ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟ أديس أبابا تقدمت بطلب للاتحاد الأفريقي
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
القاهرة: «الشرق الأوسط»
خطوة تصعيدية جديدة لإثيوبيا ترفع منسوب التوتر مع القاهرة عبر طلب للاتحاد الأفريقي بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيساً على اتفاقية عرفت باسم «عنتيبي» ترفضها دولتا المصب مصر والسودان، باعتبارها تمس حصتهما المائية التاريخية.
التحرك الإثيوبي، الذي يأتي في ظل أزمة قائمة بين البلدين تعود لنحو عقد بسبب خلافات ملف سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، اعتبره خبراء لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «استفزاز» من أديس أبابا، فيما أشاروا إلى عدة خيارات للقاهرة للرد أدناها قائم على تحركات أفريقية دولية ستشكك في صحة النصاب القانوني وتوضيح الموقف والتداعيات.
وباعتقاد الخبراء فإن الخطوة الإثيوبية «مقصودة» في ظل التصعيد مع القاهرة منذ وصول قوات مصرية للصومال أواخر الشهر الماضي، بعد توقيع اتفاق تعاون دفاعي مصري صومالي في أعقاب عقد إثيوبيا اتفاقاً بداية العام مع إقليم انفصالي عن مقديشو على البحر الأحمر يهدد سيادة ومصالح البلدين، وسط رفض مصري عربي.
وكشفت إثيوبيا، الاثنين، عن خطاب وجهته لمجلس الأمن الدولي، رداً على رسالة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مطلع الشهر الحالي، يتضمن إيداع اتفاقية «عنتيبي» المائية أمام مفوضية الاتحاد الأفريقي بهدف دخولها حيز التنفيذ، ودعوة القاهرة للتصديق عليها، مؤكداً استعداد بلاده مواصلة المفاوضات المجمَّدة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، بشأن سد النهضة.
وتضم دول حوض نهر النيل 11 دولة أفريقية بين دول المنبع (منبع النهر): بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب مصر والسودان، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء سد النهضة، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لتعديلها.
وتعارض القاهرة والخرطوم الاتفاقية، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يلحق أضراراً بالأمن المائي.
وحسب تقرير سابق لهيئة الاستعلامات المصرية، «هناك خلاف بين دول المنابع ودولتي المصب، بعد توقيع دول بينها إثيوبيا على الاتفاق الإطاري لمبادرة دول حوض النيل للتعاون التي انطلقت عام 1999 تحت إشراف مجلس وزراء الموارد المائية لدول وادي النيل، وتحفّظت (دولتا المصب) على هذا التوقيع خاصة (مصر) التي كانت لها ملاحظات حول المادة (14) من الاتفاق، والمتمثلة بالأمن المائي من خلال ما يعرف بالاستخدام المنصف».
وتطالب مصر بحصتها الكاملة من المياه كدولة مصب وتعارض إنشاء أي مشروع على مجرى النهر إلا بموافقتها، كما ترى أنه يحق لها الإشراف والرقابة المستمرة على تدفق المياه من المنابع حتى المصب استناداً إلى اتفاقيات سابقة، وسط نقاشات لاقت تحرك بعض دول المنبع للاتفاق على اتفاق إطار في مدينة عنتيبي في أوغندا في 14 مايو (أيار) 2010، وفق التقرير ذاته.
ولم تُعلّق مصر على خطوة إيداع اتفاقية «عنتيبي» وواصلت، الثلاثاء، مشاورات بشأن ملف نهر النيل وقضايا القرن الأفريقي، خلال محادثات بين وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي ونظيره المغربي ناصر بوريطة، وفق إفادة للخارجية المصرية.
وتنتظر مصر والسودان، قراراً من الجامعة، بدعمهما في حفظ حقوقهما المائية ورفض المساس بحصصهما التاريخية، عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء، ومطلع سبتمبر (أيلول) أودعت مصر مذكرة في مجلس الأمن الدولي، تشير إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع».
ونوّهت مذكرة مصر أمام مجلس الأمن الدولي بأن اللجنة العُليا لمياه النيل اجتمعت برئاسة رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، في أغسطس (آب) 2024، و«أكّدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة».
مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن «إثيوبيا تريد كسب الوقت» وعدم عرقلة برنامجها تجاه السد، فتقدمت بطلب للاتحاد الأفريقي، في «سيناريو مماثل لمفاوضات برنامج النووي الإيراني» مع الغرب وإيران لا تزال تطور مشروعها، لافتاً إلى أن «خيارات مصر إما أن تجلس مع إثيوبيا للحوار أو تأخذ خياراً آخر عسكرياً لوقف مثل هذه المشاريع».
