نشر موقع أكسيوس تقريرًا حول الانتخابات الأمريكية والتي تتعلق بأكثر من مجرد أيديولوجيتين مختلفتين؛ إذ تدور حول حالتين مزاجيتين متناقضتين: الفرح مقابل الغضب.

وأشار الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي 21"، إلى أهمية هذا الصراع، موضحًا أن الخطاب المتضارب يعكس الحسابات المتباينة حول كيفية الفوز في انتخابات 2024، وكيف يشعر الأمريكيون حقًا تجاه حالة الأمة؛ حيث يرى الرئيس السابق ترامب أن الخوف هو الدافع الأساسي؛ مثل الخوف من الهجرة غير الشرعية، والجريمة، والتضخم، وتراجع أمريكا، ويعتقد أن الناخبين المتأرجحين سيتبنون رؤيته القاتمة ويطالبون بالحماية، حتى لو لم يعجبهم أسلوبه.



وتناول الموقع إستراتيجية نائبة الرئيس هاريس، التي ترى أن الأمل (أو الإرهاق من الصراع) هو الدافع الأساسي؛ كالأمل في تجاوز عهد ترامب والصراعات، والأمل في أمريكا صاعدة أو منتعشة. وأكد الموقع أن هاريس تعتقد أن الناخبين قد سئموا من الكآبة والتشاؤم.

وأوضح الموقع أن كلا الإستراتيجيتين أثبتتا فعاليتهما في الانتخابات على مدار العقدين الماضيين، ولكن قراءة خاطئة لمزاج الأمة الأمريكية يمكن أن تقضي على حملة انتخابية.

وأفاد الموقع بأن إستراتيجية هاريس تعتمد بشكل كبير على نظرية الانتخابات التي اتبعها باراك أوباما. وذكر أن أوباما يقوم بتقديم المشورة لهاريس بشكل خاص، وتم جلب ديفيد بلوف، الذي كان العقل السياسي الرئيسي لأوباما، لتعزيز فريقها بما يتجاوز أعضاء فريق بايدن.

وأضاف الموقع أن أوباما اشتهر بتغليف حملاته الانتخابية بالأمل والتغيير، وقد نجحت هذه الإستراتيجية. وهذا يفسر سبب تخلي هاريس عن هوس الرئيس بايدن المركزي بالتهديدات التي تواجه الديمقراطية، وتبنيها لرسائل أكثر تفاؤلًا تركز على المستقبل، بما في ذلك شعار جديد: "لن نعود إلى الوراء".

وأشار الموقع إلى أن إستراتيجية ترامب ورؤيته لمستقبل مظلم تحت حكم الديمقراطيين ظلت ثابتة منذ أن قاد موجة من الغضب الشعبي إلى البيت الأبيض في عام 2016

وأوضح الموقع أنه في عام 2020، شعر الناخبون بالإنهاك من الفوضى اليومية التي أحدثتها رئاسة ترامب وجائحة كوفيد-19، واختاروا بايدن لإعادة البلاد إلى حالة من الاستقرار.

 وأضاف أن بعد أربع سنوات، أظهر استطلاع غالوب أن 18% فقط من الأمريكيين راضون عن اتجاه البلاد، مما يوفر أرضًا خصبة لترامب لإحياء وتطوير سياسته القائمة على الاستياء.

وأكد الموقع أن حملة ترامب أرسلت هذا الأسبوع رسالة لجمع التبرعات تحتوي على نبرة متشائمة، حيث جاء فيها: "العالم قد انحدر إلى الهاوية في الأسبوعين الماضيين. سوق الأسهم ينهار، البطالة ترتفع، والحروب في الشرق الأوسط تخرج عن السيطرة!".

ولفت الموقع إلى ما قاله خبير استطلاعات الرأي المخضرم في الحزب الجمهوري، فرانك لانتز، لموقع أكسيوس: "هناك شريحة كبيرة من الأمريكيين تدرك بأن الأمور صعبة".

