قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إنّ أول ما يطالعنا من تجليات الرحمة النبوية في مواطن الحروب والاقتتال هو أن القتال في شريعة الإسلام لا يباح للمسلمين، إلا إذا كان لرد عدوان على حياتهم أو دينهم أو أرضهم أو عرضهم أو مالهم، أو غير ذلك مما يدخل تحت معنى: «العدوان» بمفهومه الواسع، أما القتال نفسه، أو حرب العدو، أو: الصراع المسلح، فله في شريعة الإسلام خطر وأي خطر، وله قواعد وضوابط وتشريعات شرعها الله تعالى، وطبقها رسوله ﷺ تطبيقًا عمليًا وهو يقود بنفسه جيوش المسلمين في معاركهم مع أعدائهم، وأمر أمته بالتقيد بها كلما اضطرتهم ظروفهم وألجأتهم إلى مواجهة عدوهم، جاء ذلك خلال كلمته في احتفالية وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوي الشريف.

قواعد الاقتتال لرد العدوان

وأوضح شيخ الأزهر أنّ أول ما يلفت النظر من قواعد الاقتتال لرد العدوان في الشريعة الإسلامية: قاعدة «العدل»، وهي قاعدة كلية بعيدة الغور في شريعة الإسلام.

وتابع الإمام الأكبر: «أمر الله بالالتزام بها في معاملة الصديق والعدو على السواء، لقوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)»، لافتًا إلى أنّ قاعدة العدل تستدعي قاعدة ثانية تلازمها ولا تفارقها في أي تطبيق، وهي قاعدة: «المعاملة بالمثل» والتي تعني أول ما تعني حرمة تجاوز حدود العدل إلى حدود الظلم والعدوان على الغير، يتبين ذلك من قوله تعالى: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين».

وأردف «الطيب» أنّ من قواعد الإسلام العامة في القتال التزام مبدأ «الفضيلة» ومبدأ «الإحسان» الذي كتبه الله على كل شيء سواء تعلق هذا الشيء بالإنسان أو بالحيوان، وقد ترجم أمراء المسلمين وقادة جيوشهم، مبدأ «الفضيلة» هذا إلى لوحة شرف في قوانين الحروب، وذلك لما قاله الخليفة الأول، أبو بكر رضي الله عنه، وهو يودع قائد جيشه إلى الشام ويقول له: «أوصيكم بتقوى الله، لا تعصوا، ولا تغلوا، ولا تجبنوا، ولا تهدموا بيعة- أي: كنيسة أو معبدًا».

وأضاف شيخ الأزهر أن صورة القتال في الإسلام لا تكتمل بدون الإلمام بصورة «الأسرى» في الحروب الإسلامية، لافتًا إلى أن فقه «الأسير» في الإسلام يدور على أمرين لا ثالث لهما، حددهما القرآن الكريم في قوله تعالى: «فإما منا بعد وإما فداء»، والمن على الأسير هو إطلاق سراحه وتحريره بغير عوض ولا فدية، أما فداؤه فهو تحريره وإطلاق سراحه مقابل فدية يدفعها هو أو تدفع له، مبينا أن الأسير الذي يأسره المسلمون من جيش العدو يحرم على المسلمين قتله، كما تدل الأحكام الفقهية على وجوب إطعام الأسير، ووجوب الإحسان في معاملته، وحمايته من الحر والبرد، وتوفير ما يكفيه من كسوة وملابس، وإزالة كل ما يصيبهم من ضرر، ووجوب «احترام مراكزهم وكرامتهم الشخصية حسب مكانة كل فرد منهم»، مستلهمين في ذلك إلى دعوته ﷺ للرفق بالناس في قوله: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» وقوله: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم».

وأوضح: «ما أظنني في حاجة بعد ما سمعناه في شأن الحرب في الإسلام، وهو قليل من كثير - إلى عقد مقارنة أو مناظرة بين الحرب في شريعة الإسلام ونموذجها الإنساني الرفيع، وبين الصورة البشعة للحرب الحديثة في القرن الواحد والعشرين، والتي آل أمرها إلى إبادات جماعية ومجازر همجية وجرائم منكرة، ترتكب ضد شعوب مضطهدة تخلى عالمنا القوي المتحضر عن نصرتها، والوقوف إلى جوارها، وصمت صمت القبور عن آلامها وصرخاتها، ثم راح يشمر عن ساعد الجد ليتصدق على هذه الشعوب البائسة بكلمات عزاء فارغة لا تقول شيئا، أو بمشاعر باردة تذكر بمشاعر القاتل الذي يمشي في جنازة قتيله ويتقبل عزاء الناس فيه، فالمقارنة في هذا المقام مضللة ومزيفة لكل نتيجة تنتجها مقدماتها».

