ناهد عبد العزيز خبيرة الجيولوجيا والإسكان: أطالب بالتنسيق مع اليونسكو لحماية آثارنا من خطر انهيار سد النهضة
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
أثيرت في الآونة الأخيرة تحذيرات من أن وقوع العديد من الزلازل في إثيوبيا يثير القلق في الأمان الإنشائي لسد النهضة، واحتمالية انهياره مما يسبب الكثير من المخاطر والكوارث حيث صنف دوليًا أنه من المشاريع الأكثر خطورة بسبب الواقع الجيولوجي للمنطقة، وعدم تحملها.
وفي هذا السياق تحدثت الدكتورة ناهد عبد العزيز خبير إنشاءات وجيولوجيا وإسكان لـ"الأسبوع" وقالت إن إثيوبيا تقع بحزام الزلازل.
وفي القرن الماضي تم تسجيل 15 ألف زلزال في المتوسط، 4 و5 زلزال سنويًا، لكن المدمر منها كان حوالي 11 زلزالاً وهو رقم كبير خلال 100 عام، وتم تسجيل عدد زلازل في الفترة ما بين 2014: 2024، وهي فترة بناء سد النهضة كان المتوسط 10 زلازل سنويًا مما يدل على تأثير إقامة سد النهضة على ارتفاع عدد الزلازل في إثيوبيا كما أن عام 2023، وهو العام الذي شهد ارتفاعًا كبيرًا سجل 38 زلزالاً. وعلميًا إقامة السدود تسبب حدوث زلازل، وتتوقف تدميرها على طبيعة الأرض المقامة فيها أرض إثيوبيا وهي تتميز بكثرة التصدعات والفوارق والانزلاقات الأرضية مما ينبئ بخطورة الموقف أيضًا ظهر عام 2005 أكبر فالق يسمونه أخدود أفريقيا يقسم إثيوبيا إلى قطعتين هذه الفوالق في منتهى الخطورة حيث تتحرك إذا حدث زلزال.. وكل الشواهد تؤكد وجود خطر من احتمالية انهيار سد النهضة.
ولكن التساؤل.. هل الشركات والخبراء المشاركون في بناء السدود لا يعلمون ماهية الأرض التي تم البناء عليها؟
الحكومات الإثيوبية المتعاقبة ليس لديها الوقت لتسجيل وتوثيق النشاط الزلزالي والأضرار الجسيمة الناتجة عنه، ويشغلها في الأساس مشاكل مثل: المجاعات والأوبئة والحروب الداخلية كما أن هناك إحدى الشركات الإيطالية الإنشائية قامت بعمل دراسة، واكتشفت وجود تكهنات تحت أساسات سد النهضة، وكان يجب علاجها قبل البدء في الإنشاء ولكن السرعة منعت ذلك.
وأجابت حول التساؤل المطروح.. ماذا لو تم انهيار سد النهضة؟ وما هي الأضرار؟
وقالت من الممكن أن ينهار سد النهضة لأي سبب من الأسباب التي تم ذكرها، كما أننا لا نعلم توقيت انهياره.. هل سيكون مترابطًا وقت فيضان شديد أو متوسط أو خفيف، ولا نعلم منسوب بحيرة السد العالي في حينه.. لذا سأذكر أشد السيناريوهات المطروحة، وهو: انهيار السد مع فيضان نيل شديد وسيحدث طوفان ليس هناك قبل للبشر به في المسافة بين سد النهضة والخرطوم حيث سترتفع المياه في المناطق السكنية في الخرطوم لـ20 مترًا خلال أربعة أيام فقط، مما يستدعى الانتباه والاستعداد من مصر لتقديم خطة إغاثة لو حدث ذلك مثل ضرورة تواجد الهلال الأحمر في مناطق محددة، وأن يكون بجانبه أماكن يمكن إقامة خيم إيواء لها، وقوارب إنقاذ وأن يتم إعلام المواطنين في الشوارع بالمناطق التي سيتوجهون إليها، كما أن لو بحيرة السد العالي مليئة في حينها فسيكون هناك احتمال الخطر على جسم السد، وأن المنشآت خلف السد العالي وأسوان تتطلب منا الاستعداد لإخلاء بعض المناطق في ظرف أيام.