 وأضاف: "لكنهم تعبوا من الصراخ واللوم وتعبوا من التشاؤم والكآبة. ويريدون الأمل بدلاً من إلقاء اللوم".

 وأكد لانتز قائلاً: "ترامب ليس مرشحًا يجلب الأخبار السارة، بل هو مرشح يجلب الأخبار السيئة. سيكون سلبيًا مهما كان الوضع. ولكن يجب أن تكون الهجمات التي يشنها ذات مصداقية".

وتناول الموقع الأحداث المبكرة التي جمعت بين نائبة الرئيس هاريس وحاكم مينيسوتا، تيم والز، مشيرًا إلى أن هناك تركيزًا واضحًا على إظهار روح الفرح والتفاؤل وحب الحياة في خطاباتهما وأسلوبهما.

وأكد والز في تجمع حاشد في ديترويت قائلاً: "الشيء الوحيد الذي لن أغفره للجمهوريين هو محاولتهم سرقة الفرح من هذا البلد. لكن تعرفون ماذا؟ رئيستنا القادمة تجلب الفرح. إنها تشع بالفرح".

واستعرض الموقع الجانب الآخر من النقاش؛ حيث عبّر السيناتور جاي دي فانس (الجمهوري من أوهايو) وزميل ترامب في الحملة الانتخابية، عن إحباطات الحزب الجمهوري من رواية "المحارب المبتهج" عندما سُئل هذا الأسبوع: "ما الذي يجعلك سعيدًا؟".


ورد فانس على أحد الصحفيين في ميشيغان قائلاً: "أبتسم للكثير من الأشياء — بما في ذلك الأسئلة الزائفة من وسائل الإعلام. أعتقد أن معظم الناس في بلدنا يمكنهم أن يكونوا سعداء في بعض الأحيان ويستمتعون ببعض الأشياء، ولكنهم يشاهدون الأخبار ويدركون أن ما يحدث في هذا البلد هو أمر مخزٍ".

واختتم الموقع بالإشارة إلى أن هاريس تستفيد بشكل كبير من كونها وجهًا جديدًا لا يلومه العديد من الناخبين — على الأقل حتى الآن — على الإخفاقات التي يُعتقد أنها مرتبطة بإدارة بايدن.

 وأعرب فرانك لونتز عن دهشته قائلاً: "لقد تمكنت من إعادة تشكيل صورتها بطريقة لم أشهد مثلها من قبل في السياسة الأمريكية. الناس يعتقدون أن النظام معطل، وأن الحكومة معطلة، وأن الحدود معطلة، وأن الاقتصاد معطل. وهذا كله يصب في مصلحة [ترامب]. لكن ما لا يعتقده الناس هو أن هاريس مسؤولة عن ذلك".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الانتخابات ترامب هاريس امريكا انتخابات ترامب هاريس صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الموقع أن

إقرأ أيضاً:

كيف تحولت المواجهة التجارية الأمريكية البرازيلية إلى سلاح سياسي؟

 

“تسييس التعريفات”:

كيف تحولت المواجهة التجارية الأمريكية البرازيلية إلى سلاح سياسي؟

 

 

 

 

في 30 يوليو 2025، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 40% على معظم السلع البرازيلية، مبرراً القرار بأنه ضمن جهود حماية الأمن القومي والمصالح الخارجية والاقتصاد الأمريكي، وذلك بحسب ما ورد في نص الأمر التنفيذي. وبهذا القرار، ترتفع الرسوم المفروضة على السلع البرازيلية إلى 50%، (تم فرض 10% في إبريل 2025) في خطوة تُعد الأشد من نوعها منذ عقود ضد أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية.

وقد جاء القرار الأمريكي في أعقاب أيام من التوتر المتصاعد بين البلدين، في وقت ربطت الإدارة الأمريكية القرار بمحاكمة جايير بولسونارو، الرئيس البرازيلي السابق (2019-2022)؛ مما يطرح تساؤلات حول جدوى توظيف الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية، وتداعياته المحتملة على مستقبل العلاقات التجارية الثنائية.