الوقوف مع غزة واجب ديني 

واختتم شيخ الأزهر بالقول: «حسبنا أن نعلم من جديد أنه لا يصح في حكم العقل أن نقارن بين الخير والشر، ولا بين الحسن والقبح، ولا بين الفضيلة والرذيلة، ولا بين قانون الغاب والأحراش، والدرس الذي يجب أن نذكر به مع تجدد ذكرى المولد النبوي، هو تجديد وعي هذه الأمة بذاتها وتاريخها العريق المشرف، وقدراتها المادية والروحية، وطاقاتها الخلاقة، وأن تكون على يقين من أنها تملك دواءها إن أرادت، وأن تكون على ذكر دائم من قوله صلى الله عليه وسلم في شأن أمته: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها..)، وأن تبذل قصارى الجهد للتضامن مع أطفال غزة ونسائها وشبابها وشيوخها، ومع شعوبنا في السودان واليمن وغيرها، وأن نعلم أن ذلك ليس منة يمن بها على هذه الشعوب المعذبة في الأرض، وإنما هو واجب القرابة في الدين، وصلة الدم والرحم والمصير المشترك».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: شيخ الأزهر غزة اليمن السودان المولد النبوي شیخ الأزهر

إقرأ أيضاً:

في اليوم العالمي .. كيف حث الإسلام على بر الوالدين وثوابه

بر الوالدين من أعظم القيم الأخلاقية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، والعلاقة بين الأبناء والآباء يجب أن تقوم على الاحترام والرحمة، وهو ما يسهم في بناء شخصية سوية وإيجابية.

أسامة فخري: بر الوالدين يعادل ثواب الحج والعمرة والجهادمنها بر الوالدين.. أعمال لها ثواب الحج والعمرةبر الوالدين في الإسلام

كما جعل القرآن الكريم الإحسان إلى الوالدين في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله، حيث قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، مشيرًا إلى أن هذا الترتيب يدل على مدى عظمة هذه القيمة في ميزان الشريعة الإسلامية.

ولم يكتفِ الإسلام بالدعوة إلى بر الوالدين، بل شدد على ذلك حتى مع اختلاف العقيدة، مستشهدًا بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أمي قدمت إليَّ وهي مشركة أفأصلها؟" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، صِلي أمَّك».

ونهى الله تعالى، عن أقل درجات الأذى للوالدين، وذلك في قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، موضحًا أن الإيذاء لا يقتصر على الجوانب المادية فحسب، بل يمتد ليشمل الإيذاء المعنوي بالكلمات الجارحة أو التصرفات القاسية.

بر الوالدين يعادل ثواب الحج

وقال الدكتور أسامة فخري الجندي، أحد علماء وزارة الأوقاف، إن بر الوالدين من أعظم الأعمال التي يبلغ بها المسلم ثواب الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله، مستشهدًا بحديث نبوي شريف جاء فيه أن رجلًا أراد الجهاد لكنه لم يقدر عليه، فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم ببر والدته قائلاً: "فاتق الله فيها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد".

وأوضح الجندي في تصريح، أن هذا الحديث الشريف يعكس مدى عظمة منزلة الوالدين في الإسلام، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط بين طاعة الوالدين وأعظم القربات، مثل الحج والجهاد، ليُظهر لنا أن البر بهما عبادة جليلة تتجاوز مجرد الرعاية المادية، لتشمل الجوانب النفسية والعاطفية والدينية والأخلاقية كذلك.

طباعة شارك بر الوالدين بر الوالدين يعادل ثواب الحج أعظم الأعمال منزلة الوالدين طاعة الوالدين

مقالات مشابهة

  • الشورى من عندنا.. والديمقراطية من عندهم!
  • آداب وفضل صيام يوم عرفة.. ماذا كان يقول الرسول؟
  • ملتقى المرأة بالأزهر يوضح كيفية استغلال العشر الأوائل من ذي الحجة
  • كيف أعرف أن الله قد عفا عني وسامحني؟.. الإفتاء تجيب
  • ما هو وقت الأضحية في الإسلام؟.. اعرف آراء الفقهاء فيها
  • فضل يوم عرفة في الإسلام.. 4 فضائل أنعم بها الله على عباده
  • في اليوم العالمي .. كيف حث الإسلام على بر الوالدين وثوابه
  • الأشهر الحرم.. تعرف على خصائصها وفضلها وما يجب تجنبه فيها
  • البحوث الإسلامية: الإسلام سبق إلى ترسيخ العلاقة الأخلاقية بين الإنسان والبيئة
  • أخطاء يقع فيها الحاج أثناء أداء المناسك وكيفية تداركها.. الأزهر يوضح