في خطورة تنسيب القيم الاجتماعية
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
تكاد تكون مسألة (القيم الاجتماعية) هي من الثيمات الرئيسة التي تعنى بها دراسة علم الاجتماع، ذلك أن بعض علمائه اشتغلوا عمرًا علميًا في تحليل مصادر تلك القيم، وتكوينها، ودور البنى الاجتماعية في تشكيلها وتحريكها، وآليات توظيفها، وكيف تسهم العوارض الثقافية التي تنشأ من المجتمع أو من خارجه في تغيير معانيها، وكيف تستغل في بعض النظم الاجتماعية كأدوات للسلطة والهيمنة على حد انشغال بيير بورديو.
إذن فالثابت في دراسة مسألة القيم الاجتماعية هو خضوعها للتغير من ناحية، ونسبيتها بطبيعة السياق الاجتماعي الذي تنشأ وتمارس فيه من ناحية أخرى. وإن كانت قضية تغير القيم الاجتماعية مسألة ثابتة، فالأصل في المجتمعات أن تحرك مؤسساتها الاجتماعية للحفاظ على المتفق عليه من تلك القيم، فالمدارس ومؤسسات التعليم عمومًا يجب أن توجه مناهجها، وعملياتها، وتفاعلاتها في بيئات التعلم للحفاظ على تلك القيم، وخطاب المؤسسات الدينية، وخطاب مؤسسات الفعل الثقافي، وخطاب مؤسسات التكوين الاجتماعي من الأسرة والنادي وغيرها يجب أن يوجب في مسألة الحفاظ على تلك القيم. وفي المجمل تجمع الأدبيات أن هناك أربعة محركات أساسية تسهم في تغير القيم وهي: التقانة، ويتم الإشارة فيها إلى كل أنواع المبتكرات وليس فقط الأجهزة الإلكترونية، ولكن ترتبط بكل الوسائل التي تبدل أنماط العمل والتفاعل في مجتمع ما من السياق اليدوي التقليدي إلى سياق آلي، مما من شأنه أن يفرز قيمًا جديدة، أو يواري قيمًا أخرى كانت مرتبطة بأشكال التفاعل والعمل بالطرق السابقة. المحرك الآخر: هو التفاعلات الثقافية، فبقدر ما تتفاعل المجتمعات في سياقها العالمي بقدر ما تصعد مجتمعات ما قيمها وثقافتها، ويصعب على ثقافات أخرى إبقاء قيمها وثقافتها في مقدمة أولويات شعوبها. المحرك الثالث: هو المحرك الاقتصادي، فانتقال المجتمعات من حال اقتصادي إلى آخر، وانتقال الأفراد عبر الطبقات الاجتماعية، والحراك الاجتماعي يفرز قيمًا ويواري أخرى. المحرك الرابع: يتمثل في عامل التعليم، والتعليم هنا بوصفه حاملًا للقيم الاجتماعية وناقلًا لها عبر الأجيال، ومحافظا على مرجعياتها، ومجددًا في المنهجيات التي من خلالها تنتقل بها إلى الأفراد في مختلف مستوياتهم العمرية.
في التعامل مع المسألة القيمية، تكمن الخطورة حينما يتم (تنسيب) القيم الاجتماعي ــ التي يفترض أن يكون متفق عليها اجتماعيًا ــ في سياق مجتمع معين، ونقصد بالتنسيب هنا هو جعل هذه القيم خاضعة لحكم الأفراد؛ من ناحية تفسير معنى القيمة، ومن ناحية أولوية الالتزام بحكمها، ومن ناحية أولويتها، ومن ناحية ضرورتها لحكم التفاعل الاجتماعي، ومن ناحية فهم السلوك الممارس للقيمة. وهذا في تقديرنا الأثر الذي صنعته تحديدًا مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالمجتمعات؛ هناك قيم اجتماعية عدة أخضعتها هذه المواقع والتطبيقات لعامل التنسيب، كقيم الحرية، والخصوصيات في مستوياتها المختلفة (فردية، أسرية، مجتمعية)، وقيم الاحترام وسواها، فأصبحنا رهان تفسيرات فردية لهذه القيم، وأمام ممارسات وسلوكيات تتعامل مع هذه القيم وفقًا لمفاهيم ذاتية، وكأنها انتزعت من مرجعيتها الاجتماعية الأساسية، ونعتقد أنه حين الحديث عن التأثيرات الاجتماعية لمواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي فإن ما يجب التوجه لمناقشته ودراسته وبحثه وفهمه بالأساس هو الكيفية التي جعلت بها هذه المواقع والتطبيقات المجتمعات الافتراضية في حالة من (تنسيب القيم).
نشأت هذه الحالة نتيجة الانخراط في ثقافات متدافعة على هذه المواقع والتطبيقات، وتفاوتت من مجتمع لآخر بحسب قوة المرجعيات الاجتماعية للقيم، وبحسب دور المؤسسات الاجتماعية الرئيسة في الحفاظ وتعزيز تلك القيم. فأصبح الفرد قادرًا على تقمص عدة أدوار وعدة شخصيات وأمام كل دور وشخصية هناك فهم وتوجيه ذاتي لمعنى القيم، وأصبح بعض الناشطين على هذه المواقع والتطبيقات يختبرون ممارسة قيم عدة، أو يختبرون التخلي عن ممارسة قيم عدة، وهنا نشأ مفهوم (الفقاعة). إن استمرار هذه الحالة من (تنسيب القيم) يعني أننا قد نصل إلى مجتمعين متوازيين: مجتمع واقعي يحاول التحرك للبقاء والحفاظ على القيم الاجتماعية الأصيلة، ومجتمع افتراضي يقدم فهومات ذاتية وممارسات للقيم الاجتماعية المنتزعة من المرجعية الاجتماعية الأساس لها، وكل ذلك في النهاية يؤجج مفهوم الصراع الاجتماعي، ويتحرك نحو تفتيت الهويات الاجتماعية، مما ينشئ مشكلات اجتماعية عدة. إن حوارًا جادًا ومستفيضًا ومؤسسيًا حول القيم الاجتماعية قد آن أوانه، والدفع بالمؤسسات الاجتماعية لمراجعة كل عملياتها وأدوارها وتفاعلاتها مع المسألة القيمية أصبح اليوم ضرورة وطنية، وفي الآن ذاته هذه هي لحظة الأسرة في التاريخ الاجتماعي المعاصر، حيث تأصيل تلكم القيم، وتضمينها في الممارسات والحوارات والتوجيهات، وتعزيز أدوار الرقابة عليها، والحوار حول ضرورتها وأهميتها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القیم الاجتماعیة القیم الاجتماعی تلک القیم ومن ناحیة من ناحیة من مجتمع
إقرأ أيضاً:
«العدل» تؤكد دعم الجهود الوطنية لبناء مجتمع واعٍ وخالٍ من الإدمان
بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، احتفلت وزارة العدل بهذه المناسبة، ونشرت عبر صفحتها الرسمية تقريرًا شاملاً يعكس الدور الوطني والمجتمعي الذي تقوم به في التصدي لتلك الظاهرة الخطيرة.
الأمم المتحدة وتاريخ من المواجهة الدوليةحددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 26 يونيو من كل عام، كيوم عالمي لمكافحة المخدرات، بهدف رفع الوعي بمخاطرها وتعزيز التعاون الدولي لحماية الفئات الأكثر ضعفًا، وخاصة الأطفال والشباب، من آثار الإدمان.
وقد أنشأت الأمم المتحدة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) عام 1987، الذي يعمل عبر العالم على تنفيذ برامج توعوية ومبادرات للحد من إنتاج وترويج وتعاطي المواد المخدرة.
مصرو تاريخ ممتد وجهود تشريعية مبكرةانطلقت جهود الدولة المصرية في مكافحة المخدرات مبكرًا منذ القرن الثامن عشر، حين أصدرت أول تشريع يجرّم تعاطي الحشيش، واستمرت في تطوير منظومة القوانين بما يواكب التحديات المتجددة، كما حرصت مصر على الانخراط الفعّال في الجهود الدولية، بدءًا من معاهدة الأفيون الدولية عام 1912، مرورًا بعدد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية لمكافحة الاتجار بالمخدرات وتعاطيها.
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ومجتمع خالٍ من الإدمانبتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أكدت أن حق الإنسان في الصحة الجسدية والنفسية يشمل الوقاية من الإدمان وعلاجه، وفي إطار هذه الرؤية، دشنت الدولة الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات (2024 - 2028) التي تمثل نقلة نوعية في جهود الدولة لمكافحة التعاطي والحد من مخاطره.
وزارة العدل توعية دعم وشراكات فعالةضمن جهودها المستمرة، نظّمت وزارة العدل 20 ندوة توعوية داخل المحاكم الابتدائية ضمن مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"، استهدفت توعية أكثر من 1618 مواطنًا بمخاطر المخدرات والإدمان، بمشاركة نخبة من الخبراء من مصلحة الطب الشرعي، مشيخة الأزهر، وزارة الأوقاف، وصندوق مكافحة الإدمان.
كما تشارك الوزارة بفاعلية في الرقابة والإشراف على مصحات علاج الإدمان من خلال لجان متخصصة لضمان المعايير الطبية والإنسانية.
رسالة الوزارة: التزام لا يتوقفتؤكد وزارة العدل التزامها الثابت بمحاربة الإدمان، والوقوف في وجه مسبباته، إدراكًا لخطورة هذه الظاهرة وتأثيرها المدمر على الإنسان والمجتمع والدولة.
اقرأ أيضاًلأول مرة.. «العدل» تطلق خدمة رقمية جديدة للاستعلام عن المستندات المطلوبة لزواج وطلاق الأجانب
وزير العدل يشهد ختام فعاليات الدورة التدريبية لقادة القضاء العسكري