في هذا الإطار، يستهل التحليل بتسليط الضوء على طبيعة العلاقات التجارية بين البلدين قبل اندلاع الأزمة الراهنة، ثم ينتقل إلى مناقشة مبررات القرار الأمريكي وتحليل المواقف البرازيلية حياله، ليختتم باستعراض أبرز السيناريوهات المحتملة لمسار الأزمة في الفترة المقبلة.

دوافع الرسوم الجمركية الجديدة:

تُعد الولايات المتحدة شريكاً تجارياً هاماً للبرازيل؛ حيث بلغ إجمالي تجارة السلع بينهما نحو 92 مليار دولار في عام 2024. وقد وصلت قيمة الصادرات الأمريكية إلى السوق البرازيلية في ذلك العام إلى 49.7 مليار دولار، مقابل واردات أمريكية من البرازيل تُقدّر بـ 42.3 مليار دولار؛ ما يعكس توازناً نسبياً في الميزان التجاري، وفقاً لتقرير السياسة النقدية للبنك المركزي البرازيلي. وتتمثل الصادرات البرازيلية إلى الولايات المتحدة في عدد من المنتجات الرئيسية، أبرزها: النفط، ومنتجات الحديد والصلب شبه المصنعة، والحديد الزهر، والقهوة. في المقابل، تشمل الصادرات الأمريكية إلى البرازيل: الآلات، وزيوت الوقود، والطائرات، والغاز الطبيعي، وأشباه الموصّلات.

وقد سبق أن أعلن الرئيس ترامب، في 2 إبريل 2025، عن حزمة واسعة من الرسوم الجمركية شملت غالبية السلع الواردة من عدد كبير من الدول، من بينها البرازيل؛ الأمر الذي مثّل صدمة كبيرة للتجارة الدولية. ورغم التراجع الجزئي والمؤقت عن بعض هذه الرسوم لاحقاً؛ ظل الجدل قائماً حول تأثيراتها، خاصة مع تجدد التلويح بها من قبل الإدارة الأمريكية في أكثر من مناسبة. وفي يوليو 2025، جدّد ترامب التصعيد عبر فرض رسوم بنسبة 50% على السلع الواردة من البرازيل بدءاً من الأول من أغسطس الجاري؛ وهو معدل وُصف من جانب محللين بأنه صادم، بالنظر إلى العلاقات التجارية المتوازنة بين البلدين. هذا، وقد استثنى القرار الأخير بعض السلع مثل الطائرات المدنية وخام الحديد، والألومنيوم، وبعض المعادن الثمينة، والكيماويات الزراعية، والطاقة من الرسوم.

لم يأتِ القرار الأمريكي بمعزل عن سياق سياسي واقتصادي أوسع، بل استند إلى مجموعة من المبررات التي أعلنتها إدارة ترامب لتسويغ فرض الرسوم الجمركية الجديدة على السلع البرازيلية. ويمكن تلخيص أبرز هذه الدوافع في ثلاثة محاور رئيسية:

1- دوافع أمنية تجارية: إذ أشار الرئيس ترامب في بداية الأزمة إلى وجود “عجز تجاري مرتفع” مع العديد من دول العالم، واعتبره أحد الأسباب الرئيسية لاتخاذ القرار. وفي هذا السياق، صرّح كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي بالبيت الأبيض، بأن الولايات المتحدة ترى أن العجز التجاري يُعد تهديداً للأمن القومي ويستدعي اللجوء إلى إجراءات تصعيدية. وبناءً عليه، تم تكليف مكتب الممثل التجاري الأمريكي بفتح تحقيق في “الممارسات التجارية غير العادلة” بموجب المادة 301 من قانون التجارة الأمريكي.

