عربي21:
2025-08-01@17:11:24 GMT

ذهبنا إلى الحرب بجنود خونة

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

أقيمُ مماثلة واعية وأُصر عليها بين جماعة التنسيق الأمني المقدس مع الكيان وبين الصف الاستئصالي الذي خرب الثورة التونسية، فكلاهما اشتغل مع العدو ضد بني وطنه من أجل تحقيق هدف يظنه هدفه الشخصي وما هو إلا خادم لاحتلال. يكفي أن أشير إلى أن الصف الاستئصالي يصادق دحلان ويسمع إليه وربما يقبض منه أو يقبض ممن يستخدم دحلان، لكن هذا دليل سطحي مقارنة بالنتيجة التي وصلنا إليها، أي تخريب التجربة الديمقراطية وإيقاع البلد تحت دكتاتورية غبية وحمقاء.

فإذا كنا الآن في تونس نعاني للخروج من تحت كابوس الانقلاب فلأننا وقعنا قبل ذلك في براثن الاستئصاليين الذين مهدوا له وصفقوا وحموه حتى اشتد عوده، وهم يمارسون الآن مسرحا أحقر من الانقلاب بالظهور كمعارضين له.

حدود المماثلة؟

هل تمتد هذه المماثلة لتجعل من الإسلاميين ومن حكم معهم مثيلا لحركة حماس وفصائل المقاومة؟ إذا كان المرء راغبا عن الحقيقة مصرا على السفسطة فيمكنه رؤية ذلك، لكننا لا نذهب في ذلك الاتجاه، إنما أرى أنه مثلما تزعج المقاومة المسلحة في فلسطين الغرب ولقيطه الصهيوني أجد أن الديمقراطية في الأقطار العربية تقوم بنفس الدور، أي إزعاج الغرب وتهديد مصالحه. من هذه الزاوية نقول بثقة: الكفاح بوسائل الديمقراطية في الأقطار غير المحتلة احتلالا مباشرا ه أخ شقيق للمقاومة المسلحة في آخر بلد محتل في العالم، هذه جبهة واحدة تختلف فيها الأسلحة وتتشابه فيها الخيانات الداخلية قبل العدوان الخارجي، والأدلة التي قد نجمعها تتجاوز حجم المقال.

إن بناء الديمقراطية العربية هي المعادل المنطقي لحرب تحرير وطني وتختلف الأسلحة/ الوسائل بحسب الظرف القُطري، ومن لم يرها كذلك وقع في التنسيق الأمني المقدس مع اختلاف طريقة التخابر. وليس في هذا أي مزايدة بالوطنية أو الثورية لأن النتيجة ظاهرة، لقد غُدرت الديمقراطية في تونس وفي مصر وفي ليبيا أيضا مثلما نُحرت في الجزائر في عشرية الدم بفعل الصف الداخلي الذي رفض نتائج الصندوق الانتخابي ورحب بالانقلابات، وهو يعرف أن نتيجة الانقلابات الأولى هي خدمة قوى الهيمنة والاحتلال.

في تونس ما زلنا نعيش مع صف سياسي يمجد حكم السيسي في مصر وحكم قيس سعيد ويقدس جنرالات الجزائر ويواليهم على الجلوس مع الإسلاميين وتنظيم عمل سياسي ينتهي بتأسيس ديمقراطية قابلة للبقاء، رغم العدوان الغربي على كل تجارب من هذا القبيل؛ نعرفها ونعددها مند عهد مصدق في إيران مرورا بباتريس لوممبا في إفريقيا وسلفادور اللندي في تشيلي. يوشك المرء أن يصيح من العجب إن اليسار العربي الذي يزعم حب اللندي في تشيلي هو نفس اليسار الذي يقدس البسطار العسكري في تونس ومصر. هذا اليسار هو قوة التنسيق الأمني المقدس ضد الديمقراطية، وهو الطرف الذي يستقبل دحلان وحفتر في تونس ويصغي إليهما.

