عماد -4 تطرح السؤال عن الحق بالحفر تحت الاملاك العامة والخاصة
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
كتب عباس صباغ في" النهار": مفوض الحكومة السابق لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس أثار مسألة حق الملكية وما نص عليه القانون اللبناني لجهة الحفر على أعماق معينة في الأملاك الخاصة ضمن "التقيدات الناتجة من القوانين والقرارات والأنظمة". وكتب ان "انفاق حزب الله اعتداء صارخ على الملك الخاص والقرارات والانظمة الادارية.
لكن المقاومة بحسب العميد الركن المتقاعد بهاء حلال، شرعية انطلاقاً مما نصت عليه البيانات الوزارية المتعاقبة، وجاء فيها: "تأكيد حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورَد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة".
ويذكر على سبيل المثال أنه عام 1996 تكرس تشريع المقاومة إبان عملية "عناقيد الغضب"، وكان للرئيس الشهيد رفيق الحريري الدور الأبرز في حشد التأييد للمقاومة أوروبياً وخارجياً. ويضيف: "الجميع يذكر ما فعله الرئيس الحريري وما طلبه من الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك ومن الأمم المتحدة بعد مجازر العدو، ولا سيما في المنصوري وقانا، وبالتالي فإن القانون الدولي الإنساني وكل الأعراف والقوانين الدولية وما يتفرع منها من قوانين محلية
تعطي من خسر أرضه الحق في أن يقاوم ولا يترك سبيلا".
ويخلص الى أن "فعل المقاومة يستتبع إسقاطا تنفيذيا لإجراءات حماية وتدابير عسكرية مدروسة بعناية إستراتيجية على الأرض لهذه القوانين والبنود، من أجل توفير القدرة على مقاومة العدو. إضافة إلى أنه يحق للمقاومة أن تقوم بأي عمل يؤازرها في قتالها ضد العدو الإسرائيلي لمنعه من ترويع الشعب واحتلال الأرض والعرض، كما فعل ويفعل في غزة وغيرها. وإن القوانين المحلية والدولية هي التي تسمح أو سمحت للمقاومة فقط بالمشاركة في باطن الأرض".
لم يتضح (ولن يتضح) من الفيديو الذي نشره "حزب الله" عن المنشأة، مكان وجودها ولا مدى عمق الإنفاق، وتاليا سيبقى كل ما يحكى عنها في إطار التوقعات.
فلا يمكن معرفة مكان تلك المنشأة وعمقها تحت الأرض وما إذا كانت في أملاك عامة أو خاصة، وهل هي في جنوب لبنان أو على الحدود اللبنانية.
كل تلك الأسئلة ستظل من دون إجابات، حتى التقدير أنها في أملاك عامة أو خاصة سيبقى ضمن التكهنات.
ويشير العميد المتقاعد أكرم سريوي إلى أن الحفر لإنشاء أنفاق للمقاومة لمواجهة العدو يدخل ضمن التشريع الذي أعطي للمقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.
أما عن القانون اللبناني بالنسبة إلى الحفر فيلفت إلى أن هناك تقيدا في عمليات الحفر، ويسأل "من يؤكد أن تلك الأنفاق تحت أملاك خاصة؟"
ويلفت إلى أنه "حين يشرع عمل المقاومة فإن ذلك يكون وفقاً لشرعة الأمم المتحدة، وبالوسائل الممكنة والمتاحة كافة. ومن ضمن وسائل المقاومة حماية نفسها بتنفيذ الحفريات وأعمال الأنفاق، وهذا ليس جديدا، ففي كل دول العالم حيث المقاومات، كانت المقاومة تلجأ إلى حفر أنفاق لحماية نفسها، وبالتالي يحق لها في لبنان أن تقوم بحفر أنفاق للحماية، لأن عملها مشروع".
ويدرج سريوي إثارة مسألة الحفر في إطار "التصويب السياسي على المقاومة في موضوع معين من دون إثباتات"، ويسأل: "إذا كان هذا تحت أراضي ملكية خاصة أو لا، فإن التعديات على الأملاك البحرية في الأملاك العامة، على السكك الحديد وغيرها لا تخطر على بال أحد".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
بين عدالة الشورى وسطوة الاستبداد
تعود بي الذاكرة إلى عام 2007، جمعتني الأقدار بأخٍ فلسطيني اسمه نضال مقيم بالبحرين. بمرور الأيام توطدت أواصر الصداقة بيننا على الشبكة العنكبوتية، واكتشفنا تقاربا فكريا مدهشا؛ فكلانا كان قارئا لأطروحات المفكر محمد أحمد الراشد رحمه الله. وفي إحدى حواراتنا الثقافية، فتح لي نافذة جديدة بتعريفي على المفكر الليبي المثير للجدل الصادق النيهوم مرشحا لي كتابه المعنون بـ"الإسلام في الأسر".
