز للروحانيات العالية والكمالات الإلهية.

إنسان "كامل" تسري قوته فيه من تعاطيه لفضائل الأخلاق ومحاسنها.

ذاك هو إنسان "دافينشي"، والذي أخذت تجاذبه شتى التيارات، وكل ٌتصوره رمزا لها، فبعض المجلات الرياضية وضعته شعارا على أغلفتها، وبعض نوادي اليوغا، وشركات صناعة الأدوية، والمستشفيات، وحتى النقود المعدنية لبعض البلدان، وإذا بالرأسمالية المتوحشة أيضا قامت باستغلاله ليكون شعارا للشراء تماما كما تم تحوير كلمة "ديكارت" الشهيرة: "أنا أفكر إذن أنا موجود" فتحولت إلى "أنا أتسوق إذن أنا موجود"، على هذا الغرار تم التعامل مع هذا الرمز، فإذا بنا نراه على فنجان قهوة "استار باكس" وفوقه كُتب "Double Coffee".

تعالوا نتخيل "الإنسان الفيتروفي" عندما تقرر "الصهيو - الأمريكية" والتي استولغت في دماء أبرياء غزة ولبنان واليمن والعراق بنحو لا نظير له، أن تتخذه شعارا لها؟

يداه ستبدوان ملطختين بدماء الشهداء، والمربع الذي يحوي جسده قد بات أحمر قانيًا، أما الدائرة التي تقبع فيها روحه، والذي كان مثالا للتواصل مع الإله المطلق، فقد امتلأ بالجثث تحت رجليه. إنه "القاتل الأمريكي الفيتروفي".

وسوف تعمل بعد ذلك الآلة الإعلامية لأجل أن تقنعنا بأننا أمام أرقى لوحة في العالم!

شاهدنا "الإنسان الفيتروفي الأمريكي" جميعًا في مجلس الأمن، ينطق بفيتو قذر آخر، يريد بذلك أن يمنع توقف سيلان الدماء في غزة وفلسطين، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية فيها حتى يرى وقد أمضَّ العطش الصغار وأهلك الجوع الكبار!

أرفق "دافينشي" مع اللوحة نصاً لا يمكن قراءته إلا إذا جعلناه أمام المرآة! أوضح فيه النسب المثالية لأعضاء الإنسان الكامل. ولكن لماذا جعل قراءة هذه النسب لا تتم إلا إذا وضعناها أمام المرآة؟ لستُ أدري تحديدا، ولكن كثيرا من المرات تكون المرآة صادقة للغاية، عندما تكشف لنا معالم الحقيقة التي لا نريد أن نعرفها في زمن تم فيه قلب الحقائق رأسا على عقب أمام مرأى ومسمع العالم.

لا شك أنَّ الإنسان "الفيتورفي" كما صممه الفنان الإيطالي الكبير نموذج للإنسان الكامل لا يمت بصلة إلى الوحش الأمريكي كما صممته الصهيونية.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ماذا نريد لأنفسنا عندما نريد الحلول لأزماتنا؟
  • متى موعد عيد الأب؟
  • لماذا لم تتكوّن مذاهب فقهية باسم الصحابة؟.. علي جمعة يجيب
  • قطر تُدين حادث مدرسة النمسا
  • علي جمعة: المذاهب الفقهية كانت موجودة على عهد النبي
  • شهادات لجنود الاحتلال: كوابيس وانتحار
  • القاتل "الفيتروفي"..الأمريكي!
  • علي جمعة: علماء المسلمين أجابوا على مليون و200 ألف مسألة طوال التاريخ
  • هل المذاهب الفقهية مختلفة عن السنة النبوية؟.. علي جمعة يجيب
  • الشّعارات السّياسيّة بين التّنظير القيمي والتّبرير الرّغائبيّ