2- دوافع حقوقية: حيث أشار ترامب إلى أن “البرازيل تستهدف أنشطة التجارة الرقمية للشركات الأمريكية”، “وفرضت أوامر رقابية سرية وغير قانونية على منصات التواصل الاجتماعي الأمريكية”، في إشارةٍ إلى قرار غالبية قضاة المحكمة العليا البرازيلية، الصادر في يونيو 2025، والذي قضى بأن تتحمل الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي المسؤولية القانونية الكاملة عن أي محتوى ينشره المستخدمون ويتضمن انتهاكات، بما في ذلك تبعاته القضائية.

3- دوافع سياسية: انتقد ترامب محاكمة، بولسونارو، الرئيس البرازيلي السابق، والذي قضت المحكمة الانتخابية العليا في البرازيل في وقت سابق بمنعه من الترشح للمنصب حتى عام 2030، على خلفية نشره معلومات غير موثوقة حول نظام صناديق الاقتراع الإلكتروني المستخدم في الانتخابات البرازيلية الأخيرة. وفي فبراير 2025، أصدرت النيابة العامة البرازيلية بياناً اتهمت فيه بولسونارو بمحاولة البقاء في السلطة رغم خسارته للانتخابات، والتحريض على أعمال الشغب لعرقلة انتقال السلطة، والتورط في مخطط لاغتيال مسؤولين. ويُتوقع أن تصدر محكمة الاستئناف العليا حكمها بإدانته في سبتمبر المقبل. ووصف ترامب هذه التُّهم بأنها “مطاردة للساحرات” و”عار”، مطالباً بوقف الإجراءات القانونية فوراً.

ردود فعل متباينة:

بادرت الحكومة البرازيلية بإدانة الرسوم الأمريكية، بينما دعت جهات أخرى إلى التهدئة، وانتقد بعض المعارضين مواقف الحكومة، ويتجلى ذلك في المحاور التالية:

1- إدانة حكومية للإجراءات الأمريكية: حيث شدد الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على أن “البرازيل دولة ذات سيادة ومؤسسات مستقلة، ولن تقبل أي شكل من أشكال الوصاية”، مؤكّداً أن ملفَيْ محاكمة بولسونارو وتنظيم منصات التواصل الاجتماعي يندرجان بالكامل ضمن صلاحيات القضاء والمؤسسات الوطنية دون أي تدخل خارجي. كذلك أشار الرئيس إلى إمكانية تفعيل قانون المعاملة بالمثل الاقتصادي.

حيث أقر الكونغرس البرازيلي، في إبريل 2025، مشروع قانون طارئ يُخوّل للسلطة التشريعية، بالتنسيق مع القطاع الخاص، “اتخاذ تدابير مضادة على الإجراءات المفروضة على استيراد السلع والخدمات أو أي تدابير لتعليق الامتيازات في مجالات التجارة والاستثمارات”. جاء هذا المشروع رداً على إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم إضافية بنسبة 10% في الشهر ذاته. وفي يوليو 2025، وصف رئيس مجلس الشيوخ البرازيلي، السيناتور دافي ألكولمبر، ورئيس مجلس النواب هوغو موتا، قانون المعاملة بالمثل بالأداة اللازمة لحماية سيادة البرازيل.

وفي سياق متصل، كرر الرئيس البرازيلي في مقابلة مع شبكة CNN رفضه للتهديدات الأمريكية واصفاً إياها بـ”الابتزاز غير المقبول”، مضيفاً أن ترامب “انتخب كزعيم للولايات المتحدة وليس إمبراطوراً للعالم”، بحسب تعبيره.

إلى جانب ذلك، هناك مقترحات داخل البرازيل باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية لرفع دعوى ضد الولايات المتحدة بتهمة انتهاك اتفاقية الغات وإساءة استخدام مبرر “الأمن القومي”. مع أهمية تنسيق الجهود مع دول ميركوسور وبريكس لتشكيل جبهة دبلوماسية موحدة؛ تهدف إلى تعزيز الضغط الدولي على واشنطن.