قرأت الكتاب بنهمٍ؛ فقد كان بمثابة المعول الذي أزاح ركاما كثيفا حول مفهوم العدالة في الإسلام. لقد سلط النيهوم الضوء بجرأة على فكرة محورية: وهي أن سقوط الخلافة الراشدة لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل كان الباب الذي ولجت منه الدكتاتورية لتجعل الإسلام ينزوي في زاوية العقائد والشعائر بعيدا عن حركة الحياة.
جناية الاستبداد على الشورى
ناقش الكتاب ببراعة كيف تم اختزال الإسلام في "أركان خمسة" استنادا لحديث النبي "بني الإسلام على خمس"، بينما تم تغييب الركن الركين الذي أمر الله به نبيه في قوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ". لقد عمل الحكم الأموي، وما تلاه من العباسي والعثماني، على تكريس مبدأ فصل الإسلام عن السياسة والحكم، ليصبح الدين مجرد طقوس، بينما الشورى والعدل والمساواة خارج أسوار قصر الحكم.
على النقيض تماما، كان الحكم الراشد -من عهد النبي ﷺ وحتى علي بن أبي طالب- قائما على الشورى الحقيقية. ورغم اختلاف آليات اختيار الخلفاء (أبو بكر، عمر، عثمان، وعلي)، إلا أن المبدأ كان ثابتا لا ولاية بالإكراه كانت للأمة الكلمة العليا في الاختيار، ولها الحق الأصيل في العزل والمحاسبة.
الحرية: روح الدين وجوهر الحكم
إن حرية الاعتقاد مبدأ أصيل في الإسلام، تجلى بوضوح في سورة "الكافرون". وفي ظل الحكم الراشد، كان الاختلاف مكفولا، والمعارض آمنا. ولنا في الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري خير مثال؛ فقد عارض السلطة، ومع ذلك لم يُسجن ولم يُقتل بل كان له حق الاختيار فى الابتعاد. ولكن بانتهاء تلك الحقبة، ظهر "فقهاء السلطان" الذين كرسوا لمفهوم "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، ليصبح الدين حكرا على الشيوخ، والحكم ملكا عضوضا للسلاطين.
هنا يبرز التساؤل الملحّ: ما هو الأقرب لروح الإسلام اليوم الديكتاتورية أم الديمقراطية؟ بكل تأكيد، الديمقراطية بجوهرها القائم على حرية الاختيار، والمساواة، وآليات المحاسبة، هي الأقرب لمقاصد الحكم الرشيد، فأي نظام يفتقر لهذه الخصال هو محض استبداد، مهما تدثر بعباءة الدين.
جدلية الحق والقوة
أردت أن أرجئ هذه الفكرة لختام مقالي لأهميتها؛ إن الحكم الرشيد والقيم المثلى لا قيمة لها إن لم تحمها قوة. فالحق يحتاج إلى نابٍ ومخلب ليحميه، وقد أدرك الصدّيق أبو بكر هذه الحقيقة في أول اختبار له في "حروب الردة".
حين راجعه عمر بن الخطاب في قتال مانعي الزكاة، كان رد أبي بكر حازما وصادما لعمر، مؤسسا لقاعدة أن الحق لا يداهن: "أجبّارٌ في الجاهلية خوّارٌ في الإسلام يا عمر؟ والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه".
هذه الفلسفة ليست غريبة عن البيئة العربية التي أدركت منذ الجاهلية أن الضعف لا يصنع دولة، كما قال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلنَّ أحدٌ علينا فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا
فالحجاج بن يوسف استند إلى منطق القوة في حماية الدولة حين قال: "إني أخو حربٍ إن عضت به الحرب عضها وأن شمرت عن ساقها شمرا".
كلمة أخيرة
رغم إعجابي الشديد بطرح كتاب "الإسلام في الأسر" وتحليله السياسي العميق، إلا أن الأمانة العلمية تقتضي أن أُسجل اختلافي الجذري مع الكاتب في المسألة المتعلقة بمفهوم "الصلاة"، حيث جانبه الصواب في تأويلها، وهو ما لا أوافقه عليه جملة وتفصيلا.