تصاعد موجة هروب الأموال من إسرائيل بسبب التصعيد مع صنعاء .. وانتظار الرد
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
يمانيون – متابعات
أكد تقرير لصحيفة غلوبس الاقتصادية العبرية، أن المستثمرون يواصلون الهروب بأموالهم من إسرائيل، وسط مخاوف المستثمرين من الأوضاع الاقتصادية مع استمرار الحرب على غزة وبالتزامن مع تصعيد صنعاء وتهديهم بشن هجمات مباشرة على إسرائيل.
فيما أكدت وسائل اعلام عبرية أن المواجهة بين إسرائيل و صنعاء فرضت واقعاً سيئاً جديداً يهدد القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية، منذ الهجوم اليمني الذي وقع ليلة الخميس الماضي، والذي ردت عليه إسرائيل بضرب ميناء الحديدة مستهدفةً منشآت النفط والكهرباء اليمنية.
وفقا لتقارير عبرية، بعد الهجوم اليمني، قدَّرت مصادر مصلحة الضرائب الإسرائيلية أن الأضرار في الحادث تبلغ عدة ملايين من الشواكل، فقد تم تقديم أكثر من 250 مطالبة ضريبية عن الأملاك في أعقاب الحادث، وذلك نتيجة الأضرار الهائلة التي لحقت بمساكن الإسرائيليين، وتقول التقارير إن انفجاراً وقع بالقرب من مجمع المكتب الفرعي للسفارة الأمريكية في تل أبيب.
وفضلاً عن مقتل شخص وإصابة 10 أشخاص على الأقل، أسفر الانفجار بتل أبيب عن تدمير منازل دفع السكان إلى تقديم مطالباتهم بتعويض الخسائر، إضافة إلى هلع السكان من حدوث حادث كهذا من مصدر جوي مسيَّر لم تتعامل معه الدفاعات الجوية.
—تداعيات اقتصادية لـ”الحرب المفتوحة”:
المواجهة المباشرة بين إسرائيل صنعاء، أصبحت بالنسبة للأخيرة “حرباً مفتوحاً”، من شأنها أن تلحق أضراراً بقطاعات اقتصادية إسرائيلية تعاني بالفعل من استمرار الحرب على قطاع غزة.
وتتعدد القطاعات الاقتصادية المتضررة من هذه المواجهة، لكن يمكن القول إن أبرزها هي: الموانئ، وقطاع الشركات الناشئة.
ويتصدر ميناء إيلات الموانئ المتضررة، حيث تؤكد إدارته أنه يعاني من حالة التوقف التام عن العمل، ويواجه أزمة تسريح نصف العاملين (يقدرون بـ60 عاملاً)، وهو الميناء الذي يمثل لإسرائيل أهمية اقتصادية كونه الميناء الوحيد الإسرائيلي المطل على البحر الأحمر.
أما قطاع الشركات الناشئة فيُعتبر القطاع الرئيس الثاني الذي من شأنه أن يتضرر من اتساع المواجهات، حيث تشير بيانات رسمية إلى أن 44% من الشركات الناشئة هربت من إسرائيل، وفقاً لاطلاع بقش.
ويقول خبراء اقتصاد إن قطاع الشركات الناشئة يمثل عصب الاقتصاد الإسرائيلي بعد تسهيلات قدمتها إسرائيل خلال العقود الماضية لجذب عدد كبير من الشركات الناشئة الأوروبية والأمريكية والآسيوية أيضاً.
وفي تحليل لصحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية، فإن هروب الأموال المحلية والأجنبية من إسرائيل يواصل الارتفاع، فقبل يومين قفزت حركة الأموال إلى الاستثمارات الخارجية، التي بلغت 2.2 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2023، إلى 2.9 مليار دولار في الربع الرابع من العام الماضي، إلى 3.6 مليارات دولار في الربع الأول من عام 2024.
وتذكر صحيفة “كالكاليست” أنه في أول أربعة أشهر من 2024 غادر إسرائيل ما مجموعه 26.4 مليار شيكل، بسبب زيادة تعرض صناديق التقاعد العامة وصناديق الادخار للأصول في الخارج، مثل الأسهم والسندات والأصول غير القابلة للتداول، وسط المخاوف التي لدى المستثمرين من الحرب والتي تدفعهم للهروب إلى الخارج.