أما عن محاكمة بولسونارو، فأشار رئيس المحكمة العليا الفدرالية البرازيلية، لويس روبرتو باروسو، إلى أن التصريحات الأمريكية تستند إلى “فهم غير دقيق للحقائق” مؤكداً أنه “لا أحد يتعرض للاضطهاد في البرازيل”. وأوضح أن الإجراءات الجنائية الجارية تُدار “بشفافية مطلقة”؛ حيث تُعقد الجلسات بشكل علني، وتُبث عبر التلفزيون؛ ما يعكس التزام المؤسسة القضائية بالمعايير الديمقراطية وسيادة القانون.

2- دعوات للتهدئة وتبني نهج أكثر حذراً: في هذا السياق، دعا حاكم ولاية إسبيريتو سانتو، ريناتو كاساغراندي إلى تجنّب “مبارزة تعريفات جمركية” مع ترامب، معرباً عن قلقه من تداعيات أي إجراءات راديكالية على الاقتصاد الوطني.

وتماشياً مع هذا التوجه، صرّح نائب الرئيس جيرالدو ألكمين بأن الرئيس البرازيلي أصدر قراراً بتشكيل “مجموعة عمل وطنية” تضم ممثلي القطاع الخاص وصناع القرار، مهمتها تقييم آثار الرسوم الأمريكية وتنسيق الردود بما يقلل الخسائر الاقتصادية. وخلال اجتماعها الأول، طالبت قطاعات صناعية مختلفة بتأجيل فرض التعريفات، معارضةً أي رد انتقامي عبر قانون المعاملة بالمثل الاقتصادي، لما قد يسببه ذلك من أضرار للصادرات البرازيلية وجذب الاستثمارات.

وبالتوازي مع ذلك، وجّه ألكمين رسالة رسمية مشتركة إلى وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك والممثل التجاري جيمسون جرير، أكد فيها انفتاح البرازيل على الحوار منذ إبريل 2025، ومشيراً إلى تقديم مسودة اقتراح تفاوضي في مايو. أما وزير المالية فرناندو حداد، فيرى أن الرسوم الجمركية تتضمن ظلماً كبيراً إلا أنها “أكثر ملاءمة” مما كان متوقعاً، مع إعفاء العديد من منتجات التصدير الرئيسية.

من جانبه، اقترح أوليفر ستونكل، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية بمؤسسة جيتوليو فارغاس البرازيلية، العمل على حشد القطاع الخاص الأمريكي للضغط على الإدارة في واشنطن من أجل التفاوض بشأن حصص تجارية وإعفاءات من الرسوم المقترحة. وفي الإطار ذاته، يدرس مجلس مُصدّري البن البرازيلي (Cecafé) والرابطة الوطنية للبن (NCA) – وهي منظمة في أمريكا الشمالية- حلاً تفاوضياً يضمن استمرار تدفق المنتجات.

3- استغلال المعارضة للموقف: حاولت المعارضة البرازيلية، وعلى رأسها الرئيس السابق جايير بولسونارو، توظيف الموقف الأمريكي لتوجيه انتقادات للحكومة الحالية. وقد صرّح بولسونارو بأن “العفو عن المتورطين في هجمات 8 يناير 2023 هو السبيل لوقف زيادة الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة”. وأضاف أن “إجراء ترامب هو نتيجة مباشرة لتخلي البرازيل عن التزاماتها التاريخية بالحرية وسيادة القانون والقيم التي لطالما عززت علاقتنا بالعالم الحر”.

وفي السياق نفسه، أكد عضو الكونغرس إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق، أن ترامب لن يتراجع عن قراره بفرض رسوم جمركية، مضيفاً أن السبيل الوحيد لبدء المفاوضات مع الولايات المتحدة هو الموافقة على العفو عن المتظاهرين الذين طعنوا في نتائج الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2022؛ وهو ما يعكس استمرار محاولة المعارضة لربط الملف الاقتصادي بأجندتها السياسية الداخلية.

