بوابة الوفد:
2025-12-13@22:09:01 GMT

رجاء النقاش فى التسعين

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

أمس مرت الذكرى التسعون لمولد رجاء النقاش فى 23 أغسطس 1934، بعد رحيله فى 8 فبراير عام 2008. عن 74 عاما، بعد أن شكلت تجربته النقدية والصحفية والفكرية على امتداد أكثر من خمسين عاما، عالما فريدا فى مجال كتاباته فى النقد الفنى والأدبى. وفيه استخدم ببراعة لغة شعرية، اتسمت بالبساطة والعمق، وابتعدت عن التعقيد والتكلف والتقعر والمصطلحات، بما حق معه القول إن النقد الأدبى قد أصبح فى قاموسه معادلا للماء والهواء.

وربما صور ذلك لقارئه من فرط البساطة التى عاينها، أن بإمكانه أن يحذو حذوه، ويصبح كاتبا مثله. وقد عد ذلك نقلة نوعية فى حقل الكتابة النقدية، ومدرسة ساهمت فى إخراج النقد من ساحته النخبوية، إلى ساحة أكثر جماهيرية واتساعا، لا سيما ومعظم إنتاجه كان ينشر فى صحف يومية ومجلات أسبوعية، فضلا عن المنشور منها فى المجلات الشهرية العربية والمصرية وفى الكتب.

كان «النقاش» فى معركة دائمة من أجل كسب العقول. لهذا كان القارئ العادى مقصده والهدف الذى تخاطبه كتاباته. فهو يسعى دائما للتحاور معه، ليحفزه على التأمل السياسى والثقافى، والتفرقة بين ما هو غث وما هو سمين، ومراجعة الأفكار والحقائق التى تبدو راسخة من فرط الإلحاح الدعائى على رسوخها، دون مسوغ سوى غياب العقل النقدى المتقد، الذى ينهض من أجل مراجعتها، وإزالة أطنان الغبار عن المنسى منها، فى التراث الثقافى والفكرى والدينى والعلمى. وهو التراث الذى أنار ظلام العصور الوسطى، وساهم بجدارة فى صناعة الحضارة الغربية. وفى هذا السياق، كان مألوفا أن يؤرق كتاباته، التغاضى عن فكرة خيمت على عقله ووجدانه اختصرها الفقيه ابن القيم فى قوله «أينما يكون العدل، فثم شرع الله».

فى تجربته الصحفية نجح نجاحا مبهرا، فى أن «يصنع من الفسيخ شربات». وفى بداية السبعينيات الماضية، تولى رئاسة تحرير مجلة الشباب التى كانت تصدر عن أمانة الدعوة والفكر فى الاتحاد الاشتراكى، فحولها بإمكانيات ضئيلة، من مجرد نشرة تعبوية ودعائية، إلى مجلة ثقافية عامة شديدة الإمتاع والعمق، تحفل بالتنوع والجديد الدائم. وعلى صفحاتها نشر نجيب محفوظ الفصل الأول من روايته الحب تحت المطر. كما نشر أول حديث يجرى فى الصحافة المصرية مع ياسر عرفات بعد النكسة، وصفحات من التاريخ المصرى، تثبت دروسه فى أجواء النكسة، أن الهزيمة ليست سوى مجرد فصل من فصول هذا التاريخ، وأن الانتصار عليها آتٍ لا محالة.

وكانت تجربته فى مجلتى "الإذاعة والتليفزيون" و"الكواكب" مماثلة. وعلى صفحات الكواكب قدم جيلا جديدا من الكتاب والنقاد والشعراء والقصاصين والفنانين والمطربين، شكل عماد الحركة الثقافية والإبداعية فى مصر والعالم العربى فى الثمانينات والتسعينيات. وعلى صفحاتها عرف القراء جيل المخرجين والكتاب من رواد حركة السينما الجديدة، والحركة النقدية التى واكبتها. سلك هذا الطريق فى التنقيب عن المواهب والدفع بها إلى المجال العام، والذهاب إليها حيث توجد، وإخراجها من العتمة إلى النور، كما فعل عام 1968 مع ظاهرة الشيخ إمام ونجم، ليس بسبب بداهته وفطنته فقط، بل كمثقف موهوب، تملى عليه مسئوليته الاجتماعية والأخلاقية، أن يسلط أشعة الضوء على أجيال جديدة خدمة لمواهبها وللوطن.

ولعله كذلك الإيمان بالقدرة الخارقة التى يمتلكها الحب، الذى كان عنوانا لمسيرة رجاء النقاش الإبداعية والحياتية. ولذلك لم يكن صدفة أن يصدر كتابه عن «أبوالقاسم الشابى» بكلمة لتشكوف تقول: إن كان فى وسعك أن تحب، ففى وسعك أن تفعل أى شىء.

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أمينة النقاش على فكرة رجاء النقاش

إقرأ أيضاً:

فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة

منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها. 

أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.

فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود. 

ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه. 

تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.

لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى. 

ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.

ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية. 

وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.

كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.

وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين. 

وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.

ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.

ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.

إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة. 

وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.

رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.

مقالات مشابهة

  • البابا تواضروس: الهاتف المحمول أنهى عصر «الإنسانية».. والجماهير تصفق لـ«شخصيات فارغة»
  • الرجل الشقلباظ!
  • تراجع السيولة النقدية في العراق يضع الرواتب والمصارف أمام اختبار صعب
  • صانع المحتوي من ذوي الهمم ومدرب العقارب ببرنامج واحد من الناس.. غدًا
  • حسني بي: اختلال القاعدة النقدية وراء المضاربة ونقص السيولة
  • «فخ» كأس العرب
  • ريديت يطعن في حظر أستراليا لمواقع التواصل دون ١٦: يزعم أن القانون يحد النقاش السياسي
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
  • الوجوه الثلاثة!!
  • إكسون موبيل ترفع توقعاتها للتدفقات النقدية حتى 2030