ويُسلَّط الضوء على البورصة الإسرائيلية على أنها “في وجه المدفع” في الوقت الحالي تزامناً مع التصعيد مع حكومة صنعاء، وقد انخفض مؤشر TA-125 القياسي في بورصة تل أبيب ومؤشر TA-35 للشركات الكبرى بعد هجوم إسرائيل على الحديدة السبت الماضي بنسبة 1.1%، كما انخفض مؤشر تل أبيب لأكبر 5 بنوك بنسبة 1.3%، قبل أن تقلص هذه المؤشرات بعضاً من خسائرها لاحقاً، وكذلك تراجع مؤشر TA-Construction بنسبة 1.6%، فيما انخفض مؤشر TA-Biomed بنسبة 2%.
وليس هناك بيانات يمكن الاعتماد عليها للقطع بأن القطاعات الاقتصادية الأخرى كقطاعات السياحة والبناء من شأنها أن تتأثر بشدة من هذه “الحرب المفتوحة”، لكن مثل هذه القطاعات يمكن أن تزداد ضرراً كونها من أشد القطاعات التي تأثرت من استمرار الحرب على غزة وتكبدت خسائر مليارية منذ السابع من أكتوبر 2023 وفقاً للتقارير.
ويخص بالذكر ميدان السياحة في إيلات، فالمدينة الساحلية تعاني من الحرب إلى حد أنها تحولت من “منتجع سياحي” إلى “ملاذ للنازحين الإسرائيليين” من الهجمات الفلسطينية، كما ضُربت فيها السياحة بسبب استهدافها بصواريخ حكومة صنعاء منذ أوائل الحرب.
وذلك ما دفع سلطات إيلات إلى مطالبة حكومة نتنياهو بوضع خطة تعويضات خاصة لمدينة إيلات (أم الرشراش)، وفي أوائل العام الجاري قفزت البطالة في إيلا من 3.4% إلى 14% منذ بداية الحرب، كما كانت المدينة الأكثر تضرراً من حيث بيانات بطاقات الائتمان.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشرکات الناشئة من إسرائیل
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، لم يكن الهدف المعلن أقل من «القضاء التام على حماس». بدا ذلك، لحظة انفعالية، وكأنه مهمة ممكنة. فإسرائيل دولة ذات تفوق عسكري لا يُضاهى في المنطقة، وتتمتع بدعم غربي سياسي وتسليحي ضخم، بينما تقاتل حركة محاصَرة، محدودة الموارد، ومعزولة جغرافيا. لكن أكثر من 20 شهرا من القصف والدمار والإبادة الجماعية لكل ما يدب على الأرض، لا يبدو النصر، وفقا للتوجيه السياسي المعلن والصادر للمؤسسة العسكرية، في الأفق، بل إن إسرائيل نفسها باتت أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهدافها في الحرب.
ما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القوة العسكرية كافية لتحقيق الانتصار؟ ولماذا تصبح كل حرب تشنها إسرائيل على غزة أطول، وأكثر دموية، وأقل فاعلية؟
في عمق العقيدة العسكرية الإسرائيلية ـ كما هو الحال في كثير من العقائد العسكرية الغربية ـ ترسّخت فكرة الحرب الخاطفة، التي تحقّق النصر السريع من خلال الضربة الأولى الساحقة، وقد نجحت هذه العقيدة في حرب 1967، لكنها فشلت مرارا منذ ذلك الحين، خصوصا في مواجهة الخصوم غير النظاميين الذين يتقنون حرب المدن والأنفاق، ويجيدون تحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد.
تشبه الحالة الإسرائيلية في غزة ما يسميه بعض الاستراتيجيين «مغالطة الحرب القصيرة»؛ حيث يُفترض أن صدمة القوة ستدفع الخصم إلى الانهيار، لكن الواقع يُثبت أن الخصم ـ عندما يكون متجذرا شعبيا، وعقائديا، ومتحركا جغرافيا ـ لا يُهزم بهذه الطريقة، بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، زادت فاعليته، واهتزت صورة القوة المتفوقة أمام جمهورها.