تداعيات واسعة:

تجاوزت الأزمة الجمركية بين الولايات المتحدة والبرازيل حدودها التجارية الضيقة لتتحول إلى أزمة متعددة الأبعاد، تحمل في طياتها تداعيات سياسية واقتصادية واسعة النطاق. فقد ألقى القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية إضافية بظلاله على الداخل البرازيلي والمشهد الانتخابي المقبل، كما انعكس على مسار العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي الوقت ذاته، أثار القرار مخاوف جدية في قطاعات استراتيجية للاقتصاد البرازيلي، وسط تباين التقديرات بشأن حجم الخسائر المحتملة وآفاق البحث عن بدائل تجارية جديدة.

1- التداعيات السياسية: أثار قرار الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على البرازيل استقطاباً سياسياً داخلياً؛ ففي حين عبرت بعض قيادات اليمين البرازيلي عن تأييدها للقرار الأمريكي، معتبرةً إياه نتيجة للسياسات الحكومية، رأت التيارات اليسارية في هذا الإجراء تجاوزاً صريحاً للسيادة الوطنية. فعلى سبيل المثال، وصفت غليسي هوفمان، رئيسة حزب العمال البرازيلي، ذلك القرار بأنه “لحظة فارقة تُميز فيها الأمة بين الوطنيين والخونة”.

في سياق موازٍ، يتوقع باحثون امتداد تأثير الأزمة الجمركية إلى المشهد الانتخابي في البرازيل 2026، خاصة بعد أن أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة أطلس/بلومبرغ، ونُشر في 15 يوليو 2025، ارتفاع نسبة تأييد حكومة الرئيس لولا دا سيلفا إلى 49.7% مقارنةً بـ47.3% في يونيو من العام نفسه؛ وهو ما يعني تعزيز النزعة الوطنية لدى العديد من البرازيليين والتفافهم حول الحكومة. وفي هذا الإطار، يرى عدد من المحللين، من بينهم عالم السياسة الأمريكي Ian Bremmer، أن هذه النتائج قد تدفع الرئيس السابق بولسونارو إلى السعي بنفسه لمطالبة ترامب بتخفيف الرسوم أو إلغائها، في محاولة لاستمالة المواطنين.

وعلى صعيد العلاقات الثنائية، لا يزال التوتر متصاعداً بين واشنطن وبرازيليا. فقد أمرت المحكمة العليا البرازيلية بولسونارو بارتداء سوار إلكتروني على مدار الساعة، ومنعته من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي أو التواصل مع محقِّقين أو سفراء أجانب، بما في ذلك نجله إدواردو. وفي ردٍ لافت، انتقد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هذه الإجراءات التي قادها قاضي المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس، معلناً إلغاء تأشيرات دخول القاضي وزملائه وعائلاتهم إلى الولايات المتحدة، ومؤكداً أن إدارة ترامب ستُحاسب “الرعايا الأجانب المتورطين في قمع حرية التعبير المحمية بموجب القانون الأمريكي”.

وفي 30 يوليو 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قاضي المحكمة العليا البرازيلية ألكسندر دي مورايس، بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي، الذي يسمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على الأجانب الذين تعتبر أن لديهم سجلاً من الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.

2- التداعيات الاقتصادية: أثارت الأزمة الحالية قلقاً في قطاعات استراتيجية مثل القهوة والبرتقال والإيثانول، لا سيما مع كون البرازيل المصدر الأول للقهوة للولايات المتحدة (نحو ثلث استهلاكها) مع مخاوف من تراجع قيمة الريال؛ مما يرفع تكاليف الشركات المعتمدة على الواردات. ومع ذلك، تباينت التوقعات بشأن التأثير الفعلي للقرار الأمريكي على الاقتصاد البرازيلي.