نورد واقعة من قبيل إخراس جدل محتمل.. سافرت مجموعة من اليسار التونسي زمن المجلس التأسيسي (2013) لتطلب من البرلمان الأوروبي مساعدتها على حل برلمان تونسي منتخب، هذه المجموعة ظهرت منذ يومين في تونس في بيان يطالب بالديمقراطية ويزعم معارضة الانقلاب. نفس الوجوه ونفس الأسماء ونفس رغبات السفارة الفرنسية التي عبر عنها مقال في مجلة جون أفريك التي تصدر من باريس. توالي هذه الصدف يجعلنا حاضنة اجتماعية للمقاومة الديمقراطية في تونس.

لا ديمقراطية مع أعداء الديمقراطية

منذ خمسين سنة يرجم اليسار التونسي الشارع السياسي والثقافي بشعار واحد لا يعمل بغيره: "لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية"، فقد نصب نفسه وكيلا على الديمقراطية يمنح منها ما يشاء لمن يشاء ويحرم منها أعداءه الإسلاميين، فلما حل ظرف مناسب لبناء الديمقراطية انكشف اليسار التونسي (والعربي) عن جهة تنسيق أمني.

وجب في هذه المرحلة وبعد أن انتهت تونس إلى انقلاب يحميه اليسار؛ رفع شعار أشد وضوحا لا يوزع كوبونات الديمقراطية على طريقة اليسار، بل يرفض العمل السياسي مع اليسار لأنه عدو الديمقراطية وليثبت نفسه إن استطاع في معادلة جديدة، وهي المعادلة التي أسستها حماس فانتصرت بها على التنسيق الأمني قبل أن تثخن في عدوها. هذا هو الدرس، غربلة الصف والتقدم بثقة نحو عمل ديمقراطي مع ديمقراطيين وإن قلّوا، فإن انعدموا ولن ينعدموا فإن أي محاولة للتقريب مع اليسار هي خيانة للديمقراطية، ومصيرها نراه الآن ونعيشه.

إن اللحظة التونسية الكارثية الحالية (والتي ستتواصل طويلا) صنعها اليسار قبل الانقلاب، إنما المنقلب نهّاز فرص وجد فجوة فتسلل منها وتمسك بالكرسي، لكن العامود الذي يتركز عليه هو اليسار المحيط به والكامن في مفاصل الأجهزة؛ يمنع تطورها ويجير فعلها لصالح حربه الاستئصالية بالشعار إياه. كم عدده ليكون له هذا الدور المؤثر اليسار؟ لا يعتمد عدده فهو لا يستعد لصندوق اقتراع أبدا، إنما يعتمد خطة التسلل داخل المفاصل الحساسة فنجده في أهم مواقع القرار المؤثر وخاصة في الإعلام والثقافة والأمن، وهي مفاصل لا يمكن تجاوز تأثيرها. وهو الحريص دوما على بث سردية يحفر بها العقول: الإسلاميون أعداء الدولة وكل من لم يشارك في السردية والعمل بها يصير إسلاميا.

ما حظوظ من يقاطع اليسار ولا ينسق معه؟ هذا سؤال جدالي لأن اليسار لا ينسق مع أحد بل يخضع الناس لسرديته اليتيمة الحرب على الإسلاميين التي جرّت حربا على الديمقراطية، فخسر الجميع الا اليسار لأنه لم يفقد مواقعه القديمة في السلطة بل توسع نفوذه تحت حكم الانقلاب.

إن حظ من يقاطع اليسار هو حظ من يؤسس لديمقراطية غير استئصالية سيبذل جهدا أكبر لأنه لن يقوم ضد مؤسسات القمع السلطوي فحسب بل ضد قوى التنسيق الأمني، فهو على جبهتين والثمن هنا مرتفع لكن النتيجة تكون طريقا سليمة نحو ديمقراطية قابلة للبقاء. لقد ذهبنا إلى حرب الديمقراطية بجنود خونة فكانت الانقلابات خبزا يوميا.

وإذا كان هناك درس يمكنه جَنيه من الانقلاب فهو هذا الدرس: لا ديمقراطية مع أعداء الديمقراطية ولتطل الطريق على الأجيال الصابرة، لقد تعرضت للغش بما يكفي لتستفيق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسية الديمقراطية الإسلاميين اليسار تونس الديمقراطية الإسلاميين اليسار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التنسیق الأمنی الدیمقراطیة فی فی تونس

إقرأ أيضاً:

سوريا: تزايد التوترات بين العشائر العربية وقوات سورية الديمقراطية

أنقرة (زمان التركية) – نشرت العشائر العربية السورية قائمة من 8 بنود لمطالب قوات سوريا الديمقراطية بإنهاء حكمها الأحادي الجانب في المنطقة والامتثال لاتفاق الوحدة الوطنية الذي تم التوصل إليه مع دمشق في ظل رفض إدارة قوات سوريا الديمقراطية هذه المطالب مشيرة إلى أنها لن تتخلى عن وضعها المستقل.

ودخل انعدام الثقة القائم منذ فترة بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة شرق الفرات والمعروفة باسم “الجزيرة” مرحلة جديدة بالمطالب الملموسة والتحركات العسكرية.

وعبر بيان مشترك وقعه العديد من القبائل العربية والمنظمات غير الحكومية والممثلون المحليون في المنطقة، تم تقديم مطالب واضحة تستهدف سلطة الأمر الواقع لقوات سوريا الديمقراطية وممارساتها في المنطقة.

وأثارت الإحاطة، التي أرسلت إلى وزارات خارجية سوريا وفرنسا والولايات المتحدة وحصلت عليه صحيفة الشرق الأوسط، مخاوف من أن الجمود السياسي في المنطقة يمكن أن يتحول إلى صراع.

وأكد البيان الصادر عن العشائر العربية على أن قوات سوريا الديمقراطية أنشأت إدارة قمعية تفضل مجموعة عرقية واحدة في المنطقة وتستبعد الآخرين (عرب، تركمان، آشوريين).

وذكر البيان أن الوضع لا يختلف كثيرا عن النظام السابق من حيث الحريات مشيرا إلى اعتقال أصوات المعارضة وقمع التعددية في ظل حكم قوات سوريا الديمقراطية.

وتشمل مطالب القبائل المكونة من 8 مواد بالاستناد على وحدة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية ما يلي:

الرفض الحاسم لدمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة ككتلة سياسية وعسكرية واحدة. إلغاء كافة القطعات الأمنية والاستخباراتية التابعة لقسد. إعادة جميع الموارد الوطنية والمؤسسات العامة كالنفط والماء إلى الدولة. إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على أهالي المنطقة. إنهاء ممارسات مثل اختطاف النساء على وجه الخصوص. تفكيك معسكرات التدريب التي كانت تؤوي فلول النظام القديم. مكافحة فعالة للاتجار بالمخدرات. ضمان العودة الآمنة للنازحين لأسباب سياسية وعرقية.

الخطاب المزدوج لقوات سوريا الديمقراطية والاختناق السياسي أدى لموقف العشائر العربية هذا وردود الفعل المتناقضة داخل قيادة قوات سوريا الديمقراطية.

من جهته يجدد قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التزامه بهدف “جيش واحد والتوحيد تحت علم واحد ومن جهة أخرى يتخذ موقفا يبطئ عملية الاندماج من خلال اقتراح شروط مثل “اللغة الكردية هي اللغة الرسمية” و “حماية الإدارة الذاتية”.

وفي لقاء مع شيوخ العشائر في القاعدة الأمريكية جنوب الحسكة، أوضح عبدي أنهم لا ينوون تسليم أراضيهم أو إلغاء الحكم الذاتي وأن أي اتفاق مع دمشق مشروط بالحفاظ على هذه الهياكل.