وناشدت الدكتورة ناهد عبد العزيز اليونسكو أنه في حالة انهيار السد بوضع خطة عاجلة لإنقاذ معابد فيلة وكلابشة مثلما أطلقت استغاثة في عام 1968 لكل العالم من أجل إنقاذ مباني فيلة، فعليها تحديد لجنة دولية إنشائية للتأكد من سلامة سد النهضة الإنشائية كل عام حفاظًا على التراث الإنساني والآثار التي لا تقدر بثمن.
ويجب الحرص على وجود علاقة طيبة مع دول حوض النيل وتقديم الدعم الدائم لهم، وإنقاذ السودان إذا حدث انهيار في السد حيث ستنهار سدود السودان "الروصيرص وسنار ومروي" مما سيكون كارثيًا على السودان، ومن ثم على مصر.
وطالبت بالتواصل مع اليونسكو للتنسيق والتحذير في حالة انهيار سد النهضة، والتأثير الكارثي على المعابد الأثرية من ضمنها معابد فيلة التي أنقذتها اليونسكو سابقًا، ولن تتردد في عمل ما يمكن عمله للحفاظ عليها، وأرجو تشكيل لجنة عالمية هندسية للتأكد الدائم من السلامة الإنشائية لسد النهضة حماية للآثار.
اقرأ أيضاًمشروع قانون الإجراءات الجنائية يثير الجدل.. وخلافات داخل نقابة المحامين
محافظ القليوبية يُتابع العمل فى منظومة التصالح على مخالفات البناء
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السودان اليونسكو خطر انهيار سد النهضة سد النهضة انهیار سد النهضة کما أن
إقرأ أيضاً:
في مواجهة الانكسار.. قراءات فكرية في دروب النهضة العربية (1)
ظل سؤال النهضة العربية ـ منذ لحظة الانكسار التاريخي أمام الحداثة الغربية ـ سؤالًا مؤجَّلًا، مؤجَّلًا لا لأنه غاب عن الوعي، بل لأنه بقي أسيرًا بين التبعية والتقليد، أو بين الاستلاب والجمود. وفي هذا المسار المتوتر، برزت مشاريع فكرية حاولت أن تُخرج العقل العربي من أزمته، وأن تؤسّس لتصوّر جديد للذات والآخر، للعقل والدين، للتراث والحداثة.
ومن بين هذه المشاريع، استوقفتني كمشتغل بالفكر والكتابة ثلاث محطات مركزية في المشهد العربي المعاصر: محمد عابد الجابري، الذي خاض معركة "نقد العقل العربي" بمنهج بنيوي تاريخي صارم؛ وطه عبد الرحمن، الذي اختار أن ينحت مشروعًا قيميًا أخلاقيًا بعمق روحي وفلسفي أصيل؛ ونايف بن نهار، الذي دخل ساحة الفكر بتفكيك جريء للمؤسسة الدينية السلطوية، متحديًا السائد ومؤسسًا لخطاب تحرري لا يخشى الاصطدام بالواقع.
ما شدّني إلى هؤلاء المفكرين الثلاثة هو أن كلًّا منهم حاول، من زاويته الخاصة، أن يعيد مساءلة المفاهيم المؤسسة للثقافة العربية: ما العقل؟ ما علاقة الدين بالسلطة؟ كيف نواجه الحداثة دون أن نخسر ذواتنا؟ وهل يمكن تأسيس حداثة عربية ـ إسلامية دون أن نستنسخ النموذج الغربي؟ هذه الأسئلة ليست مجرد قضايا نظرية، بل هي إشكاليات وجودية تمسّ الكينونة الحضارية للأمة.