وترى شركة ARX الاستثمارية أن الأثر الكلي سيكون “هامشياً”؛ خاصة إذا نجحت البرازيل في إعادة توجيه صادراتها نحو أسواق بديلة بعيداً عن الولايات المتحدة (في ظل تراجع نسبي في تبعيتها التجارية لواشنطن خلال السنوات الأخيرة). وفي هذا السياق، صرّح سيلسو أموريم، كبير مستشاري الشؤون الخارجية للرئيس، بأن التصعيد الأمريكي سيدفع البرازيل إلى تعميق شراكاتها الاستراتيجية مع تكتلات بديلة، وفي مقدمتها مجموعة البريكس والاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، حذرت رابطة الصناعات البرازيلية (CNI) من أن القرار الأمريكي قد يسفر عن فقدان أكثر من 100 ألف فرصة عمل، إلى جانب تقليص معدل النمو الاقتصادي السنوي بما يقارب 0.2 نقطة مئوية. كما أشارت رابطة الصناعات الزراعية البرازيلية (CNA) إلى أن القرار قد يؤدي إلى تراجع الصادرات البرازيلية إلى السوق الأمريكية بنسبة تصل إلى 50%.

وعلى جانب آخر، يرى محللون أن الرسوم لن تؤثر في البرازيل وحدها، بل سيمتد تأثيرها إلى المستهلكين الأمريكيين والقطاعات المعتمدة على المنتجات البرازيلية مثل احتمالية ارتفاع أسعار القهوة وغيرها، وتزايد الضغوط على سلاسل التوريد. كما أن اقتراح ترامب بنقل الإنتاج البرازيلي إلى الأراضي الأمريكية غير قابل للتنفيذ على المدى القصير؛ نظراً لطبيعة معظم السلع البرازيلية (زراعية وأولية)؛ أي تحتاج ظروفاً بيئية ومناخية خاصة، فضلاً عن الوقت اللازم للزراعة والإنتاج.

مساران محتملان:

على عكس عدد من الدول، كالاتحاد الأوروبي واليابان، التي نجحت في التوصل إلى اتفاقيات لخفض الرسوم الجمركية، لم تستطع الجهود الدبلوماسية البرازيلية تحقيق نتائج مماثلة، بل واجهت قرارات تصعيدية من قبل الإدارة الأمريكية. ويعزو بعض المحللين ذلك إلى محدودية قدرة البرازيل على التأثير داخل البيت الأبيض، فضلاً عن افتقارها إلى النفوذ داخل الكونغرس الأمريكي، على عكس دول مثل إسرائيل والمكسيك. وفي ضوء ذلك، يمكن استعراض مسارين محتملين للأزمة الجمركية:

المسار الأول.. استمرار التصعيد المتبادل: في ظل تمسك واشنطن بموقفها ورفضها التفاوض (وهو ما انعكس على تجاهل دعوات البرازيل للتفاوض قبل دخول القرار حيز التنفيذ)، من المتوقع أن تستمر القيادة البرازيلية في خطابها الرافض للقرارات الأمريكية، مع تصاعد اتهام الرئيس ترامب بـ”الاعتداء على الديمقراطية البرازيلية”.

وفي السياق ذاته، قد تلجأ البرازيل إلى تبني إجراءات انتقامية وفقاً لقانون المعاملة بالمثل، كفرض رسوم على قطاعات أمريكية محددة (كالتكنولوجيا الرقمية). أو أن تلجأ إلى إجراءات دبلوماسية كفرض قيود على تأشيرات دخول الأمريكيين، رداً على إلغاء تأشيرات القضاة البرازيليين. إلى جانب، إمكانية تبني أي من الحكومتين قراراً بإيقاف برامج التبادل الأكاديمي أو التعاون القضائي والأمني.

على جانب آخر، عادة ما تتضمن الإجراءات الانتقامية احتمالية التصعيد من قبل الطرف الآخر؛ مما يعني تعقيد النزاع. وتشير تجارب مماثلة إلى أن الدول التي تبنت الرد بالمثل؛ اتخذت الإدارة الأمريكية ضدها إجراءات أكثر حدة؛ ما يعني دورة من الإجراءات المضادة المتبادلة. وبحسب آراء الخبراء؛ فإن هذا النوع من التصعيد لن يؤدي إلى تسوية النزاع بل سينتج عنه تفاقم الضغوط على اقتصاد البلدين.