تُظهر تجربة إسرائيل في غزة أن التفوق العسكري وحده لا يكفي؛ فإسرائيل دمرت معظم البنية الأساسية في القطاع، وقتلت عشرات الآلاف، وهجّرت الملايين في غزة لأكثر من مرة، لكنها لم تستطع إقناعهم بالتخلي عن المقاومة، ولم تستطع فرض سيناريو «ما بعد حماس» رغم أنه كان شغل العالم الشاغل أكثر من شغلهم بإنهاء الحرب ووقف الإبادة. وفي غياب هذا السيناريو، تبدو الحرب بلا غاية واضحة سوى التدمير، وهذا ما يحدث الآن، فلا هدف واضح لجيش الاحتلال إلا التدمير والاستمتاع بالقتل والتجويع.. لكن هذا الأمر رغم فظاعته إلا أنه بات يفقد إسرائيل زخمها السياسي ويقوّض مشروعيتها الأخلاقية التي كانت توهم العالم بها.
وبينما تبحث إسرائيل عن «نصر كامل»، تواصل حماس الظهور والاختفاء، القتال والتكتيك، مقاومة القصف وممارسة الإعلام. لم تعد المعادلة تقتصر على مَن يملك الطائرات والدبابات، بل مَن يملك القدرة على الصمود، وعلى إدارة زمن طويل من القتال غير المتكافئ.. ومن يستطيع أن يقنع العالم بسرديته، ويبدو أن غزة تحقق تقدما عميقا في هذا الجانب رغم أنه بطيء جدا بسبب عملها منفردة في ظل غياب المشروع العربي الموحد في هذا الجانب.
وإذا كانت حرب إسرائيل الظالمة تفشل فإن السبب لا يعود كما يعتقد البعض إلى ضعفها العسكري ولكن إلى حجم التناقض بين الوسائل والغايات؛ فبينما تُستخدم القوة التدميرية بأقصى درجاتها، يبقى الهدف السياسي ـ القضاء على حماس ـ أو بمعنى آخر القضاء على المقاومة هدفا مجردا وغير واقعي بالنظر إلى عقيدة المقاوم الفلسطيني الذي ما زال متمسكا بحقه في أرضه وبأن مشروعه الأول هو تحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي.
وأثبتت التجربة أن قتل القادة وتدمير المباني لا يعني نهاية المقاومة، بل إن رفض المحتل الإسرائيلي لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإمعانه في التدمير والإبادة يحفز المقاومة ويوسع قاعدتها الشعبية وحاضنتها الاجتماعية وتغلغلها في العقيدة الفلسطينية. وما حدث في غزة خلال العامين الماضيين من شأنه أن يعمق الحقد ويحفز مشاريع الانتقام حتى عند أولئك الذين آمنوا في لحظة من اللحظات بفكرة «السلام» مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الحروب بين الاحتلال والمقاومة في العقدين الماضيين لا تنتهي إلى نتيجة واضحة، إنها أقرب إلى «صراعات بلا نهاية»، لا اتفاقات سلام واضحة ولا بيانات استسلام، بل جولة تضع بذورا لجولة أخرى، وكل هدوء هش يفضي إلى انفجار عنيف جدا وهو ما يجعل من الصعب قياس النصر والهزيمة.
رغم ذلك فإن «حماس» في نظر الفلسطينيين والكثير من العرب تنتصر بمجرد بقائها على قيد الحياة، واستمرارها في المقاومة أو نجاحها في تنفيذ عملية نوعية مهما كانت نتائجها، وهذا يعكس الفارق بين من يُقاتل من أجل بقاء دولة، ومن يُقاتل من أجل بقاء القضية.
ربما كان الدرس الأهم من هذه الحرب ـ والحروب التي سبقتهاـ هو أن الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون امتدادا لرؤية سياسية واضحة، وليس بديلا عنها، وحين تنفصل عن السياسة، تتحول إلى عبث.
تستطيع إسرائيل أن تُلحق أذى هائلا بغزة كما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع فرض السلام من طرف واحد، ولا بناء واقع دائم بالقوة فقط.
لكن ما يعيق إسرائيل عن تحقيق النصر في غزة ليس فقط قدرة حماس على القتال، بل غياب الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا النوع من الحروب لم يعد يُنتصر فيه بالطريقة التقليدية، وقد آن الأوان أن تعترف بأن قوة السلاح وحدها لا تكفي، وأن غزة ومن فيها واقع لا يمكن أن تمحي وجوده أبدا وإن لم تبدأ بقراءة هذا الواقع بعيون سياسية لا عسكرية، فستظل تدور في حلقة حرب لا تنتهي، وتتحول حربها الظالمة بالضرورة إلى مجرد إبادة إنسانية.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان