عالجوا الجرحى خلال دراستهم.. غزة تخرّج أطباء صقلتهم ظروف الحرب
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
غزة- بينما كان فهمي الميدنة يؤدي قَسم الأطباء، تواردت إلى ذهنه ذكريات كثيرة مر بها خلال عامي الحرب، وأهمها توليه منصب طبيب الاستقبال والطوارئ الوحيد في المستشفى المعمداني بمدينة غزة، في مارس/آذار 2024 بينما كان طالبا في السنة الخامسة بكلية الطب.
في تلك الفترة، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الشفاء غرب غزة لمدة أسبوعين ومنع الوصول إليه، فتوجه هذا الطالب للمستشفى المعمداني شرقا، فلم يجد فيه أي طبيب استقبال وطوارئ، فتولى المهمة برفقة 5 ممرضين.
وتخرّج الميدنة -أول أمس الاثنين- ضمن فوج يضم 125 طبيبا من كلية الطب بالجامعة الإسلامية بغزة، عمل معظمهم متطوعين في مشافي القطاع خلال سنتي العدوان، وسدوا جزءا مهما من العجز في عدد الأطباء والطواقم الطبية، حسب مسؤولين بوزارة الصحة.
ويسترجع ذكرياته إبان عمله رغم كونه لا يزال طالبا، قائلا: "كنت طبيب الاستقبال الوحيد برفقة 5 ممرضين، وكان معنا اثنان من أطباء العظام في غرفة العمليات، وسط إمكانيات محدودة جدا وشبه بدائية، حتى إن الكهرباء كانت مقطوعة".
ويكمل "ذات مرة، استقبلنا 120 جريحا في يوم واحد. قررت الصمود والاستمرار، وكنت أحوّل حالات لغرف العمليات في المستشفى الإندونيسي ومستشفى كمال عدوان شمال القطاع، ونجحنا في التعامل مع كل الإصابات، ونجا كثير منها بفضل الله".
واكتسب الميدنة خبرة جيدة في تخصص طب الاستقبال والطوارئ في أثناء تطوعه المبكر في مشافي غزة، منذ اليوم الأول للحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حينما كان طالبا في السنة الرابعة من دراسته.
ويشير إلى أنه عمل مع الأطباء معتز حرارة والشهيد محمد غانم وأمجد عليوة، في قسم الاستقبال والطوارئ بالمعمداني في ديسمبر/كانون الأول 2023، ويناير/كانون الثاني 2024، وكانوا يستقبلون في بعض الأحيان نحو 500 إصابة في اليوم الواحد. وعن تلك الفترة يقول: "كنا نعمل ليلا نهارا دون توقف، وكان هدفنا إبقاء قسم الاستقبال والطوارئ يعمل في شمال القطاع لإنقاذ الجرحى".
إعلانوتعرض الميدنة لمصاب جلل في يونيو/حزيران 2024 حينما تعرض منزله للقصف في حي الشجاعية بينما كان موجودا داخله، مما أدى إلى استشهاد 7 من عائلته بينهم 4 من أشقائه، وإصابة والديه. ورغم صعوبة الموقف، فإنه سارع لإسعاف الجرحى، ونقلهم للمستشفى المعمداني.
وخلال الاجتياح الإسرائيلي الأخير لمدينة غزة في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، قرر البقاء متطوعا في مستشفى الشفاء رغم نزوح أسرته للجنوب، بهدف تقديم العلاج لمن تبقى من السكان. ورغم عمله المتواصل خلال عامي العدوان، فإنه حافظ على تفوقه الدراسي، إذ كان من العشرة الأوائل على الدفعة.
في خضم الحرب، وجدت رُبا مسلّم نفسها في وضع لا تحسد عليه، فعليها التركيز على دراسة الطب المرهقة، وفي الوقت ذاته مساعدة الأسرة على تلبية احتياجاتها الكبيرة. وقد قررت التطوع في مشافي غزة من باب استشعارها المسؤولية الكبيرة تجاه أبناء شعبها، خاصة مع العجز الكبير في أعداد الطواقم الطبية.
في البداية، وبينما كانت طالبة في السنة الخامسة، تطوعت في مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، وكانت تأمل في تقديم خدمات بسيطة كأعمال التمريض، لكنها رويدا رويدا وجدت نفسها تسد مكان طبيبة مقيمة ومتخصصة.
وتقول للجزيرة نت "في البداية كنا نؤدي أمورا بسيطة، وبعد فترة أصبحت أتحمل مسؤولية كبيرة، وأدير مناوبة كاملة في قسم الاستقبال والطوارئ".
وتضيف أن "تجربة الحرب زادت من كفاءتنا وخبراتنا وجرأتنا في العمل الطبي، والحصول على المعلومة الصحيحة". وتشعر مسلّم بالفخر لعملها مع الطبيب العراقي محمد طاهر الذي زار غزة وأجرى كثيرا من العمليات الجراحية، وتردف "خلال فصل شمال القطاع عن جنوبه، زرت الشمال برفقته ضمن تنسيق خاص لعدم توفر جراحين هناك، وأجريت معه عمليات جراحية للجرحى بوصفي مساعدة أولى".
وعن معاناتها مع الدراسة النظرية، تستذكر رُبا مسلّم كيف كانت تسير مسافات طويلة بحثا عن شبكة إنترنت لتنزيل بعض الملفات، أو لشحن الهاتف المحمول وسط خطر القصف، ثم تعود مرة أخرى لتكرر السيناريو نفسه، مؤكدة أن "المعاناة لا توصف؛ أنت في سباق لا يتوقف، وإذا توقفت ستموت مكانك، لذلك لا مجال للتوقف".
وبينما تحصل على شهادة التخرج، تشعر بالأسى تجاه زميلتها سارة الكحلوت، التي تعرض منزلها للقصف قبل عدة شهور، واستشهد إخوتها، وأصيبت هي بجروح بليغة وفقدت ساقها اليمنى.
تقول "تخيّل كيف أن طبيبة على وشك التخرج، متفوقة ومليئة بالحيوية والنشاط، فجأة تنقلب حياتها وتفقد أسرتها وساقها، لكنها لم تستسلم، وغادرت القطاع قبل أيام لإكمال رحلة علاجها، وستكمل دراستها بإذن الله بعد عودتها".
من جانبه، اختار عبد الكريم سمّور خلال عامي الحرب أن يتطوع في قسم العناية المركزة بهدف المساعدة وتغطية العجز في أعداد الكادر الصحي. واليوم وبعد تخرجه، يتذكر تلك الأيام التي تعلم خلالها الكثير، وزادت من خبراته، وفي الوقت ذاته تشعره بالرضا عن نفسه تجاه ما قدمه لأبناء شعبه.
إعلانويقول سمّور للجزيرة نت "أكسبتنا فترة التطوع خبرة وصلابة في التعامل مع المرضى وزادتنا علما، كما أدينا واجبا وطنيا، معظم الطلبة صمدوا وثابروا في المستشفيات، وشاركوا في علاج المرضى".
واضطر للنزوح مع أسرته قرابة 8 مرات، والعيش في الخيام، والمذاكرة والتدريب خلال ظروف صعبة للغاية. ويضيف "كان مطلوب منا الموازنة بين المسؤوليات في البيت كالمساهمة في توفير الماء والطعام والحطب، والعمل في المستشفيات والتطوع والدراسة".
من ناحيته، يشعر الدكتور أنور الشيخ خليل عميد كلية الطب في الجامعة الإسلامية بفخر شديد تجاه طلبته الذين احتفل بتخرجهم. ويقول للجزيرة نت: "أشعر بالفخر الكبير بطلابنا لصمودهم وقدرتهم على تحدي الظروف".
ويلفت خليل إلى أنه أصيب في أحد الامتحانات التي عقدها للطلاب في مستشفى الوفاء وسط غزة بعد تعرضه للقصف الإسرائيلي، فلم تستسلم إدارة الكلية ولا الطلبة، وانتقلوا إلى مستشفى الشفاء لإكمال الامتحان رغم الإصابات والآلام.
كما أشار إلى أن عديدا من طلبته حوصروا مع الطبيب الأسير مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب حسام أبو صفية في المستشفى، حيث كانوا يتطوعون أو يتدربون هناك. وأكد "خريجونا عانوا كثيرا، ولكنهم التزموا بالدوام والتدريب، لذلك أنا فخور جدا بهم لصمودهم، وفخور أكثر لأنهم سيخدمون وطنهم وبلدهم".
ورأى خليل أن الخريجين سيكونون إضافة نوعية لغزة، نظرا للخبرة الكبيرة التي اكتسبوها خلال تطوعهم وتدريبهم في فترة الحرب، وسيسهمون في تطوير القطاع الصحي.
وحول المشكلات التي تواجههم، قال إن أهمها الحصول على شهاداتهم من الجامعة، إذ إن معظمهم غير قادرين على دفع الرسوم الدراسية المتراكمة عليهم منذ سنين بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة. وذكر أن سداد الديون، هو شرط أساسي للحصول على الشهادة، علما أن دراسة الطب مكلفة للغاية، وأكد أن الجامعة وكلية الطب تعملان على إيجاد حلول لذلك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات الاستقبال والطوارئ فی المستشفى فی مشافی
إقرأ أيضاً:
منظمات إغاثة إنسانية : المساعدات التي تصل غزة ضئيلة للغاية
قالت منظمات إغاثة إنسانية، إن المساعدات التي تصل إلى غزة ضئيلة للغاية مع استمرار الجوع واقتراب فصل الشتاء وبدء تآكل الخيام القديمة، بعد نحو أربعة أسابيع من وقف إطلاق النار في أعقاب الحرب الإسرائيلية المدمرة التي استمرت عامين.
وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان صحفي، الليلة الماضية، إن نصف الكمية المطلوبة فقط من المواد الغذائية تصل إلى القطاع، في حين قالت مجموعة من المنظمات الفلسطينية إن حجم المساعدات الإجمالية يتراوح بين ربع وثلث الكمية المتوقعة.
ولم تعد الأمم المتحدة، التي كانت تنشر في وقت سابق من الحرب أرقاما يومية عن شاحنات المساعدات التي تعبر إلى غزة، تقدم هذه الأرقام بشكل روتيني.
وأدى وقف إطلاق النار وزيادة تدفق المساعدات منذ منتصف تشرين الأول/ أكتوبر إلى بعض التحسن، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا.
وقال المكتب إن 10% من الأطفال الذين يتم فحصهم في غزة لا يزالون يعانون من سوء التغذية الحاد، بانخفاض عن 14% في أيلول/ سبتمبر، مع وجود أكثر من ألف طفل يعانون من أشد أشكال سوء التغذية.
وأضاف المكتب أن نصف الأسر في غزة أبلغت عن زيادة في فرص الحصول على الغذاء، لا سيما في الجنوب، مع دخول المزيد من المساعدات والإمدادات التجارية بعد الهدنة. وتحصل الأسر على وجبتين في المتوسط في اليوم، بعد أن كانت تتناول وجبة واحدة خلال تموز/ يوليو.
وأضاف أنه لا تزال هناك فجوة حادة بين الجنوب والشمال الذي لا تزال الظروف فيه أسوأ بكثير.
ومع اقتراب فصل الشتاء، يحتاج سكان غزة إلى مأوى. وتعرضت الخيام للتآكل وغالبا ما تكون المباني التي نجت من الحرب مكشوفة أو غير مستقرة وخطيرة.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين تعطيل الدوام المدرسي في محافظة طوباس إطلاق حملة تطعيم لإنعاش المناعة المجتمعية في غزة الضفة الغربية - الجيش الإسرائيلي يشن حملة اعتقالات واسعة الأكثر قراءة الجيش الإسرائيلي يعلن رسميا العودة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة إحياء الذكرى الـ69 لشهداء مجزرة كفر قاسم مستوطنون يحرقون مركبتين في بلدة عطارة شمال رام الله الإحصاء: القطاع الخاص تكبد خسائر اقتصادية كبيرة في الإنتاج خلال عام 2024 عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025