ويعتقد أن «الاتحاد الأفريقي مقره أديس أبابا وإثيوبيا لها نفوذ عليه، ولا أشك أن الاتحاد سيقبل رغم الرفض المصري».
المحلل السوداني المتخصص بالشؤون الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن إثيوبيا تقدمت بطلب إنشاء المفوضية «بعد وصول النصاب القانوني إلى 6 دول بعد انضمام جنوب السودان قبل شهرين ليس من بينهما دولتا المصب»، مشيراً إلى أنها تريد أن «تجعل تلك المفوضية مرجعية لمواجهات أي اتفاقيات مائية سابقة (تتمسك بها مصر)».
وحسب تورشين فإن إثيوبيا قد تستخدم نفوذها بالاتحاد لقبول تأسيس تلك المفوضية، لافتاً إلى أن خيارات مصر، وهي دولة ذات ثقل أفريقي، القيام بتحركات دبلوماسية داخل أروقة الاتحاد لعدم تنفيذ ذلك.
في المقابل، ترى مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن النصاب القانوني لإنشاء المفوضية يتحقق بالثلثين وهو 7 دول وليس 6 دول عقب انضمام جنوب السودان، وبالتالي لا أساس قانوني ستقوم عليه هذه المفوضية التي يجب أن تنضم لها مصر لاعتبارات كثيرة وهذا يحتاج إلى تفهم حقوق مصر قبل أي شيء وحوار حقيقي وتعاون بناء وليست محاولات إثيوبية «استفزازية».
وستتحرك القاهرة، وفق السفيرة منى عمر، ضمن خيارات بينها خطوة استباقية لعرض الموقف المصري بشأن المفوضية ومخالفتها لقواعد القانون الدولي والحق المائي، وعدم اكتمال النصاب القانوني، وأهمية التعاون لا النزاع.
وتعتبر منى عمر أن إثيوبيا مَنْ تصعد مع مصر، وليس العكس، مؤكدة أن موقف مصر منحاز للقانون ويجب الالتزام به والتجاوب معه، لافتة إلى أن المسار الإثيوبي في سد النهضة غير مبشر، لكن مصر قادرة على حماية حقوقها وحفظ أمنها المائي.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النصاب القانونی أدیس أبابا سد النهضة إلى أن
إقرأ أيضاً:
تغيير النظام لن يوقف مساعي إيران النووية
ترتكز الضربة العسكرية «الأحادية» التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد إيران على فكرةِ إجبارِ الجمهورية الإسلامية على التخلي عن برنامجها النووي، أو إحلالها بنظام سيَمْتَثِل لمطالب إسرائيل والولايات المتحدة، ويتخلى عن طموحاته النووية.
في الحقيقة لن يتخلى أي نظام إيراني سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل عن طموحات إيران النووية. وإذا كانت إسرائيل قد فعلت أي شيء بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية فيما كانت طهران تتفاوض مع الولايات المتحدة؛ فإنها في الواقع عززت حافز الجمهورية الإسلامية للمسارعة إلى امتلاك رادع نووي.
أحلام إيران النووية وكوابيس الغرب النووية لم تولد مع الجمهورية الإسلامية في عام 1979. شاه إيران محمد رضا بهلوي هو الذي سَرَّع بشكل مثير البرنامج النووي المدني لبلاده عام 1974 بعد أزمة الطاقة العالمية التي رفعت أسعار النفط بشدة؟ وقتها -كما هي الحال الآن- كان هنالك قلق عميق في واشنطن من أن تطلق إيران النووية موجة انتشار نووي في الشرق الأوسط «تهدد» إسرائيل.
عندما اتجه الشاه إلى الولايات المتحدة؛ لتزويد إيران بمفاعلات نووية حاول وزير الخارجية هنري كسينجر فرض «حقوق فيتو» أمريكية على الوقود النووي المُستنفَد في إيران. كان يخشى من أن إيران مثلها مثل الهند أو باكستان ستستخدم برنامجها المدني؛ لتخزين المادة القابلة للانشطار، والتي يمكن استخدامها في نهاية المطاف؛ لإنتاج القنبلة النووية. اليوم أتقنت إيران دورة الوقود النووي. وهي -وفقا لمعظم التقديرات- على بُعد أسابيع من الحصول على يورانيوم مخصَّب وكافٍ لصُنع سلاح نووي.