في كتابه الأهم "تكوين العقل العربي"، رسم الجابري معالم مشروع تفكيكي للعقل العربي، مميزًا بين ثلاثة نظم معرفية (البياني، العرفاني، البرهاني)، معتبرًا أن الخلاص يكمن في ترسيخ البرهان كمنهج عقلاني حداثي. أما طه عبد الرحمن، ففي مؤلفاته مثل "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" و"روح الحداثة"، قدّم قراءة عميقة للحداثة من الداخل، داعيًا إلى تأسيس "حداثة إيمانية" تنقذ الإنسان من فقدان المعنى. في حين جاء نايف بن نهار، في كتبه مثل "جدلية الدين والسياسة" و"الخطاب الديني المعاصر"، ليضع يده على الجرح السياسي الذي جعل الدين أداة طيعة في يد السلطة، ورفع راية التفكيك في وجه المؤسسات المغلقة.
ما يجمع هذه المشاريع ـ رغم اختلاف المناهج ـ هو سعيها للإجابة عن سؤال واحد: كيف ننهض؟ لكن ما يفرّقها هو تصورها لماهية الأزمة: فالجابري يراها أزمة في البنية العقلية، وطه يراها في انطفاء البعد الأخلاقي والروحي، ونايف في تواطؤ الخطاب الديني مع السلطة.
وهذا التباين لا يُضعف قيمة أي مشروع، بل يُغني خارطة الفكر ويُضيء لنا بأن النهضة لن تكون بزاوية واحدة، بل بتكامل العقل، والأخلاق، والتحرر.
إن هذه الورقة تحاول أن لا تكتفي بتقديم تلخيص أو مقارنة سطحية، بل تنحو نحو الغوص في البنية العميقة لكل مشروع، لا من أجل المفاضلة، بل لاستخلاص عناصر القوة والقصور، علّنا نسهم في فتح أفق جديد للفكر العربي نحو نهضة طال انتظارها، ولا تزال ملامحها تتشكل في مدارات النقد والفكر والمساءلة.
العقل النقدي وتحرير الوعي.. بين الجابري والتاريخ المسكوت عنه
"كل فكر لا يُمارس النقد هو فكر قابل للاستعباد".. (محمد عابد الجابري)
في محاولة فهم تشكُّل "العقل العربي"، لا يمكن تجاهل مشروع محمد عابد الجابري، الذي شكل علامة فارقة في الفكر العربي المعاصر. لقد سعى الجابري إلى إخراج العقل من أسر التقليد، والى بناء عقل نقدي، عقل يعي ذاته وتاريخه، ويملك أدوات التجاوز لا مجرد التكرار. لكن السؤال المحوري هنا هو: كيف قرأ الجابري العقل العربي؟ ولماذا ربط أزمة النهضة ببنية هذا العقل لا بظروفه السياسية فحسب؟
نقد العقل أم نقد الذاكرة؟
يرى الجابري أن أكبر عائق أمام انطلاقة عربية جديدة هو "بنية العقل العربي" كما تشكلت في سياقات تاريخية معينة. في مشروعه الضخم "نقد العقل العربي"، لا يكتفي بتوصيف أزمة الفكر، بل يحاول تفكيك النظم المعرفية التي وجهت هذا العقل:
أحد أهم إسهامات الجابري هو ربط البنية المعرفية بالتكوين التاريخي والسياسي للمجتمعات الإسلامية. لقد فهم أن العقل لا يعمل في فراغ، بل يتشكل في قلب الصراع على السلطة، بين الفقهاء، والفلاسفة، والمتكلمين، والسلاطين.ـ البياني: الذي يتغذى على النصوص والشروح.
ـ العرفاني: الذي يستند إلى الحدس والكشف الصوفي.
ـ البرهاني: الذي يمثل العقل الاستدلالي البرهاني المنطقي.
يرى الجابري أن النظام البرهاني هو القادر وحده على بناء عقل حداثي عقلاني، في حين أن النظم الأخرى كرّست الجمود والتكرار، وأعاقت النقد والمساءلة.
لكنه لا يقع في فخ الرفض الجذري للتراث، بل يمارس عليه عملية “الحفر المعرفي”، مميزًا بين ما يمكن استعادته، وما يجب تجاوزه.