ونفى المتحدث باسم قسد، فرهاد الشامي، بيان القبائل واصفا إياه بأنه “كاذب” و “يهدف إلى إحداث الفوضى”، غير أن الشيخ حمود الفرج، عضو المجلس الأعلى للقبائل والقبائل السورية، أكد أن القبائل في المنطقة كانت “في حالة تأهب” وأن القوات الحكومية السورية كانت تحشد حول الرقة والطبقة على الرغم من أنه قلل من خطر “ثورة عامة” المتداول بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

لماذا لا يُطبّق اتفاق مارس/ آذار؟

يستند التوتر الحالي إلى اتفاقية التكامل الموقعة في 10 مارس/ آذار الماضي بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التي ظلت على الورق منذ ذلك الحين.

ونص هذا الاتفاق على النقل التدريجي للمعابر الحدودية وحقول النفط وجميع المؤسسات المدنية والعسكرية الأخرى إلى الدولة المركزية في دمشق، غير أن ميل جانب قوات سوريا الديمقراطية إلى الحفاظ على وضعها المستقل والاعتماد على دعم التحالف الدولي حال دون تنفيذ الاتفاق.

وتفاقم الاختناق السياسي نتيجة لعدم انعقاد الاجتماع المخطط له بين دمشق وقسد في باريس بسبب رفض سوريا كدولة ذات سيادة عقد المباحثات في عاصمة أجنبية ومعارضة العشائر لهذه الخطة.

هذا ويعكس الوضع في شمال شرق سوريا صراعا على السلطة معقدا ومتعدد الطبقات. وتعبر العشائر العربية الآن عن عدم ارتياحها للإدارة الأحادية لقوات سوريا الديمقراطية والتوزيع غير العادل للموارد من الأعلى مؤكدة أن عنوان الحل هو دمشق. وفي المقابل، تريد قوات سوريا الديمقراطية الحفاظ على وضعها المستقل والحفاظ على قوتها في المفاوضات مع الحكومة المركزية بالاعتماد على دعم الولايات المتحدة والتحالف الدولي.

ويؤدي هذا الموقف إلى خلاف مع القبائل العربية، التي يمكن أن تكون أهم حليف لها في المنطقة.

وترى إدارة دمشق أن مطالب العشائر فرصة وتزيد الضغط على قوات سوريا الديمقراطية من خلال زيادة وجودها العسكري في المنطقة بالتماشي مع هدف استعادة وحدة أراضي البلاد وسلطتها المركزية.

ونتيجة لذلك، خلق الجمود السياسي في شمال شرق سوريا مناخا متصاعدا من انعدام الثقة بين الأطراف وسط قلق من استبدال التوتر السياسي في المنطقة بصراع عسكري أوسع حال عدم العودة إلى اتفاق 10 مارس/ آذار وعدم اتخاذ خطوات ملموسة.

 

Tags: أحمد الشرعاتفاق 10 مارسالتطورات في سورياالعشائر العربية في سورياقسدقوات سوريا الديمقراطية

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية عن انتخابات الشيوخ: «الديمقراطية لا تُبنى إلا بالمشاركة الواعية»
  • التلاعب بالانتخابات…التحدي المزمن أمام الديمقراطية.
  • سوريا: تزايد التوترات بين العشائر العربية وقوات سورية الديمقراطية
  • الإدارة العسكرية في ميانمار ترفع حالة الطوارئ عقب 4 سنوات ونصف على الانقلاب
  • واشنطن بوست: التراجع عن دعم الديمقراطية يقوّض مكانة أميركا
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • محاكمات الشجرة (يوليو 1971): مهرجان الكلاب الجائعة
  • أطباء بلا حدود تحذر من اجتياح العنف الجنسي شرق الكونغو الديمقراطية