المسار الثاني.. فرص التفاوض: في ظل تحفظ غالبية القطاع الخاص البرازيلي على الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة قد تضر بالاقتصاد الوطني، إضافة إلى وجود أصوات داخل الحكومة البرازيلية داعمة لجهود التهدئة، من الممكن أن تقترح بعض هذه الفئات أو القطاعات مبادرات لفتح قنوات حوار مع الجانب الأمريكي خاصة المستوردين، سعياً إلى إعادة النظر في الإجراءات المفروضة أو التوصل إلى تسويات جزئية تخفّف من حدة القرار وتجنب الآثار السلبية على الاقتصاد.

فعلى سبيل المثال، يشير باحثون إلى أن الضغوط التي مارستها مجموعات المصالح الأمريكية؛ أسهمت في دفع الإدارة الأمريكية إلى استثناء عدد من السلع البرازيلية من الرسوم الجمركية الأخيرة (40%).

كما يُلاحظ أن القرار التنفيذي يتضمن إشارة إلى إمكانية التراجع عن القرار أو تعديله، (زيادة أو نقصاً) بناءً على رد الجانب البرازيلي واتخاذه خطوات ملموسة للتقارب مع السياسة الأمريكية. ولذلك، يرى باحثون أن ترامب ترك باب التفاوض مفتوحاً أمام المفاوضين البرازيليين.

تبدو الأزمة الجمركية بين البلدين أكثر تعقيداً من مجرد خلاف تجاري؛ إذ تُعد البرازيل واحدة من الاقتصادات الكبرى القليلة التي تحقق الولايات المتحدة معها فائضاً تجارياً؛ وهو ما يُضعف المبررات الاقتصادية للقرار الأمريكي. يضاف إلى ذلك أن الرئيس ترامب ربط صراحةً بين فرض الرسوم الجمركية والإجراءات القضائية ضد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، في وقت لا تملك فيه السلطات البرازيلية صلاحية دستورية لوقف هذه المحاكمات؛ الأمر الذي يجعل الهدف الأمريكي غير قابل للتحقق من الناحية القانونية.

ومع تصاعد الدعوات إلى تبني خطوات انتقامية متبادلة، مثل تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، أو إلغاء التأشيرات، أو المضي قدماً في فرض الرسوم؛ تبدو احتمالات التصعيد وإطالة أمد النزاع المسار الأكثر ترجيحاً. ومع ذلك، تظل فرص احتواء الأزمة قائمة في حال تفعيل أدوات الدبلوماسية الثنائية، والاستعانة بالقنوات الدولية، فضلاً عن الضغوط التي قد تمارسها الأطراف المتضررة؛ بهدف كسر الجمود القائم وتجنب المزيد من الخسائر للطرفين.

 

 


مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: العلاقات الأمريكية الأوروبية تمرّ بأصعب حالاتها
  • الخارجية الأمريكية: متفائلون بمحادثات ترامب وبوتين
  • من الرقص إلى سرادق العزاء.. وفاة شخص بقاعة أفراح في قنا
  • هل أنتم متفاجئون؟.. ترامب يعلق على الاشتباه بتورط روسيا في اختراق نظام المحاكم الأمريكية
  • كيف تحولت المواجهة التجارية الأمريكية البرازيلية إلى سلاح سياسي؟
  • JD فانس يكشف عن موقف محرج مع كامالا هاريس
  • استقرار أسعار النفط مع ترقب بيانات المخزونات الأمريكية واجتماع ترامب وبوتين
  • الصين تعلّق الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية لمدة 90 يومًا
  • عادة تبدو بريئة.. لكنّ الاعتذار عن الحضور في اللحظة الأخيرة قد يضرّ بصداقاتك
  • العدل الأمريكية تحذر من تحول البلاد لدولة فاشلة بإلغاء رسوم ترامب