اعترض الشاه على فكرة وجوب معاملة إيران بطريقة مختلفة عن البلدان الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في عام 1968.
وما كان من الممكن حتى لكيسنجر أستاذ الدبلوماسية أن يقنع الشاه بالموافقة على فرض قيود وضوابط احترازية إضافية على البرنامج النووي لإيران.
أصرَّ الشاه على حق إيران في تخصيب وإعادة معالجة وقودها النووي الخاص بها بدلا من الاعتماد على أي بلد أجنبي؛ لتزويد مفاعلاتها بالوقود. لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وافقت على هذه القيود والضوابط الإضافية في الاتفاق النووي لعام 2015 والذي مزقه ترامب عام 2018.
حذر وزير الخارجية الإيراني الأسبق أردشير زاهدي في عام 2018 من أن «التنمُّر نادرا ما ينجح. ولم ينجح أبدا مع بلد كإيران». ومن منفاه في سويسرا هاجم صهر الشاه السابق في رسالة نشرها على صفحة إعلان كاملة بصحيفة نيويورك تايمز تعليقاتِ وزير الخارجية الأمريكي وقتها مايك بومبيو والتي جاء فيها أن إيران ستُسحق إذا لم تمتثل لمطالب واشنطن. وتساءل زاهدي الذي وقَّع على معاهدة منع الانتشار النووي نيابة عن إيران في عام 1968 بقوله: «هل العقول في وزارة الخارجية في الولايات المتحدة ووكالة الاستخبارات الأمريكية جاهلة بالتاريخ إلى هذا الحد؟».
تذكّر زاهدي أنه على الرغم من علاقة الشاه الوثيقة بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل كان هنالك عدم ارتياح عميق في الغرب من فكرة إيران النووية. ذلك الإحساس بالقلق التقطته رواية بول اردمان الصادرة في عام 1976 تحت عنوان «انهيار 79». رسمت الرواية التي راجت وقتها سيناريو يصنع فيه سرَّا شاهٌ مصابٌ بجنون العظمة سلاحا نوويا، ويخوض حربا؛ للهيمنة على الشرق الأوسط.
فكرة إيران القوية -بصرف النظر عمن يحكمها- هي مادة «كوابيس» في واشنطن وإسرائيل. ويبدو من المستبعد تماما أن تقبل إسرائيل التي هي نفسها دولة أسلحة نووية غير معلنة فكرة إيران النووية حتى لو لم تكن تحت القيادة الحالية. فإيران المسلحة نوويا ستُنهي الاحتكار النووي الذي تنفرد به إسرائيل في الشرق الأوسط، وتغير التوازن الاستراتيجي في المنطقة إلى الأبد.
يعلم الإسرائيليون تمام العلم أن أي نظام إيراني لن يقبل بدور متضائل في الشرق الأوسط. فإيران بعد كل شيء بلدٌ يبلغ عدد سكانه 90 مليون نسمة، ومساحته ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، ويملك ثاني أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي، وثالث أكبر احتياطي للنفط في العالم.
أي زعيم إيراني عليه التعامل مع حقيقة أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران تضع مصالح إسرائيل في الاعتبار. الشاه نفسه كان يعرف هذا.
لقد شكا علنا من انحياز الصحافة الأمريكية لإسرائيل، وكان يقرّ بقوة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. نفس هذه المخاوف تشعر بها اليوم أيضا على الأقل شريحةٌ من حركة ماجا (صاحبة شعار لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) والتي تكره فكرة جرجرة الولاياتِ المتحدة بواسطة إسرائيل إلى حرب مع إيران.
سيكون قادة إيران في المستقبل -مثلهم مثل قادتها في الماضي- على وعي حاد بأن إيران القوية لن يُرحَّب بها أبدا في إسرائيل أو واشنطن. فما لم تكن إيران مستعدة للقبول بمكانة أقل شأنا في المنطقة -وهو ما لا يمكن أن يقبل به أي سياسي إيراني في حقبة القومية الشعبوية- سيبدو حينها بحث إيران عن رادع نووي خيارا لا مفرّ منه.
روهام الواندي مدير مبادرة التاريخ الإيراني بمدرسة لندن للاقتصاد ومؤلف كتاب «نيكسون وكيسنجر والشاه: الولايات المتحدة وإيران في الحرب الباردة»
الترجمة عن «الفاينانشال تايمز»