الجابري والتفكيك التاريخي
أحد أهم إسهامات الجابري هو ربط البنية المعرفية بالتكوين التاريخي والسياسي للمجتمعات الإسلامية. لقد فهم أن العقل لا يعمل في فراغ، بل يتشكل في قلب الصراع على السلطة، بين الفقهاء، والفلاسفة، والمتكلمين، والسلاطين.
لذلك، فإن تفكيك البنية المعرفية للعقل العربي يعني أيضًا تفكيك التواطؤ التاريخي بين الفكر والسلطة. هنا يظهر البعد السياسي لمشروع الجابري:
ـ لم يكن هدفه إعادة إنتاج التراث، بل تحرير العقل من "التاريخ المسكوت عنه" الذي كُتبت فيه كثير من معارفنا باسم الدين، لكنها كانت أحيانًا أدوات للهيمنة.
حداثة بلا استلاب
رفض الجابري الحداثة المستوردة كنسق فوقي يُفرض على المجتمع، كما رفض التقليد الأعمى للغرب. لقد نادى بـ "تحديث من الداخل"، تحديث يستند إلى نقد الذات، لا محاكات الآخر، ويرتكز على استعادة “التراث البرهاني” كأداة عقلانية.
لكن المشروع لم يكن خاليًا من التحديات:
ـ تعرّض الجابري لنقد حاد من مفكرين رأوا أن نزوعه العقلاني أغفل البعد الروحي أو الأخلاقي.
ـ كما اتُّهم أحيانًا بـ "تغريب الفكر" حين دعا إلى قطيعة معرفية مع نظم البيان والعرفان.
رغم ذلك، يظل مشروعه أحد أكثر المشاريع الفكرية العربية صرامة واتساقًا.
تحرير الوعي.. المهمة المستمرة
إن ما يجعل فكر الجابري ملحًا اليوم، هو أنه لا يقف عند حدود الأكاديمية، بل يحمل بعدًا تحرريًا واضحًا:
ـ تحرير الوعي من الأسطورة.
ـ تحرير المعرفة من التكرار.
ـ تحرير الدين من التوظيف السياسي.
وفي ظل التحولات العميقة التي تعيشها مجتمعاتنا، تزداد الحاجة إلى “عقل نقدي” لا يخاف من الحفر في التربة العميقة للتراث، ولا ينجرف مع سطحيات الحداثة.
الجابري في مرآة اليوم
اليوم، بعد عقدين على وفاته، تبقى أعمال الجابري مرجعًا لفهم أزمة العقل العربي، ولكننا أيضًا بحاجة إلى تطوير مقاربته: فالعقل العربي اليوم لا يواجه فقط تراثًا جامدًا، بل يواجه أيضًا سلطة رقمية، وفرة معرفية غير نقدية، وأزمات هوية مركبة، ومشروع الجابري كان تأسيسيًا، لكن الأجيال الجديدة مطالبة بتركيب جديد يجمع بين النقد العقلي والوعي الأخلاقي والروح التحررية.
رفض الجابري الحداثة المستوردة كنسق فوقي يُفرض على المجتمع، كما رفض التقليد الأعمى للغرب. لقد نادى بـ "تحديث من الداخل"، تحديث يستند إلى نقد الذات، لا محاكات الآخر، ويرتكز على استعادة “التراث البرهاني” كأداة عقلانية.من الواضح أن الجابري لم يكن مجرد ناقد للتراث، بل كان معماريًا للفكر العربي الحديث. لقد وضع حجر الأساس لعقل عربي ناقد، عقل يرفض التقديس، ويستأنف الحوار مع الماضي من موقع الفاعلية لا من موقع الخضوع.
وإذ نتابع في المقال القادم قراءة مشروع طه عبد الرحمن، سنكتشف وجهًا آخر للأزمة: إنها ليست فقط أزمة عقل مغلق، بل أزمة ضمير مفرغ من القيم. وهناك، سننتقل من "تفكيك البنية العقلية" إلى "بعث الروح الأخلاقية".
المراجع:
ـ محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي
ـ محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي
ـ حوارات وندوات منشورة للجابري
ـ أعمال نقدية معاصرة حول مشروعه (انظر: رضوان السيد، جورج طرابيشي، فهمي جدعان)
*كاتب وإعلامي